استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

رمضان في قبضة سلوكيات الثقافة

الاثنين 13 مايو 2019 11:05 ص

مهما كان موضوع الحديث في بلاد العرب، فإننا سننتهي إلى معضلة الثقافة العربية الجمعية. ففي تلك الثقافة، وعلى الأخص الشعبي منها، بعض المكونات الفكرية والسلوكية المتخلفة وبعض العادات المشوهة للحياة الفردية والجمعية.

ولذلك فليس بمستغرب أن تنقلب عبادة روحية، شرعها الله لتهذيب النفس وللسمو الروحي، إلى خليط عجيب من التصرفات الفردية والأنشطة المجتمعية، المناقضة للمقاصد الكبرى التي أرادها الخالق من تشريع تلك العبادة، بحيث تضيع الحكمة من فرض تلك العبادة وتنقلب إلى ممارسات شكلية.

وهكذا ما إن يحل شهر رمضان في كل عام، حتى نقرأ ونسمع أشكالا من النقد بشأن تشيؤ شهر الصوم وتحذيرات ونصائح بشأن ممارسات خاطئة أثناء شهر رمضان. لكن مع ذلك تبقى سطوة وهيمنة الثقافة العربية الجمعية ممسكة بخناق هذه العبادة عبر السنين والقرون. سنعرض بعضا من أمثلة الواقع الرمضاني وذلك من أجل توضيح ما نعني.

أولا، هناك عادة التبذير المتجذرة في الثقافة العربية التي تقلب وجبة الإفطار الرمضانية إلى وجبة تخمة وإفراط مستمر في الأكل والشراب طيلة الليل، بحيث تنتفي الحكمة من وراء الصيام، الهادفة إلى التذكير بمحنة جوع الفقراء طيلة العام، وإلى الإقناع بأهمية التوزيع العادل لثروة المجتمعات، حتى لا تتعايش ظاهرتي غنى التخمة وفقر الفاقة في المجتمع نفسه، بل وفي الحي نفسه.

ولا يقف الأمر عند تبذير الفرد أو العائلة، إذ أن الغالبية من الدول العربية والإسلامية يزداد مقدار وثمن استيرادها للمواد الغذائية والمكسرات لشهر رمضان إلى أكثر من ضعف ما تستورده لبقية أشهر السنة، الأمر الذي يؤدي إلى عجوزات في الميزانيات العامة، وإلى ارتفاع في نسبة الدين العام لتلك المجتمعات، ما سيؤدي في النهاية إلى ازدياد الفقر، وبالتالي إلى ظاهرة الجوع.

ثانيا، أما ما يتبع الإفطار، وإلى ساعات قريبة من الفجر، من برامج تلفزيونية يمتلئ بعضها بحركات وتعبيرات الجسد المثيرة لكل أنواع الشهوانية، وبالرقصات الخليعة، وبالأغاني المائعة المجونية، فانه غير مستغرب وجودها وتقبلها وإدمانها في ثقافة جمعية تعودت على أن تتعايش فيها عبر القرون، الثنائيات المتضادات والمتناقضات من الأفكار والسلوكيات والعقائد، حتى لو كانت في حالة صراع دائم في ما بينها.

ولذلك فشروط اكتمال عبادة الصوم عن الأكل والشراب، مثل ضرورة الابتعاد عن الفسوق والشهوات الجسدية والذهنية، وعن الرفث في الكلام من فحش وجدال وقبح يمكن أن تتعايش جنبا إلى جنب مع كل ما يعرضه التلفزيون من برامج تتعارض قصصها وخطاباتها مع تلك الشروط، ويتقبلها الصائمون بطيب خاطر، من خلال فهمهم الغريب من أن الحسنات يذهبن السيئات، كذا بإطلاق وبدون شروط.

ثالثا، أما الجدل العقيم في ما بين مؤسسات ورجال الدين والمذاهب بشأن توقيت بداية شهر الصوم، والتفسيرات التي لا تستقر على حال حول معنى كلمة «رؤية الهلال» في النصوص وتفسيراتها السلفية، وكذلك الجدل بشأن توقيت بداية يوم الصوم عند الفجر… فإنه جدل ينم عن الحذر والتردد الدائم في الثقافة العربية بشأن التعايش مع منجزات العلوم والتكنولوجيا.

وإلا، فهل هناك حاجة لمثل ذلك الجدل في عصر وصلت فيه دقة العلوم والتكنولوجيا إلى الحديث عن حسابات وفروقات في توقيت الزمن تصل في صغرها إلى واحد من المليون من مدة الدقيقة أو الثانية الواحدة؟

مرة أخرى، نحن أمام ثقافة لم تحسم أمرها بشأن ما هو غيبي رمزي وما هو علمي واقعي، ما كان ممكنا في عصر سابق، وما هو ممكن في العصر الذي نعيش. وبالطبع سندخل في الجدل الممل نفسه عندما سنتحدث قريبا عن توقيت نهاية صوم شهر رمضان، وبداية اليوم الأول من عيد الفطر، بل وعن توقيت بداية كل شهر مرتبط برمزية دينية أو مذهبية عند البعض.

*رابعا، ولأن سهرات رمضان ارتبطت بعادات وسلوكيات كثيرة تجعلها تمتد إلى ساعات متأخرة من الليل، فقد انعكس تأثير السهر الطويل في قدرة الصائم على العمل المنتج والنشاط في صبيحة اليوم التالي. فالصائم يأتي لعمله وهو منهك نعسان متثائب، فلا يجيده ولا ينهيه.

وهذا أيضا يعتبره الصائم شيئا طبيعيا ومبررا، ويلقي باللوم على جوع وعطش الصوم، بينما يقع اللوم على ثقافة لا تحترم بصرامة التزامات وواجبات العمل، ومستوجبات الانتظام المطلوب لإتمام النشاطات الإنسانية على أكمل صورة ممكنة.

في كتاب «المجتمع العربي المعاصر» للدكتور حليم بركات يصل المؤلف إلى نتيجة مفادها أن ما تتميز به الثقافة العربية هو التنوع والصراع بين اتجاهات قيمية متناقضة، وليس التمسك بأي اتجاه لذاته. وهذا يجعلها في حالة تناقض وصراع وصيرورة.

ويخلص إلى أن الثقافة السائدة، وهي في أغلبها ثقافة الجماهير الشعبية البسيطة، تميل إلى قيم الجبرية والماضوية والإتباع والشكلية والامتثال القسرى والانغلاق واحترام السلطة. وكجزء من حل ذلك الإشكال ينادى بالتحرر من التقاليد والعمل بدلا من ذلك على تنمية قدرات الخلق والابتكار.

للتخلص من الثنائيات الرمضانية المتناقضة، ولإعادة هذه العبادة إلى ألقها الروحي والتزاماتها الإنسانية سنحتاج إلى مراجعة عميقة تتجاوز ماعلق بالثقافة العربية الجمعية عبر القرون، من أفكار وعقائد وسلوكيات وعادات تساهم دوما في تشوية أو إعاقة أو منع تجديد كل الأنشطة الحياتية في بلاد العرب، سواء أكانت سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية أم دينية.

عود على بدء : إنها ثقافة تحتاج إلى أن تثور على نفسها لكي تتجدد.

* د. علي محمد فخرو كاتب بحريني

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية