ماذا وراء انسحاب مصر من الناتو العربي؟

الخميس 23 مايو 2019 01:05 م

قبل عدة أسابيع، أخطرت القاهرة الرياض وواشنطن سرا بتعليق مشاركتها في المبادرة الأمريكية السعودية لإنشاء حلف "ناتو" عربي لمواجهة إيران.

ويعني هذا أن هذا "الناتو العربي" كان مجرد "جنين" مات في المراحل الأولى من حمله، لأن مصر تمتلك أكبر الجيوش في العالم العربي وواحد من أفضلها تجهيزا، وقد يكون الجيش الوحيد الذي يمكن أن يلعب دورا فعالا لموازنة إيران.

وعلى الرغم من أن الإعلان المصري لم يتم تأكيده رسميا إلا أن العديد من الصحف المصرية تحدثت حول الأمر، ولم يكن ذلك ليحدث دون موافقة من أعلى المستويات.

وتقدم المقالات التي نشرها العديد من كتاب الأعمدة المصريين تفسيرات مختلفة حول سبب اتخاذ الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" لهذا القرار.

إحداها أن "السيسي" أراد أن يوضح استياءه من محتوى مبادرة السلام الأمريكية المنتظره. وفي حين أن هذا قد يكون عاملا مساهما، إلا أنه هامشي.

وهناك 3 أسباب محتملة وراء اختيار "السيسي" انسحاب مصر من "الناتو العربي".

أحدها هو عدم ثقته في كل من ولي العهد "محمد بن سلمان" والرئيس الأمريكي "دونالد ترامب".

ونقلت تقارير مختلفة عن مصادر مصرية شكوك "السيسي" بشأن فرص إعادة انتخاب "ترامب"، ونظرا لذلك، فإن هناك مخاوف من قيام الإدارة الديمقراطية الجديدة بإلغاء المشروع والعودة إلى سياسة عهد "أوباما" المتمثلة في استرضاء إيران.

كما تشعر مصر بعدم الارتياح إزاء "بن سلمان"، الحاكم الفعلي للمملكة، والذي يبدو أن "السيسي" ومستشاريه يعتبرونه متهورا. ويعتبر "السيسي" ومؤسسة الدفاع المصرية الرجلين عرضة لاتخاذ قرارات غير سليمة وحتى متهورة. ولا يثق "السيسي" في "ترامب"، الذي يتصرف وكأنه منعزل عن العالم.

وخلاصة القول هي أن "السيسي" والقيادة المصرية العليا يخشون من أن البقاء في مبادرة "الناتو العربي" أكثر مخاطرة من المكافأة التي تنتظرها مصر من المشاركة فيها.

والسبب الثاني هو أن مصر، على عكس السعوديين وحلفائهم في الإمارات، لا تعتبر إيران تهديدا وجوديا. ولا ترى القيادة العليا أي سبب لمعاداة طهران بالكامل عبر مبادرة غامضة يرتبط مصيرها بقرارات دول أخرى. وتخشى مصر من أن يتخذ "ترامب" و"بن سلمان" قرارات متهورة قد تؤدي إلى الحرب، وفي هذه الحالة سينتهي ذلك بدفع مصر الثمن الأعلى.

وتعتبر مصر أن إثيوبيا والسودان، اللذين يسيطران على الأجزاء العليا من النيل، هما من أهم اهتمامات الأمن القومي. ولدى كلا البلدين خطط طموحة لبناء محطات كهرومائية كبيرة على أجزاء من النهر.

وتعتبر مصر أي شيء يتعلق بالنيل من الاهتمامات الوطنية الحيوية. وتحتاج مصر إلى التأكد من أن جيشها قادر على توفير ردع كافٍ لمنع تلك الدول من الشروع في بناء سد أحادي الجانب على النيل. ولا يخدم تكبد خسائر كبيرة في حرب غير مخطط لها وغير ضرورية مع إيران هذا الغرض.

والسبب الثالث هو قطاع غزة الذي تحكمه حركة "حماس" المعروفة بأنها "أحد أجنحة جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين". وكان "السيسي" قد قام باضطهاد جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر بلا رحمة، وفي أمنياته ربما كان يحب أن يخرج "حماس" من قطاع غزة.

لكن "السيسي" رجل واقعي. وقد حرصت مصر - على الرغم من اعتمادها على الهبات السعودية - على الحفاظ على قدر من العلاقة مع قطر رغم مشاركة مصر رسميا في الحصار المفروض على الدوحة.

ويرجع ذلك إلى أن أمير قطر يعد أحد "اللاعبين الأساسيين" عندما يخرج الوضع في غزة عن السيطرة. وتقدم قطر النقود التي تحافظ على قدرة "حماس" على الوفاء بالتزاماتها. وتحتاج مصر إلى العلاقة مع "حماس" وقطر من أجل الإبقاء على الأوضاع في غزة مستقرة ومنع اشتعال الوضع في شبه جزيرة سيناء.

وتعارض الدوحة أي تصعيد ضد إيران، وقد يتسبب بقاء مصر في "الناتو العربي" في زيادة التوتر القائم بين مصر وقطر، والذي لن يكون في صالح القاهرة، بالنظر إلى حاجتها لتعاون الدوحة في ملف قطاع غزة.

وعلى مدار العقد الماضي، استثمرت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" في علاقتها السرية مع مصر، لكن قرار مصر بالانسحاب من "الناتو العربي" لا يخدم مصالح (إسرائيل).

وبدون مصر، لا يتمتع "الناتو العربي" بفرص للبقاء على الإطلاق، إلا إذا تضمن وجودا أمريكيا أو إسرائيليا. وبالنظر إلى القيود التي تواجهها أي حكومة عربية، حتى وإن كانت حكومة استبدادية مثل السعودية، فيما يتعلق بالتعاون الصريح مع (إسرائيل)، فإن فرص الفوز في اليانصيب تبدو أعلى من فرص نجاح التحالف الجديد.

وبالنظر إلى أن مصر، الدولة الأكبر والأقوى عسكريا في العالم العربي قد أوضحت عدم ثقتها في القيادة السعودية، ينبغي لـ (إسرائيل) أن تعيد النظر بشكل عاجل في استراتيجيتها في هذا الصدد، خاصة إذا تغيرت الأمور في البيت الأبيض وحظيت أمريكا برئيس ديمقراطي اعتبارا من يناير/كانون الثاني 2021.

المصدر | جوناثان أرييل - مركز بيجن السادات للدراسات الاستراتيجية

  كلمات مفتاحية