ستراتفور: تصنيف الإخوان إرهابية يهدد النفوذ الأمريكي بالشرق الأوسط

الثلاثاء 7 مايو 2019 05:05 ص

يجد أحد أبرز حاملي لواء الإسلام السياسي نفسه في مفترق طرق داخل البيت الأبيض، حيث أكدت إدارة "ترامب" أنها تفكر في تصنيف جماعة الإخوان المسلمين، وهي منظمة بارزة في السياسة والمجتمع في جميع أنحاء العالم السني، كمنظمة إرهابية أجنبية.

وإذا فعلت الولايات المتحدة ذلك، فستكون قد انضمت إلى روسيا والبحرين والسعودية وسوريا ومصر والإمارات العربية المتحدة في نفس الأمر.

وتهدد مثل هذه الخطوة بفتح باب من الشر على الولايات المتحدة، لأسباب ليس أقلها أن الجماعة لديها الكثير من التجسيدات في العديد من البلدان بحيث لا يمكن تصنيفها بهذه السهولة.

والأهم من ذلك، هي الصعوبات السياسية التي ستخلقها واشنطن لنفسها باتخاذ موقف حازم ضد جماعة الإخوان المسلمين؛ لأنه في حين أن خصوم الجماعة البارزين في القاهرة والرياض وأماكن أخرى سيشيدون بهذه الخطوة، إلا إن الولايات المتحدة ستجد صعوبة بالغة في العمل مع العديد من الحكومات الإقليمية التي تضم مجموعات تابعة لجماعة الإخوان المسلمين في صفوفها.

الوفاء بالمعايير

وكان "حسن البنا"، المفكر المسلم المحافظ، قد قام بتشكيل جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928. وبعد ما يقرب من قرن من الزمان، لا يزال الفرع المصري للمنظمة هو الأبرز، ومع ذلك فقد ألهمت جماعته تفكير جماعات إسلامية أخرى لا حصر لها عبر العالم الإسلامي الذي يعارض التغريب والعلمنة إلى حد ما. ولبعض هذه الجماعات صلة واضحة بالإخوان المسلمين الأصليين في مصر، والبعض الآخر لا يملك هذه الصلة.

وعند النظر في مسار عملها، يتعين على الولايات المتحدة أن تقرر ما إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين تفي بالتعريف القانوني للمنظمات الإرهابية الأجنبية.

ولتطبيق ذلك، يجب على وزارة الخارجية الأمريكية أن تؤكد أن الجماعة تحقق ثلاثة شروط: أولها أن تكون أجنبية، وثانيها أن تشارك في نشاط إرهابي وآخرها أن يكون نشاطها يشكل خطرا على الولايات المتحدة.

لكن بخلاف الحقيقة التي لا جدال فيها، وهي أن جماعة الإخوان المسلمين منظمة أجنبية، فإنها لا تتوافق بسهولة مع المعيارين الأخريين، وفي نهاية المطاف، ستجد الولايات المتحدة صعوبة في تبني سياسة واحدة مع مجموعة سياسية لها العديد من الجوانب والفروع، ودرجات متفاوتة من الانفصال عن المجموعة الأساسية في مصر.

وسوف تؤدي الاختلافات في الرأي حول العنف داخل جماعة الإخوان إلى تعقيد جهود الولايات المتحدة لتصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية.

وتواصل الجماعة الأساسية، والعديد من الفروع التابعة لها، السعي إلى التغيير من خلال الوسائل السياسية وغير العنيفة، وهناك أحزاب سياسية تتبع فكرها لها في تركيا وتونس والكويت والمغرب، من بين آخرين.

وفي الفرع الرئيسي، لا يعد العنف الموجه سياسيا مبدأ أساسيا في أيديولوجية الإخوان.

ووفقا لذلك، لا تمتلك المجموعة أي قوات مسلحة.

وفي الواقع، لم تقم جماعة الإخوان المسلمين المصرية بهجوم إرهابي، وهو شرط أساسي من الناحية الفنية لتصنيف مجموعة ما كمنظمة إرهابية أجنبية.

ولقد دفع قادتها وفروعها الأكثر تشددا نحو إصلاحات جذرية في المجتمع من الداخل إلى الخارج، ومن الأعلى إلى الأسفل، وهو ما يفسر جزئيا سبب اعتبار الملكيات الإسلامية مثل الإمارات السعودية أيديولوجية الجماعة على أنها تهديد.

وفي الوقت نفسه، غالبا ما تنفصل فصائل الإخوان التي تدعم العنف كأداة سياسية عن الجماعة.

وفي الحالة الأكثر تطرفا، ربما يكون بعض مفكري الجماعة قد غذوا أيديولوجية مجموعات مثل "القاعدة"، التي تتشارك معها في نفس الأيديولوجية السنية المحافظة، ولكنها تأخذها إلى أقصى درجات العنف.

وبشكل أكثر اعتدالا، وأكثر ارتباطا بالإخوان، أنتجت الحركة مجموعات مثل "حماس"، التي تدرجها الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية. لكن بالنسبة لواشنطن، فإن حجة وصف "حماس" بأنها كيان إرهابي هي قيامها بتنفيذ هجمات مسلحة ضد أحد أقرب حلفاء الولايات المتحدة، وهي (إسرائيل).

ولعل أكبر عقبة أمام خطط واشنطن هي وجود عدد كبير من الأحزاب المنتسبة إلى جماعة الإخوان المسلمين تشارك في الحكم والإدارة في جميع أنحاء الشرق الأوسط والعالم الإسلامي الكبير.

وبناء على تلك الحالة، تعتبر هذه الأحزاب أعضاء مهمين للغاية في المشهد السياسي، وغالبا ما يكونون أعضاء منتخبين شعبيا في البرلمانات.

وفي بعض الحالات، سمحت السلطات في البلدان الإسلامية، مثل المغرب، بنمو الأحزاب المستوحاة من جماعة الإخوان المسلمين، بحيث يمكنها توفير ثقل موازن أكثر اعتدالا في مواجهة النزعات الأكثر تطرفا.

تدبير معاكس

وإذا صممت الولايات المتحدة على تصنيف جماعة الإخوان المسلمين على أنها جماعة إرهابية، فسوف تعاقب بذلك حكومات حليفة لها.

ففي العديد من النزاعات في المنطقة، مثل اليمن وليبيا، يعتبر الإسلاميون السياسيون أحزابا شرعية وحاسمة داخل المفاوضات المختلفة، ناهيك عن العديد من الأنظمة الديمقراطية التي تعمل فيها الجماعات الإسلامية السياسية كجزء من الحكومة.

وسوف يرحب حلفاء الولايات المتحدة، بما في ذلك الإمارات والسعودية ومصر، التي طالما نظرت إلى جماعة الإخوان المسلمين كعدو لنظام الحكم، بالخطوة ومن المرجح أن ينظروا إلى هذا الإجراء على أنه إشارة إلى موافقة الولايات المتحدة على أجزاء أخرى من جداول أعمالهم الإقليمية، بينما سيعبر آخرون، بما في ذلك تركيا وقطر، عن غضبهم إزاء هذه الخطوة.

والأهم من ذلك، أن العقوبات المترتبة على هذا التصنيف، وفقا لصياغتها، قد تجبر مسؤولي الحكومة الأمريكية على تقييد سفرهم أو نشاطهم المالي في البلدان التي تنشط فيها جماعة تابعة لجماعة الإخوان في الحكومة.

وبالنسبة لبلد مثل تركيا، التي انخرطت بالفعل في العديد من العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، فإن هذا التصنيف قد يحفز أزمة دبلوماسية ثنائية أخرى، وربما يقنع تركيا بتنويع شراكاتها الأمنية خارج قاعدتها الغربية التقليدية.

وهناك قضية أخرى في هذا الصدد وهي حتمية موازنة الإدارة الأمريكية بين الحد من انخراط الجهات الفاعلة الإقليمية في نشاط يهدد أمن الولايات المتحدة وبين دعم التطورات الديمقراطية والإرادة الشعبية في المنطقة.

وقد عانت إدارة "أوباما" من هذا المأزق خلال الربيع العربي، الذي أطاح بعدد من الحكومات الاستبدادية الصديقة، ومهد الطريق للحركات الإسلامية الشعبية للانضمام إلى الإدارات بعد أعوام من العمل في الظل.

وفي النهاية، لم يتطور الإخوان والجماعات الإسلامية الأخرى في الفراغ، فهم يدعمون القيم التي يتبناها أو يعارضها جزء من المجتمع ينعكس على المستوى الحكومي.

وفي الواقع، تشير دراسة أجرتها شركة "بيرسون - مارستيلر"، وهي شركة علاقات عامة عالمية، إلى أن العديد من الشباب المسلم في المنطقة لا يدعمون الجماعات الإسلامية بقدر دعم الأجيال السابقة لها.

ولكن في الوقت الحالي، تحتفظ الجماعات الإسلامية مثل جماعة الإخوان بقدر كبير من الدعم الشعبي بين جميع شرائح المجتمع في العديد من البلدان.

ولكن كما أظهرت الانتخابات في عامي 2011 و2012 في مصر، تحتفظ الأحزاب السياسية الإسلامية، بما في ذلك الأحزاب المتحالفة مع جماعة الإخوان المسلمين، بدرجة كافية من الشعبية بين جميع شرائح المجتمع لتكون قوة سياسية رئيسية.

وفي النهاية، قد يتسبب تصنيف جماعة الإخوان المسلمين بأنها منظمة إرهابية، وبالتالي المساعدة في تضييق مجال النشاط السياسي المشروع أمامها، في إشعال التشدد، لأنه سيصور الحكومة الأمريكية كعدو للإسلام، وهو السرد ذاته الذي يقول البيت الأبيض إنه يحاول مكافحته.

لكن حتى لو لم تتحقق مثل هذه العواقب الوخيمة، يمكن للولايات المتحدة بهذا الإجراء أن تجعل عملها في المنطقة أكثر صعوبة، من خلال اتخاذ إجراء يجعلها قريبة جدا من مناطق الحساسية في العالم الإسلامي.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية