ن.تايمز: لماذا يعد بن زايد أقوى حاكم عربي في الوقت الراهن؟

الأحد 19 مايو 2019 01:05 م

في عام 1991، في الأشهر التي تلت غزو العراق للكويت، جاء الأمير "محمد بن زايد" الذي كان حينها قائداً لسلاح الجو الإماراتي لا يكاد يعرفه حد، إلى واشنطن لشراء أسلحة.

أراد الأمير الشاب شراء الكثير من المعدات العسكرية، من صواريخ هيلفاير إلى مروحيات أباتشي وطائرات "إف-16"؛ لحماية ملكيته الغنية بالنفط، ما أثار قلق الكونغرس من احتمال زعزعة استقرار المنطقة.

لكن البنتاغون، الذي كان يحاول تقوية الحلفاء في الخليج، اعتبر الأمير "محمد" شريكاً واعداً، كان الأمير هو الابن المفضل لدى والده البدويّ شبه الأميّ الذي أسس دولة الإمارات، كما كان طيارًا مروحيًا دُرّب من قبل البريطانيين، يتسم بالجدية في التفكير، وكان قد نجح في إقناع والده بنقل 4 مليارات دولار إلى خزينة الولايات المتحدة للمساعدة في دفع تكاليف حرب الخليج عام 1991.

طمأن "ريتشارد كلارك"، مساعد وزير الخارجية آنذاك، المشرعين إلى أن الأمير الشاب لن يكون "عدوانياً" أبداً.

وقال السيد "كلارك" في شهادته أمام الكونجرس: "الإمارات ليست تهديداً حالياً للاستقرار أو السلام في المنطقة، ولن تكون كذلك أبداً، هذا صعب التخيل للغاية، في الواقع، فإن الإمارات هي قوة من أجل السلام ".

النفوذ الأسطوري

بعد 30 عامًا من ذلك الموقف، يمكن القول إن الأمير "محمد"، البالغ من العمر 58 عامًا، ولي عهد أبوظبي، الحاكم الفعلي لدولة الإمارات، هو أقوى زعيم في العالم العربي، وهو أيضًا من بين أكثر الأصوات الأجنبية نفوذاً في واشنطن، حيث يحث الولايات المتحدة على تبني نهجه العدواني المتزايد تجاه المنطقة.

يكاد الأمير "محمد بن زايد" يكون غير معروف للجمهور الأمريكي، ناهيك عن بلده الصغير الذي يبلغ تعداد سكانه أقل من مدينة أمريكية متوسطة، لكنه قد يكون أغنى رجل في العالم، فهو يسيطر على صناديق ثروة سيادية بقيمة 1.3 تريليون دولار، أيّ أكثر من أي دولة أخرى.

وتعد عملية التأثير التي يقوم بها في واشنطن أسطورية (أصبح السيد "كلارك" غنيًا بالنظر لكشوف الرواتب التي يتلقاها من جماعات الضغط)، فيما أصبح جيشه هو الأقوى في العالم العربي، حيث تم تجهيزه من خلال عمله مع الولايات المتحدة لإجراء عمليات مراقبة عالية التقنية وشن عمليات قتال بعيداً عن حدود بلاده.

على مدى عقود، كان الأمير حليفًا أمريكيًا رئيسيًا، يتبع خطى واشنطن، لكنه الآن يسير بطريقته الخاصة، حيث تنشط قواته الخاصة في اليمن، وليبيا، والصومال، وشمال سيناء في مصر.

وقد عمل على إحباط التحولات الديمقراطية في الشرق الأوسط، وساعد في تنصيب جنرال أوتوقراطي يُعتمد عليه في مصر، وعزز من حماية السلطة في السعودية.

في بعض الأحيان، كان الأمير يتناقض مع السياسة الأمريكية ويزعزع استقرار الدول الجارة، كما انتقدته جماعات حقوقية بسبب قيامه بسجن معارضين في الداخل، وبسبب دوره في خلق أزمة إنسانية في اليمن، ودعم الأمير السعودي الذي قتل عملاؤه الكاتب المعارض "جمال خاشقجي".

ولكن تحت إدارة "ترامب"؛ يبدو نفوذه في واشنطن أكبر من أي وقت مضى، ولديه علاقة وطيدة مع "ترامب"، الذي تبنى مرارًا آراء الأمير بشأن قطر وليبيا والسعودية، حتى إنه قدّمها على مشورة المسؤولين الحكوميين أو كبار موظفي الأمن القومي.

هوس بإيران و"الإخوان"

أما الدبلوماسيون الغربيون الذين يعرفون الأمير فيقولون إنه مهووس بعدوّين؛ إيران وجماعة "الإخوان المسلمون"، وقد سعى "ترامب" إلى التحرك بقوة ضد كليهما واتخذ الأسبوع الماضي خطوات لتجاوز معارضة الكونغرس لمواصلة بيع الأسلحة لكل من السعودية والإمارات.

وقال "بن رودس"، نائب مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس "باراك أوباما"، الذي أثار تعاطفه مع الربيع العربي ومفاوضاته مع إيران انتقادات شديدة من الأمير: "إن محمد بن زايد لديه طريقة غير عادية لدفع الأمريكيين لتبني مصالحه الخاصة. إنه يقدمها على أنها نصيحة جيدة حول المنطقة"، وفيما يتعلق بالتأثير في واشنطن قال إن "محمد بن زايد يحلق في مرتبة مرتفعة وحده".

عمل الأمير "محمد بن زايد" بجد قبل الانتخابات الرئاسية لاختراق الدائرة الداخلية لـ"ترامب"، وحصل على اجتماع سري خلال الفترة الانتقالية مع صهر الرئيس، "جاريد كوشنر".

وحاول الأمير أيضًا التوسط في محادثات بين إدارة "ترامب" وروسيا، وهي مناورة ورّطته لاحقًا في تحقيق المستشار الخاص "روبرت مولر" بشأن التدخل الأجنبي في الانتخابات.

اليوم، تم القبض على ما لا يقل عن 5 أشخاص يعملون لدى الأمير "محمد" في التحقيقات الجنائية التي نشأت عن ذلك التحقيق، ومع إنه كان زائرًا منتظمًا للولايات المتحدة منذ 3 عقود، ظل الأمير بعيدًا لمدة عامين ويرجع ذلك جزئيا لكونه يخشى أن يسعى المدعون العامون لاستجوابه هو أو معاونيه، وفقا لشخصين مطلعين على تفكيره.

يقول العديد من المدافعين الأمريكيين العديدين عن الأمير أنه من الحصافة منه أن يسعى لصياغة سياسة الولايات المتحدة، كما تفعل العديد من الحكومات، وأنه يرى تدخلاته على أنها محاولات جيدة للتعويض عن الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط.

لكن منتقدي الأمير "محمد" يقولون إن صعوده جاء مصحوبا بعواقب وخيمة، فالأمير الشاب الغامض الذي تبنته واشنطن كحليف قابل للتطويع، يعمل الآن على تأجيج نيران منطقته المضطربة.

ومن خلال تسليح الإمارات بالتكنولوجيا المتقدمة للمراقبة والقوات الخاصة تقول "تامارا كوفمان ويتيس"، المسؤولة السابقة في وزارة الخارجية وزميلة في معهد بروكينجز: "لقد خلقنا فرانكشتاين صغيرا".

أمير مثالي

يميل معظم أفراد العائلات المالكة العربية أن يكونوا بدناء مع ميل شديد للاستطراد في الحديث، كما يميلون لترك زوارهم لفترات انتظار طويلة، لكن الأمير "محمد بن زايد" يبدو مختلفا.

لقد تخرج في سن الثامنة عشرة من برنامج تدريب الضباط في أكاديمية ساندهيرست العسكرية البريطانية، ونجح في الحفاظ على رشاقته ولياقته البدنية، ويقال إنه يتبادل النصائح مع زواره حول أفضل آلات التمارين الرياضية، ولا يصل متأخراً أبداً لحضور اجتماع.

يصفه المسؤولون الأمريكيون دائمًا بأنه موجز، محب للاستطلاع، وحتى متواضع، إنه يصب قهوته الخاصة، ويوضح حبه لأمريكا، وأحياناً يخبر الزوار أنه ذهب بأحفاده إلى عالم ديزني متخفياً.

يخصص "محمد بن زايد" الوقت للمسؤولين الأمريكيين من ذوي الرتب الدنيا، ويستقبل كبار الشخصيات في المطار، وبابتسامة خجولة متمايلة، سوف يصحب ضيفه لجولة في بلده، ثم يصعد إلى طائرة مروحية ليطير به فوق ناطحات السحاب والبحيرات في دبي وأبوظبي.

تتذكر "مارسيل وهبة"، السفيرة الأمريكية السابقة لدى الإمارات العربية المتحدة الأمور قائلة: "كان هناك دائمًا انبهار بمحمد بن زايد".

لقد أشرف في العاصمة، أبوظبي، على حمّى البناء التي أخفت الساحل السابق وراء جزر من صنع الإنسان، تهدف أحدها أن تصبح حيا ماليا أقرب إلى وول ستريت، وتحوي أخرى الحرم الجامعي لجامعة نيويورك، وأفرع لمتحفي اللوفر وجوجنهايم.

وعندما يلتقي الأمريكيين؛ يحرص "محمد بن زايد" على توضيح الأمور التي تجعل الإمارات أكثر ليبرالية من جيرانها، فلدى النساء المزيد من الفرص، كما أن ثلث الوزراء من النساء.

وعلى عكس السعودية، تسمح الإمارات بإقامة الكنائس المسيحية ومعابد الهندوس والسيخ، ويرجع ذلك جزئياً إلى استبيابها لقوة عمل أجنبية هائلة. (يُقدر عدد سكان البلاد بتسعة ملايين نسمة، منهم أقل من مليوني مواطن؛ والباقي من العمال الأجانب).

ولتأكيد هذه النقطة، أنشأ الأمير العام الماضي وزارة للتسامح وأعلن هذه السنة "سنة التسامح"، وقد استضاف الأولمبياد الخاص، وبابا الفاتيكان "فرانسيس".

وقال الجنرال "جون ألين"، وهو قائد عسكري سابق في الجيش الأمريكي وحلف الناتو في أفغانستان ورئيس معهد بروكينغز حالياً: "أعتقد أنه قام بعمل رائع ليس فقط في تنويع الاقتصاد، ولكن في تنويع فكر السكان أيضًا"، وجدير بالذكر هنا أن الجنرال "ألين" عمل مستشارا لوزارة الدفاع في الإمارات.

ودولة الإمارات هي اتحاد صغير من دول مكونة من 7 إمارات، ومع ذلك فإن أبوظبي وحدها تحوي 6% من احتياطيات النفط المؤكدة في العالم، ما يجعلها هدفًا مغريا لجارة أكبر مثل إيران، وفي عام 1971، وبمجرد حصول الإمارات على استقلالها عن بريطانيا، استولى شاه إيران على 3 جزر متنازع عليها في الخليج.

في ذلك الحين، كانت جماعة "الإخوان المسلمون"، وهي حركة إسلامية عمرها 90 عامًا تأسست في مصر، قد أصبحت اتجاهاً سائداً في العديد من الدول العربية، وبالنسبة لـ"الإخوان"، يبدو أن مخاوف "محمد بن زايد" شخصية أكثر.

يذكر الأمير أن والده الشيخ "زايد آل نهيان" كلف عضوًا بارزًا في جماعة "الإخوان المسلمون" يدعى "عزالدين إبراهيم"، بأن يصبح مدرسًا له – أي لـ"محمد بن زايد"- لكن هذه التجربة جاءت بنتائج عكسية، كما يقول الأمير في كثير من الأحيان.

وأخبر "محمد بن زايد" الدبلوماسيين الأمريكيين الزائرين في عام 2007، كما جاء في برقية سرية كشفتها "ويكيليكس": "أنا عربي، أنا مسلم وأصلي، وفي السبعينيات وأوائل الثمانينات كنت واحداً منهم، أعتقد أن هؤلاء الرجال لديهم أجندة".

ويشعر الأمير بالقلق من جاذبية الإسلام السياسي بالنسبة لشعبه، وسبق أن زعم "بن زايد" إن 80% من جنود جيشه يمكن أن يستجيبوا لنداء "رجل دين في مكة"، كما قال ذات مرة للدبلوماسيين الأمريكيين، وفقًا لبرقية نشرتها "ويكيليكس".

لهذا السبب، يقول دبلوماسيون، إن الأمير "محمد" قد جادل منذ فترة طويلة أن العالم العربي ليس مستعداً للديمقراطية؛ لأن الإسلاميين سيفوزون في أي انتخابات.

وقال " بن زايد" في اجتماع عام 2007 مع مسؤولين أمريكيين: "في أي بلد مسلم، سترى نفس النتيجة، الشرق الأوسط ليس كاليفورنيا".

بدأت دولة الإمارات في السماح للقوات الأمريكية بالعمل من قواعد داخل البلاد خلال حرب الخليج عام 1991، ومنذ ذلك الحين، تم نشر القوات الخاصة والقوات الجوية للإمارات مع نظيرتها الأمريكية في كوسوفو والصومال وأفغانستان وليبيا، وكذلك في العراق ضد تنظيم "الدولة الإسلامية".

وقام "بن زايد" بتجنيد القادة العسكريين الأمريكيين لإنشاء أجهزة استخباراته، كما حصل على أسلحة في السنوات الأربع التي سبقت عام 2010 أكثر مما حصلت عليه جميع الممالك الخليجية الخمسة الأخرى مجتمعة، بما في ذلك 80 مقاتلة من طراز "إف-16 "، و30 مروحية من طراز "أباتشي"، و62 من طائرات "ميراج" الفرنسية.

ونتيجة لذلك، يصف بعض الضباط الأمريكيين الإمارات بأنها "إسبرطة الصغيرة"، ومنهم وزير الدفاع الأمريكي السابق "جيمس ماتيس".

وبنصيحة من كبار القادة العسكريين السابقين ومنهم "ماتيس" والجنرال "ألين"، طور "محمد بن زايد" صناعة دفاعية إماراتية، حيث أنتج مركبة مدرعة برمائية تعرف باسم "وحش" يقدمها بالفعل للعملاء في ليبيا ومصر.

وأخبر ولي عهد أبوظبي المسؤولين الأمريكيين أنه يرى (إسرائيل) حليفا ضد إيران و"الإخوان المسلمون"، وقد وثقت به (إسرائيل) بما يكفي لتبيعه ترقيات لطائراته "إف-16"، فضلاً عن برامج التجسس المتقدمة.

بالنسبة للكثيرين في واشنطن، أصبح الأمير "محمد" أفضل صديق لأمريكا في المنطقة، وهو شريك وفي يمكن الاعتماد عليه للقيام بمهام تتراوح من مواجهة النفوذ الإيراني في لبنان إلى تمويل البناء في العراق.

ويتذكر "ريتشارد ج. أولسون"، سفير الولايات المتحدة السابق في أبوظبي، قائلاً: "كان من المعروف أنه إذا كنت بحاجة إلى القيام بشيء ما في الشرق الأوسط، فإن الإماراتيين سيفعلون ذلك".

إبراز النفوذ

وقال مساعدون في البيت الأبيض إن الأمير "محمد" بدا كأنه وجد شخصاً يتشارك معه في أشياء عديدة عندما تولى الرئيس "باراك أوباما" منصبه عام 2009، كلاهما كان مستقلاً، تحليلياً ومفتتناً بالأسئلة الكبيرة.

وسعى "أوباما" لبعض الوقت إلى إجراء محادثات هاتفية مع الأمير "محمد" أكثر من أي زعيم أجنبي آخر، كما أشار العديد من كبار المسؤولين في البيت الأبيض، لكن الربيع العربي حال بينهما.

اجتاحت الانتفاضات المنطقة، وكان "الإخوان المسلمون" يفوزون في الانتخابات، وبدا أن "أوباما" يؤيد مطالب الديمقراطية، رغم أنه في سوريا،  حيث هددت الانتفاضة النظام السوري عدو الإماراتيين، رفض العمل العسكري.

ثم اتضح أن إدارة "أوباما" انخرطت في محادثات نووية سرية مع إيران.

وقال "ستيفن هادلي"، مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس "جورج بوش"، والذي كان على مقربة من الأمير: "لقد شعروا أنه لم يتم تجاهلهم فحسب، بل شعروا بالخيانة من قبل إدارة أوباما، وأعتقد أن الأمير محمد شعر بذلك بشكل خاص وشخصي".

بعد الانتفاضات، رأى "محمد بن زايد" أن الإمارات هي الدولة الوحيدة من بين 22 دولة عربية التي لا تزال واقفة على قدميها، مع وجود حكومة مستقرة واقتصاد وظيفي فعال، وجيش عسكري متمكن و"أيديولوجية معتدلة"، كما قال "عبدالخالق عبدالله"، وهو أكاديمي إماراتي متصل بكبار المسؤولين في البلاد.

وأضاف: "دولة الإمارات هي جزء من هذه المنطقة الخطيرة للغاية التي تزداد خطورة يومًا بعد يوم، مع امتلائها بالفوضى والحروب والمتطرفين، وبالتالي كان الدافع هو: إذا لم نلاحق الأشرار، فسوف يلاحقوننا هم".

في الداخل، وظف الأمير "محمد "شركة مرتبطة بـ"إريك برنس"، مؤسس شركة الأمن الخاصة المعروفة سابقًا باسم "بلاكووتر"، لإنشاء قوة من المرتزقة الكولومبيين والجنوب أفريقيين وغيرهم، وقام بسحق أي لمحة من معارضة، واعتقل 5 ناشطون لقيامهم بتنظيم عريضة إصلاحات ديمقراطية (وقّع عليها 132 شخصًا فقط) وسجن العشرات من المشتبه في تعاطفهم مع "الإخوان المسلمون".

صعّدت دولة الإمارات من آلة النفوذ الخاصة بها في واشنطن أيضًا ودفعت ما يصل إلى 21 مليون دولار في عام 2017، كما أبرزت حسن النية من خلال التبرعات بملايين الدولارات بعد الكوارث الطبيعية، وسعت إلى تأطير النقاش العام من خلال إعطاء ملايين الدولارات لمراكز الفكر الكبرى.

وتلقى معهد الشرق الأوسط مؤخرًا 20 مليون دولار، ورئيسه هو السيد "كلارك"؛ المسؤول الأمريكي السابق الذي دفع باتجاه تعاقدات دفاعية مع الإمارات، وبعد تركه الحكومة في عام 2003، أسس أيضًا شركة استشارية تعد الإمارات أحد عملائها الرئيسيين.

وحشد السفير الإماراتي "يوسف عتيبة" معارفه الكثيرين في البيت الأبيض وفي الكونغرس، بحجة أن "أوباما" كان يتنازل عن المنطقة للمتطرفين وإيران.

وقد صعد الأمير نفسه القضية على أعلى المستويات، حيث يسترجع وزير الدفاع السابق "روبرت غيتس" في مذكراته قائلاً: "لقد اشتكى لي بغضب".

أما في الشرق الأوسط، فلم يكتفِ "محمد بن زايد" بالكلام، ففي مصر، أيد استيلاء الجيش على السلطة في عام 2013 والذي أزال رئيساً منتخباً كان قيادياً في جماعة "الإخوان المسلمون".

وفي القرن الأفريقي، أرسل قوة إلى الصومال أولاً لمكافحة القرصنة ثم لمحاربة المتطرفين، وواصل إنشاء موانئ تجارية أو قواعد بحرية حول خليج عدن.

وفي ليبيا، تحدى الأمير "محمد" الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة وقام بتسليح قوات الزعيم الميليشيوي "خليفة حفتر"، ونفذ الطيارون الإماراتيون غارات جوية في طرابلس، وأنشأوا في نهاية المطاف قاعدة جوية في شرق ليبيا.

وقالت "مارسيل وهبة"،  السفيرة الأمريكية السابقة بأبوظبي، إن الأمير كان يبحث في الماضي عن "ضوء أخضر" من واشنطن، لكنه الآن "لم يعد يطلب إذنًا".

وطالما اختلفت السعودية مع دولة الإمارات بخصوص الحدود، وبما أنها أثقل دولة في المنطقة، فقد قيدت أيضًا السياسة الخارجية للإمارات، وبحلول نهاية عام 2014، كان منصب ولي العهد قد انتقل إلى عدو معروف للأمير الإماراتي.

لذا، ألقى "محمد بن زايد" بثقله في معركة الخلافة السعودية الداخلية وشن حملة ضغط شاملة في واشنطن نيابة عن بديل غير معروف جيداً آنذاك الأمير "محمد بن سلمان" الذي كان يبلغ من العمر 29 عامًا؛ والابن المفضل للملك السعودي المسن.

ويتذكر "بن رودس"، مستشار "أوباما": "كانت رسالة محمد بن زايد كالتالي: إذا كنت تثق بي وتحبني، فستحب هذا الرجل لأنه من مشابه لي جداً".

بحلول مارس/آذار 2015، غزا الأميران اليمن معًا لدحر فصيل متحالف مع إيران، ثم في عام 2017، وبعدما عزز الأمير السعودي سلطته، قطعا معا جميع العلاقات التجارية والدبلوماسية مع قطر للضغط عليها للتخلي عن دعمها لجماعة "الإخوان المسلمون".

ويذكر "بن رودس" ومسؤولون سابقون آخرون أن النزاعات مع اليمن وقطر توصف بشكل روتيني على أنها بقيادة السعودية، لكن الأمير الإماراتي هو من سعى أولاً إلى الترويج لها في واشنطن.

بحلول أواخر عام 2015، كما يقول الدبلوماسيون الأمريكيون، كان الأمير "محمد" يروج أيضا إلى أن دولة الإمارات بمشاركة القيادة السعودية الجديدة يمكن أن يساهما في دفع الفلسطينيين إلى اتفاق سلام جديد.

لكن لهذا السبب، انتظر الأمير "محمد" إدارة أمريكية جديدة.

كل رجال الأمير

كان يفترض أن يكون هناك وداع شخصي بين الأمير "محمد" والرئيس "أوباما"، فعلى الرغم من خلافاتهما الحادة، لكنهما حافظا على علاقة ودودة، ووفقًا لأربعة من كبار المسؤولين في البيت الأبيض، فإن الرئيس "أوباما" كان يعتقد أنه و"بن زايد" يتبادلان الاحترام تجاه بعضهما البعض، لذلك، فعندما طلب الأمير مقابلة "أوباما" في اجتماع أخير، وافق "أوباما" على عقد مأدبة غداء جمعتهما في البيت الأبيض في ديسمبر/كانون الأول 2016.

لكن الأمير "محمد" تراجع عن طلبه فجأة وبدون أي تفسير، وتوجه بدلًا من ذلك إلى نيويورك لمقابلة "جاريد كوشنر" للمرة الأولى مع مستشارين آخرين للرئيس المنتخب "دونالد ترامب".

لترتيب تلك الاجتماعات لجأ الأمير "محمد" إلى خبير مالي، هو "ريتشارد غيرسون"، مؤسس شركة "فالكون إيدج كابيتال"، وهو الذي كان يعمل مع الأمير لسنوات وكان أيضًا صديقًا لـ"كوشنر".

"سأظل دائمًا هنا، قناة تواصل خلفية سرية للعائلة، تستطيع دائمًا أن تثق بها في حالة قررت أن تمرر شيئًا في السر".. كان ذلك نص الرسالة التي أرسلها السيد "غيرسون" إلى الأمير بعد انتخابات الرئاسة الأمريكية في رسالة نصية خاصة؛ وهي الرسالة التي سيقدمها طرف ثالث فيما بعد إلى صحيفة "التايمز"، وسيؤكد محتواها طرف آخر مستقل.

واختتم "غيرسون" رسالة نصية أخرى سربت كان قد أرسلها إلى "بن زايد" بتوقيع: "جنديك المخلص".

زيارة الأمير المفاجئة إلى نيويورك كان من المفترض أن تكون سرية، ولكن وكالات الاستخبارات رصدت وصول الأمير، الأمر الذي أصاب مستشاري الرئيس "أوباما" بالذهول.

ولكن الأمير كان قد بدأ بالفعل في سعيه لنقض سياسات الإدارة القديمة، والتحدث مع مستشاري "ترامب" حول مخاطر إيران، وحول محادثات السلام الفلسطينية، وفقًا لما صرح به مصدران مطلعان على تلك الاجتماعات.

بل إن الأمير "محمد" كان يقدم نفسه كوسيطٍ مع روسيا أيضًا.

فوفقًا لتحقيق المستشار الخاص، قام أحد إخوة الأمير "محمد" الأصغر سنًا بتقديم السيد "غيرسون" إلى رجل أعمال روسي والذي يعمل كحلقة وصل بين الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" وملوك الخليج.

تباحث رجل الأعمال الروسي "كيريل ديميتريف" مع "غيرسون" حول "خطة مصالحة" بين الولايات المتحدة وروسيا، الخطة التي تلخصت في صفحتين قدمهما "غيرسون" إلى "كوشنر" قبل فترة قصيرة للغاية من خطاب التنصيب.

رفض السيد "غيرسون" التعليق على هذا المقال.

في الشهر التالي، دعا "محمد بن زايد" رجل الأعمال الروسي "ديميتريف" إلى منتجع اماراتي في سيشيل للقاء شخصٍ آخر اعتقدوا أنه يمثل فريق "ترامب"؛ هو "إريك برنس"، مؤسس شركة "بلاكووتر" الذي كان مسؤولاً عن تجنييد مرتزقة لصالح دولة الإمارات.

لا يزال السبب وراء سعي الأمير "محمد بن زايد" إلى ربط روسيا بدائرة "ترامب" محل جدل، ولكن الأمير عمل لسنوات محاولًا إستمالة "بوتين" بعيدًا عن إيران، وفقًا لدبلوماسيين أمريكيين ورسائل البريد الإلكتروني المسربة من سفير الإمارات في واشنطن.

ولكن مايزال المدعون العامون يحققون في أنشطة عملاء آخرين ووسطاء يعملون لدى الأمير، حاولوا دس أنفسهم حول "ترامب".

كما لا يزال المحققون يبحثون في اتصالات بين الحملة وبين خبير إسرائيلي متخصصٍ في التلاعب بوسائل التواصل الاجتماعي، والذي عمل مع الأمير "محمد" ورجل أعمال لبناني أمريكي كان يعمل كمبعوثه الخاص، بينما يحقق آخرون فيما إذا كان يتوجب على أحد كبار المتبرعين الجمهوريين والذي عملت شركته الأمنية لصالح الأمير، أن يسجل نفسه كأحد وكلائه.

كما قام مكتب المستشار الخاص باستجواب "رشيد مالك"، وهو مطور عقاري إمارتي مقيم في لوس أنجلوس، وأحد المقربين من الأمير "محمد بن، زايد" وشقيقه "طحنون بن زايد".

ويعد "مالك" صديقا مقربا أيضًا لـ"توم باراك "، صديق "ترامب"، ويحاول المحققون الوصول إلى ما إذا كان "مالك" جزءًا من مخطط نفوذٍ غير قانوني للإمارات وفقًا لما أدلى به مصدران مطلعان.

ويبحث تحقيق آخر احتمالية قيام الإمارات باستخدام تقنيات التجسس الإلكتروني من عملاء أمريكيين سابقين للتجسس على المواطنين الأمريكيين.

ومع ذلك، لم تتضرر علاقة ولي عهد أبوظبي مع إدارة "ترامب"، ففي غضون عامين ونصف العام منذ أول لقاء له مع" كوشنر"، تلقى الأمير "محمد" كل شيء طلبه تقريبًا من البيت الأبيض.

زراعة الفوضى

في كل شتاء، يدعو "محمد بن زايد" رجال الأعمال والمسؤولين السابقين إلى أبوظبي لصالون يبرز تأثيره العالمي.

وقد شملت قائمة الضيوف في ديسمبر/كانون الثاني الماضي رئيس الوزراء البريطاني الأسبق "توني بلير"، والرئيس الفرنسي الأسبق "نيكولا ساركوزي"، ووزيرة الخارجية الأمريكية السابقة "كوندوليزا رايس"، "وستيفن هادلي"، مستشار الأمن القومي في عهد إدارة بوش، والمستثمرون الأمريكيون "محمد العريان"، و"ديفيد روبنشتاين"، و"توماس كابلان"، وعالم الكمبيوتر الصيني والمستثمر "كاي فو لي".

وفي غير تهيّب؛ ضم الاجتماع "ديمترييف"، رجل الأعمال الروسي المرتبط بالرئيس الروسي.

لم تسهم تدخلات الأمير "محمد" بعد الربيع العربي في استقرار المنطقة، وقد عاد أحد المساعدين الذين أرسلهم إلى القاهرة للمساعدة في تحسين الاقتصاد المحتضر، في حالة من الإحباط.

ولا تزال الحكومة المصرية المدعومة من الجيش تعتمد على مليارات الدولارات سنوياً كمساعدات من الإمارات وحلفائها في الخليج، وعلى الرغم من المساعدة الإماراتية والغارات الجوية الإسرائيلية، لم تقم القاهرة حتى الآن بقمع رد الفعل العنيف للمتشددين المتمركزين في شمال سيناء.

كما فشل عزل قطر في تغيير سياساتها، وفي ليبيا، يعلق "خليفة حفتر" في وحل مأزق دموي.

وأدى مسعى " بن زايد" في القرن الأفريقي إلى تنافس على التأثير مع خصومه مثل تركيا وقطر.

وفي الصومال انتقلت القوات الإماراتية إلى المناطق شبه المستقلة في بونتلاند وصوماليلاند، بعد مزاعم الرشوة من قبل الحكومة المركزية الهشة.

كما استبدلت جيبوتي مديري الموانئ الإماراتيين لصالح منافسين صينيين العام الماضي، بدعوى الإهمال.

وقال "بروس ريدل"، الباحث في معهد بروكينجز والمسؤول السابق في وكالة الاستخبارات المركزية: "إنه يعتقد أنه مكيافيلي لكنه يتصرف مثل موسوليني".

أما بالنسبة للسعودية، فقد شعر الأمير الإماراتي بالحرج من استنتاج وكالات الاستخبارات الأمريكية بأن الحاكم السعودي الذي يرعاه قد أمر بالقتل الوحشي لـ"جمال خاشقجي" (المعارض السعودي الذي كان مقيماً في فرجينيا وكاتب العمود في "واشنطن بوست")، كما تحول تدخلهما المشترك في اليمن منذ 4 سنوات إلى مستنقع، مع خسائر مدنية مروعة.

وقال النائب الديمقراطي من كاليفورنيا "رو خانا" إن "دولة الإمارات هي وصمة عار على الضمير العالمي، وهي دولة تنتهك كل قواعد العالم المتحضر".

ومع ذلك، لا تزال مكانة الأمير قوية داخل إدارة "ترامب"، وتعد مقترحاته للسلام الإسرائيلي - الفلسطيني، والتي تجاهلتها إدارة "أوباما" هي جوهر خطط "كوشنر" الناشئة.

وأيد "ترامب" مواقف الأمير الإماراتي مرارًا وتكرارًا، من خلال تأييده للحاكم السعودي الذي يتبناه حتى بعد مقتل "خاشقجي"، ومن خلال الإشادة بعزل قطر حتى عندما عارضه وزير الخارجية ووزير الدفاع الأمريكيان علنًا، وعبر إلغاء الصفقة النووية مع إيران، والسعي لتصنيف جماعة "الإخوان المسلمون" جماعة إرهابية، ومن خلال استخدام حق الفيتو ضد قرار الكونغرس بقطع الدعم العسكري الأمريكي للقوات السعودية والإماراتية في اليمن.

في الشهر الماضي، أيد "ترامب" علنًا زعيم الميليشيا المفضل لدى الإمارات بعد يوم واحد من مكالمة هاتفية مع الأمير "محمد" رغم دعوات وزير الخارجية له بالتراجع في وقت سابق.

وفي الشهر الماضي، ألقى "جيمس ماتيس"، وزير الدفاع السابق، محاضرة في أبوظبي برعاية الأمير "محمد بن زايد"، وعندما التحق "ماتيس" بإدارة ترامب، كشف أنه تلقى 242 ألف دولار كمدفوعات سنوية بالإضافة إلى حيازة أسهم بوصفه عضوا في مجلس إدارة شركة "جينيرال ديناميكس" الدفاعية، التي تتعامل مع أبوظبي على نطاق واسع، كما عمل مستشارا غير مدفوع لولي عهد أبوظبي.

وقال "ماتيس" في أبوظبي: "إنها سنة التسامح، كم دولة في العالم في العالم حالياً لديها سنة من التسامح؟".

وأضاف: "لا أعرف دولاً كذلك، أنتم الآن قدوة".

المصدر | ديفيد كيركباتريك - نيويورك تايمز

  كلمات مفتاحية