ما وراء سياسة الحياد الاستراتيجي لروسيا في اليمن

الاثنين 6 مايو 2019 02:05 م

في 1 أبريل/نيسان، التقى الرئيس اليمني "عبدربه منصور هادي" نائب وزير الخارجية الروسي "ميخائيل بوغدانوف" على هامش قمة الجامعة العربية في تونس.

وفي بيان للصحفيين بعد اجتماعهما، أشاد "هادي" بروسيا لدعمها الحكومة اليمنية المعترف بها في الأمم المتحدة، وأعرب "بوغدانوف" عن رغبة موسكو في تسهيل استقرار اليمن.

وعلى الرغم من أن التغطية الإعلامية لقمة جامعة الدول العربية سلطت الضوء على العلاقة الودية بين حكومة "هادي" وموسكو، لكنه من المعروف أن روسيا انخرطت بنشاط مع مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة السياسية في اليمن.

وفي أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2018، التقى وفد من المتمردين الحوثيين، بقيادة "محمد عبدالسلام"، مع "بوغدانوف" في موسكو، وأكد أن روسيا وسيط محتمل في اليمن.

وأعقب هذا الاجتماع زيارة "عيدروس الزبيدي"، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي اليمني، إلى موسكو في مارس/آذار.

الحياد الاستراتيجي

وظلت سياسة روسيا الحيادية في اليمن ثابتة منذ بداية الحرب، وفي أبريل/نيسان 2015، كانت روسيا هي الدولة الوحيدة التي امتنعت عن التصويت على قرار الأمم المتحدة رقم 2216، الذي فرض عقوبات على كبار المسؤولين الحوثيين لتقويضهم استقرار اليمن.

وحافظت روسيا أيضا على موظفيها الدبلوماسيين في كل من عدن وصنعاء حتى اغتيال المتمردين الحوثيين للرئيس اليمني السابق "علي عبدالله صالح" في ديسمبر/كانون الأول 2017.

ويمكن تفسير سياسة روسيا الخاصة بعدم الانحياز الاستراتيجي في اليمن بشكل فعال بالمصالح المادية لموسكو في خليج عدن، وتطلعات تعزيز القوة الناعمة في الشرق الأوسط، والرغبة في تحقيق التوازن بين المصالح المتضاربة لشركائها الإقليميين.

ومنذ إنشاء جنوب اليمن عام 1967، وإعلانه لاحقا كدولة "ماركسية"، قدرت روسيا الأهمية الاستراتيجية لخليج عدن، وخلال السبعينات، عزز الاتحاد السوفييتي تحالفه مع اليمن الجنوبي لتأمين قاعدة بحرية في عدن، ومنشأة لإعادة التزويد بالوقود في جزيرة سقطرى.

وعلى الرغم من أن توحيد اليمن عام 1990 تسبب في فقدان روسيا إمكانية الوصول إلى هذه المنشآت العسكرية، لكن القائد الأعلى للقوات البحرية الروسية السابق، "فيليكس غروموف"، والأكاديميين بمعهد الدراسات الشرقية بموسكو، طالبوا بإحياء هذه المنشآت التي تعود إلى الحقبة السوفييتية.

ومع احتفاظ مختلف الأطراف بالسيطرة على المناطق التي تمكنها من الوصول إلى سواحل اليمن، تحتفظ الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة بالسيطرة على سقطرى، ويمارس المجلس الانتقالي الجنوبي سلطة الأمر الواقع على عدن، فيما لا يزال الحوثيون يسيطرون على موانئ  أخرى على ساحل البحر الأحمر.

لذا، تنظر روسيا إلى سياسة الحياد الاستراتيجي باعتباره الضامن الأكثر فعالية لوجود قاعدة لها في المستقبل على خليج عدن.

بالإضافة إلى ذلك، تنظر روسيا إلى موقعها المحايد في اليمن باعتباره فرصة لزيادة قوتها الناعمة في الشرق الأوسط، وتمييز نفسها عن الولايات المتحدة.

وسلطت روسيا الضوء على التمييز بين حيادها في اليمن، والذي أتاح لها الدعوة مرارا وتكرارا إلى وضع حد فوري للحرب، ودعم واشنطن المفتوح للتحالف الذي تقوده السعودية.

وحاولت وسائل الإعلام الحكومية الروسية تشكيل رأي عالمي بشأن النزاع اليمني عبر تسليط الضوء على مسؤولية واشنطن عن غارات جوية شنتها قوات التحالف وتسببت في خسائر في صفوف المدنيين.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2018، اتهمت وزارة الخارجية الروسية الولايات المتحدة بتعطيل محادثات السلام المحتملة في اليمن، مع رفضها بشكل خاص توجيه اللوم إلى السعودية أو الإمارات.

وعلى الرغم من أن مدى نجاح هجوم موسكو الإعلامي ضد تورط الولايات المتحدة في الحرب لا يزال غير واضح، لكن روسيا تحاول تصوير نفسها على أنها داعٍ رئيسي للسلام في اليمن.

تأسيس النفوذ

وعلى الرغم من أن طموحات القاعدة العسكرية الروسية، وأهداف تعزيز القوة الناعمة، تتوقف على استمرار عدم الانحياز في اليمن، لم تنفصل موسكو تماما عن التطورات على الأرض.

وبدلا من ذلك، عملت روسيا على تأسيس أرضية مشتركة مع القوى الإقليمية الرائدة المشاركة في الصراع، ومن أجل مد تعاونها مع إيران في سوريا إلى اليمن، دافعت روسيا عن طهران ضد مزاعم بتزويد الحوثيين بصواريخ باليستية، ومنعت مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي برعاية الولايات المتحدة يدين تحالف إيران مع الحوثيين في ديسمبر/كانون الأول 2018.

كما ردد دبلوماسيون روس خطة وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف"، المكونة من 4 نقاط، للسلام في اليمن، في دعواتهم إلى حل سياسي للحرب.

ولخطب ود المملكة العربية السعودية، أيدت روسيا شرعية "هادي" كرئيس لليمن، شريطة أن تظل حكومته معترفا بها من قبل الأمم المتحدة.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2017، أجرى فريق طبي روسي عملية جراحية لـ"علي عبدالله صالح"، الرئيس اليمني الراحل، بموافقة السعودية، وندد وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" بتطرف الحوثيين بعد مقتل "صالح".

وبحسب سفير اليمن في روسيا، "أحمد سالم الوحيشي"، نددت وزارة الخارجية الروسية بالهجمات الصاروخية الحوثية على ناقلات النفط العاملة في مضيق باب المندب، وتعد هذه قضية ذات أهمية حيوية لكل من روسيا والسعودية، حيث يمر 5 ملايين برميل من النفط يوميا عبر باب المندب.

واعترافا بمصالح الإمارات في اليمن، خاصة في الجنوب، شددت روسيا على أهمية معالجة تطلعات جنوب اليمن في محادثات السلام للأمم المتحدة، وكانت وزارة الخارجية الروسية أول من طلب رسميا عقد اجتماع مع مسؤولي المجلس الانتقالي الجنوبي.

ومع ذلك، امتنعت روسيا عن دعم طموحات المجلس الانفصالية، لأن هذه التطلعات تعارضها السعودية وعمان، واسترضت روسيا هذه الدول من خلال حث "فؤاد رشيد"، رئيس المجلس الأعلى للحراك الثوري لتحرير واستقلال الجنوب، على العمل ضمن حدود قرار الأمم المتحدة رقم 2216.

ومن خلال إقامة أرضية مشتركة مع أصحاب المصلحة الإقليميين الأكثر نفوذا في اليمن، وإظهار قدرتها على الحفاظ على علاقات جيدة مع جميع الفصائل اليمنية الرئيسية، تسعى روسيا إلى توسيع نفوذها في عملية حل النزاع في اليمن.

وفي الأشهر الأخيرة، شارك "لافروف"، مع نظرائه في السعودية وسلطنة عمان ومصر، في محادثات إنهاء الحرب، وأشار "بيتر ساليسبري"، الزميل الاستشاري في "تشاتام هاوس"، إلى أن روسيا قد تحاول أن تقدم نفسها كوسيط خلفي للحوار بين السعودية والحوثيين.

واقترح "كيريل سيمينوف"، وهو محلل جيوسياسي روسي بارز يركز على اليمن، أن موسكو قد تحاول الاستفادة من مجموعة متنوعة من العلاقات الدبلوماسية في اليمن لتسهيل خروج دول الخليج العربية من نزاع يبدو أنه لا يمكن الدفاع عنه.

وقد تمنح الحاجة إلى دعم المجتمع الدولي لجهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة روسيا الفرصة التي تحتاجها للاستفادة من هذه العلاقات الدبلوماسية، خاصة أن هناك محاولة أخرى لتنفيذ وقف إطلاق نار في الحديدة، ومداولات حول إعادة نشر القوات.

ويمكن لسياسة الحياد الاستراتيجي في اليمن أن تعزز فرص موسكو في تأمين قاعدة عسكرية على خليج عدن، وتحسين صورتها في الشرق الأوسط، وتعزيز علاقاتها مع الشركاء الإقليميين الرئيسيين.

ومع دخول التدخل العسكري بقيادة السعودية في اليمن عامه الخامس، يبقى أن نرى ما إذا كان بإمكان روسيا تعزيز علاقاتها الإيجابية مع مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة واستغلال ذلك للمساهمة في حل الحرب.

المصدر | صامويل روماني - معهد دول الخليج العربي في واشنطن

  كلمات مفتاحية

هل سيكون اليمن ساحة الصراع المقبلة بين روسيا وتركيا؟