إيكونوميست: من يفجر السفن في الخليج؟

الأربعاء 22 مايو 2019 01:05 م

كان "شينزو آبي"، رئيس وزراء اليابان، يأمل بأن تكون هذه لحظة مناسبة للدبلوماسية. وكانت زيارته إلى طهران هذا الأسبوع - وهي الأولى لرئيس وزراء ياباني منذ الثورة الإسلامية في عام 1979 - تهدف إلى تخفيف التوترات بين أمريكا وإيران. وبعد لقاء مع الرئيس الإيراني "حسن روحاني"، حذر "آبي" من أن المنطقة يمكن أن تنزلق "عن طريق الخطأ" إلى الصراع. وفي أعقاب ذلك مباشرة، وعلى بعد أميال قليلة من الساحل الجنوبي لإيران، جاء مثال على كيفية حدوث ذلك.

تفجيرات غامضة

في 13 يونيو/ حزيران، أرسلت ناقلتان في خليج عمان نداءات استغاثة بعد تعرضهما لتدمير بسبب انفجارات كبيرة، وكانت ناقلة "فرونت ألتاير"، التي ترفع علم جزر مارشال، والمملوكة لشركة الشحن النرويجية "فرونتلاين"، تنقل شحنة من مشتقات النفط - من أبوظبي؛ بينما كانت ناقلة "كوكيوكا كوراجوس"، المسجلة في بنما وتديرها الشركة اليابانية "كوكيوكا سانجيو"، محملة بالميثانول، وكلاهما كان متجهاً نحو الموانئ الآسيوية. وأظهرت صور من وكالات الأنباء الإيرانية حريقًا مشتعلًا على الجانب الأيمن من "فرونت ألتاير"، وكانت أعمدة الدخان الأسود مرتفعة بدرجة كافية لتظهر في صور الأقمار الصناعية. ويتم نقل خُمس إمدادات العالم عبر مضيق هرمز، الذي يعد نقطة اختناق بالنسبة للنقل البحري الدولي.

هذه هي المرة الثانية خلال شهر التي تتعرض فيها ناقلات للتدمير في الخليج، ففي الثاني عشر من مايو/ أيار، تعرضت أربع سفن راسية قبالة ميناء الفجيرة الإماراتي لعمليات تخريب تسببت في ثقب أجسام السفن. ويشير التحقيق الأولي إلى أن هذه الأضرار قد لحقت بها بسبب ألغام أرضية، لكن الانفجارات الأخيرة أحدثت أضراراً أكبر بكثير، مما أجبر الطاقم على إخلاء السفينتين أثناء سيرهما. سوف يستغرق الأمر أسابيع لاستكشاف ما حدث، وسط تقارير عن استخدام طوربيدات، لكن الانفجارات لا تبدو عرضية. وقال رئيس "كوكيوكا سانغيو" إن سفينة شركته تعرضت للهجوم مرتين خلال فترة ثلاث ساعات.

وليس من المحتمل أن تكون الواقعتان اللتان تفصلهما بضعة أسابيع مجرد مصادفة. وعلى الرغم من أن فريق التحقيق الذي تقوده الإمارات لم يحدد جهة يوجه لها اللوم على أعمال التخريب التي وقعت في الشهر الماضي، إلا أنه قال إن "جهة حكومية" لم يكشف عن اسمها نفذت ذلك. وألقت أمريكا باللوم على إيران في كلا الهجومين، فيما نفت إيران - وهي منافس إقليمي لدولة الإمارات والسعودية وكلاهما من حلفاء الولايات المتحدة - المسؤولية ولمحت إلى أن الانفجارات الأخيرة كانت مدبرة من قبل خصومها.

تحذيرات مبطنة

كانت إيران قد هددت في الماضي بإغلاق مضيق هرمز إذا تعرضت للهجوم، وربما يرى البعض أن الضربات ضد السفن في المنطقة تعد تحذيرات مبطنة تنم عن استعدادها لتنفيذ تهديدها. ويفهم الرئيس "روحاني" ووزير الخارجية "جواد ظريف" أن مهاجمة الملاحة الإقليمية يعد لعبا بالنار، ولكنهما في الواقع لا يتحكمان بمسار الوضع في إيران. ويعلق "روحاني" وإدارته في معركة داخلية مع الملالي الحاكمين في إيران، الذين لا يثقون في الغرب، وكذلك مع الحرس الثوري، الذي يدعم الميليشيات في سوريا ولبنان والعراق واليمن. ولدى إيران لديها تاريخ من الحروب غير النظامية التي تسمح لها بالحفاظ على قدر من الإنكار المعقول، ففي ثمانينيات القرن الماضي، خاضت ما يسمى حرب الناقلات مع العراق، وخرب الصراع الشحن الدولي.

وتزداد التوترات في المنطقة منذ الربيع الماضي، عندما انسحب "دونالد ترامب" من الاتفاق النووي وأعاد "ترامب" فرض العقوبات على إيران وأضاف عقوبات جديدة، وعزل طهران عن الاقتصاد العالمي. وبعد عام من التزام إيران بالاتفاقية - في محاولة لكسب التعاطف الأوروبي - قالت الشهر الماضي إنها ستبدأ في تخصيب اليورانيوم بما يفوق الحدود المقررة. وحذر "روحاني" من أنه سيُبطل الشروط الأخرى ما لم يساعد الموقعون الآخرون ـ بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي ـ بلاده على تجاوز العقوبات الأمريكية، وهو أمر غير مرجح أن يحدث. ولطالما حذر منتقدو نهج "ترامب" من أن الأزمة الاقتصادية ستقود إيران إلى الرد.

وتتوافق هذه الانفجارات الأخيرة مع نمط مقلق بالنسبة لدول الخليج العربية، ففي مايو/ أيار؛ بعد يومين من حادثة الفجيرة، دمر انفجاران في وسط السعودية - على بعد 700 كيلومتر شمال الحدود اليمنية - خط أنابيب نفط يحمل النفط الخام لجميع أنحاء المملكة. وفي 12 يونيو/ حزيران، أصاب صاروخ المطار الدولي في أبها - وهي مدينة سعودية على بعد 200 كيلومتر من الحدود اليمنية - مما أسفر عن إصابة 26 شخصًا، وتم تنفيذ كلا الهجومين من قبل الحوثيين، وهي ميليشيا شيعية تسيطر على أجزاء كبيرة من اليمن وتقاتل تحالفًا تقوده السعودية هناك. وقالت لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة إن إيران زودت الحوثيين بالأسلحة، بما في ذلك الطائرات بدون طيار والصواريخ، على الرغم من أن المجموعة لا تعمل دائمًا بناءً على أوامر إيران.

لعب بالنار

لكن السعودية وحلفاءها حاولوا عدم تصعيد صراع من شأنه أن يلحق الضرر بصادراتهم النفطية، وبالتالي اقتصاداتهم. وكانت دولة الإمارات حذرة بشكل خاص في بياناتها العامة عن تخريب الشهر الماضي (رغم أن المسؤولين في حوارتهم الخاصة لا يبدون أدنى شك في تورط إيران). وإذا كان لابد من رد، فإنهم يرغبون في أن يأتي من أمريكا وليس من دول الخليج.

 ولدى مستشار الأمن القومي الأمريكي "جون بولتون"، له تاريخ طويل من الدعوة لتغير النظام في إيران، وحتى القيام بعمل عسكري ضدها، لكن الرئيس يبدو متذبذبا كما هو الحال دائمًا، حيث يتقلب بين التهديدات النارية وعروض الحوار. وبحسب ما ورد؛ فإنه أعطى السيد "آبي" رسالة إلى المرشد الأعلى لإيران، "علي خامنئي" (رفض الرد عليها). وقال "خامني" في تصريحات مؤخرا: "لا نعتقد أن الولايات المتحدة تسعى إلى مفاوضات حقيقية مع إيران، لأن المفاوضات الحقيقية لن تأتي أبداً من شخص مثل ترامب".

وعزز "ترامب" بالفعل الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، ففي الشهر الماضي، عجّل بإرسال حاملة طائرات ومجموعة قتالية إلى المنطقة، ولكن تلك السفن لم تعبر مضيق هرمز، في محاولة لتجنب المزيد من التوتر. وقام البنتاغون بنشر 1500 جندي إضافي في قواعد في قطر والبحرين والعراق، كما قام "ترامب" باستدعاء سلطات الطوارئ لتجاوز اعتراضات الكونغرس على بيع الأسلحة للسعودية والإمارات.

وتصر جميع الأطراف على أنها لا تريد الحرب. لكن حتى لو كانت صادقة، فإن النوايا الحسنة لا تكفي. ولا تستطيع دول الخليج (وحاميها الأمريكي) تحمل تهديدات الشحن. وكان "آبي" محقاً في الدفع باتجاه الدبلوماسية بين أمريكا وإيران، لكن زيارته - والأحداث التي طغت عليها - تؤكد مدى الصعوبة التي سيكون عليها الأمر.

المصدر | إيكونوميست

  كلمات مفتاحية