جامع القرويين في مدينة فاس القديمة.. أول مسجد بنته امرأة

الأحد 12 مايو 2019 12:05 م

اهتم القائمون على شؤون مدينة فاس العتيقة، في المملكة المغربية، بالعلم والدين، في مختلف الحقب التاريخية؛ حيث بنوا المدارس والجوامع بالتوازي مع اهتمامهم بتحصين هذه المدينة عسكريا، وتشتهر أحياء المدينة القديمة بجوامع شكّلت قبلة للتعليم والصلاة ودروس الوعظ والإرشاد.

وحصيلة هذا الاهتمام، كان احتواء المدينة على 780 مسجدا بتجهيزات وموارد مالية تبنى تمويلها سكان المنطقة، وكان من بينهم النساء.

وبعدما ضاق مسجدا الأشراف والأنوار أول مسجدين بفاس العتيقة، بمصليهما، أصبح ضروريا بناء مسجد أكثر اتساعا وتقام فيه الخطبة وصلاة الجمعة، وهو ما تم في عهد الإمام "يحيى بن محمد بن إدريس"، على يد امرأة محسنة في 859 ميلادية، ليكون بذلك هو أول مسجد تبنيه امرأة في العالم.

ولم تكن هذه السيدة إلا أم البنين، "فاطمة بنت محمد بن عبد الله الفهري"، التي بنت جامع القرويين في حارة أهلها بالعدوة الغربية.

ويعتبر هذا المسجد الذي شرع في بنائه في الأول من رمضان، من أوائل مساجد المغرب التي شيدت بمبادرة فردية نسائية.

ولم تكتف بانيته بتكاليف ذلك، بل "أوقفت عليه بقعة أرضية يضمن ريعها الإنفاق على بئر المسجد دلوا وحبلا وعلى الحصير والمصباح"، كما ذُكر في كتاب "تاريخ مدينة فاس: من التأسيس إلى أواخر القرن العشرين"، وهو من تأليف جماعي لعدد من الكتاب والمؤرخين.

وقد أُسس جامع القرويين ليكون مسجدا للصلاة وجامعا للجمعة ورحابا لإعطاء الدروس الدينية في الوعظ والإرشاد وفضاء لإلقاء المحاضرات، فأصبح جامعة للتعليم العالي" بحسب الكاتب "محمد السنوسي"، الذي تابع في كتابه "نبضات من قلب فاس"، مشيرا إلى أن "فاطمة بنت فقيه تونسي بقيت صائمة طيلة مدة بنائه شكرا لله"، مشيرا إلى أن مساحته في البداية، كانت 1600 متر مربع.

وقد اشترت "أم البنين" الأرض، وبنت الجامع بعد موافقة الأمير الإدريسي "يحيى".

ولم تختلف المصادر حول تاريخ بنائه الذي تثبته لوحة منقوشة عُثر عليها أثناء ترميمه مدفونة تحت الجبس، وعليها عبارة مؤكدة لتاريخ بنائه، ما زكاه الفرنسي "أوسكار لانز" في كتابه "سفر إلى المغرب".

ويتوفر الجامع الذي وهبت بانيته كل ما ورثته لبنائه، على 17 بابا تلتقي في طرفي صحن يتوسطه، وفي كل جناح مكان للوضوء من المرمر، في تصميم مشابه لصحن الأسود بقصر الحمراء بالأندلس.

ويحتوي نفائس كبيرة وثريات وتجهيزات بعضها يدخل ضمن إضافات من سهروا على توسعته وترميمه من أهل المدينة وحكامها خاصة الأمراء الزناتيين الذين أضافوا 3 آلاف متر مربع إليه.

وتحدث مؤلفو كتاب "تاريخ مدينة فاس"، عن زيادات مهمة شهدها الجامع في عهد "أحمد بن أبي بكر الزناتي" والي أمويي الأندلس على فاس، المشهود له بتشييد صومعته المربعة الواسعة الباقية إلى الآن، مشيرين للعناية التي أولاها للمسجد الوالي الأموي "أبو مروان عبد المالك بن أبي عامر" أثناء مقامه بفاس، إذ أحدث باب الحفاة في شمال الجامع ورتب على يمين الداخل إليه، بيلة للضوء.

حينئذ أضيفت سقايتا الشباك وسبيل داري وضوء جلب لهما الماء من واد خارج باب الجديد، و"عوض المنبر القديم بآخر صنع من عود الأبنوس والعناب، وشيد قبة العنزة وزين البلاط الأوسط لقاعة الصلاة بثريا كبيرة ظلت شاخصة إلى أن استبدلت في أيام الناصر الموحدي"، فيما ذكر "السنوسي" أن الزناتيين وضعوا على رأس الصومعة، الجامور المصنوع من سيف الإمام "إدريس بن إدريس".

وأكد أن العامل "أحمد الزناتي"، من اقترح على أبناء "إدريس" المختصمين بمن له الحق في الاحتفاظ بسيف أبيهم، وضعه فوق الصومعة بعدما أضيفت إليه كرات من نحاس أصفر مذهب وهلال، قبل مدة من نصب أول ساعة مائية ووضع ساعات رملية وشمسية.

يأتي ذلك فيما شهد العهد المرابطي التوسعة الثانية والثالثة للجامع وبناء الباب الرئيسي المسمى "الشماعين" الذي أحرقته نار شبت بالمنطقة، وأعيد بناؤه.

وفي هذا العهد أنجز منبر صنع من شجر الأبنوس وحليت جوانبه برسوم هندسية، واعتبر تحفة بالعالم الإسلامي، فيما زاد الموحدون 1500 متر مربع في مساحته وبنوا باب الجنائز ووضعوا أول خصة وبيلة بصحنه صنعها المهندس "موسى بن الحسن بن أبي شامة".

وتوالت التوسيعات والإضافات على المسجد الجامعة، إلى أن أصبح يضم 272 سارية ويستوعب الصف الواحد 212 مصليا ويضم 16 بلاطا بكل واحد 21 قوسا ويحضن 840 مصليا.

كما أن الجامع يحتضن 130 ثريا للإنارة وثريا كبيرة قطرها 2,25 مترا ويفوق وزنها 18 قنطارا وبها 520 مصباحا، فيما يسع حاليا لأكثر من 13440 مصليا كأكبر وأهم جامع من قلب تاريخ فاس العتيقة.

المصدر | الخليج الجديد + الصباح المغربية

  كلمات مفتاحية

جامع السلطان أيوب.. نقطة روحانية مضيئة برمضان إسطنبول