الصبر أو المقاومة.. خيارات إيران في مواجهة الضغط الأمريكي

الاثنين 20 مايو 2019 02:05 م

هل تحاول الولايات المتحدة تغيير سلوك الجمهورية الإسلامية، أم تتبع سياسة تغيير النظام في إيران؟ حسنا، لطالما شغل هذا السؤال القيادة في طهران منذ ثورة 1979 وتأسيس الجمهورية الإسلامية. وفي ضوء "حملة أقصى ضغط" من قبل إدارة "دونالد ترامب"، والتقارير التي تشير إلى خطط طارئة لنشر 120 ألف جندي في الشرق الأوسط، أصبح السؤال أكثر إلحاحا للنظام في طهران.

ووفقا لمواد مفتوحة المصدر باللغة الفارسية، لا يبدو أن الرئيس الإيراني "حسن روحاني"، والمرشد الأعلى آية الله "علي خامنئي"، وفيلق الحرس الثوري الإسلامي، لديهم فقط تصورات مختلفة حول سياسة إدارة "ترامب" في إيران، بل يحاولون أيضا بجد الاستفادة من تلك السياسة في كفاحهم من أجل السلطة.

ويقدم مسح للبيانات العامة وردود الفعل الأخرى من قبل الفصائل السياسية الإيرانية على الدبلوماسية القسرية من قبل إدارة الرئيس السابق "باراك أوباما"، وحملة "أقصى ضغط" من قبل إدارة "ترامب"، رؤى مهمة في تصور الأطراف الإيرانية المختلفة للتهديد، واستراتيجية طهران لمواجهة الضغط من واشنطن، وفي نفس الوقت الصراع السائد على السلطة في إيران.

المرونة البطولية

لم تكن إدارة "ترامب" أول من استخدم الدبلوماسية القسرية ضد إيران. فقد فعل "أوباما" ذلك أيضا، مما دفع "روحاني" وحكومته التكنوقراطية إلى محاولة التوصل إلى حل تفاوضي لبرنامج إيران النووي المثير للجدل. ولم يكن يُنظر إلى مثل هذا الحل فقط على أنه يساعد "روحاني" على الوفاء بوعده في الانتخابات بإزالة نظام العقوبات الدولي وتحسين الظروف الاقتصادية للإيرانيين، ولكن أيضا كحل للأزمة في العلاقات مع الولايات المتحدة، المبرر الذي ساعد الحرس الثوري الإيراني على مر السنين في تعزيز سيطرته على البلاد.

وتحت ضغط شديد من العقوبات الدولية ومواجهة احتمال الانهيار المالي، تمكن "روحاني" من إقناع "خامنئي" بإظهار "مرونة بطولية"، ودعم المفاوضين النوويين علنا، وإقرار خطة العمل الشاملة المشتركة، أو ما يسمى باتفاق إيران النووي.

وبصفته المحرك الرئيسي وراء البرنامج النووي الإيراني، كان الحرس الثوري الإيراني قد ظهر كمدافع عن فكرة القنبلة النووية الإيرانية. ومع ذلك، اعترافا بمشاكل إيران الاقتصادية الحادة، ومع توقع الاستفادة من فتح الاقتصاد الإيراني أمام الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لم يعارض الحرس الثوري الإيراني المفاوضات النووية أو نتيجتها، رغم أن الحرس الثوري الإيراني لم يقر علنا خطة العمل المشتركة الشاملة.

الصبر الاستراتيجي

وأثر إعلان إدارة "ترامب" في 8 مايو/أيار 2018 انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات الأمريكية على الفصائل الثلاثة في إيران. وفقد الرئيس "روحاني"، والنخب التكنوقراطية في إيران، الذين استثمروا رأس مالهم السياسي في خطة العمل المشتركة الشاملة، فقدوا كل مصداقيتهم بعد انسحاب إدارة "ترامب" من الاتفاق. وتأثر "خامنئي" أيضا، فقد اعترف للمرة الأولى في حياته السياسية بأنه كان مخطئا في السماح بالمفاوضات النووية. لكن الحرس الثوري الإيراني، الذي لم يصادق علنا على الاتفاق النووي، لم يصب بأذى.

لكن الفصائل الثلاثة، على الرغم من الخطاب العدواني القاسي ومسرحية معاداة الولايات المتحدة، أظهرت صبرا استراتيجيا. واتهم "خامنئي"، في خطاب أمام الجمهور يوم 9 مايو/أيار 2018، الولايات المتحدة بالبحث عن ذرائع مختلفة للإطاحة بالجمهورية الإسلامية، وأمر الحكومة بالبقاء ملتزمة بالاتفاق النووي، ولكن بعد الحصول على "ضمانات موثوق بها من القوى الأوروبية". وحذا "روحاني" حذوه على شاشة التلفزيون، من خلال التأكيد على التزام إيران بالاتفاق النووي، لكنه أضاف أيضا: "لقد أصدرت تعليمات إلى منظمة الطاقة الذرية الإيرانية للتحضير لإعادة تنشيط التخصيب الصناعي لليورانيوم". وفي اليوم نفسه، هنأ اللواء "محمد علي جعفري" -قائد الحرس الثوري الإيراني آنذاك- الإيرانيين على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وادعى أنه يعرف أن واشنطن ليست جديرة بالثقة. ومع ذلك، بدلا من مطالبة إيران بالانسحاب من الاتفاق، شدد "جعفري" على عدم رغبة إيران في التنازل عن ترسانتها من الصواريخ الباليستية، وأنها لن تخضع لبرنامج جديد لتلبية مطالب واشنطن.

وأظهرت الجمهورية الإسلامية صبرا استراتيجيا مماثلا تجاه (إسرائيل) في سوريا. ومع استقرار نظام الرئيس "بشار الأسد" وسيطرته على أجزاء كبيرة من سوريا، أثارت محاولة الحرس الثوري الإيراني، والميليشيات المتحالفة معه ضمان وجود دائم في سوريا حملة قصف إسرائيلية متواصلة ضد مواقع حلفاء إيران في البلاد. ومع ذلك، امتنعت إيران، مع استثناء واحد بارز، عن الانتقام من الهجمات الإسرائيلية. وعلى عكس جنازات القتلى التي كانت رمزا للحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، تحاول إيران جاهدة الحفاظ على خسائرها البشرية أمام (إسرائيل) سرية.

وعلى نحو مشابه، استجاب المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني لتصنيف وزارة الخارجية الإيرانية للحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية أجنبية بإعلان أن القيادة المركزية الأمريكية منظمة إرهابية دون اتخاذ المزيد من الإجراءات. ومرت قرارات واشنطن بعدم تجديد إعفاءات مشتري النفط الإيراني، وإعلان أنه لم يعد يُسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم، بل وفرض عقوبات على القطاع غير النفطي الإيراني، مرت دون أن تتخذ طهران تدابير مضادة نشطة.

ويبدو أن "روحاني" و"خامنئي" والحرس الثوري الإيراني ينتظرون انتهاء ولاية إدارة "ترامب"، على أمل وجود إدارة جديدة بسياسة أقل عدوانية تجاه إيران.

المقاومة النشطة

بيد أن صبر طهران الاستراتيجي قد وصل إلى نهايته بشكل مفاجئ في مايو/أيار الجاري. وفي 5 مايو/أيار، ذكر مستشار الأمن القومي "جون بولتون"، في بيان مكتوب، أن الولايات المتحدة بدأت نشر مجموعة حاملة الطائرات "يو إس إس أبراهام لنكولن" في الخليج، ردا على "مؤشرات وتحذيرات تصاعدية"، بهدف "إرسال رسالة واضحة لا لبس فيها للنظام الإيراني مفادها أن أي هجوم على مصالح الولايات المتحدة أو على مصالح حلفائها سوف يُقابل بقوة لا هوادة فيها".

وفي 7 مايو/أيار، قام وزير الخارجية "مايك بومبيو" بإلغاء زيارته لبرلين فجأة، وقام برحلة غير مجدولة إلى العراق. ولم يرد على أسئلة حول الطبيعة المحددة لـ "التصعيد" الإيراني، لكن الناطق باسم القيادة المركزية الأمريكية، "بيل أوربان"، قال إن هناك "مؤشرات على أن قوات إيرانية ووكيلة لإيران تستعد لمهاجمة القوات الأمريكية في المنطقة". وقد أفاد مسؤولون أن الولايات المتحدة تلقت معلومات استخبارية حول قيام إيران بنقل صواريخ باليستية قصيرة المدى على متن قوارب في الخليج.

وبقي الحرس الثوري الإيراني صامتا بشأن الاتهامات المحددة لإيران بتسليح قواربها بالصواريخ الباليستية. لكن العميد "رمضان شريف"، المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني اتهم الولايات المتحدة بتنظيم "حرب نفسية واسعة النطاق ضد الأمة الإيرانية"، وتعهد بالتصدي لـ "مؤامرات أعداء الإسلام والثورة".

وفي 8 مايو/أيار، قام "روحاني"، ردا على ضغوط الولايات المتحدة، وعلى الأرجح الضغوط الداخلية أيضا من الحرس الثوري الإيراني للانتقام من العقوبات الأمريكية، قام في خطاب موجه إلى حكومات فرنسا وبريطانيا والصين وألمانيا وروسيا، في الذكرى السنوية الأولى لانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، بالإعلان عن قرار حكومته "الحد من بعض التزاماتها بموجب الاتفاق النووي".

وفي 13 مايو/أيار، تم استهداف 4 سفن بالقرب من ميناء "الفجيرة" الاستراتيجي في الإمارات العربية المتحدة، فيما وصفته الإمارات بأنه "هجوم تخريبي". ونقلت صحيفة "جافان" اليومية القريبة من الحرس الثوري الإيراني، عن محللين لبنانيين زعموا أن الهجمات كانت عمليات إسرائيلية مفبركة في محاولة لإشعال حرب بين العرب والإيرانيين. ومع ذلك، يبدو من المرجح أن الهجمات كانت استعراضا من الحرس الثوري الإيراني لعضلاته، ردا على الهدف الأمريكي المعلن، وهو خفض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر.

خطر الحرب

ويؤكد القادة الأمريكيون والإيرانيون أنهم لا يسعون إلى الحرب. وكان هروب الولايات المتحدة من مستنقع الحروب في الشرق الأوسط أحد الموضوعات الرئيسية لحملة "ترامب". والآن، بصفته رئيسا، ربما لا يرغب في بدء حرب ضد إيران. وفي القابل، يحذر النظام في طهران، الذي يدرك تماما قوة الولايات المتحدة الهائلة، من بدء حرب يعرف أنه سيخسرها.

ومع ذلك، فإن سوء التقدير من كلا البلدين أو الحوادث العرضية قد تزيد من خطر اندلاع المواجهة العسكرية. وإذا كان الحرس الثوري الإيراني مقتنعا بأن إدارة "ترامب" تهدف إلى تحقيق الانهيار الاقتصادي للنظام بدلا من متابعة غزو بري لإيران، ومع حساب حالة التوترات المتصاعدة فقد يضع الحرس الثوري صبرهالاستراتيجي جانبا ويتبع بدلا من ذلك سياسة المقاومة النشطة، وقد يزيد هذا من خطر نشوب حرب غير مرغوب فيها.

المصدر | معهد دول الخليج العربي في واشنطن

  كلمات مفتاحية