لماذا تعزز دول الخليج نفوذها حول المحيط الهندي؟

الأحد 19 مايو 2019 07:05 ص

في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، ستتولى دولة الإمارات الرئاسة الدورية لرابطة الدول المطلة على المحيط الهندي لمدة عامين.

وستكون هذه هي المرة الأولى الذي تتولى فيها دولة الإمارات الرئاسة منذ عضويتها في الرابطة في عام 1999 والمرة الثانية التي تتولى فيها دولة خليجية رئاسة المنظمة الإقليمية؛ بعد سلطنة عمان في الفترة (2001 - 2002).

ويبرز هذا الحدث الدبلوماسي تطوراً كبيراً في السياسات الخارجية الخليجية، وهو الدور المتزايد الذي تلعبه دول الخليج العربية في منطقة المحيط الهندي.

ومن خلال الاستثمار السياسي والاقتصادي في دول المحيط الهندي الصغيرة، سواء على شواطئها الأفريقية والآسيوية، ومن خلال بناء علاقات أوثق مع القوتين الرئيسيتين في المنطقة، الهند والصين، تقوم كل من السعودية وقطر والإمارات بوضع نفسها كجهات فاعلة محورية في المنطقة.

وهذا التطور له تداعيات مباشرة على الولايات المتحدة، نظرًا لأن إدارة الرئيس "دونالد ترامب" صنفت منطقة المحيط الهادئ الهندية كأولوية إقليمية لها في إستراتيجية الأمن القومي لعام 2017، فإن التفهم والتعامل مع الدور المتنامي للشركاء الخليجيين في المنطقة يعد أمرا مهما.

التأثير على الدول الصغيرة

على مدار السنوات الخمس الماضية، استخدمت الرياض والدوحة وأبوظبي جميع أدوات القوة - الثقافية والاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية - لدفع أجنداتها في المحيط الهندي.

يتضح هذا من خلال التنافسات الخليجية الموثقة في القرن الأفريقي، حيث أثرت عقود الموانئ واتفاقيات القواعد العسكرية واستثمارات البنية التحتية بشكل متزايد على المشهد السياسي المحلي في دول القرن.

تسارع هذا الاتجاه بعد عام 2015، عندما أدت الحرب في اليمن والمتطلبات التشغيلية للهجمات البرمائية على الساحل اليمني إلى نشر السعودية والإمارات قوات مسلحة في الدول الأفريقية القريبة مثل إريتريا والصومال، وجيبوتي.

وفي بعض الأحيان كانت هذه البصمة الخليجية عامل استقرار، فعلى سبيل المثال، لعبت السعودية والإمارات دوراً فعالاً في تسهيل التوصل إلى اتفاق سلام بين إريتريا وإثيوبيا في يوليو/تموز 2018، لكنها أدت في أحيان أخرى إلى تفاقم النزاعات المحلية؛ ففي الصومال، كان للصراع بين قطر والإمارات تأثير كبير على السياسات الداخلية للبلاد.

توضح جزر سيشل والمالديف كيف تقوم دول الخليج العربية بشكل متزايد بتنسيق العقود التجارية والمساعدات التنموية مع استراتيجياتها في المحيط الهندي، من خلال الجمع بين الاستثمارات الاقتصادية في العقارات والبنية التحتية للنقل الجوي والبحري، أصبحت دول الخليج العربية داعمًا حاسمًا لتطوير هذه الجزر الصغيرة.

وتحمل هذه الاستثمارات بعدا ربحيا حيث إن جزر المالديف وسيشيل هي مقاصد سياحية شهير للمواطنين الخليجيين ومجتمعات المغتربين الأثرياء، لكنها تحمل أبعادا سياسيا أيضا، حيث كانت جزر المالديف من بين الدول الست التي شاركت في مقاطعة قطر في يونيو/حزيران 2017.

التحالفات مع القوى الكبرى

ومع زيادة تأثير دول الخليج العربية في الدول الصغيرة للمحيط الهندي، كان الاتجاه الذي يتبع ذلك في سياساتها الإقليمية هو التقارب مع القوى الكبرى في المنطقة وتحديدا الصين والهند.

وارتفعت التجارة بين الصين ودول الخليج من 9.8 مليار دولار في عام 2000 إلى 175 مليار دولار في عام 2014، وعلاوة على ذلك أصبحت من الشركاء المحوريين في مبادرة الحزام والطريق الصينية، كما يتضح من الحضور رفيع المستوى في أبريل/نيسان لمنتدى الحزام والطريق الثاني الذي نظمته الحكومة الصينية في بكين.

وتستثمر الشركات الصينية أو تخطط للاستثمار في العديد من الموانئ الرئيسية في شبه الجزيرة العربية، وحتى الآن، تركز الصين على جازان في المملكة العربية السعودية، والدقم في عمان، وميناء خليفة في أبوظبي، وفي الوقت نفسه، وقعت الصين مذكرة تفاهم في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 لمناقشة الاستثمارات المشتركة التي تهدف إلى تحديث ميناء حمد في قطر.

إضافة إلى موقعها الاستراتيجي، تعد دول الخليج العربية من بين الدول القليلة في المحيط الهندي القادرة على توفير رأس المال لتعزيز مشاريع البنية التحتية.

على سبيل المثال، أعلنت المملكة العربية السعودية في سبتمبر/أيلول 2018 أنها ستستثمر 10 مليارات دولار في ميناء جوادار الباكستاني والذي يعد متلقيًا رئيسيًا للأموال الصينية للممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، ولا يبدو أن الاستثمارات السعودية في جوادر منسقة مع المشروعات الصينية، لكن في السنوات المقبلة ربما يتم التعاون بين الجانبين.

حدث هذا التقارب بين الصين والخليج في نفس الوقت الذي حدث فيه التقارب بين الخليج والهند، ما يدل على التزام دول الخليج العربية بتنويع شراكاتها.

وفي عهد رئيس الوزراء "ناريندرا مودي"، أعادت الهند تنشيط مشاركتها السياسية الطويلة مع دول الخليج العربية، خاصة السعودية والإمارات، وخلال رحلته إلى الهند في شهر فبراير/شباط، وصف ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" رئيس الوزراء الهندي بأنه "أخوه الأكبر".

وبالمثل، دعا "مودي" ولي عهد أبو ظبي "محمد بن زايد آل نهيان" كضيف الشرف ليوم جمهورية الهند في عام 2017 وكان آخر زعيم عربي يستقبل الدعوة هو الملك الراحل "عبدالله بن عبدالعزيز"، العاهل السعودي الراحل، في عام 2006.

ومنذ ذلك الحين، وقعت الهند والإمارات العديد من اتفاقيات الشراكة التي تتراوح بين الاستثمارات في البنية التحتية الهندية إلى التعاون في مكافحة الإرهاب والأمن البحري.

وفي الوقت نفس، تستثمر الهند أيضًا في سلطنة عمان في ميناء الدقم وتم منح البحرية الهندية حق الوصول إلى مرافق الموانئ العمانية، على الرغم من الوجود الصيني هناك.

على نطاق أوسع، تعكس هذه الإستراتيجية العمانية المتمثلة في فتح موانئها لجميع أصحاب المصلحة الرئيسيين في المحيط الهندي؛ الصين والهند والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، مقاربة خليجية أوسع للتوازن الاستراتيجي في المنطقة، تشمل تجنب الانحياز في المنافسة بين القوى الكبرى.

المنطق الاستراتيجي

غالبًا ما ينظر المحللون إلى علاقات الصين المتنامية مع دول الخليج العربية فقط من خلال منظور ما إذا كانت الصين قادرة ومستعدة لتحل محل الولايات المتحدة باعتبارها الضامن الأمني ​​الرئيسي لدول الخليج.

لكن وضع العلاقات في هذا الإطار الزخم السياسي الذي يدفع دول الخليج إلى تنمية العلاقات مع الصين والهند تزامنا مع زيادة وجودها في الدول الأصغر التي تحيط بالمحيط الهندي.

لا يتحدث المسؤولون في دول الخليج العربية عن استبدال الولايات المتحدة أو الشراكات الغربية، لكنهم يهدفون بالتأكيد إلى تنويع سياستهم الخارجية ووضع أنفسهم كجهات فاعلة محورية في المحيط الهندي، وهي وسيلة فعالة لتعزيز استقلالهم الاستراتيجي.

وفي ظل هذه الظروف، من الطبيعي أن تتطلع دول الخليج العربية، بتبادلاتها الثقافية والاقتصادية الطويلة عبر المحيط الهندي، إلى تحويل هذه المكاسب إلى رأس مال سياسي.

وهناك سؤالان محوريان يتعلقان بالدور المتزايد لدول الخليج في منطقة المحيط الهندي، ويتعلق السؤال الأول بمدى قدرة دول الخليج على الحفاظ على استدامة هذا الدور في ظل وجود فجوة بين تطلعات دول الخليج العربية لإظهار التأثير عبر المحيط الهندي ووسائلها العسكرية اللازمة لدعم أهدافها خاصة بالنظر إلى الحجم المتواضع لأساطيل الخليج، مقارنة بتوسعاتها في مجال الموانئ.

أما المجهول الثاني فيتعلق بآثار المشاركة الإقليمية في الخليج. ويمكن أن تساهم الدبلوماسية الخليجية في استقرار المنطقة، لكن التأثير الخليجي قد يكون مزعزعا للاستقرار، فمن ناحية، تؤكد الأدوار السعودية والإماراتية في اتفاق السلام بين إثيوبيا وإريتريا على تأثيرهما الداعم للاستقرار.

من ناحية أخرى، تعكس التوترات في جيبوتي والصومال مخاطر تصدير النزاع داخل الخليج إلى مناطق أخرى، خاصة في البلدان التي توجد بها مؤسسات حكومية هشة.

في النهاية، سيعتمد دور دول الخليج العربية في المحيط الهندي على عاملين؛ قدرتها على دعم طموحاتها في النفوذ، بما في ذلك من خلال الوسائل العسكرية، وقدرتها على العمل بمسؤولية على تعزيز الحكم الرشيد في المنطقة.

ويمكن أن تكون رئاسة الإمارات لجمعية دول المحيط الهندي بمثابة اختبار لتقييم مدى احتمال نجاح هذا الدور على المدى الطويل.

المصدر | معهد دول الخليج العربي في واشنطن

  كلمات مفتاحية