هل يوجد حقا ما يسمى بصفقة القرن؟

الاثنين 6 مايو 2019 06:05 ص

كان "هنري كيسنجر" هو من وصف مقاربته لإدارة المفاوضات العربية الإسرائيلية بأنه "خلق وهم من الزخم للتعويض عن قلة الزخم". إذن، لم يكن الهدف هو النتيجة ولكن مجرد إبقاء جميع المشاركين في العملية.

وسيرا على هذا النهج، قادت الأجيال المتعاقبة من الدبلوماسيين الأمريكيين عملية السلام من أجل العملية نفسها أكثر من كونها لإقامة سلام عادل ودائم. ويبدو أن إدارة "ترامب" قد تجاوزت هذا النهج الآن واتخذت خطوة واحدة إلى الأمام ولكن ليس بشكل إيجابي.

وبدلا من تضييع الوقت في محاولة خلق وهم حول المفاوضات بين حكومة إسرائيلية متعنتة أيديولوجيا وسلطة فلسطينية ضعيفة وهشة، وعد فريق "ترامب" بالقيام بالعمل بأنفسهم من خلال "صفقة القرن".

ونحن ننتظر كشف النقاب عن هذه "الصفقة" منذ ما يقرب من عامين، وقيل لنا على فترات منتظمة إنها ستكون وشيكة "في غضون أسابيع أو أشهر". لكن كما أراى، قد يكون فريق "كوشنر - غرينبلات - فريدمان" قد توصل إلى طريقة لاستخدام "عبثية كيسنجر" عبر خلق وهم حول صفقة للتعويض عن عدم وجود صفقة.

وخلال العامين الماضيين، تصاعد التشاؤم فيما يتعلق بالضبط بما قد تتضمنه الصفقة. وكانت هناك تسريبات من المصادر الرسمية، العربية والإسرائيلية والأمريكية. وقد نفى فريق "ترامب" بشدة كل ذلك بدوره، مع ملاحظات حول أن جهودهم تحقق تقدما وأن الصفقة لن يتم الكشف عنها إلا عند اكتمالها وفي الوقت المناسب.

ونظرا لأن معظم التسريبات تضمنت مقترحات غير مقبولة كليا للفلسطينيين، أرفق فريق "ترامب" مع نفيه تحذيرا مفاده أنه يجب على الفلسطينيين ألا يرفضوا الصفقة حتى يروا حقيقتها، واعدين أنها ستشمل مقترحات من شأنها تحسين حياتهم. وتأتي هذه التحذيرات على شكل تغريدات من مبعوث ترامب للسلام "جيسون غرينبلات"، الذي يبدو أنه قد تفرغ فقط لتصيد أحاديث القادة الفلسطينيين وحتى الناشطين ذوي المستوى المنخفض، ليرد عليهم من خلال النصائح أو بالتوبيخ الوقح.

لذا، نحاول هنا طرح أسئلة وفيرة بشأن ما تتضمنه الصفقة. وقد أصبحت لعبة التخمين هذه، بحد ذاتها، صناعة من نوع ما، تقريبا مثل التحقيقات اللاهوتية حول الطبيعة الإلهية في العصور الوسطى. واليوم تُكتب المقالات، وتُجري المناظرات، وتنفجر الحروب عبر "تويتر"، وفي كل مرة، ترفض الإدارة التخمينات وتتهم أولئك الذين يخمنون بالكذب، كما فعل قادة الكنيسة في العصور الوسطى، مع الأمر التهديد بوجوب التمسك بالكنيسة والإيمان حتى يتم الكشف عن الغموض في الوقت المناسب.

وهنا أسأل: "ماذا لو لم يكن هناك أي صفقة قرن من الأساس؟" ماذا لو كان هذا المشروع برمته، كما اقترحت، مجرد "خلق وهم" بصفقة "من أجل الحفاظ على هدوء الفلسطينيين، وإشغال العالم العربي. فيما يمارس البقية منا لعبة التخمين؟

ما يغذي تكهناتي هو حقيقة أنه خلال فترة العامين نفسها، بينما كان من المفترض أن يتم "الاتفاق"، كانت إدارة "ترامب" وحكومة "نتنياهو" مشغولين جدا باتخاذ خطوات توضح نواياهم الحقيقية تجاه الفلسطينيين.

وقد قام "ترامب"، على حد تعبيره، بإزالة "القدس عن الطاولة"، معترفا بها كعاصمة لـ (إسرائيل). وقام بنقل السفارة الأمريكية للقدس، ومنع المساعدة الأمريكية عن المؤسسات الفلسطينية في القدس الشرقية، واضعا المجتمع الفلسطيني بالكامل تحت السيطرة الإسرائيلية. وبالمثل، حاولت إدارة "ترامب" رفع قضية اللاجئين الفلسطينيين "عن الطاولة"، بتعليق كل المساعدات التي تقدمها الأونروا، وزعم أن أحفاد أولئك الذين تم إجبارهم على المنفى عام 1948 لا يمكن اعتبارهم لاجئين.

وفي الوقت نفسه، قبلت إدارة "ترامب" وصمتت عن الأعمال الإسرائيلية أحادية الجانب التي حددت مسبقا مستقبل الأراضي والحقوق الفلسطينية. وتوسعت المستوطنات الإسرائيلية، وتم إضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية غير القانونية، كما تسارعت عمليات الهدم الإسرائيلية للمنازل الفلسطينية، وجرى استغلال الموارد والأراضي الفلسطينية بمعدل ينذر بالخطر.

أضف إلى ذلك تعليق الإدارة كل المساعدات الفلسطينية، وقبول "قانون دولة الأمة اليهودية" في (إسرائيل)، وعدم انتقاد رفض (إسرائيل) سداد إيرادات ضريبة القيمة المضافة الفلسطينية، ودعم الأعمال الإسرائيلية الأخرى التي شلت السلطة الفلسطينية، مع تشجيع الانقسامات بين الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، واتخاذ إجراءات لحماية (إسرائيل) من المحكمة الجنائية الدولية، مع الجهود المبذولة لتجريم دعم مقاطعة (إسرائيل)، وهي إجراءات ساهمت في تعزيز العجز الفلسطيني وشعور (إسرائيل) بسهولة الإفلات من العقاب.

ومع وضع ذلك في الاعتبار، أقترح أن تكون لعبة التخمين قد انتهت. وحتى لو كان هناك "صفقة القرن"، وما زلت لا أستطيع أن أجزم بشأن هذا الجواب، يمكننا أن نتأكد من أنها لن تنهي احتلال الأراضي التي استولت عليها (إسرائيل) في حرب عام 1967، ولن تخلق سيادة حقيقية للفلسطينيين أو سيطرة على أراضيهم ومواردهم، ولن تعطي لهم الفرصة بحرية وبشكل مستقل مع العالم الخارجي، ولن تعترف بحقوق اللاجئين الفلسطينيين، ولن تقدم أي شيء لإعادة توحيد المناطق التي تسمى الآن بـ "القدس الشرقية" وضمها للسيطرة الفلسطينية.

وأخيرا، يعد "التلميح" بأن الصفقة ستمطر الفلسطينيين بالمال "لجعل حياتهم أفضل" إهانة كبيرة بقدر ما هو أمر غير مجد. ولكن مع ذلك، لست متأكدا من أن هذا سيكون حقيقيا.

حسنا، نصيحتي هنا أن نتوقف عن اللعب ونترك مجموعة "ترامب" تلعب لعبة "الفوازير" بأنفسهم.

المصدر | جيمس زغبي - لوب لوج

  كلمات مفتاحية