جيوبوليتيكال فيوتشرز: هل اقترب أوان انهيار التحالف الروسي الإيراني؟

السبت 18 مايو 2019 04:05 ص

مع انتهاء الصراعات، يبدأ الحلفاء في النظر إلى بعضهم بعضا بعين الشك، خاصة حين يكون اجتماع هؤلاء الحلفاء لهزيمة عدو مشترك مع الافتقار إلى رؤية مشتركة بعد انتهاء الحرب.

وفي سوريا، كان هذا هو الحال بشكل متزايد بالنسبة لروسيا وإيران، اللتين دعمتا "بشار الأسد" في معركته للقضاء على تنظيم "الدولة الإسلامية" والجماعات الجهادية الأخرى في البلاد.

وعلى الرغم من دعمهما لنفس الجانب في الصراع، فإن لروسيا وإيران أهدافا مختلفة في كل من سوريا والشرق الأوسط. وبينما يواصل "الأسد" تعزيز سيطرته على معظم أنحاء البلاد، تظهر دلائل متزايدة على أن روسيا وإيران قد أصبحا متنافسين أكثر من كونهما حلفاء.

النوايا الحقيقية

وكان لدى روسيا وإيران أسباب مختلفة للانخراط في الصراع السوري. وكانت روسيا مدفوعة باعتبارات خارجية ومحلية حيث أرادت إقامة موطئ قدم لها في الشرق الأوسط يمكن أن يتحدى، حتى ولو بطريقة محدودة، دور الولايات المتحدة هناك، كما أرادت حماية قاعدتها البحرية في "طرطوس"، التي قد تكون في خطر إذا تولى نظام أقل ودية السلطة في دمشق.

وعلى الصعيد المحلي، كان الاقتصاد الروسي يعاني، وكان الرئيس "فلاديمير بوتين" في حاجة إلى صرف الانتباه عن التحديات الداخلية للبلاد، وقد وفرت الحرب السورية ذلك. والأهم من ذلك، أرادت موسكو التأكد على أن الفوضى في سوريا قد تغرق المنطقة بأسرها في حرب قد تهدد استقرار القوى الإقليمية القائمة، أي إيران وتركيا والسعودية، وتصل بعد ذلك شمالا إلى القوقاز.

وتعد القوقاز "كعب أخيل" بالنسبة لروسيا، ولا يمكن لموسكو أن تخاطر بانتشار تنظيم مثل "الدولة الإسلامية"، الذي كان قادرا على الاستيلاء على أراضي كبيرة في سوريا والعراق، على عتبة روسيا. كما أنها لا تريد أن ترى التنظيم يلهم التطرف داخل روسيا، وهو تهديد أقل لكنه لا يزال خطيرا.

وكانت أهداف إيران في سوريا أكثر توسعية من أهداف روسيا. وبدلا من الحفاظ على التوازن في المنطقة، سعت إيران إلى توسيع نفوذها، حتى إن إيران قد أرسلت قوات برية، بينما قدمت روسيا بشكل أساسي الدعم الجوي واللوجستي.

وكانت إيران تأمل أن تربط بشكل أفضل بين مجال نفوذها الذي شمل العراق المجاور، حيث تمارس نفوذا كبيرا على الحكومة والميليشيات، وبين لبنان، حيث وكيلها الأكثر أهمية، حزب الله.

ومن خلال بناء هذا "الجسر البري" عبر العراق وسوريا ولبنان، ستتمكن إيران من الوصول مباشرة إلى البحر المتوسط، ​إضافة إلى الوصول البري إلى لبنان، مما يسهل تزويد وكيلها هناك. كما سيشكل ذلك تحديا كبيرا لخصومها التاريخيين، (إسرائيل) والسعودية وتركيا. وعلى الرغم من تعاون إيران وتركيا في الآونة الأخيرة، إلا أن لديهما تاريخ طويل من الصراع العنيف.

وتتطلب هذه الرؤى المميزة استراتيجيات مختلفة. وقد سعت روسيا إلى ممارسة النفوذ في سوريا من خلال دعم حكومة مركزية قوية، برئاسة "الأسد". وتريد موسكو ضمان بقاء الهياكل الحكومية القائمة، والبقاء على الحدود في مكانها، والحفاظ على التوازن الإقليمي.

كما تريد روسيا أن تظل سوريا مستقلة قدر الإمكان، وأن تتجنب الوقوع تحت تأثير القوى الإقليمية مثل تركيا وإيران، حيث تعمل سوريا والعراق كحاجز بين إيران والسعودية، وكذلك إيران وتركيا. وعلى الرغم من أن إيران وتركيا تشتركان في الحدود، إلا أنها حدود جبلية، وليس من السهل عبورها، وهذا هو السبب في أن العديد من الحروب التي نشبت بينهما تاريخيا وقعت في أقصى الجنوب، أي سوريا والعراق في الوقت الحاضر.

ومع ذلك، اتبعت إيران مقاربة أكثر قسوة، حيث أرسلت "فيلق القدس"، قوة النخبة الخاصة بها، وقامت بتدريب وتزويد الميليشيات وتنمية علاقات قوية مع الزعماء المحليين. وطوال الحرب، كان "الأسد" أكثر استعدادا للسماح لإيران بدعم القوات التي لم تكن تحت قيادته المباشرة، لأنه كان يحتاج إلى كل المساعدة التي يمكنه الحصول عليها.

ولكن الآن بعد انتهاء الحرب، لا يريد "الأسد" أن تكون للمليشيات روابط أقوى مع طهران أكثر من دمشق. ومثل روسيا، يفضل "الأسد" أن يكون لديه سلسلة قيادة مركزية تشمل جميع الميليشيات في البلاد، وبالطبع يرأسها هو بنفسه.

ومع ذلك، لن تتخلى طهران عن علاقاتها مع الميليشيات السورية بسهولة، لأنها جزء محوري في استراتيجيتها لممارسة النفوذ على "الأسد". وقد لا يكون هذا هو الحال الذي كان عليه الأمر في عام 2012، عندما دخلت إيران الحرب لأول مرة. لكن مع وجود "الأسد" الآن في وضع يمكنه من خلاله لعب دور أكبر، تدرك إيران جيدا أن السيطرة على القوات على الأرض تعطي طهران بعض النفوذ على حكومة "الأسد".

لكن لماذا تحتاج إيران إلى التأثير على حليفها؟ حسنا، لم يكن البلدان دائما داعمين للفصائل نفسها. فإيران، على سبيل المثال، تدعم "حزب الله" في لبنان، بينما تدعم سوريا جماعة "أمل" الشيعية المنافسة. وبينما تتلاشى الحرب السورية، قد تنشط دمشق مرة أخرى في لبنان، وهو ما لا تريده طهران. 

علاوة على ذلك، كدولة يحكمها نظام علوي، تشعر سوريا بالقلق من رؤية إيران تتحول إلى إمبراطورية إسلامية إقليمية مبنية على الأيديولوجية "الإثنى عشرية" الشيعية، فرغم أن العلويين هم أيضا طائفة شيعية، إلا أنهم يختلفون عن "الإثنى عشرية" كثيرا. بالإضافة إلى ذلك، على عكس إيران، فإن سوريا هي دولة عربية علمانية أيدت في الماضي مفاهيم القومية العربية، بخلاف إيران الثورية الإسلامية.

علامات الصدع

ومع ذلك، كانت كل من إيران وروسيا حليفين قويتين لـ "الأسد" في الحرب السورية. ولكن في الآونة الأخيرة، كانت هناك عدة مؤشرات على وجود انقسام بين البلدين. وطوال عام 2019، كانت هناك عدة اشتباكات بين الميليشيات المدعومة من إيران والميليشيات التي تدعمها روسيا.

وكانت بعض الاشتباكات تدور حول السيطرة على بعض نقاط التفتيش، حيث تتقاضى كل من القوات المدعومة من روسيا والميليشيات التي تدعمها إيران رسوم عبور. وتشير بعض التقارير إلى تورط القوات الروسية في الاشتباكات.

كما اتهمت إيران روسيا مرارا وتكرارا بالتعاون مع (إسرائيل) من خلال السماح بضربات جوية إسرائيلية ضد أهداف إيرانية في سوريا. وبعد أن أسقطت الدفاعات الجوية السورية بطريق الخطأ طائرة روسية خلال غارة إسرائيلية العام الماضي، نشرت روسيا عدة أنظمة من طراز "إس - 300" في سوريا، وكان من المفترض أن يردع ذلك المزيد من الضربات الإسرائيلية.

لكن الضربات الإسرائيلية استمرت. وفي مارس/آذار، زعم رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" أن "بوتين" أخبره في اجتماع خاص أنه يريد إخراج إيران من سوريا. وفي أبريل/نيسان، كانت هناك شائعات بأن روسيا كانت تحاول تهميش شقيق "بشار الأسد"، "ماهر"، الذي يرى البعض أنه موال لإيران.

ومن جانبها، يبدو أن النظام السوري يميل إلى روسيا أكثر من إيران، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن إيران تدعم هيكلا عسكريا لامركزيا في سوريا قد يشكل تحديا لـ "الأسد". وفي الواقع، يتم مراجعة الكتب المدرسية في سوريا لتقدم نظرة أكثر إيجابية حول روسيا أكثر من إيران، وفقا لمعهد مراقبة السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي.

وتزعم بعض الكتب المدرسية الآن أن مقاطعة خوزستان الإيرانية، ذات الأهمية الاستراتيجية، هي في الواقع ملك للعرب، وهذا مؤشر خفي على أن مفهوم الوحدة العربية لا يزال على قيد الحياة في سوريا. وتقدم المدارس السورية بشكل متزايد دروس اللغة الروسية، في حين لا تزال دروس اللغة الفارسية غير موجودة.

اتبع المال

وتحتاج دمشق ما هو أكثر من الدعم العسكري في هذه المرحلة، فهي تحتاج إلى أموال للمساعدة في تمويل إعادة الإعمار بعد حرب أهلية مدمرة استمرت 8 أعوام. لكن إيران وروسيا كلاهما يواجه مشاكل بشأن المال.

ويعاني الاقتصاد الإيراني من ضائقة شديدة، ولن يتغير هذا في أي وقت قريب، نظرا لتأثير العقوبات الأمريكية. وفي الواقع، كانت هناك تقارير في وقت سابق من هذا العام تفيد بأن إيران كانت تكافح لدفع رواتب أعضاء "حزب الل"ه. وإذا لم تتمكن من تمويل حليفها المهم في لبنان، فكيف ستتمكن من إعادة بناء سوريا؟

وتكافح روسيا أيضا اقتصاديا. ونتيجة لذلك، كانت تشجع الغرب على المساعدة في تمويل إعادة إعمار سوريا، لكن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة رفضا الاستثمار في البلاد طالما بقي "الأسد" في السلطة.

وتعتبر الدول العربية الغنية بالنفط مصدرا آخر محتملا لرأس المال، ولكن بالنظر إلى العلاقة بين السعودية والإمارات من جهة وإيران من جهة أخرى، فمن المحتمل أن تربط هذه الدول أي استثمار في سوريا بالحد من دور إيران هناك.

ومع ذلك، تعهدت الرياض بمبلغ 100 مليون دولار لإعادة الإعمار في سوريا في أواخر العام الماضي، وهو جزء صغير من المبلغ المقدر بنحو 250 مليار دولار اللازم لإعادة بناء البلاد. لكن ذلك يعد علامة على أن السعوديين مستعدون للعب دور في هذه العملية.

ويبدو أن الإمارات تريد هي الأخرى دورا في تحديد مستقبل سوريا. وفي هذا الأسبوع فقط، ذكرت صحيفة "يني شفق" التركية أن الإمارات تشجع القبائل العربية في الرقة ودير الزور والحسكة على التعاون مع حزب العمال الكردستاني، في خطوة تهدف إلى دعم التحركات المناهضة للأتراك في سوريا.

لقد اجتمعت روسيا وإيران في السابق على مساعدة حليف مشترك لهزيمة عدو مشترك. وكما يقول المثل، عدو عدوي هو صديقي. لكن هذا الأساس ينهار عندما لا يعود العدو موجودا. ومن المفارقات إذن أن النصر غالبا ما يكون الخطوة الأولى نحو تحول الحلفاء ضد بعضهم البعض. لقد جمعت الحرب السورية بالفعل رفقة غريبة، ولكن ربما لا يستمر ذلك لفترة طويلة.

المصدر | جيوبوليتيكال فيوتشرز

  كلمات مفتاحية