ما بعد البشير.. مستقبل العلاقات السودانية الإيرانية

الأحد 12 مايو 2019 03:05 م

ركزت الكثير من التحليلات حول التداعيات الجيوسياسية للإطاحة الرئيس "عمر البشير" الشهر الماضي على كيفية تموضع السودان في الصراع الأكبر بين القوى السنية في الشرق الأوسط. ومما لا شك فيه، أن السودان يمكن أن يؤدي إلى صدام استراتيجي أكبر بين الكتلة التي تقودها السعودية والإمارات من ناحية، والتحالف القطري التركي، من ناحية أخرى، حيث يدعم المعسكران فصائل مختلفة في الخرطوم في محاولة لاكتساب نفوذ أكبر على مستقبل السودان.

وعلى الرغم من كونها أقل بروزا، إلا أن إيران جزء من المعادلة أيضا. ولدى القيادة السعودية والإماراتية عدد من الأهداف في السودان، ويمثل أحدها في منع الجمهورية الإسلامية من إعادة تأسيس موطئ قدم في أفريقيا. وفي الواقع، عقدت الرياض وأبوظبي العزم على ضمان بقاء الخرطوم في المعسكر المعادي لإيران، بعد إعادة تنظيم موقعها الإقليمي بين عامي 2014 وأوائل عام 2016. ومن المنظور السعودي والإماراتي، يعد السودان مفتاحا لمنع إيران من تأكيد نفوذها في البحر الأحمر وخليج عدن والقرن والساحل الإفريقي نظرا لدوره كحلقة وصل بين العالمين العربي والأفريقي.

تاريخ العلاقات الإيرانية السودانية

حتى وقت قريب نسبيا، حافظ السودان وإيران على علاقة دافئة تعود إلى أواخر الثمانينات. وعلى الرغم من دعم الخرطوم لـ"صدام حسين" في الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، إلا أن المد تغيّر بسرعة بعد انقلاب مدعوم من الإسلاميين في عام 1989، مستوحى من الثورة الإيرانية، قاد "البشير" إلى السلطة. وقد مهد تحول السودان إلى جمهورية إسلامية الطريق لإقامة علاقات أوثق مع إيران. وكانت أول زيارة رسمية قام بها "البشير" إلى طهران بعد خمسة أشهر من وصوله إلى السلطة، ولاحقا زار رؤساء إيران "هاشمي رفسنجاني"" ومحمد خاتمي" و"محمود أحمدي نجاد" السودان.

ولعب الحرس الثوري الإسلامي الإيراني والجيش السوداني، وقوات الدفاع الشعبي شبه العسكرية أدوارا مهمة في تقوية العلاقات الثنائية خلال التسعينيات. وبحلول أبريل/نيسان 1997، وقع البلدان أكثر من 30 اتفاقية تتراوح بين الأعمال التجارية الزراعية إلى المشاريع الصناعية المشتركة إلى تدريب ضباط الجيش والاستخبارات السودانيين في إيران.

وخلال التسعينات والعقد الأول من الألفية، أدى نمو العلاقات الإيرانية السودانية في مجالات تشمل الدفاع والتجارة والدين إلى إزعاج كبير في عواصم دول مجلس التعاون الخليجي. وانتشر نفوذ إيران في القارة الأفريقية مع قبول السودان وتشاد عرض طهران بالمساعدة في التوسط في نزاع دارفور في عام 2008. وفي نفس العام، وقعت إيران والسودان اتفاقا عسكريا، وعبرت القيادة الإيرانية لاحقا عن معارضتها لقرار المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرة توقيف ضد "البشير" قبل فترة وجيزة من إلقاء الزعيم الإيراني الأعلى آية الله "علي خامنئي" خطبة انتقدت المحكمة الجنائية الدولية وأشادت بالنظام السوداني لوقوفه ضد "طغيان القوى الاستعمارية".

ونظرا لأن المسلمين السودانيين كلهم ​​تقريبا من السنة، فإن المسألة الطائفية تبدو غير ذات صلة في العلاقة بين البلدين. في الواقع، تم تأسيس الشراكة الاستراتيجية في وقت كانت درجات الحرارة الطائفية أقل في العالم الإسلامي. وعلى الرغم من الاختلافات الدينية بين السودان وإيران، فإن تحدي الهيمنة الأمريكية أعطى كلا الجانبين قضية مشتركة ومقاربة موحدة نحو القضايا الإقليمية الرئيسية. وقد تعززت العلاقات بحلول عام 2012، عندما بدأت إيران في إرساء السفن الحربية في الموانئ السودانية، معتبرة أن السودان موطئ قدم استراتيجي في أفريقيا.

وكانت الرغبة المشتركة لإيران والسودان في تحدي الهيمنة الأمريكية تنطوي على الوقوف إلى ضد (إسرائيل) أيضا. وأصبحت الدولتان مؤيدتان لنفس المجموعات الفلسطينية، وعلى رأسها حماس. ووضع دعم الخرطوم دعم الخرطوم للجماعات الفلسطينية البلاد على مسار تصادمي مع واشنطن، التي صنفت السودان كدولة راعية للإرهاب في عام 1993 بسبب صلاتها بحماس والفصائل الأخرى. وفي مناسبات عديدة، اتهم المسؤولون الإسرائيليون نظرائءم في الخرطوم بتوجيه الأسلحة الإيرانية إلى حماس عبر سيناء المصرية. ودفعت هذه الاتهامات (إسرائيل) للقيام بقصف مصنع للأسلحة في الخرطوم في أكتوبر/تشرين الأول 2012، رغم أنها لم تعلن مسؤوليتها عن الهجوم. ووفقا لوزارة الخارجية الأمريكية، فإن الرعاية السودانية للجماعات الفلسطينية قد "انخفضت" في السنوات الأخيرة، ويرجع ذلك إلى اهتمام الخرطوم بمواصلة التقارب مع واشنطن لرفع العقوبات.

الطلاق الإيراني السوداني

ولكن مع نهاية عام 2014 بدأت العلاقات الإيرانية السودانية في التدهور بسرعة. وفي سبتمبر/أيلول من ذلك العام أمر المسؤولون في الخرطوم جميع المؤسسات الثقافية الإيرانية بالإغلاق وطلبوا من دبلوماسييها مغادرة البلاد في غضون 72 ساعة. واتهمت الحكومة السودانية المسؤولين الإيرانيين بمحاولة نشر الإسلام الشيعي، وكان الدافع الحقيقي وراء ذلك هو إيصال رسالة إلى الرياض. وفي وقت كان فيه الاقتصاد السوداني يتعثرا بسبب تأثير استقلال جنوب السودان والعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة، كانت الخرطوم تحاول أن تشير إلى دول مجلس التعاون الخليجي بأنها مستعدة للتخلي عن طهران مقابل الحصول على مساعدات مالية.

وعندما أطلقت السعودية حملتها العسكرية في اليمن في مارس/آذار 2015، كان السودان عضوا أصليا في التحالف. وعلى مدار السنوات الأربع الماضية، قتل مئات من السودانيين في قتال المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران. وسرعان ما أصبحت الأزمة اليمنية مصدرا واضحا للتوتر بين طهران والخرطوم، حيث أدانت إيران السودان لانضمامه إلى التحالف الذي تقوده السعودية. وفي أواخر عام 2015، أصبح السودان أيضا عضوا مؤسسا في التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، وهو تحالف عسكري معاد لإيران بقيادة سعودة، لكن وجوده لا يتجاوز الورق. و بحلول يناير/كانون الثاني 2016، انضم السودان إلى المملكة العربية السعودية والبحرين وجيبوتي في قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران استجابة لأزمة العلاقات الإيرانية السعودية بعد إعدام الشيخ الشيعي "نمر النمر".

كان قرار البشير بإنهاء الشراكة مع طهران أساسا استجابة لمشاكل السودان الاقتصادية. عندما حصل جنوب السودان على الاستقلال في عام 2011، فقد السودان 70% من نفطه وثلث أراضيه. وفي مواجهة الأزمات المالية وعدم الاستقرار، رأت الخرطوم أن هناك فرصة كامنة لتبديل موقعها الإقليمي والتحالف مع دول مجلس التعاون الخليجي الغنية وكسب دعم مالي أكبر. الإضافة إلى ذلك، كان "البشير" يأمل في أن يؤدي الابتعاد عن طهران إلى دفع واشنطن لرفع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها منذ التسعينيات.

السودان بعد البشير.. انفتاح على إيران؟

عندما اندلعت الاحتجاجات المناهضة للحكومة في جميع أنحاء السودان في ديسمبر/كانون الأول 2018، ظلت القيادة الإيرانية صامتة. وفي 25 أبريل/نيسان، وبعد أسبوعين من إقالة الجيش السوداني للبشير، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية "سيد عباس موسوي" على أهمية تلبية "المطالب المشروعة للشعب السوداني، والانتقال السلمي للسلطة، ووقف أعمال العنف"، كما دعا إلى الانتقال الفوري إلى الحكم المدني والسعي لتصحيح أخطاء الماضي، بما في ذلك إنهاء تورط السودان في الحرب في اليمن.

وجاء بيان "موسوي" بعد أربعة أيام فقط من تعهد السعودية والإمارات بتقديم 3 مليارات دولار للحكومة المؤقتة التي يقودها الجيش في السودان. وقد خرج العشرات من المواطنين السودانيين إلى الشوارع للاحتجاج على المساعدات، خوفا من الثمن السياسي المتربط بها، ومخاوف تكرار تجربة انقلاب عام 2013 في مصر المدعوم من الرياض وأبوظبي. ولا تزال الحرب في اليمن لا تحظى بشعبية في السودان وكانت مشاركة البلاد فيها دافعا رئيسيا للاحتجاجات. ونظرا لتفسير العديد من المحللين لتحركات الرياض وأبوظبي على أنها محاولة لدعم "الدولة العميقة" للسودان ومنع حدوث ثورة ديمقراطية، يمكن أن يُفهم تركيز إيران على تمكين المواطنين والانتقال إلى الحكم المدني على أنه تحدٍ لخصومها الخليجيين.

وإذا وقع السودان في صراع داخلي بين أولئك الذين يؤيدون الحكم العسكري ضد مؤيدي القيادة المدنية، فقد تجد طهران طريقة للاستفادة ومن هذا الصراع. في الوقت نفسه، إذا اعتبر الدعم الاقتصادي الخليجي غير كافٍ، فقد تفكر الخرطوم في خيار اللجوء إلى شريكها السابق، طهران ، مرة أخرى. ومع ذلك، بالنظر إلى الأزمة الاقتصادية الإيرانية، ليس هناك ما يضمن أنها ستكون في وضع يسمح لها بتقديم المساعدات المالية للسودان.

وحتى الآن، لا يزال هناك العديد من الأسئلة التي لم تتم الإجابة عليها فيما يتعلق الأمر بمستقبل العلاقات الإيرانية السودانية. ومع ذلك، من وجهة نظر الرياض وأبوظبي، فإن احتمال أن تستفيد إيران من الانتقال السياسي الهش في السودان من المرجح أن يدفع كلتا الملكتيين إلى العمل مع حكومة الخرطوم المؤقتة لضمان عدم تحولها إلى طهران، في الوقت الذي تبعدها فيه أيضا عن دائرة نفوذ أنقرة والدوحة.

المصدر | جورجيو كافييرو - معهد الشرق الأوسط

  كلمات مفتاحية