كيف يمكن تجنب الحرب بين أمريكا وإيران؟

الأحد 19 مايو 2019 03:05 م

وصلت التوترات المتصاعدة بين واشنطن وطهران مؤخرا إلى نقطة الغليان، مما دفع العديد من المراقبين إلى التساؤل عما إذا كانت الفصائل الرئيسية في كل حكومة تأمل حقا في مواجهة عسكرية، أو ما إذا كان سوء التقدير وسوء الفهم قد يؤدي إلى اشتعال غير مقصود لصراع لا أحد يريده.

وتتصاعد هذه الاحتكاكات بشكل مطرد منذ عدة أعوام، ولكنها اشتدت التوترات بانتخاب "دونالد ترامب" رئيسا للولايات المتحدة، وقيامه بحملة للتنديد بإيران وبالاتفاق النووي الذي وقعه سلفه "باراك أوباما". وبعد فترة وجيزة من تنصيب "ترامب"، هدد مستشار الأمن القومي الأول، الجنرال المتقاعد "مايكل فلين"، إيران بأن حقبة جديدة من الضغط الأمريكي قد أصبحت وشيكة. وقد توج ذلك بالإعلان عن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في مايو/أيار 2018، وبدء حملة "الضغط الأقصى" ضد طهران، التي جاءت بشكل رئيسي في شكل عقوبات اقتصادية أمريكية جديدة.

وكانت دول الخليج العربية تشعر بالقلق إزاء مفاوضات الرئيس "باراك أوباما" النووية مع إيران. ويعزى ذلك إلى حد كبير إلى أنها لم تحاول معالجة سلوك إيران الإقليمي وطموحات الهيمنة. ومع ذلك، لم تحث هذه البلدان الولايات المتحدة في البداية على الانسحاب من الخطة، التي كانت تأمل في أن يتم استخدامها كوسيلة لتغيير سياسات إيران الإقليمية. وليس هناك دليل على أن أيا من الحكومات العربية الخليجية كانت تروج لصراع عسكري بين واشنطن وطهران.

ويبدو أن دول الخليج العربية تفهم حدود ما قد تكون واشنطن مستعدة لفعله، ما لم تتعرض للهجوم، فيما يتعلق بإيران. ويبدو أنهم يدركون تمام الإدراك أن احتلال الولايات المتحدة لإيران وغزوها، على غرار غزو العراق عام 2003، ليس في حسابات أمريكا. ويبدو أنهم يدركون أن سلسلة من الاشتباكات العسكرية غير الحاسمة، مثل الضربات الجوية، أو المناوشات، قد تجعلهم في وضع أسوأ مما هم عليه بالفعل. ويبدو أنهم يفهمون، ربما أفضل من بعض المسؤولين الأمريكيين، أن تغيير النظام لا يمكن فرضه من الخارج على دولة كبيرة ومنظمة تنظيما جيدا، لا سيما من خلال الضغط المالي والمكائد السياسية.

وبالتالي، فإن ما تسعى إليه دول الخليج العربية بلا شك هو ما تقول في الواقع إنها تريده، وهو أنها لا تريد تغيير النظام على هذا النحو، بل ترغب في تغيير كبير في سياسات إيران الإقليمية والخارجية، لاسيما وضع حد للتدخل الإيراني في العالم العربي، الذي يزعزع استقرار الدول العربية المجاورة من خلال الميليشيات غير الحكومية والجماعات المسلحة الطائفية، والجهود المبذولة لتصدير أجندتها الثورية إلى المنطقة. وبينما ترحب دول الخليج العربية بمجموعة واسعة من الضغوط الأمريكية وغيرها من الضغوط على إيران لتحقيق هذا الهدف، لا يبدو أنها تضغط على واشنطن باتجاه نزاع عسكري شامل.

رؤى متباينة

وكما هو الحال دائما، توجد مجموعة من وجهات النظر داخل دول مجلس التعاون الخليجي الـ 6 وفيما بينها. وتعد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين الأقوى في معارضة أجندة إيران الإقليمية بشكل قاطع. فلطالما اضطرت قطر إلى تعديل سياساتها تجاه إيران بسبب حقل الغاز الطبيعي المشترك الذي يمد الدوحة بكل دخلها تقريبا. ومنذ أن بدأت المقاطعة بقيادة السعودية والإمارات ضدها في يونيو/حزيران 2017، استفادت قطر من طرق الطيران المدني التي وفرتها إيران مع غيرها من الفوائد. ولطالما حافظت سلطنة عمان على علاقات جيدة مع إيران، وقد رسخت الكويت نفسها كوسيط خليجي مع الإيرانيين.

ورحب بعض زعماء دول الخليج العربية بالعقوبات الأمريكية وحملة "أقصى ضغط" ضد إيران، الأمر الذي أدى إلى تناقص الموارد اللازمة لطهران لتمويل وكلائها المسلحين في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وأماكن أخرى من العالم العربي. ولكن هناك قلق حقيقي لدى القادة الخليجيين الرئيسيين من إمكانية تبديد مكاسب هذه الحملة دون وجود آلية سياسية لترجمتها إلى اتفاقيات تتضمن تغييرات في سلوك إيران.

ومن المؤكد أن هذه الدول سترحب بتصريحات كبار القادة الأمريكيين والإيرانيين بأن أيا من الدولتين لا تريد أو تتوقع حربا، حتى لو الفصائل الأصغر في كلا البلدين قد ترحب بمواجهة عسكرية محدودة لأغراض سياسية أو أيديولوجية محلية. ومع ذلك، يستمر المسؤولون الأمريكيون والإيرانيون في اتهام بعضهم البعض بمحاولة إثارة مواجهة واسعة النطاق. وقد ارتفعت التوترات إلى الحد الذي قد يؤدي فيه سوء التقدير أو سوء الفهم إلى نزاع غير مقصود.

وفي الأيام الأخيرة، تبدو السعودية، وأقرب حلفائها، قلقين بشكل متزايد من احتمال نشوب صراع عسكري مفتوح. وربما كانت أقوى إشارة على ذلك هي مقالة صحيفة "نيويورك تايمز"، الذي تشارك في كتابتها المحلل السعودي "عبد العزيز صقر"، والدبلوماسي الإيراني السابق "حسين موسويان"، وكل منهما معروف أنه قريب من القادة في بلاده.

وقد كتب "صقر" و"موسويان" أن "الوقت قد حان لاستكشاف أساس جديد لسلام دائم في منطقتنا". ويشير مقالهما الافتتاحي إلى الطريق إلى أهمية تجديد الحوار بين طهران وواشنطن، مع إشارات إلى أن السعودية قد تكون منفتحة على مثل هذه العملية مع إيران، مما يعني أن واشنطن يجب أن تكون كذلك. ويعد ذلك أيضا علامة واضحة على أن الرياض لا تريد أن يتم النظر إليها على أنها تعمل جنبا إلى جنب مع (إسرائيل)، التي لديها مجموعة مختلفة تماما من المخاوف والأولويات، تدفع من خلالها إدارة "ترامب" إلى الحرب.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا يأتي في وقت يتزايد فيه الغضب والقلق في الخليج العربي في ضوء الهجمات التخريبية الأخيرة التي استهدفت ناقلات نفط دولية قبالة ساحل الإمارات، إضافة إلى هجمات الطائرات الحوثية بدون طيار ضد محطات ضخ النفط السعودية. ولكن حتى في حين تثير مثل هذه الهجمات الغضب، إلا أنها تعمل أيضا بمثابة تذكير مفيد بتكلفة الصراع.

مسار بديل

ولا يشير تعليق "صقر" و"موسويان" إلى تقدير هذه التكاليف فحسب، ولكنه يؤكد فعليا وجود "مسار ثانٍ" شائع بين الدبلوماسيين الخليجيين العرب والإيرانيين ذوي النفوذ. ويشير هذا إلى أن كلا الطرفين مستعد للمفاوضات للوصول إلى حدود ما يمكن تحقيقه في ظل الظروف الحالية. وكان "ترامب"، أيضا، قد شن حملة من الانتقادات ضد الالتزامات الأجنبية واسعة النطاق لبلاده مثل حرب العراق وأفغانستان، ومن غير المرجح أن يتطلع إلى صراع يمكن تجنبه مع إيران. ومع ذلك، فمن المحتمل أن المتشددين في إدارته، مثل مستشار الأمن القومي "جون بولتون" وغيره، وكذلك المتطرفين في إيران، قد يدفعوا الوضع إلى نقطة تحول.

وفي الماضي، لعبت سلطنة عمان دورا حاسم الأهمية في توفير مكان للمفاوضات الأمريكية الإيرانية. وإذا كانت الأطراف تبحث عن حل قبل أن يتسع الحريق بشكل لا تريده ولا تحتاجه تلك الأطراف، فيمكن فعل ذلك مرة أخرى. ويمكن للأوروبيين أيضا أن يلعبوا دورا مفيدا في تطوير تفاهم جديد مع إيران يعتمد على "الجزرة والعصا" الاقتصادية والتجارية التي تحافظ على امتثال إيران لالتزامات "خطة العمل المشتركة الشاملة". ويمكن بعد ذلك توسيع هذا ليشمل الشواغل الرئيسية في ذهن إدارة "ترامب" وحلفائها في الشرق الأوسط، وهما سلوك إيران الإقليمي، وتطوير الصواريخ. وفي الماضي، كان حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيون بمثابة المحاورين الأوائل مع طهران، حيث وضعوا الإطار الأساسي للاتفاقات التي ضمت واشنطن فيما بعد. ويمكنهم أن يلعبوا هذا الدور مرة أخرى. ويمكن لروسيا، التي تربطها علاقات جيدة مع كل من إيران ودول الخليج العربية، وكذلك "ترامب" شخصيا، أن تكون جسرا مفيدا لتجنب المواجهة التي تلوح في الأفق.

وقد يخدم حل الحرب اليمنية، أو على الأقل إحراز بعض التقدم نحو إنهاء النزاع عن طريق التفاوض مصالح كل من دول الخليج العربية وإيران، وقد يكون نقطة انطلاق جيدة. ولقد ظهر الأمن البحري أيضا كحتمية متبادلة واضحة يمكن استكشافها بحذر بين السعودية وحلفائها من جهة وإيران وحلفائها من جهة أخرى.

ويبدو أن هناك محاولة لتهدئة الأعصاب المتوترة، في الوقت الذي يستمر فيه "ترامب" في ترك الباب مفتوحا للمحادثات مع إيران. وتشير التقارير إلى أنه تراجع بقوة عن الأخذ بآراء المستشارين المتشددين. وقال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، "أنور قرقاش"، إن بلاده "ملتزمة بشدة بتهدئة التصعيد"، ولا ترغب في أزمة. وإذا أمكن تطوير مسار شرق أوسطي أو أوروبي أو روسي فعال وديناميكي مع إيران، فقد يعمل على تقليل التوترات ويمكن أن يضع الأساس لحوار مباشر جديد بين واشنطن وطهران. وفي الأخير، تبدو جميع الأطراف قريبة بشكل خطير من صراع لا يريده أحد أو يحتاجه أي طرف، لكن من المطمئن أن نرى أن هناك بعض الأصوات البناءة المتمركزة في مواقع جيدة تبحث بالفعل بجدية عن مخرج بديل.

المصدر | حسين آيبش - معهد دول الخليج العربي في واشطن

  كلمات مفتاحية