الإيكونوميست: الولايات المتحدة وإيران على حافة الحرب

الأحد 12 مايو 2019 10:05 ص

"كانت أسوأ صفقة يتم التفاوض بشأنها على الإطلاق"، هكذا كانت وجهة نظر الرئيس "دونالد ترامب" حول الإنجاز الدبلوماسي الذي حققه "باراك أوباما" حين أبرم اتفاقا يضع قيودا صارمة على البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف العقوبات.

وكانت الاتفاقية، التي وقعت عليها إيران و6 قوى عالمية عام 2015، قد تم تسميتها بخطة العمل الشاملة المشتركة، حيث جعلت من الصعب على إيران صنع قنبلة نووية، على الأقل لفترة من الوقت. لكن الاتفاق يعاني منذ أعلن "ترامب" انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق قبل عام.

وفي 8 مايو/أيار، دفع الرئيس الإيراني "حسن روحاني" الاتفاق إلى حافة الموت.

وقال "روحاني" إن إيران ستتوقف عن الامتثال لأجزاء من الصفقة، وحذر من احتمال حدوث المزيد من الخروقات.

وكان إعلانه على خلفية حدثٍ خطير. ففي 5 مايو/أيار، أرسلت أمريكا مجموعة من حاملات الطائرات وقاذفات القنابل إلى الشرق الأوسط، ردا على "مؤشرات وتحذيرات مقلقة" حول عدوان إيراني وشيك.

وبعد يومين، ظهر "مايك بومبيو"، وزير الخارجية، بشكل غير متوقع في العراق، المكان الذي اتهمت فيه أمريكا إيران منذ فترة طويلة برعاية الهجمات على القوات الأمريكية.

وبعد ذلك بأيام، تم الإعلان عن حادث غامض لتخريب أربع ناقلات نفطية قرب السواحل الإماراتية. وتزيد هذه الحوادث من خطر دخول أمريكا وإيران في حرب، سواء عن طريق الصدفة أو العمد والإصرار.

وفي الوقت الحالي، يبقى الاتفاق النووي معلقا. وقال "روحاني" إن إيران سوف تتوقف عن تصدير اليورانيوم المخصب بمجرد وصول مخزونها إلى 300 كجم، وتجاوز مخزونات الماء الثقيل 130 طنا، مما يخالف الحدود التي حددتها الاتفاقية.

وهذا بالفعل أمر مثير للقلق. ويمكن استخدام اليورانيوم المخصب - إذا تم تدويره في أجهزة الطرد المركزي إلى مستويات أعلى من النقاء - في تشغيل القنابل النووية. ويتم استخدام الماء الثقيل في المفاعلات النووية التي يمكن أن تنتج البلوتونيوم، وهو وقود بديل للقنابل.

كما منح "روحاني" الموقعين الآخرين للصفقة، وهم بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والاتحاد الأوروبي، فرصة لمدة 60 يوما للتوصل إلى كيفية تخفيف الضغط الناجم عن العقوبات الأمريكية التي فرضها "ترامب"، والتي شلت الاقتصاد الإيراني. وإذا لم يفعلوا ذلك، يهدد "روحاني" بزيادة، ليس فقط حجم اليورانيوم المخصب، ولكن أيضا درجة نقائه، الذي يبلغ الحد الأقصى له في الاتفاق 3.67%، وهو أقل بكثير من مستوى نحو الـ 90% المطلوب لصنع قنبلة.

وإذا قامت إيران بإثراء بعض أو كل مخزونها إلى 20%، فإن ذلك سيخفض من الوقت اللازم لتحقيق قفزة نهائية إلى مستويات صنع الأسلحة إلى النصف. وقال أيضا إن إيران قد تستأنف العمل في مفاعل الماء الثقيل في "أراك"، الذي كان قد توقف بموجب الاتفاق النووي.

ويظن "روحاني"، أو يأمل، أن هذه الخطوات قوية بما يكفي لاسترضاء المتشددين في الداخل، وللإشارة إلى تصميم إيران على مواجهة العقوبات الأمريكية، ولكن بشرط ألا تتجاوز الخطوات الحد المسموح لتجنب استفزاز أوروبا لإعادة فرض العقوبات.

وحذر موقعون من الاتحاد الأوروبي إيران في بيان مشترك يوم 9 مايو/أيار من أنهم "يرفضون أي تهديد". لكن "مارك فيتزباتريك"، وهو مسؤول سابق في وزارة الخارجية البريطانية، ويعمل حاليا في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، يعتقد أن التكتيك الإيراني قد ينجح. ويبقى الماء الثقيل "مشكلة بسيطة" نسبيا، وسوف يستغرق الأمر بعض الوقت حتى تخرق إيران حد اليورانيوم المخصب البالغ 300 كجم.

ومع ذلك، فمن غير المرجح أن يكون بعض الموقعين الآخرين قادرين على تلبية مطالب إيران. وفي 31 يناير/كانون الثاني، أعلنت كل من بريطانيا وألمانيا إنشاء قناة "إنستكس"، وهي قناة مالية قائمة على المقايضة لعزل التجارة الأوروبية الإيرانية عن العقوبات الأمريكية، لكنها كانت خيبة أمل، حيث تغطي فقط الغذاء والدواء.

ومن الواضح أن المسؤولين الإيرانيين غضبوا بشكل خاص من قرار الولايات المتحدة في 22 أبريل/نيسان بإنهاء الإعفاءات من العقوبات، التي كانت قد سمحت لبعض الدول بشراء النفط الإيراني. ومن غير المرجح أن تعوض أفضل الجهود الأوروبية عن هذه الضربة.

ويقول المسؤول السابق بوزارة الخارجية البريطانية "إيلان غولدنبرغ"، : "في النهاية، سنصل إلى نقطة أخرى يشعر الإيرانيون بأن عليهم فيها أن يخطوا خطوة أخرى إلى الأمام". وإذا تجاهلت إيران الاتفاق النووي بالكامل، فقد تشغل آلاف أجهزة الطرد المركزي القديمة وتخزنها تحت الأرض وتبني مخزونا ضخما من اليورانيوم المخصب إلى مستويات أعلى.

وقد يقود كل ذلك إلى كسر الجدول الزمني، ليصل بالوقت الذي يستغرقه إنتاج ما يكفي من المواد لسلاح نووي واحد إلى مدة ما بين شهرين إلى 3 أشهر أو أقل من ذلك، وهو الخطر الذي كان قد توقف عام 2015.

لكن مثل هذه التحركات المثيرة ستؤدي إلى تبخر الدعم الأوروبي، وتعزز العزلة الدبلوماسية وربما حتى العمل العسكري. والأرجح أن إيران ستواصل التمسك بأجزاء من الاتفاق. ويقول "غولدنبرغ": "ما سنواجهه ليس أزمة فورية، بل أزمة بطيئة ستستمر على مر السنين، مثلما حدث من قبل".

وسوف يعيد السباق بين العقوبات الأمريكية من ناحية، والتراكم النووي الإيراني التدريجي من ناحية أخرى، العالم إلى الأعوام المحمومة قبل الاتفاق النووي، عندما كانت الضربات الجوية الأمريكية أو الإسرائيلية وشيكة في بعض الأحيان. لكن الوضع قد يكون أكثر خطورة اليوم، فقد زادت القوات المدعومة من إيران في لبنان وسوريا والعراق واليمن.

والأهم من ذلك، ازداد العداء الأمريكي لإيران. وفي العام الماضي، أصدر "بومبيو" قائمة مطالب موجهة لإيران تشبه شروط الاستسلام. وتشمل وقف تخصيب اليورانيوم، المسموح به بموجب الصفقة، والانسحاب من سوريا.

وطالما دعا مستشار الأمن القومي الأمريكي "جون بولتون"، إلى تغيير النظام الإيراني. وكان هو الذي أعلن نشر السفن الحربية يوم 5 مايو/أيار.

ويقول "ويندي شيرمان"، الدبلوماسي الأمريكي السابق الذي تفاوض حول الاتفاق النووي: "لا أعتقد أن الرئيس ترامب يريد الدخول في حرب. لكنني لا أعتقد أنه يفهم تماما الدورة التصاعدية التي وضعها بولتون، ومخاطر الحرب، التي تتزايد كل يوم".

المصدر | الإيكونوميست

  كلمات مفتاحية