ما الذي ستخسره أمريكا بتصنيف الإخوان جماعة إرهابية؟

الخميس 16 مايو 2019 03:05 م

تقوم إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بتقييم تصنيف جماعة "الإخوان المسلمين" كمنظمة إرهابية أجنبية، في إحياء لمقترح تم طرحه سلفا منذ عام 2017. ويبقى الاقتراح كارثيًا وإذا تم تنفيذه فسوف يأتي بنتائج عكسية لعدة أسباب.

أولا، لا يعد "الإخوان المسلمون" كيانا واحدًا. عندما نتحدث عن الجماعة، يتخيل الكثيرون الفرع الرئيسي في مصر، لكن التصنيف الشامل المقترح سيؤثر على فروع الجماعة من المغرب إلى إندونيسيا، وهذا هو أكبر تحد للتصنيف.

وفي حين أن الجماعة أبعد ما تكون عن كونها كتلة عابرة للوطنية ومتماسكة ومنسقة، فإن جماعة "الإخوان" اليوم أقرب لكونها حركة مجزأة ولامركزية قامت فروعها في البلاد منذ فترة طويلة بمراجعة وتخفيف التأثير الأيديولوجي والتنظيمي لفرع الجماعة الرئيسي في مصر. 

ويمكن أن يؤدي تجريم الجماعة في بعض الحالات إلى تجريم حلفاء تتشارك الولايات المتحدة معهم المصالح مثل أفرغ "الإخوان" في كل من المغرب وتونس وتركيا والبحرين والكويت والأردن، وبعضهم مؤيدون صراحةً للولايات المتحدة، ويشاركون معها في جهود مشتركة لمكافحة الإرهاب. وبالتالي، يجب - في أسوأ الأحوال - إجراء تصنيف لكل فرع من أفرع الجماعة على حدة.

وعند فعل ذلك، سوف يتبين بالتأكيد أن معظم أفرع الجماعة لا تفي بمعايير التصنيف كمنظمة إرهابية. وبعد تحديد المرشحين للتصنيف، يفحص مكتب مكافحة الإرهاب التابع لوزارة الخارجية "الهجمات الإرهابية الفعلية التي قامت بها مجموعة ما"، وكذلك أيضًا دورها في "التخطيط والاستعداد لأعمال إرهابية محتملة في المستقبل"، فضلاً عن "قدرتها على تنفيذ مثل هذه الهجمات".

وربما أثار بعض المنتسبين لـ"الإخوان" الغضب لفشلهم في إدانة أعمال الإرهاب، بل والتغاضي عنها بشكل سلبي. ومع ذلك، لا يتوافق هذا مع المعيار القانوني للتصنيف لسبب وجيه هو غالبًا ما يتم وضع العلامات الإرهابية أن التصنيف بالإرهاب غالبا ما يقتصر على الأجنحة المسلحة. وفي هذا السياق، فإن إضافة جماعة الإخوان المسلمين إلى التصنيف سوف تخضع العملية بأسرها للنزوات السياسية، مما يقوض شرعية التصنيفات الحالية.

ولا تنطبق متطلبات التصنيف الإرهابي على جماعة "الإخوان المسلمين" حيث إن معظم الفروع التابعة للجماعة تنكر الهجمات الإرهابية، ولا تعتبر الإرهاب طريقة مقبولة لممارسة السياسية. وبهذه الطريقة، فإن تصنيفهم على قوائم الإرهاب يفرض أيضًا تكاليف مادية غير ضرورية، مما يهدر الموارد الأمريكية عن طريق توجيهها بعيدًا عن التهديدات التي أثبتت جدواها، خاصة في ظل تناقص الموارد التي تخصصها الولايات المتحدة للشرق الأوسط وإفريقيا.

تغذية الاستبداد

وسوف يهدد مثل ذلك التصنيف التزام الولايات المتحدة بالديمقراطية. وسواء أعجبنا ذلك أم لا، فإن العديد من أفرع "الإخوان" هي جهات فاعلة لا يمكن إنكارها تعبر عن الإرادة الشعبية وتلعب دورا مهما في تخفيف تأُير السلطات الاستبدادية.

وعلى الرغم من وجود شكوك حول التزام الجماعة الأيديولوجي بالديمقراطية، فإن الأفرع التابعة لجماعة "الإخوان المسلمين" هي من بين أكثر الجهات الشعبية قدرة على فرض الرقابة على الأنظمة الاستبدادية الراسخة التي تحجم عن جعل مؤسساتها شفافة ولا تجري انتخابات حرة ونزيهة. وسوف يساعد وضع المعارضين للأنظمة الاستبدادية على قوائم الإرهاب في تخريب هذه الديناميكية الصحية.

ومن شأن إضافة جماعة "الإخوان المسلمين" إلى قائمة المنظمات الإرهابية أن يقوض ادعاء أمريكا الالتزام بالديمقراطية أن يظهرها كحليف راسخ للأنظمة الاستبدادية الوحشية في السعودية والإمارات ومصر، التي ترغب في وصم الجماعة بالإرهاب. ويعد الدافع الرئيسي وراء التصنيف هو رغبة هذه الأنظمة في الحفاظ على سلطتها وليس الرغبة في كبح جماح الإرهاب والتطرف الذي تقوي هذه الأنظمة استمراره بالفعل.

ويجادل هؤلاء، من جانبهم، بأن أيديولوجية "الإخوان" الدينية تهدد الدولة القومية الحديثة، لأنها تتصور مجتمعات ترتكز على الإسلام فقط، وهذا أمر سخيف. وفي الواقع، يعد الاعتراف بالدولة القومية والحدود المصاحبة لها من بين المبادئ الأساسية لجماعة "الإخوان المسلمين"، وهي تؤمن أن جهود الإصلاح المجتمعي والمؤسسي يجب أن تكون تدريجية وأن تستوعب النظام السياسي السائد، على خلاف واضح مع أفكار تنظيم "الدولة الإسلامية" و"القاعدة". وقد استخدمت "الدولة الاسلامية" هذه الفرضية كسبب لملاحقة "الإخوان" أنفسهم.

علاوة على ذلك، فإن التوافق مع المثلث السعودي الإماراتي المصري من شأنه أن يضع الولايات المتحدة في مواجهة المحور التركي القطري، ويغمر الولايات المتحدة في صراع إقليمي على السلطة. وسوف تخاطر الولايات المتحدة أيضًا بتشجيع الدوافع المعادية للديموقراطية حتى لحلفائها "الأكثر ليونة"، مثل المغرب والأردن والبحرين والجزائر، والتي سعت لفترة طويلة إلى تهميش المعارضة الإسلامية المحلية سياسيا، على الرغم من التسامح الانتقائي معها.

تدمير الدبلوماسية الأمريكية

وسوف يلقي حظر الإخوان بظلاله على المجتمعات في الدول الإسلامية أيضا، حيث تقوم الفروع التابعة لـ"الإخوان" في جميع أنحاء المنطقة بمجموعة من الأنشطة الخيرية والاجتماعية والبرامج التعليمية. وفي كثير من الأحيان، فإنها تشكل أكثر مصادر المساعدات الإنسانية انتشارًا، فضلاً عن نشاطها في مساحات التنمية الشخصية والروحية.

ويمكن أن يؤدي التصنيف إلى تقييد و(حتى قطع) هذه الخدمات التي يتمتع بها جميع المواطنين في غياب البنية التحتية الكافية للدولة. وقد ثبت أن القول بأن الأنشطة الخيرية للجماعة تهدف فقط لتغذية البنية التحتية للحركة، أو شراء الأصوات أو الولاء هو قول مبالغ فيها وفقًا للعديد من علماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية الذين لاحظوا الحركة بشكل مباشر). ومن شأن إغلاق هذه المساحات الروحية أن يترك الأتباع دون منفذ وقد يغذي النظرات السائدة لـ"الدولة الإسلامية" و"القاعدة" والفروع التابعة لها ويوفر برهانا إضافيا أن الاعتدال لا ثمن له، وأن العنف هو الوسيلة الفعالة الوحيدة للفعل السياسي.

علاوة على ذلك، قد يؤدي هذا التصنيف إلى تفاقم تجارب التهميش التي يتعرض لها المسلمون الأمريكيون والتي تخدم الروايات المتطرفة التي تفيد بأن "الغرب" لا يمكن أن يكون موطنًا حقيقيًا للمسلمين وبالتالي يمكن أن يسهم في تغذية التطرف في الغرب ذاته.

وسوف يتسبب تصنيف الجماعة في تدمير خيارات الولايات المتحدة الدبلوماسية ويجبرها على التخلي عن المرونة الدبلوماسية اللازمة للحوار مع لاعب ديني مهم في المنطقة. وقد يكون هناك من يعتقد أن التصنيف، إذا تم استخدامه كورقة مساومة، سيعزز قوة التفاوض الأمريكية كما حدث على سبيل المثال مع منظمة التحرير الفلسطينية والجيش الجمهوري الأيرلندي التي تم التفاوض معها لتقديم تنازلات للخروج من القائمة، ولكن هذا تشبيه معيب للغاية في ظل غياب سلوك واضح يتم التفاوض عليه بالنظر إلى الغالبية العظمى من فروع جماعة "الإخوان المسلمين" لا تستخدم العنف من الناحية التنظيمية.

في الواقع، رفضت الحكومة الأمريكية تصنيف حركة "طالبان" الأفغانية - التي تفي بمعايير التصنيف بعكس الإخوان - على وجه التحديد لأن هذا التصنيف سيعرقل أي مفاوضات سلام. وتعتبر التهديدات التي تواجه التنمية المحلية والجهود الدبلوماسية من بين الأسباب التي دفعت العديد من المنظمات الحكومية وغير الحكومية النيجيرية لمعارضة تصنيف "بوكو حرام" كجماعة إرهابية في عام 2013. وبالنظر إلى أن حجم ونفوذ جماعة "الإخوان المسلمين" يمتدان إلى عدة قارات، لا يمكننا تحمل غلق القنوات الدبلوماسية معها من خلال اتخاذ إجراءات قانونية وأمنية.

المصدر | ناشيونال إنترست

  كلمات مفتاحية

البرلمان المصري يصيغ قانونا لطرد الإخوان من الوظائف الحكومية