صفقة القرن.. خطة سلام أم وصفة لإدامة الصراع؟

الأحد 12 مايو 2019 03:05 م

يزعج "جاريد كوشنر"، صهر "ترامب"، المتابعين منذ فترة طويلة بخطة لم يُعلن عنها بعد لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ويبدو أن العملية مجرد تمرين على شراء الوقت. وحددت الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، أكثر من أي شيء آخر، جدول "كوشنر". وكان مناسبًا لرئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" ألا يضطر قبل التصويت إلى معالجة أي اقتراح من الولايات المتحدة يلمح إلى أي شيء يمكن تفسيره على أنه تنازل إسرائيلي. ومع انتهاء هذه الانتخابات الآن، قد يحدث الكشف الكبير قريبا. وكان "كوشنر" قد صرح في مناسبات سابقة أنه قد يعلن عن خطته بعد شهر رمضان المبارك، الذي ينتهي في الأسبوع الأول من يونيو/حزيران.

إن الشيء المعقول الذي يجب القيام به تجاه الاقتراح الذي لم يتم الإعلان عنه بعد هو انتظار الإعلان حتى يتسنى للمرء معالجة ما هو الاقتراح المؤكد بدلاً من الاعتماد على الأجزاء والاحتمالات القائمة على التقارير الصحفية. لكن المؤشرات تخبرنا أن ما سيطرحه "كوشنر" سيكون أبعد ما يكون عن خطة سلام يمكنها أن تحل القضايا الجوهرية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

وتعد المعالم الرئيسية لهذا الصراع وإمكانات حلها معروفة منذ زمن طويل. ويبقى أبرز البدائل هو حل الدولتين، الذي يستلزم إنشاء دولة فلسطينية يغلب على سكانها العرب إلى جانب دولة (إسرائيل) ذات الغالبية اليهودية، أو حل إنشاء دولة واحدة يستتبع منح الحقوق السياسية والمدنية المتساوية لجميع السكان. هذه هي الاحتمالات الوحيدة للحل، وأي شيء آخر لن يكون حلاً للصراع، بل هو إدامة له، وإخضاع شعب لآخر. 

ويعد حل الدولتين أكثر جاذبية لكونه يحقق القدر الأكبر من التطلعات القومية لكل من اليهود الإسرائيليين والفلسطينيين العرب. كما أنه سيفي بميثاق المجتمع الدولي لمستقبل فلسطين، ويعود إلى خطة التقسيم الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 1947. وعلى أي حال، لا يوجد أي احتمال في السياسة الإسرائيلية الحالية بالتحرك نحو المساواة في الحقوق للجميع الذي يعد ضروريا لحل الدولة الواحدة.

لكن "كوشنر،" كما اقترحت بعض تعليقاته في معهد واشنطن واشنطن، لا يتبنى حل الدولتين أيضًا. ومن الواضح أن اقتراحه ينطوي على إدامة، وليس حل، الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وتتمثل إحدى الميزات الرئيسية التي يروجها لاقتراحه في دفع العرب الخليجيين إلى تقديم ما يكفي من المساعدات لجعل حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية أقل قلقًا مما هي عليه الآن. وتتصور ملامح الخطة المزعومة المسربة كيانًا يسمى "فلسطين الجديدة" لا يرقى إلى درجة سمات الدولة. وسيتألف من جيوب صغيرة منفصلة من الأراضي غير الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، والتي سيتعين عليها أن تدفع لإسرائيل للدفاع عنها كقوة عسكرية وحيدة في المنطقة. وكما يلاحظ "جوناثان كوك" في فحص مفصل للوثيقة المسربة التي نشرتها صحيفة "إسرائيل هيوم" حول صفقة القرن، فإن "فلسطين الجديدة "ستكون نسخة منقحة قليلاً للسلطة الفلسطينية التعيسة الحالية.

الدوافع الكامنة

ولا يعد اقتراح "كوشنر" مفاجئا نظرًا للسياسة العامة لإدارة "ترامب" والمغلفة بالانحياز التام ضد الفلسطينيين. وتتلخص هذه السياسة في إعطاء حكومة "نتنياهو" كل ما تريده ومعاقبة الفلسطينيين ورفضهم بكل الطرق الممكنة تقريبًا. وشملت هذه السياسة - كإشارة إلى أن الإدارة ليست لديها رغبة حتى في التحدث مع الفلسطينيين - إغلاق القنصلية الأمريكية في القدس والمكتب الدبلوماسي الفلسطيني في واشنطن. وشملت هذه السياسة أيضا الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على القدس بأكملها ونقل السفارة الأمريكية هناك لإبعاد قضية القدس بشكل كامل عن طاولة النقاض.

ولا تعد طبيعة الاقتراح المنتظر مفاجئة أيضا بالنظر إلى ارتباط "كوشنر" الشخصي الطويل الأمد بـ(إسرائيل) وقيادتها الحالية. ويعد "بنيامين نتنياهو" صديقا شخصيا لعائلة "كوشنر" ذات التاريخ الطويل في دعم المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة. 

وفي ضوء ذلك لا يبدو من المستبعد أن يكون الهدف الكامن وراء الخطة هو دفع الزعماء الفلسطينيين إلى رفضها من البداية. وبعد ذلك، يمكن لحكومة "نتنياهو" وإدارة "ترامب" صياغة القصص حول الفلسطينيين الرافضين للسلام. ويمكن للحكومة الإسرائيلية ساعتها المضي قدماً بأقصى سرعة من خلال المزيد من بناء المستوطنات في الضفة الغربية وتعزيز السيطرة الإسرائيلية على الأرض.

وحتى لو قام القادة الفلسطينيون - في عمل انتحاري سياسي غريب - بالتوقيع على هذا الاقتراح، فإنه يحل النزاع. ولن ينسى التاريخ - الحاضر في أذهان الفلسطينيين - النزوح الضخم أو النكبة عام 1948، وكذلك الاحتلال الناشئ عن حرب الأيام الستة عام 1967. ولا يمكن أن تتلاشى التطلعات القومية من خلال شراء ولاء بعض الأشخاص حيث تظل الإحباطات قائمة. وحتى لو بقيت الضفة الغربية هادئة لبعض الوقت، فإن السجن الكبير المعروف باسم قطاع غزة لن يهدأ.

ولن تقتصر الآثار المدمرة لهذا الاقتراح على المسرح الفلسطيني. وسوف تزيد الخطة من اعتماد إدارة "ترامب" على الديكتاتوريات العربية حيث من المفترض أن تقدم ممالك الخليج معظم أموال التنمية. وفقًا للنسخة التي تم تسريبها مؤخرًا من الخطة، فإن نظام "عبد الفتاح السيسي" سوف يقوم بتأجير الأراضي في سيناء المصرية لاستخدامها كمطار ومنطقة صناعية بجوار قطاع غزة. ويعني هذا الاعتماد المتزايد أن إدارة "ترامب "ستقدم لهذه الأنظمة الاستبدادية أكثر مما قدمت بالفعل. بالنسبة لمصر، يشمل ذلك محاولة تسمية جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية، أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فهذا يعني استمرار الدعم للحرب الكارثية في اليمن والخطوات التي تزيد من خطر الحرب الأمريكية مع إيران.

تشجيع اليمين الإسرائيلي

وسوف تتسبب الخطة المحتملة في تشجيع المزيد من التشدد داخل "اليمين الإسرائيلي" ومن المحتمل أن تقود إلى ضم (إسرائيل) للضفة في النهاية. وسوف يؤدي ذلك إلى حشد الدبلوماسية الدولية ضد الأعمال الإسرائيلية، وانخفاض الدعم الشعبي الأمريكي لـ(إسرائيل)، وعواقب أخرى مختلفة.

وفي ضوء هذه العواقب السلبية التي يمكن أن تطال (إسرائيل) نفسها، من المرجح أن "نتنياهو" يفضل على الأرجح إيجاد طريقة للحفاظ على الوضع الراهن الغامض، والذي تحتفظ فيه (إسرائيل) بالسيطرة الأمنية على الضفة الغربية بأكملها مع الاستمرار في عملية تفاوض طويلة الأمد وميتة مع السلطة الفلسطينية فيرام الله.

قد يكون هذا المنطق وراء التسريب الأخير لصفقة القرن بالنظر إلى أن صحيفة "إسرائيل هيوم" هي تلك الصحيفة التي توزع مجانا بأموال إمبراطور الكازينوهات "شيلدون أدلسون" لدعم "نتنياهو" وهي تعبر لسان حال رئيس الوزراء. لذا، من غير المحتمل أن يتم نشر الوثيقة التي تم تسريبها دون موافقة "نتنياهو". وفي ضوء ذلك يبقى التفسير الأكثر منطقية هو أن رئيس الوزراء قد قدر أن رد الفعل العكسي ضد نشر خطة "كوشنر" سيؤجل إطلاقها الرسمي ويمكّن استمرار الوضع الراهن إلى أجل غير مسمى.

لكن هذا الوضع الراهن يعني استمرار الصراع وإراقة الدماء وتفاقم النزاع بدلاً من حله، هو يعني أيضا أن (إسرائيل) ستواصل "العيش بالسيف" كما قال "نتنياهو"، ولا يعد ليس سلامًا على الإطلاق.

المصدر | بول بيلار- لوب لوغ

  كلمات مفتاحية