لماذا لن يجدي الحظر الأمريكي لجماعة الإخوان؟

الأحد 5 مايو 2019 01:05 م

يوم الثلاثاء الماضي، أكد السكرتير الصحفي للبيت الأبيض أن إدارة "ترامب" تعتزم تصنيف جماعة "الإخوان المسلمون" منظمة إرهابية. وتحظى هذه الخطوة بشعبية كبيرة بين صقور فريق السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، لكنهم لم يكونوا مصدر قرار الإدارة. ويرجع هذا الشرف إلى الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي"، وهو حاكم مستبد وصل إلى السلطة عن طريق إيداع زعيم منتخب ديمقراطيا، بسبب لا شيء سوى انتمائه لجماعة "الإخوان المسلمون"، في السجن، بعد أن انقلب عليه عسكريا عام 2013.

وكانت الولايات المتحدة في حالة حرب في العالم الإسلامي منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، وإذا كان بيان البيت الأبيض يشير إلى أي شيء، فهو أن واشنطن ليست أقرب إلى فهم المنطقة اليوم عما كانت عليه في 12 سبتمبر/أيلول 2001. وإذا كانت غير ذلك، لكانت ستعرف أن جماعة "الإخوان المسلمون" ليست جماعة إرهابية، وأن تصنيفها على هذا النحو يشجعها فقط على أن تتحول في هذا الاتجاه.

وللإنصاف، من الصعب تحديد ما هي جماعة "الإخوان المسلمون". وكانت الجماعة في الأصل حركة معادية للاستعمار تأسست في مصر في عام 1928، وخاضت واحدة من أولى المحاولات الرسمية التي قامت بها منظمة إسلامية لتقديم علاقة جديدة بين القيم الإسلامية التقليدية والفكر السياسي الغربي. ولم يكن من قبيل الصدفة أنها تشكلت بعد 6 أعوام فقط من انهيار الإمبراطورية العثمانية لصالح القومية على النمط الأوروبي.

وعلى الرغم من أن جماعة "الإخوان المسلمون" بدأت كظاهرة مصرية خالصة، متجنبة للوهلة الأولى الأفكار السابقة عن الخلافة الإسلامية العالمية، لتهدف إلى تشكيل دولة قومية مصرية من شأنها أن تحتضن القيم الدينية الإسلامية، فقد امتدت بعد ذلك عدة بلدان أخرى، ليس كمنظمة عبر وطنية ذات هدف موحد، ولكن كمنظمة جامعة لها فروع وطنية متميزة، ولكل منها تحدياتها وأهدافها. وفي مصر، تم حظر جماعة "الإخوان المسلمون" من قبل "جمال عبدالناصر" عام 1954. وكان "ناصر" قد اتهم جماعة الإخوان بمحاولة إسقاط حكومته. وفي الحقيقة، لم يكن "ناصر"، الذي استخدم الدعم من جماعة "الإخوان المسلمون" للاستيلاء على السلطة في المقام الأول، خائفا من مؤامرات الإخوان بقدر ما كان خائفا من التفاف المجتمع المصري حول الجماعة. تماما مثلما يبدو "السيسي" اليوم.

وتسبب القمع اللاحق الذي قام به "ناصر" ضد جماعة "الإخوان المسلمون" في تشدد العديد من أعضائها. وبدأ بعض كبار القادة الأصوليين الإسلاميين في الستينيات، بمن فيهم "سيد قطب"، الذي أصبح غير راض عن جماعته السابقة آنذاك، في الظهور والتعبير عن أفكار أيديولوجية أكثر تشددا. ومن وجهة نظرهم، كان "الإخوان المسلمون" لينين أكثر من اللازم، حيث تم إغرائهم بالمثل السياسية الغربية.

ولا يعني هذا أن مجموعات مثل تنظيم "القاعدة" ظهرت فقط بسبب الانقسامات اللاحقة في جماعة "الإخوان المسلمون". لكنها الأنظمة الديكتاتورية كانت الأرض الخصبة التي بدأت الجماعات المتشددة في النمو فيها. وأثبتت القومية العربية أنها ليست أكثر من مجرد قشرة للديكتاتورية ذات النزعة السوفييتية. وكان "الإخوان المسلمون"، الذين كانوا يعملون من أجل الوصول إلى الحكومة عن طريق الديمقراطية، كانوا يسعون لتطبيق مثلهم العليا في السلطة، ولكنهم بدأ يُنظر إليهم من قبل الجهاديين الشباب على أنهم مثقفون نخبويون مثاليون وأن مشروعهم يحتاج لأمد طويل للغاية للتحول إلى الحياة السياسية الإسلامية. وقد يفسر هذا الحديث عن صعوبة عثور الولايات المتحدة على المعتدلين في العالم الإسلامي لمشاركتهم. وليس هذا لأنهم غير موجودين؛ بل لأن الولايات المتحدة لا تفهم أن ممثلي "الإخوان المسلمون" في الشرق الأوسط إلى حد كبير هم المعتدلون.

الخلط في السياسة

ولم تكن جماعة الإخوان سلمية في كل فروعها وإن كانت كذلك في معظمها. واستخدمت "حماس"، وهي فرع مباشر من جماعة "الإخوان المسلمون" المصرية في الأراضي الفلسطينية، العنف المسلح لتحقيق أهدافها السياسية، أي تدمير (إسرائيل) وبناء دولة إسلامية فلسطينية. لكن حتى هنا تبدو القصة أكثر تعقيدا. وأظهرت "حماس" في أكثر من مناسبة رغبتها في التطور إلى شيء أكثر من مجرد مجموعة مسلحة. وقد شاركت في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، ونقحت ميثاقها عام 2017، لمحاولة فتح أسس أكثر براغماتية للتعامل مع (إسرائيل). وتعد الفروع التابعة لجماعة "الإخوان المسلمون" في أماكن أخرى، مثل تلك الموجودة في سوريا والأردن، بناءة إلى حد كبير.

وليس من المفاجئ إذن أن تكون السياسة الأمريكية تجاه "الإخوان المسلمون" مرتبكة للغاية. فعندما صوت غالبية الفلسطينيين لصالح سياسي من "حماس" ليكون رئيسا للوزراء في انتخابات حرة ومفتوحة عام 2006، ردت الولايات المتحدة بإعلان أن الانتخابات غير شرعية. وعندما انقلب الجيش المصري على "محمد مرسي"، وهو من جماعة "الإخوان المسلمون"، وأطاح به من الرئاسة عام 2013، رفضت إدارة "أوباما" أن تسمي ذلك انقلابا، لأن القانون الأمريكي في ذلك الوقت كان يفرض حرمان أي دولة تم خلع رئيسها عن طريق الانقلاب من تلقي مساعدات أمريكية، وهو تحد واضح لبلد يزود مصر بنحو 1.3 مليار دولار كل عام، وذلك بفضل معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية لعام 1979. وتقدم السياسات المعادية للإخوان المسلمين دليلا على النفاق الأمريكي، وتمثل مادة أساسية للتطرف الذي دفع الجهاديين إلى الانفصال عن جماعة "الإخوان المسلمون" في الستينيات.

وما تعجز الولايات المتحدة والغرب عن إدراكه هو أن العالم الإسلامي لم يمر بمخاض مؤلم للانتقال الديمقراطي سوى مؤخرا. وكانت أعمال العنف الديني قد اندلعت في أوروبا خلال حرب الـ30 عاما في القرن السابع عشر، مما دفع الكاثوليك والبروتستانت إلى مواجهة بعضهم البعض في صراع يصعب الحديث عن مدى تدميره ووحشيته قبل 400 عام. ومع اندلاع الحرب في أوروبا، كان العالم الإسلامي، وخاصة الأجزاء التي تحكمها الإمبراطورية العثمانية لا تزال في مطلع مأزقها السياسي والثقافي مع القليل من الخبرة في التعامل مع الأفكار أو المؤسسات السياسية الحديثة مثل تلك التي جلبها الأوروبيون وفرضوها عليها. واليوم، يقدر أي مجموعة من الماليزيين أو المصريين أو الإيرانيين جنسياتهم بقدر ما يقدرون إيمانهم. والمشكلة هي أنه، مقارنة بمعظم الدول الغربية، فلديهم خبرة أقل بكثير في إيجاد توازن بين الاثنين.

وتعد تركيا مثالا على ذلك. وهناك، يعتبر حزب العدالة والتنمية الحاكم حزبا سياسيا إسلاميا، وقد تأثر بشدة بجماعة "الإخوان المسلمون" الأصلية. ومع ذلك، على الرغم من حقيقة أن حزب العدالة والتنمية في السلطة منذ عام 2002، وعلى الرغم من أنه يتمتع بدعم أكثر شعبي كبير، لا يريد الأتراك في الغالب رؤية الإسلام يحدد حياتهم السياسية. وقد وجد استطلاع أجرته مؤسسة "بيو" عام 2015 أن 12% فقط من الأتراك المسلمين يفضلون جعل الشريعة الإسلامية هي القانون الرسمي في بلدهم. ويمكنك مقارنة ذلك بـ91% من العراقيين أو 86% من الماليزيين. وقد وجدت دراسة أجرتها "بيو" عام 2016 أن 13% فقط من الأتراك المسلمين يعتقدون أن القوانين التركية يجب أن تتبع القرآن بدقة، مقارنة بـ97% من المسلمين الباكستانيين.

فلماذا إذن انتقد متحدث باسم الحزب الحاكم التركي الولايات المتحدة بعد فترة وجيزة من نشر الأخبار بأنها تفكر في تصنيف جماعة "الإخوان المسلمون" بأنها منظمة إرهابية؟ هذا ليس لأن حزب العدالة والتنمية منظمة إسلامية متطرفة تقف في تضامن مع أقرانها، وليس لأنه يدعم الجهاد الذي يقطع رؤوس الكفار، لكن تخيل مثلا لو أن واشنطن صنفت الحكومة التركية كمنظمة إرهابية. هذا أيضا ليس لأن مجموعات مثل حزب العدالة والتنمية و"الإخوان المسلمون" تريد أن تضع "النقاب" على وجه كل امرأة، وأن تحكم كديكتاتوريات دينية فاشية. لكن السبب في ذلك هو أنهم يريدون إيجاد توازن بين الحكم العلماني والحرية الخاصة في العبادة، لاستعادة قدر ضئيل من الفخر بدين تخلف متبعوه وراء حضارات العالم الأخرى، ونتيجة لذلك، تم غزوهم وإهانتهم على مر قرون من الغزاة الأجانب.

ويعد هذا شيئا يجب أن تكون الولايات المتحدة مجهزة بشكل جيد لفهمه. فالولايات المتحدة بلد علماني، لكنها دولة تحدد فيها الأعياد الدينية مثل عيد الفصح وعيد الميلاد الإيقاع العام، وفيها يتم دمج المؤسسات الدينية بشكل كبير في نسيج المجتمع. وقد استغرق الأمر من الديمقراطيات ذات النمط الغربي مئات السنين من إراقة الدماء والتجربة والخطأ للوصول إلى هذا التوازن، ومع ذلك فإن المحاولة الإسلامية لإيجاد هذا التوازن في مجتمعاتها الخاصة توصم غالبا بـ "الإرهاب".

السنة والشيعة

ويجب قول كلمة أخيرة عن إيران، التي صنفت الإدارة الأمريكية فرعها العسكري، "الحرس الثوري الإسلامي"، منظمة إرهابية. ويمكنك قول ما تريده بشأن حكمة ومدى فعالية عزل إيران -وعن نفسي أقول أرى أمر غير حكيم أو فعال- لكن الحرس الثوري الإيراني عمل كثيرا لاستحقاق هذا التصنيف أكثر من جماعة "الإخوان المسلمون". وهو متواجد في بلدان أجنبية، وقام بتسليح مسلحين أجانب، ومول وكلاء إرهابيين دوليين لأجيال. أما "الإخوان المسلمون" فم يفعلوا شيئا من هذا، ومع ذلك، فهناك سرد يظهر أن جماعة "الإخوان المسلمون" وإيران تتعاونان مع بعضهما البعض، وأن الحرس الثوري الإيراني جماعة إرهابية، وكذلك جماعة الإخوان.

ويعكس هذا سوء فهم أعمق للعالم الإسلامي. فإيران فارسية وشيعية. وجماعة الإخوان إلى حد كبير عربية وسنية. وقد احتدم الصراع بين هاتين الطائفتين بشكل مستمر منذ ما يقرب من 1400 عام، ويعود تاريخ الصراع إلى خلاف على خط الخلافة بعد وفاة النبي "محمد" (صلى الله عليه وسلم). ولا يجب وضع الأسد مع الحمل. وكما أن الخنازير ليس لها أجنحة، فلن يكون السنة والشيعة فجأة في نفس الفريق. ولطالما تجنبت جماعة "الإخوان المسلمون" مثال إيران على وجه التحديد، لأن أتباعها لا يريدون أن يتولوا السلطة عن طريق الثورة، كما فعل آيات الله في إيران، ولكن من خلال ما يرونه وسيلة سياسية مشروعة، وهي الانتخابات الديمقراطية. وحتى حماس، التي يمكن القول أنها حالة خاصة في فروع "الإخوان المسلمون"، والتي قبلت أموالا وأسلحة من إيران فيما يناسب أغراضها، فإنها لا تؤيد الغرض الوجودي للحرس الثوري الإيراني، ألا وهو حماية الثورة الإسلامية.

ومع ذلك، يبدو أن الولايات المتحدة تعتقد أن جماعة "الإخوان المسلمون" بشكل عام، والتجسيد المصري لها على وجه التحديد، منظمة إرهابية. وفي المرة الأخيرة التي تم فيها حظر جماعة "الإخوان المسلمون" المصرية وقيادتها ودفعها تحت الأرض من قبل رجل مصري قوي يدعمه الاتحاد السوفييتي، انفصل فصيل منها وأنتج المواد الخام التي أصبحت في نهاية المطاف تنظيم القاعدة. والآن، يبدو أن الرجل المصري القوي المدعوم من الولايات المتحدة مستعد لإكمال حملته القمعية ضد جماعة "الإخوان المسلمون"، وتدعمه الولايات المتحدة لأنها لا تفهم ماهية "الإخوان المسلمون"، وغير راغبة في مواجهة حقيقة أن أقوى حلفائها في العالم العربي هم ديكتاتوريون غير شرعيون. ويحصد العالم ما يزرع، ولن يكون الأمر مختلفا هذه المرة. ولا يعد تصنيف جماعة "الإخوان المسلمون" المصرية جماعة إرهابية مجرد سياسة غير فعالة ومضللة فقط، بل نبوءة تحقق نفسها وتاريخ يتكرر.

المصدر | جاكوب شابيرو - جيوبوليتيكال فيوتشرز

  كلمات مفتاحية