لماذا لا تستطيع أوروبا الاستغناء عن هواوي؟

الخميس 23 مايو 2019 05:05 ص

تنخرط الولايات المتحدة والصين في خضم حرب تكنولوجية، وتبقى أوروبا عالقة في المنتصف. وفي ظل مساعي واشنطن لوقف النفوذ العالمي المتسع لبكين، فإنها ضغطت على حلفائها الأوروبيين لقطع علاقاتهم مع شركة الاتصالات الصينية العملاقة هواوي، والتي تتهمها بأنها حصان طروادة لحكومة بكين للتجسس على دول أخرى. ولكن بينما كان بعض أعضاء الاتحاد الأوروبي أكثر تقبلاً للضغوط الأمريكية، لم يستسلم أي منهم حتى الآن بالكامل لنداء الولايات المتحدة بحظر هواوي من المشاركة في تطوير شبكات الجيل الخامس الخاصة بهم.

هذا لا يعني أن دول الاتحاد الأوروبي لم تتنبه لمخاوف واشنطن بشأن الشركة الصينية، أو أن الاتهامات الأمريكية لم تشوه سمعة هواوي بين المستهلكين والشركات الأوروبية. لكن وجود هواوي الكبير بالفعل في أسواق الاتحاد الأوروبي - إلى جانب خبرتها في مجال الجيل الخامس - سيجعلها خيارًا مغريًا بالنسبة للبلدان الأوروبية التي تتطلع إلى الاستفادة من تكنولوجيا الجيل التالي بأسرع وقت ممكن.

ومن المقرر أن تقوم عدة دول أوروبية بعقد مزادات علنية لبيع تراخيص لتطوير شبكاتها الوطنية للجيل الخامس، ويشمل ذلك ألمانيا وفرنسا وهولندا والنمسا وبلجيكا واليونان والمجر وإيرلندا والبرتغال، مع كثيرين آخرين سيتبعونهم في عام 2020.

وفي الوقت نفسه، فإن حملة الولايات المتحدة على شركة الاتصالات الصينية العملاقة هواوي، تجبر هذه الدول على إعادة النظر فيما إذا كانت ستقوم بتضمين الشركة في قائمة شركاء الجيل الخامس المحتملين.

أمريكا وحدها

تشترك معظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على الأقل في بعض مخاوف الولايات المتحدة بشأن السماح لشركة صينية بالمشاركة في تطوير تكنولوجيا حساسة مثل الجيل الخامس، والتي يمكن أن تمنح بكين نظريًا إمكانية الوصول إلى البيانات الشخصية لستخدمي الاتحاد الأوروبي، وفي الحالات القصوى، أن تكشف بنيتهم التحتية الحيوية وتعرضها للتخريب.

واستجابة لذلك، تتخذ العديد من الدول الأوروبية خطوات لقياس المخاطر الأمنية المحتملة للشراكة مع هواوي.

وحذر تقرير بريطاني من أن هناك "مشكلات تقنية مهمة" مرتبطة ببعض معدات هواوي قد تخلق ثغرات أمنية للشركات البريطانية.

ومع ذلك، لم يجد التقرير أي دليل على أن شركة هواوي كانت تنفذ عمداً أي نوع من أنواع التجسس نيابة عن الحكومة الصينية، كما لم يجد تقرير حديث صادر عن مركز الأمن السيبراني البلجيكي أي دليل على إمكانية استخدام معدات هواوي للتجسس، وتحقق وكالة الاستخبارات الوطنية الهولندية حاليًا فيما إذا كانت هواوي تستخدم الأبواب الخلفية السرية للوصول إلى بيانات العملاء، على الرغم من أن النتائج الحالية لا تدين هواوي.

ولكن على الرغم من المخاوف الأوروبية العديدة حول شركة هواوي، لا يوجد أي بلد أوروبي انضم بشكل كلي لجهود البيت الأبيض لحظر الشركة الصينية بشكل كلي.

ففي ألمانيا؛ تعهدت الحكومة الألمانية بتقديم معايير أعلى وأكثر صرامة للشراكة مع شركات الاتصالات الأجنبية. ومع ذلك، قالت المستشارة الألمانية "أنغيلا ميركل" إنه لن يتم استبعاد أي شركة بشكل استباقي، وهو موقف أكدته الوكالة الفيدرالية الألمانية لاحقًا في أبريل/ نيسان، قائلة إنه "لا ينبغي استبعاد أي مورد للمعدات بشكل استباقي، بما في ذلك "هواوي" من مزادات الجيل الخامس الجارية.

اتخذت الحكومة الفرنسية نهجاً مماثلاً. وبهدف إطلاق شبكتها التجارية للجيل الخامس في عام 2020، ستعقد فرنسا مزاداتها في وقت لاحق من هذا العام.

وقال وزير الاقتصاد "برونو لو ماير" إنه سيتم اتخاذ القرار بناءً على الأمن والسعر والأداء ولن يتم استبعاد أي شركة من هذه العملية.

وأضافت نائبة وزير الاقتصاد "أغنيس بانييه رانشر" لاحقًا أن هواوي ستخضع لنفس القواعد واللوائح الفنية التي يخضع لها أي مورد آخر.

ومع ذلك، أعلنت الوكالة الوطنية للأمن السيبراني في فرنسا مؤخرًا أنه لن يتم استخدام معدات هواوي في تلك الأجزاء من الشبكة حيث يتم الاحتفاظ ببيانات حساسة من المستخدمين (مثل مواقعهم ومفاتيح التشفير).

وقالت الوكالة أيضًا إنها تبحث عن طرق لتقييد استخدام المعدات من "البلدان شديدة الخطورة"، وهو ما تفعله فرنسا بالفعل لشبكات الجيل الرابع.

في بريطانيا، النزاع بين الولايات المتحدة والصين يضع المملكة المتحدة في موقف صعب للغاية، نظرا لكون لندن تأمل في الحفاظ على علاقات سياسية واقتصادية جيدة مع كلتا الدولتين وخاصة بعد مغادرتها الاتحاد الأوروبي. وفي مايو/ أيار، صرح مجلس الأمن القومي في المملكة المتحدة أن هواوي يمكن أن تشارك في تطوير بعض أجزاء شبكات الجيل الخامس في البلاد، لكنه ترك القرار النهائي في أيدي الحكومة البريطانية.

وكان من المتوقع أن تصدر لندن إعلانًا رسميًا قبل الصيف، حيث يشير المسؤولون إلى أن الحكومة قد تسمح لشركة هواوي بتزويد شركات الهاتف البريطانية بالتكنولوجيا "غير الأساسية" فقط، ولكن تصاعد ضغط الولايات المتحدة، إلى جانب الفوضى السياسية المرتبطة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عقب استقالة رئيس الوزراء "تيريزا ماي" في 7 يونيو/حزيران، من المرجح أن تؤخر هذا القرار الآن، مما يزيد من حالة عدم اليقين الحالية بين مشغلي الاتصالات.

ومع ذلك، أكد بعض المتنافسين الذين يتنافسون على استبدال "ماي" على أن المملكة المتحدة لن تفعل أي شيء قد يضعف علاقاتها مع الولايات المتحدة، والذي من المفترض أن يشمل العمل مع هواوي.

من جانبها لا تزال الحكومة الإيطالية منقسمة داخلياً بخصوص هواوي، فأحد الأحزاب التي تشكل الائتلاف الحاكم في إيطاليا، وهو حركة النجوم الخمسة، يدعم تطوير علاقات اقتصادية أوثق مع الصين، وهو ما يفسر لماذا أصبحت إيطاليا أول اقتصاد أوروبي رئيسي ينضم إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية هذا العام.

لكن عضو الائتلاف الحاكم الآخر - حزب الرابطة اليميني - يظل أكثر تشككاً تجاه تعميق العلاقات مع الصين، وقد أعرب عن مخاوفه بشأن الآثار الأمنية للعمل مع شركة هواوي، ففي مايو/ أيار، حذر زعيم حزب الرابطة "ماتيو سالفيني" من أن إيطاليا يجب أن تضمن السيطرة الكاملة على البيانات الحساسة لمنع بكين من المساس بالأمن الداخلي لروما، معتبراً أن الصين "لديها نزعة للإمبريالية والسيطرة".

وبعد أداء قوي في انتخابات البرلمان الأوروبي، ستسعى الرابطة إلى زيادة نفوذها على الحكومة الإيطالية، مما قد يؤدي إلى علاقات أكثر برودة مع الصين (وبالتالي شركة هواوي).

في السياق ذاته، يضع الخلاف بين الولايات المتحدة والصين الحكومات في أوروبا الوسطى والشرقية في مأزق غير مريح حيث تحاول إيجاد توازن بين الحفاظ على علاقاتها مع واشنطن دون إغلاق الباب أمام الاستثمار الصيني وهو محرك رئيسي محتمل للنمو الاقتصادي.

وتدافع بعض دول المنطقة عن علاقاتها مع هواوي، فالمجر - على سبيل المثال - عرّفت الشركة مؤخرًا بأنها "شريك استراتيجي لتكنولوجيا المعلومات"، وقالت سلوفاكيا أيضًا إنها لا تعتبر هواوي تهديدًا أمنيًا.

من ناحية أخرى، كانت بولندا على خلاف دبلوماسي صغير مع الصين بعد أن ألقت الشرطة البولندية القبض على موظف صيني من هواوي ومواطن بولندي ووجهت لهما اتهامات بالتجسس في يناير/كانون الثاني الماضي.

وبعد بضعة أيام، قال وزير الشؤون الداخلية في بولندا إنه ينبغي على الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو العمل سويًا لاتخاذ موقف مشترك بشأن استبعاد هواوي من الأسواق الأوروبية، كما قدمت حكومتا ليتوانيا ولاتفيا حججًا مماثلة أيضًا، قائلة إنه ينبغي على المؤسستين الغربيتين الاتفاق على موقف مشترك من شركة هواوي.

ومع ذلك، فشل الاتحاد الأوروبي حتى الآن في الاتفاق على موقف يوحد القارة بخصوص شركة التكنولوجيا الصينية.

وفي مارس/ آذار، قالت المفوضية الأوروبية إنه يتعين على الدول الأعضاء اتخاذ القرارات الخاصة بهم بشكل فردي.

ومن المتوقع أن تصدر بروكسل تقييمًا للمخاطر المرتبطة بشركة هواوي في أكتوبر/ تشرين الأول، والذي قد يتضمن إرشادات حول أفضل الممارسات للدول الأعضاء لتخفيف مخاطر الأمن السيبراني.

ولكن على الرغم من أن المفوضية الأوروبية ستحث على الأرجح الدول الأعضاء على تحديث متطلباتها الأمنية لمقدمي الشبكات، وزيادة تعاونهم وتبادل المعلومات حول قطاعات الاتصالات الخاصة بهم، فمن المحتمل أن تمتنع بروكسل عن محاولة فرض موقف جامد وعالمي بخصوص هواوي، وبالتالي تترك الورطة للحكومات الوطنية كي تعمل على إيجاد حل لها.

إخلاء الطريق أمام المنافسين الأوروبيين

لم ينجح البيت الأبيض في جعل الاتحاد الأوروبي أو أي من الدول الأعضاء فيه يقطع علاقاته مع هواوي تمامًا. ومع ذلك، هناك علامات على أن حملته المناهضة لهواوي تعوق وصول العملاق الصيني إلى السوق الأوروبية، وبحسب ما ورد، انخفضت مبيعات هواتف هواوي الذكية في بلدان مثل فرنسا وإسبانيا منذ إدراج واشنطن للشركة على القائمة السوداء في مايو/ أيار، وأعلنت شركات الاتصالات البريطانية (إي إي) وشركة فودافون مؤخرًا أنهما لم تعودا تخططان لإدخال أول هاتف جيل خامس من هواوي في السوق البريطاني.

وفي الوقت نفسه، قالت شركة الاتصالات الهولندية "رويال كي بي إن إن في" إنها ستختار مورداً غربياً لتطوير شبكات الجيل الخامس الخاصة بها.

هذه الدفعة ضد هواوي، خلقت بدورها فرصًا لشركات أوروبية، بما في ذلك بعض شركات الهاتف المحمول العملاقة مثل نوكيا الفنلندية التي تحاول الآن أن تضع نفسها كشركة شفافة وموثوقة يمكن للبلدان الثقة فيها لتطوير شبكات الجيل الخامس الخاصة بها، وحققت نوكيا بالفعل بعض النجاح، حيث اختارت شركة "سوفت بانك جروب" العملاق الياباني في مجال الاتصالات مؤخرًا شركة نوكيا كمورد رئيسي لشبكتها اللاسلكية من الجيل التالي، وفي شهر مارس/ آذار، اختارت مجموعة الاتصالات الدنماركية "تي دي سي" أيضًا شركة إريكسون السويدية بدلاً من هواوي (التي كانت المزود السابق لها) لتطوير شبكة الجيل الخامس الخاصة بها.

هل هواوي هي السبيل الوحيد لأوروبا؟

بطبيعة الحال، ستكون التكاليف والخبرات من العوامل الرئيسية لحسم هذه القرارات التجارية.

وتعتبر هواوي بالفعل لاعباً رئيسياً في شبكات الجيل الرابع اللاسلكية الحالية في جميع أنحاء أوروبا، ويمكن أن يكون استبدال الشركة بمزودي خدمات جدد للجيل الخامس مكلفًا وقد يؤدي إلى تأخير تطبيق التكنولوجيا.

وحذرت شركة "دويتشه تليكوم" الألمانية مؤخرًا من أنه إذا مُنعت هواوي من المشاركة في تطوير شبكات الجيل الخامس في البلاد، فقد يتأخر تنفيذ التكنولوجيا لسنوات، ونتيجة لذلك، ستتخلف ألمانيا عن منافسيها في تطوير الصناعات المتعلقة.

وعلى نطاق أوسع، تعد هواوي أيضًا واحدة من شركات الاتصالات الأكثر تنافسيةً في السعر والخبرة في العالم. وبالتالي، فإن العديد من الدول التي تستخدم بالفعل معدات هواوي للجيل الرابع قد تقرر في النهاية أن الطريق الأسهل والأرخص والأسرع هو الاستمرار في استخدام خدمات الشركة الصينية لشبكات الجيل الخامس الخاصة بهم. ولكن حتى مع ذلك، من المحتمل أن يتم فرض بعض القيود، أو على الأقل ضوابط إضافية، على الشركة من أجل استرضاء الولايات المتحدة، ولمعالجة المخاوف المحلية بشأن الآثار الأمنية المترتبة على استخدام مثل هذه التكنولوجيا الحاسمة.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية