لوب لوج: على ترامب ألا يستمع لنصيحة السيسي بشأن الإخوان

الاثنين 6 مايو 2019 03:05 م

من شأن المناقشات المستمرة التي تجريها إدارة "ترامب" لإدراج جماعة "الإخوان المسلمون" كمنظمة إرهابية أن تضر بالأمن القومي الأمريكي، وأن تزعزع استقرار الدول الإسلامية السنية، التي يفترض أن العديد منها حلفاء للولايات المتحدة. وعلى الرغم من الاعتراضات على هذا التصنيف من داخل الإدارة، يبدو أن الرئيس "ترامب" قد اقتنع برأي الرئيس المستبد "عبدالفتاح السيسي" خلال زيارته الأخيرة لواشنطن لتنفيذ هذه السياسة على عكس ما يتلقاه من مشورة.

ويعكس قرار إعلان جماعة "الإخوان المسلمون" منظمة إرهابية جهلا بتاريخ المنظمة وأيديولوجيتها وجذورها العميقة في العالم الإسلامي وتأثيرها على النشاط السياسي الإسلامي السائد عالميا. وإذا كان هدف الإدارة هو فصل المتطرفين عن المسلمين المعتدلين، فإن دفع جماعة "الإخوان المسلمون" إلى المعسكر المتطرف بإعلانها منظمة إرهابية هو قصر نظر وسوف يؤدي إلى نتائج عكسية.

ووفقا للتقارير الصحفية، ضغط "السيسي"، الرئيس المستبد، في زيارته الأخيرة للبيت الأبيض، على "ترامب" ليعلن أن جماعة "الإخوان المسلمون" منظمة إرهابية. ويقال إن "ترامب" وافق على طلب "السيسي"، بسبب إعجابه الكبير بالديكتاتوريين، وبسبب معرفته الضئيلة بـ ""الإخوان المسلمون"" والإسلام السياسي بشكل عام.

حملة "السيسي" القمعية

ومنذ أن عزل "السيسي" الرئيس المصري "محمد مرسي"، المنتمي لجماعة "الإخوان المسلمون"، من منصبه عام 2013، بدأ نظامه في استهداف أعضاء جماعة "الإخوان المسلمون" بلا رحمة. وقبضت أجهزته الأمنية على الآلاف بصورة غير قانونية، ومارست ضدهم التعذيب، وقدمتهم لمحاكمات زائفة، وحكم عليهم القضاء المشكوك في نزاهته بعقوبات قاسية، بما في ذلك عقوبة الإعدام. وتتناقض سياسة "السيسي" مباشرة مع تفكيره السابق في هذا الشأن. ففي ختام جولته الدراسية في الفترة بين عام 2005 و2006، في كلية الحرب بالولايات المتحدة، كتب أطروحة قال فيها إنه يمكن تحقيق الاستقرار المحلي في مصر على أفضل وجه من خلال شراكة بين الجيش و"الإخوان المسلمون"، وبسبب هذا إلى حد كبير، عينه الرئيس "مرسي" قائدا للجيش المصري ووزيرا للدفاع.

وفي الأعوام الـ6 الماضية، وخصوصا منذ تولي الرئيس "ترامب" مهام منصبه، غالبا ما كان يتم تنسيق سياسات "السيسي" مع الأنظمة السلطوية الأخرى في السعودية والإمارات والبحرين، حيث أعلنت تلك الدول أيضا أن "جماعة "الإخوان المسلمون"" منظمة إرهابية، وسنوا قوانين "إرهاب" وحشية استخدموها لإسكات المعارضة في بلادهم. وفي العامين الماضيين، وبفضل الدعم الذي قدمته إدارة "ترامب"، شعر "السيسي" وزملاؤه المستبدون العرب بأن الفرصة مواتية لشيطنة "جماعة "الإخوان المسلمون"" واستهداف أعضائها بشكل أكبر.

وتخشى هذه الأنظمة من "الإخوان المسلمون" بسبب جذورها العميقة في الدول ذات الأغلبية السنية، والخدمات الاجتماعية والتعليمية والطبية التي تقدمها. ويخشى هؤلاء المستبدون في المقام الأول من "الإخوان المسلمون" لأن الجماعة تتحدث عن حقوق الإنسان والمشاركة السياسية وسيادة القانون.

وعلى عكس نظام "السيسي" الاستبدادي، تؤمن جماعة "الإخوان المسلمون" بالإصلاح السياسي السلمي التدريجي. ومنذ منتصف التسعينيات، التزمت جماعة "الإخوان المسلمون" بإجراء الإصلاح السياسي من خلال صندوق الاقتراع، وليس بالسلاح. وفي أعقاب الربيع العربي عام 2011، شكل "الإخوان المسلمون" حزبا سياسيا، فاز بسهولة في الانتخابات التشريعية والرئاسية المصرية عام 2012.

ومنذ تأسيسها عام 1928 في مصر، أصبحت جماعة الإخوان وجها للإسلام المجتمعي في جميع أنحاء العالم الإسلامي. وتستند معظم، إن لم يكن جميع الأحزاب السياسية الإسلامية السنية في جميع أنحاء العالم، من تركيا وماليزيا إلى الكويت وتونس، إلى أيديولوجية "الإخوان المسلمون". وعلى الرغم من تورط المنظمة في أعمال العنف في أعوامها الأولى، فقد تخلت جماعة الإخوان عن العنف تماما في منتصف التسعينيات، واختارت الإصلاح السلمي التدريجي والعمل من خلال النظم السياسية القائمة.

وأثار قرار "الإخوان المسلمون" بالتركيز على الانتخابات عداء الديكتاتوريين العرب. وجادل الإخوان أنه بغض النظر عن السلوك "غير الإسلامي" لبعض هذه الأنظمة، فإنهم سيشاركون في الانتخابات الوطنية تحت أي طريقة تسمح بها الأنظمة. على سبيل المثال، خاضت جماعة "الإخوان المسلمون" الانتخابات الوطنية المصرية بالانتساب إلى الأحزاب الأخرى أو كمرشحين "مستقلين" وحقق مرشحوها أداء جيدا بشكل عام، لأن الجمهور نظر إلى هؤلاء المرشحين على أنهم أقل فسادا من أولئك المرتبطين بالنخب الحاكمة، ولأن "الإخوان المسلمون" قدموا الخدمات التي فشلت الدولة في القيام بها. وأصبح الإخوان المسلمون وجه الإسلام المدني في مصر والعديد من المجتمعات العربية والإسلامية.

المقاربات الأمريكية بشأن الإخوان

ويعد استهداف "الإخوان المسلمون" داخل المكتب البيضاوي لـ"ترامب" عملا أصيلا لمستشار الأمن القومي "جون بولتون"، ووزير الخارجية "مايك بومبيو". وتقود كراهية الإسلام الراسخة، وفوبيا إيران، ودعم الديكتاتوريين السنة ضد إيران الشيعية، موقف الرجلين ضد جماعة "الإخوان المسلمون". وكانت العلاقات الشخصية التي أقامها "ترامب" وأسرته، وخاصة صهره "جاريد كوشنر"، مع مستبدين عرب في المملكة العربية السعودية ومصر، قد دفعت الإدارة إلى قبول وجهات نظر هؤلاء الأوتوقراطيين بشأن "إرهاب الإخوان المسلمون".

وعبر عدائها مع جماعة "الإخوان المسلمون"، ترسل إدارة "ترامب" رسالة واضحة للعالمين العربي والإسلامي بأن السياسة الديمقراطية لا تهم. وتم توضيح نفاق هذه الرسالة بشكل واضح في تصريحات "بومبيو" الأخيرة ضد الرئيس الفنزويلي "نيكولا مادورو". ويدافع "بومبيو" عن الأوتوقراطية ويتجنب الديمقراطية في الدول العربية، لكنه يعبر عن رسالة معاكسة في أمريكا اللاتينية.

وعلى مدار ثلاثة عقود، من الثمانينيات وحتى نهاية العقد الأول من هذا القرن، كان الدبلوماسيون الأمريكيون على اتصال وثيق مع جماعة "الإخوان المسلمون" والأحزاب التابعة لها في مصر والأردن وتونس والكويت والبحرين وتركيا وماليزيا وإندونيسيا وأماكن أخرى. وقد شاركت معظم هذه الأحزاب السياسية في الانتخابات التشريعية الوطنية، وعملت بشكل وثيق مع الأحزاب الأخرى في تلك الهيئات التشريعية. وخلال خدمتي في الحكومة، تعاملت أنا وزملائي بانتظام مع الأحزاب والحركات السياسية الإسلامية، مثل جماعة "الإخوان المسلمون" في مصر، وحزب العدالة والتنمية في تركيا، وحزب العدالة والتنمية في المغرب، و"الحركة الدستورية الإسلامية" في الكويت، وحركة أوزباكستان الإسلامية في أوزبكستان، والحزب الإسلامي في كينيا، وحماس في الأراضي الفلسطينية، والنهضة في تونس، والإصلاح في اليمن، وجبهة العمل الإسلامي في الأردن.

ومن خلال الانخراط على مدار الـ30 عاما الماضية مع هذه الأحزاب السياسية، التي تمثل الغالبية العظمى من المسلمين السنة، طور صناع السياسة الأمريكية فهما أفضل للعالم الإسلامي، والروايات التاريخية والدينية والأيديولوجية المختلفة للمجتمعات الإسلامية، وقدرة على التمييز بين التطرف والتشدد والإسلام السائد.

ويجب أن يكون صانعو السياسة الأمريكيون قد تعلموا الآن أن جماعة "الإخوان المسلمون" ليست منظمة إرهابية. لكن الجماعات السلفية مثل تنظيم "القاعدة" وتنظيم "الدولة الإسلامية" وفروعها في جميع أنحاء العالم، والتي دعمتها السعودية لأعوام، هم الإرهابيون الحقيقيون. وتستمر هذه الجماعات في ترويج أيديولوجيات راديكالية غير متسامحة وضيقة الأفق تنبثق عن الإسلام السعودي، مما دفع بعض أتباعها إلى مهاجمة الكنائس والمعابد في جميع أنحاء العالم. ولم تشارك جماعة "الإخوان المسلمون" في مثل هذا العنف. وبدلا من ذلك، شجعت الأحزاب السياسية القانونية على الانخراط في السياسة من خلال الانتخابات والمنافسات التشريعية.

وإذا قرر البيت الأبيض تصنيف جماعة "الإخوان المسلمون" على أنها منظمة إرهابية، فستصبح معظم هذه الأحزاب متكتمة للغاية في التواصل مع الدبلوماسيين الأمريكيين وضباط المخابرات وغيرهم من المسؤولين في السفارات الأمريكية. وسوف تنفر مثل هذه الخطوة الملايين من المسلمين من التيار الرئيسي، وتعرض المصالح الأمريكية للخطر في جميع أنحاء العالم الإسلامي. وإذا صنف "ترامب" جماعة "الإخوان المسلمون" بأنها منظمة إرهابية، قد يستهدف المسلمون المتشددون الموظفين الدبلوماسيين والأمريكيين مستغلين الجو المشحون. ولكل هذه الأسباب، من المرجح أن قرار "ترامب" المتهور، الذي اتخذه بناء على نصيحة المستبد المصري، سيضر بالأمن القومي الأمريكي بشكل لا يمكن إصلاحه.

المصدر | إيميل نخلة - لوب لوج

  كلمات مفتاحية