لماذا ينبغي على الولايات المتحدة أن توقف مبيعات الأسلحة إلى السعودية؟

الأربعاء 15 مايو 2019 09:05 ص

غالبًا ما يتم رفض حظر الأسلحة باعتباره تحركا رمزيًا، وبالتالي غير فعال، لكن لمجرد أن هناك شيئا رمزيا، فهذا لا يعني أنه لن يكون له تأثير.

وسيكون الحظر الأمريكي على تصدير الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية بمثابة إشارة واضحة إلى عدم الرضا الأمريكي على الأعمال السعودية في اليمن، وسيكون إشارة مهمة إلى حلفاء واشنطن، الذين يتساءلون عما إذا كانت الولايات المتحدة متناقضة أو غير مهتمة بالكارثة الإنسانية في اليمن.

وعلى النقيض، من خلال الاستمرار في تقديم الأسلحة للسعودية، فإن الرئيس "دونالد ترامب" يؤيد ضمنا السياسات السعودية.

ومما يعزز هذه الإشارة حق النقض الذي استخدمه "ترامب" مؤخرًا ضد القرار الذي دعا إلى إنهاء الدعم الأمريكي للحرب في اليمن.

وبينما برر "ترامب" حق النقض بقوله إن القرار كان "محاولة خطيرة لإضعاف سلطاته الدستورية"، فإن بيانات ممثلي الكونغرس تظهر أنهم على دراية بالإشارات القوية التي أرسلتها مبيعات الأسلحة.

وقال السيناتور "تيم كين" إن حق النقض "يظهر للعالم أن ترامب مصمم على مواصلة دعم الحرب السعودية والتي أسفرت عن مقتل الآلاف من المدنيين ودفعت ملايين آخرين إلى حافة المجاعة".

ولدى أولئك الذين يحتجون ضد الحظر الحق في نقطة واحدة وهي أنه نادراً ما يكون فعالا في تغيير سلوك الدول، لكنه في المقابل يعد إشارة إلى عدم الرضا السياسي عن سلوك هذه الدول، ويخدم دورًا مهمًا في التواصل في فضاء السياسة الدولية.

حظر الأسلحة والتحالفات السياسية

يتفق صناع السياسة والعلماء على أن حظر الأسلحة ليس أداة "إجبار" فعالة في السياسة الدولية، لكن حتى لو لم يكن حظر الأسلحة أداة مباشرة للإكراه، فإن الحظر سيكون بمثابة إشارة سياسية مهمة.

وهناك سببان على الأقل للولايات المتحدة للنظر بجدية في فرض حظر على توريد الأسلحة إلى السعودية:

أولاً: تعد مبيعات الأسلحة إشارات تخترق ضوضاء النظام الدولي، ويعد وقف نقل الأسلحة هو طريقة شائعة تعرب فيها الدول عن استيائها للآخرين وتحاول التأثير على سلوكهم.

وكما لاحظ "لورانس فريدمان" في عام 1978، فإن "رفض بيع الأسلحة هو عمل سياسي رئيسي وهو يبدو كإهانة محسوبة تنعكس على الاستقرار والثقة والجدارة الائتمانية، أو الكفاءة الفنية للمستلم المحتمل".

ومع ذلك، يبدو أن هذه النقطة الحاسمة قد ضاعت في النقاش الحالي حول إذا ما كان ينبغي على الولايات المتحدة أن تواصل الدول بيع الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية أم لا.

ويظهر بحثي أن إيقاف عمليات نقل الأسلحة أو رفض الطلبات هو وسيلة فعالة للإشارة إلى عدم الرضا ويؤدي إلى إعادة التفكير في سلوك المتلقي المحتمل.

خذ على سبيل المثال العلاقة بين الولايات المتحدة و(إسرائيل) في الستينات، باعت الولايات المتحدة صواريخ أرض جو من طراز "هوك" في عام 1962 لـ(إسرائيل)، ودبابات "باتون إم - 48" في عامي 1964 و1965، وقاذفات "سكاي هوك" في عام 1966.

ونتيجة لذلك، أدرك القادة الإسرائيليون أن هذه المبيعات تشير إلى وجود علاقة وثيقة بين الولايات المتحدة و(إسرائيل)، وكما كتب الدبلوماسي الإسرائيلي "أبا إيبان"، فإن عمليات نقل الأسلحة كانت "تطوراً ذا قيمة سياسية هائلة".

وفي المقابل، كان القادة الإسرائيليون حساسين للغاية فيما يتعلق بمنع نقل الأسلحة، في أبريل/نيسان ومايو/أيار 1967، رفضت الولايات المتحدة طلبات (إسرائيل) لتوريد ناقلات الجنود المدرعة والطائرات المقاتلة.

وكانت الموافقة على عمليات النقل ستشير إلى الدعم، ومن المحتمل أن تزيد من جرأة (إسرائيل)، حيث تتصاعد التوترات في المنطقة مع الحرب التي شنتها (إسرائيل) ضد جيرانها العرب.

واعتقد القادة الإسرائيليون أن منع نقل الأسلحة كان بمثابة رسالة رفض أمريكي لسياسات (إسرائيل).

 وصف "إيبان" حالة (إسرائيل) آنذاك بأنها "معزولة"، وقال رئيس المخابرات الإسرائيلية إن منع نقل الأسلحة أوضح أنه "توجد بعض المفاهيم الخاطئة حول الولايات المتحدة في (إسرائيل)".

وإذا كان هذا هو تأثير منع توريد الأسلحة على علاقة سياسية وثيقة ومهمة مثل العلاقة بين الولايات المتحدة و(إسرائيل) فلك أن تخيل معنى هذه الخطوة بالنسبة للعلاقات الأمريكية السعودية.

ومثل (إسرائيل)، يتعين على المملكة العربية السعودية إعادة التفكير في انطباعها بأن لديها دعمًا سياسيًا وموافقة مفتوحة من الولايات المتحدة.

ويحمل نقل الأسلحة "أو إيقافه" إشارات قوية، يمكن أن يكون لها تأثير حتى قبل اكتمال عملية النقل بالفعل.

ويشير هذا إلى أنه حتى مجرد الإعلان عن فرض حظر على المملكة العربية السعودية يمكن أن يكون له تأثير حتى لو تكن هناك صفقات سيتم تعليقها بالفعل.

خذ على سبيل المثال طلب تايوان الأخير للحصول على أسطول من الطائرات المقاتلة الجديدة "إف-16" مع تزايد التقارير التي تفيد بأن "ترامب" قد أعطى "موافقة ضمنية" على الصفقة، ورد الفعل الغاضب تجاه تلك الخطوة من الصين.

ولم تبع الولايات المتحدة طائرات نفاثة متطورة إلى تايوان منذ عام 1992، جزئياً خوفًا من غضب الصين التي تعتبر تايوان مقاطعة متمردة.

وحتى إذا تمت الموافقة رسميًا على صفقة الطائرات فمن غير المرجح أن ترى تايوان الطائرات فعليا حتى عام 2021 على الأقل، حتى إنها لن تغير ميزان القوى بين الصين وتايوان.

ورغم ذلك، وكما لاحظ أحد الباحثين، فإن البيع سيكون بمثابة "صدمة كبيرة" لبكين، لكنه سيكون بمثابة صدمة سياسية أكثر من كونه صدمة عسكرية، ومع ذلك، فإن رد فعل الصين الفوري والسلبي على الإعلان عن الصفقة المحتملة يدل على مدى تأثير مجرد الإشارة إلى نقل أو حظر الأسلحة.

إذا تم تطبيق هذا المنطق نفسه على حظر الأسلحة المفروض على السعودية، فإن الحظر المفروض على الأسلحة سيشير إلى أن السعودية لا تحظى بدعم الولايات المتحدة.

وستكون هذه الإشارة خطوة أولى مهمة في تغيير السلوك السعودي لأنها ستتجاوز البيانات والإجراءات الأخرى التي أرسلتها الولايات المتحدة والتي تشير إلى الدعم.

وقد أعطى "ترامب" السعودية عددًا من الإشارات الإيجابية حيث وصفها بأنها "حليف عظيم" ونفى التقارير التي تفيد بأن الحكومة السعودية متورطة في مقتل الصحفي "جمال خاشقجي".

وقد أعرب عن رغبته في بيع محطات الطاقة النووية والتكنولوجيا إلى السعودية، وادعى "ترامب" مرارًا وتكرارًا أنه أبرم صفقة أسلحة بقيمة 110 مليارات دولار مع المملكة العربية السعودية رغم أنه لم يقم بذلك.

ومن خلال إشارات الدعم الواضحة هذه، لماذا يجب على المملكة العربية السعودية تغيير سلوكها بناءً على القرارات التي تصدر عن مجلس النواب أو مجلس الشيوخ، والتي من المحتمل أن يتم نقضها من قبل "ترامب" على أي حال؟ سيكون حظر الأسلحة إشارة واضحة لا لبس فيها إلى أن الولايات المتحدة تعارض الأعمال السعودية في اليمن.

يتعلق السبب الثاني لدعم الحظر بالحلفاء الأمريكيين والصعوبات اللوجستية في فرض الحظر.

ويعد أحد الأسباب التي تقلل من فاعلية التأثير الماضي لحظر الأسلحة هو أنه يتطلب التعاون بين الدول المصدرة للأسلحة، وسيكون لفرض حظر على المبيعات من بلد ما تأثير ضئيل إذا كان البلد المستهدف من الحظر يمكن أن يبحث عن أسلحة في مكان آخر.

وفرضت ألمانيا حظراً على الأسلحة ضد الرياض في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وضغط القادة الألمان على دول أوروبية أخرى لوقف بيع الأسلحة للسعوديين.

وتتفهم ألمانيا أهمية الحظر كإشارة سياسية، كما أوضح ممثل عن حزب الخضر الألماني قائلا: "إن إعادة تصدير الأسلحة إلى السعودية ستكون إشارة قاتلة للسياسة الخارجية وستسهم في استمرار زعزعة استقرار الشرق الأوسط"، لكن الحصار الألماني كان له تأثير ضئيل لأن السعودية يمكن أن تحصل على أسلحة من أماكن أخرى.

وفقًا للميزان العسكري لعام 2019، فإن معظم معدات المملكة العربية السعودية هي من أصل أمريكي أو فرنسي، مثل دبابات أبرامز ومروحيات أباتشي وطائرات "إف-15".

ولدى المملكة العربية السعودية بعض المعدات المصنعة كليا أو جزئيا في ألمانيا، مثل طائرات يوروفايتر تايفون ومركبة الهجوم الأرضي تورنادو، ولكن هذه الأسلحة هي جزء صغير من ترسانتها الكاملة.

ومن شأن الحظر الأمريكي أن يرسل إشارة مهمة إلى الحلفاء الذين يزودون المملكة العربية السعودية، مما يسمح لهم بتبرير المشاركة لدوائرهم الانتخابية المحلية.

هذا مهم بشكل خاص لبلدان مثل فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، التي تحتاج إلى تصدير الأسلحة للحفاظ على عمل خطوط الإنتاج الخاصة بها.

وحتى إذا لم يكن للحظر الأمريكي تأثير مباشر على المملكة العربية السعودية، فإن الحظر مهم لبناء تحالفات من أجل فرض حظر أوسع نطاقا يمكن أن يؤثر على السلوك السعودي.

صعوبة وقف الفظائع

إلى جانب الإشارة السياسية، نعلم أن مبيعات الأسلحة الأمريكية غالبًا ما تنتهي بأيدي خاطئة كما حدث في اليمن، وقد أودت الحرب التي قادتها السعودية في اليمن إلى زيادة مخاطر الجوع، وتسببت في سقوط آلاف الضحايا المدنيين، وأدت إلى تشريد ملايين الأشخاص.

وتقدر الأمم المتحدة أن 80% من سكان اليمن، 24 مليون شخص، يحتاجون إلى شكل ما من أشكال المساعدة الإنسانية أو الحماية، وأن شدة الوضع تزداد سوءا، ولكن هل سيخلق حظر الأسلحة تغييرا ذا مغزى في اليمن؟

يتمثل الأثر الأولي للحظر في أنه سيجعل مهمة السعودية في الوصول إلى العتاد الحربي أكثر صعوبة، وكما لاحظ "جوناثان كافيرلي"، فإن أكثر من 60% من أسلحة السعودية التي سلمت في السنوات الخمس الماضية جاءت من الولايات المتحدة.

وحتى إذا انخفضت هذه النسبة مع مرور الوقت، فستكون عملية انتقال السعودية إلى جيش مزود بالأسلحة الروسية أو الصينية مكلفة.

وعلى الرغم من أن السعودية قد تكون على استعداد لدفع هذه التكلفة، لكنها ستستغرق بعض الوقت للانتقال إلى أنظمة أسلحتها الجديدة، وهذا سيوفر استراحة قصيرة في الأعمال العدائية التي يمكن أن تسهل إيصال المساعدات في اليمن.

ويمكن للولايات المتحدة، من الناحية النظرية، فرض ضوابط أكثر صرامة بخصوص اتفاقات المستخدم النهائي على المملكة العربية السعودية.

وسوف يحقق هذا الأمر ميزة إبقاء المملكة العربية السعودية في عالم أنظمة الأسلحة الأمريكية، وقد يمنعها من تنويع مورديها وإضعاف نفوذ لدى الولايات المتحدة على المدى الطويل.

ولن يكون من مصلحة الولايات المتحدة أن تحصل السعودية على الأسلحة من روسيا أو الصين أو تركيا.

ورغم ذلك، يبقى من الصعب فرض ضوابط المستخدم النهائي، لأنه بمجرد نقل السلاح، يمكن للمستلم استخدامه كما يشاء، كما أن المملكة العربية السعودية من المرجح أن تعارض فرض ضوابط أكثر صرامة على المستخدم النهائي، وستسعى إلى الحصول على موردين جدد نتيجة لذلك.

ونتيجة لذلك لن يكون حظر الأسلحة حلا سحريا.

من غير المرجح أن يكون للحظر تأثير فوري على السلوك السعودي، لأن الحظر سيكون إشارة سياسية، وليس أداة قسرية حادة، وسوف يستغرق الأمر وقتًا طويلاً لظهور حظر متعدد الأطراف ووضعه موضع التنفيذ، ويجب على الولايات المتحدة العمل مع حلفائها للمساعدة في دعم قدرتهم على المشاركة في الحظر.

ومع ذلك، فإن عدم التصرف سيستمر في إرسال رسائل تأييد ضمنية للسلوك السعودي، وهو آخر ما يحتاجه اليمن في الوقت الراهن.

المصدر | جينيفر سبيندل - وور أون ذا روكس

  كلمات مفتاحية