فورين أفيرز: 4 عوامل وراء نجاح الاحتجاجات الشعبية في أفريقيا

الاثنين 6 مايو 2019 07:05 ص

تتصاعد موجة جديدة من قوة الشعوب في أفريقيا، ففي 2 أبريل/نيسان، نجح حراك جماهيري سلمي في الجزائر في الضغط على "عبد العزيز بوتفليقة" للاستقالة بعد 20 عامًا كرئيس. وبعد تسعة أيام، احتفل المتظاهرون في السودان بالإطاحة بـ"عمر البشير"، الذي حكم البلاد لمدة 30 عامًا، بعد ثورة استمرت ثلاثة أشهر ضد نظامه.

وتعكس هذه التطورات اتجاها جديدا في جميع أنحاء القارة. ومع تاريخ أفريقيا الطويل من العنف والصراع فإن معظم حركات التمرد خلال العقدين الأخيرين كانت سلمية. وخلال العقد الماضي، شكلت الانتفاضات الجماهيرية في أفريقيا واحدة من كل ثلاث انتفاضات جماهيرية غير عنيفة تهدف إلى الإطاحة بالديكتاتوريات في جميع أنحاء العالم، حيث شهدت أفريقيا خلال هذه الفترة 25 حركة جماهيرية جديدة غير عنيفة، أي ما يقرب من ضعف العدد الذي شهدته آسيا، التالية لها في الترتيب، بواقع 16 حركة.

ومنذ سبعينيات القرن الماضي، حققت انتفاضات اللاعنف في أفريقيا أعلى نسبة نجاح في العالم، حيث نجح ما يقرب من 58% من الانتفاضات التي تهدف إلى الإطاحة بالديكتاتوريات، في بلدان متنوعة مثل بوركينا فاسو وكوت ديفوار ومدغشقر ومالي وجنوب أفريقيا وتونس وزامبيا، ومؤخراً الجزائر والسودان. وهذا يتجاوز بكثير نسبة النجاح البالغة 44% للحركات ضد الأنظمة الاستبدادية في جميع المناطق الأخرى.

ما الذي يفسر الفعالية المذهلة للحركات الجماهيرية الأفريقية؟

أحد العوامل هو إرث أفريقيا الطويل من المقاومة ضد الحكم الاستعماري الجديد. ولدى حركات المقاومة الأفريقية المعاصرة جذور عميقة، من حملات مناهضة الضرائب التي شنت في أوائل القرن العشرين ضد المحتلين البريطانيين إلى الأعمال المنسقة لمقاطعة الشركات الداعمة لنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا عام 1990.

وكذلك شهدت الجزائر والسودان العديد من الموجات والاحتجاجات السابقة، حيث شهدت الجزائر الإضرابات العامة الواسعة إبان الكفاح من أجل الاستقلال، ناهيك عن الحراك الجماهيري بين عامي 2010 إلى 2012 ؛ فيما شهدت السودان انتفاضات في عامي 1964 و1985.

وبالإضافة إلى المعرفة التاريخية التي ورثها الجيل الحالي من المتظاهرين، هناك أربعة عوامل رئيسية أخرى تدعم نجاح الانتفاضات في أفريقيا، وهي: قيام النشطاء بتعبئة الحركات الجماهيرية، ومشاركة المرأة، وحشد الدعم النشط أو الضمني من الأجهزة العسكرية والأمنية، والحصول على موافقة إقليمية.

العناصر الحاسمة

وكي تنجح الحركات الوطنية، فإنها يجب أن تلهم المشاركة الجماهيرية التي تتجاوز الحدود الجيلية والطبقية والإثنية والدينية. وقد اعتمدت المقاومة المدنية الأفريقية منذ فترة طويلة على القيادة والقدرة التنسيقية للجمعيات المهنية والنقابات والمؤسسات الأخرى، مثل الكنائس، لتوصيل مبادئ الحركة إلى مجموعة واسعة من المشاركين. وخلال الانتفاضة الأخيرة في الجزائر، قام صحفي وعضو في جمعية ناشري الكتب بطبع "18 وصية" على المتظاهرين اتباعها لضمان بقاء المقاومة غير عنيفة وفعالة. أما في الخرطوم وأم درمان، حشدت جمعية المهنيين السودانيين أعضاء في قطاعات الرعاية الصحية والتعليم والقانون كما ساعدت المشاركين في الانتفاضة على الحفاظ على الانضباط السلمي والتحدث بصوت موحد. وكانت الاحتجاجات في زيمبابوي ضد "روبرت موغابي"، أحد أطول الرؤساء حكما في أفريقيا، تتصاعد لسنوات، لكنها لم تهدد حكمه إلا عندما بدأ القس الكاريزمي، "إيفان ماوارير"، في حشد المهنيين والشباب. وحفزت هذه الجهود أكثر من عام من الاحتجاجات التي قام بها قدامى المحاربين، وأطباء الكنيسة، والمحامين، والفقراء العاملين، وغيرهم والتي أطاحت في نهاية المطاف بـ"موغابي" عام 2017.

خلال العقد الماضي، نجحت التعبئة عندما تجاوز النشطاء هوياتهم. ومع كون 62% من سكان إفريقيا دون سن 25 عامًا ، فإن التحالفات الناجحة تعتمد على حشد دعم الشباب، كما حدث في السنغال (2011) و في بوركينا فاسو (2013)، ولاحقا وفي الجزائر، حيث ملأ الشباب الشوارع احتجاجًا على البطالة بصحبة الأجيال الأكبر، الذين يريدون مستقبلًا أفضل لأطفالهم.

وكان من أهم هذه النجاحات الدور البارز الذي قامت به النساء في تنظيم أنشطة المقاومة وقيادتها والانضمام إليها. وقد أضافت قيادة المرأة شرعية سياسية للاحتجاجات، وعززت مصداقية الدعوات إلى الوحدة غير الحزبية، وزادت فاعلية التكتيكات السلمية. وأظهرت الصور الرمزية من كل من السودان والجزائر شابات يهتفن ويقرأن الشعر لدعوة المتظاهرين إلى الاحتفال والتوحد في مواجهة الديكتاتورية. وفي السودان، وصفت "آلاء صلاح"، 22 عامًا، الذي أطلق عليها اسم "ملكة النوبة" مقاومتها بأنها مدفوعة بالوطنية وليس السياسة.

كما انضمت النساء إلى احتجاجات الجزائر على نطاق غير مسبوق وشغلن مناصب قيادية رئيسية عبر الأحزاب. وفي زيمبابوي، كانت الحركات النسائية في طليعة المظاهرات ضد فساد "روبرت موغابي" وقمعه منذ أوائل العقد الأول من القرن العشرين، قبل وقت طويل من الاحتجاجات التي ساعدت على الإطاحة به. وقادت النساء الجهود لتلبية الاحتياجات الأساسية للمتظاهرين مثل تقديم الوجبات للمعتصمين في الخرطوم.

وغالبًا ما تكافح الاحتجاجات، مهما كانت كبيرة وشاملة، لإحداث تغيير فوري ما لم تتوقف النخب الاقتصادية والبيروقراطيون المدنيون وقوات الأمن عن حماية الوضع الراهن.

على سبيل المثال، قد تشير قوات الأمن إلى عدم التعاون مع النظام من خلال إلقاء أسلحتها، ورفض الخدمة، وتجاهل أوامر إطلاق النار على المتظاهرين، أو حتى الدفاع عن المحتجين ضد القمع. واختار الجيش السوداني، الذي كان على صلة وثيقة مع "البشير"، حماية المتظاهرين في شوارع الخرطوم من ميليشيات الجنجويد (الجماعات المعروفة بقيامها بدور في الإبادة الجماعية في دارفور) وقوات الأمن الأخرى، حتى عندما احتل المتظاهرون مقرات عسكرية. في هذه الحالة، تحول ولاء الجيش من القاعدة إلى القمة، حيث كان الجنود المشاة يقفون مع المتظاهرين في الشارع قبل عدة أيام من قرار الجنرالات الإطاحة بـ"البشير" من منصبه.

يحتاج المحتجون في كثير من الأحيان إلى المساعدة من قوات الأمن، ولكن هناك دائمًا خطر قيام الجيوش باختطاف الانتفاضات الشعبية للاستيلاء على السلطة لأنفسهم. وفي السودان، تواجه المعارضة هذا التهديد من خلال استمرار الاحتجاجات الجماعية وتى بعد استقالة "البشير". ومارس المحتجون في الجزائر ضغوطًا مماثلة على قادتهم في المرحلة الانتقالية وحولوا انتباههم إلى الفساد الملحوظ في الدائرة الداخلية لنخبة "بوتفليقة" أثناء انتظارهم تفاصيل حول خطط الانتقال للحكم المدني.

ومع استمرار الاحتجاجات وتصاعد الضغوط ، تلعب الجهات الفاعلة الإقليمية دورًا أكبر في تسهيل التحولات السلمية وتدعيم المطالب الشعبية بالديمقراطية. ولكن في حين يناصر الاتحاد الأفريقي الحكم الديمقراطي، يرفض الميثاق الأفريقي للديمقراطية والانتخابات والحكم، الذي دخل حيز التنفيذ في عام 2012، التغييرات غير الدستورية للحكومة. ويمنع هذا الاتحاد الأفريقي من تأييد الاحتجاجات الشعبية صراحة كأساس مشروع للتحولات السياسية. ونتيجة لهذا الحياد القسري، فشل الاتحاد الأفريقي في محاولته التدخل في أزمة بوروندي عام 2015 بسبب إعادة انتخاب الرئيس "بيير نكورونزيزا" المثيرة للجدل لولاية ثالثة. كما أرسل الاتحاد الإفريقي رسائل مختلطة في الاحتجاجات الانتخابية لعام 2018 في جمهورية الكونغو الديمقراطية وغض الطرف عن الاحتجاجات المستمرة في الكاميرون وكذلك الاحتجاجات الاقتصادية الأخيرة في تشاد.

ومع ذلك، فإن الميثاق الأفريقي للديمقراطية والانتخابات والحكم يوضح ما الذي يجب أن يتم فعله حال تغيرت القيادة بسبب التعبئة الجماهيرية وهو الانتقال السريع إلى الانتخابات الديمقراطية، مع احترام وحماية حقوق الإنسان. ونتيجة لذلك، وقف الاتحاد الأفريقي إلى جانب الشعبين الجزائري والسوداني في أعقاب انتصار حراكهما، داعياً إلى انتقال بقيادة مدنية إلى الحكم الديمقراطي في كلا البلدين. إن هذا التحول الأخير نحو الدعم القاطع للحكم المدني من الاتحاد الإفريقي هو أمر مهم لأنه يشير إلى توحيد المعايير الديمقراطية في القارة، دون تدخلات أمريكية وأوروبية لتحقيق هذه الغاية.

القوة للشعب

ورغم ذلك، لا تنجح حملات المقاومة المدنية في أفريقيا دائمًا. ولم تؤد الحركات الأخيرة المؤيدة للديمقراطية في الكاميرون وتوغو حتى الآن إلا إلى قمع حكومي عنيف. وفي جنوب أفريقيا، يشكو العديد من المراقبين من أنه على الرغم من انتهاء الفصل العنصري القانوني في عام 1994، إلا أن عدم المساواة والفصل والعنصرية لا تزال قائمة. وفي حالات أخرى حيث أطاحت الاضطرابات الشعبية بالديكتاتوريين، تم حشد موجات من القوى المعادية للثورة ضد النظام الجديد، كما حدث مع الانقلاب الذي أوصل "عبد الفتاح السيسي" لرئاسة مصر. 

ومع ذلك، فإن السجل التاريخي يوفر سببًا للتفاؤل الحذر. في أفريقيا أكثر من أي مكان آخر في العالم، تتفوق حملات المقاومة المدنية على الكفاح المسلح. وتؤدي الحركات اللاعنفية عمومًا إلى ديمقراطيات عالية الجودة على المدى الطويل. ولدى الجهات الفاعلة الدولية والمنظمات الإقليمية، مثل الاتحاد الأفريقي دور مهم تؤديه في التنديد بقمع المتظاهرين المسالمين، وحماية المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان، والمساعدة في توطيد التحولات إلى الديمقراطية. ولا ينبغي للجهات الفاعلة الخارجية تخريب الاحتجاجات الشعبية أو المشاركة فيها، لكن يمكنها دعم تطلعاتها للديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.

المصدر | فورين أفيرز

  كلمات مفتاحية