لوب لوج: لماذا تفشل محاولات تطبيع العلاقات بين أمريكا وإيران؟

الجمعة 24 مايو 2019 11:05 ص

في الآونة الأخيرة، فتح الرئيس الأمريكي؛ "دونالد ترامب"، الباب لقادة إيران للتواصل، قائلا إنه ينتظر التحدث معهم. لكن المراقبين والمحللين في كل من طهران وواشنطن رفضوا هذه اللفتة باعتبارها بلا معنى.

وبالنظر إلى خلفية العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران في وجود "ترامب"، وخاصة الانسحاب الأمريكي من خطة العمل الشاملة المشتركة، وفرض عقوبات أشد على إيران، لم تكن ردود أفعال طهران وشكوك مراقبيها مفاجئة. وحتى قبل هذا العرض الأخير للتواصل، قالت السلطات الإيرانية، بما في ذلك وزير الخارجية "جواد ظريف"، إن طهران لن تتفاوض تحت وطأة الضغوط. ومن الواضح أن تصرفات إدارة "ترامب" هي المسؤولة عن التوتر المتزايد بين واشنطن وطهران.

ومع ذلك، فإن السبب الرئيسي وراء إحجام طهران عن الدخول في محادثات مباشرة مع أمريكا على مستوى حكومي ليس هو وجود إدارة "ترامب" فقط. ودعونا لا ننسى أنه حتى في عام 1986، عندما كانت إيران يائسة للحصول على أسلحة بسبب حربها مع العراق، وكان المعتدلون فيها يريدون استكشاف سبل المصالحة مع الولايات المتحدة، كانت الاتصالات مع واشنطن تجري في سرية. وكشف المتشددون الإيرانيون عن هذه الاتصالات، التي بلغت ذروتها بسفر "ماكفارلاند"، مستشار الأمن القومي لدى "ريغان"، في رحلة مشؤومة إلى طهران، فيما أصبح يعرف باسم قضية "إيران كونترا". وقد قوض تسريب هذه المعلومات جهود رئيس البرلمان الإيراني "علي أكبر هاشمي رفسنجاني"، الذي أراد شكلا من أشكال تطبيع العلاقات مع أمريكا.

ولأعوام عديدة، منعت هذه الحلقة المزيد من الجهود لتحقيق المصالحة. وكان يمكن القول إنه ثاني أسوأ حدث بعد أزمة الرهائن، من حيث التأُير السلبي على مسار العلاقات الإيرانية الأمريكية، حيث نبهت الواقعة المعارضين للمصالحة الأمريكية الإيرانية في واشنطن، بما في ذلك وزارة الخارجية، وكذلك في الشرق الأوسط، وقادتهم إلى مضاعفة جهودهم لمنع أي اتصالات سرية مع طهران. وفي ضوء هذه الحلقة المحرجة قررت الولايات المتحدة أن تتحدث علنا فقط مع المسؤولين في إيران.

وفي العقود التالية، في ظل رئاستي "رفسنجاني" و"خاتمي"، قام المتشددون بتخريب كل جهد للمصالحة الأمريكية الإيرانية، ونقضوا الاجتماعات الرسمية رفيعة المستوى بين مسؤولي البلدين. وخلال العقود الثلاثة الماضية، تغيرت هوية المتشددين في إيران. وخلال الثمانينيات والتسعينيات، منع اليساريون مثل هذه الاتصالات. وبعد أن تولى "خاتمي" السلطة عام 1997، وأصبح اليساريون فجأة ليبراليين مرة أخرى، قام جيل جديد من العناصر اليمينية بتخريب ومقاومة تواصل "خاتمي" مع العالم.

ويمكن تفسير جزء من هذه الديناميكية حتى اليوم من خلال القتال بين الفصائل على السلطة والامتياز. ومع ذلك، تكمن المشكلة الحقيقية في مكان آخر؛ فهناك علاقة لا تنفصم بين شرعية كل من الثورة الإسلامية وكفاحها المناهض للإمبريالية، وبين معاداة أمريكا. ولم يكن المعتدلون أو المحافظون التقليديون، الذين يمثلهم "رفسنجاني" بشكل أفضل، مناوئين لأمريكا مثل اليسار الذي كان يرفع هذه الراية. وبمجرد أن أصبح اليسار أكثر ليبرالية، فإنه تخلى عن معاداته المفرطة لأمريكا، وبالتالي انتقلت عباءة حماية الثورة إلى المحافظين الجديد. وتتكون هذه المجموعة الآن من الحرس الثوري الإسلامي، وعدد من كبار رجال الدين المتشددين، بمن فيهم "إبراهيم رئيسي"، رئيس السلطة القضائية، وحماه خطيب صلاة الجمعة في مدينة "مشهد" المقدسة، "أحمد علم الهدى" بالإضافة إلى المجموعات الاقتصادية المرتبطة بهم.

وتشكل هذه المجموعات، في الواقع، دولة داخل الدولة، يشار إليها أحيانا باسم "الدولة العميقة". ويعكس الحرس الثوري أفضل صورة لازدواجية السلطة في إيران. وفي الواقع، لا تتمثل المهمة الرئيسية للحرس الثوري الإيراني في الدفاع عن البلاد، ولكن كما يقولون بشكل علني، في حماية الثورة، حتى ضد إرادة الشعب. وتمتلك هذه المجموعة القوة الحقيقية في إيران. وقد ألمح الرئيس "حسن روحاني" إلى هذا بالقول إنه ليس له أي سلطة في بعض الأمور.

ويكمن أساس الشرعية، وبالتالي مصدر القوة السياسية والاقتصادية لهذه المجموعة، في الثورة الدائمة، والهدف النهائي للثورة هو الحفاظ على حكم إسلامي صارم ومكافحة الإمبريالية. وسوف يتسبب تطبيع السياسات الداخلية والخارجية لإيران في حرمان هذه الجماعات من مصدر شرعيتها، ومن ثم القوة والامتياز. وفي هذا السياق، يحتل الغرب، وخاصة أمريكا، مكانا خاصا. فلقد كانت أمريكا الكيان الذي حددته الثورة بوصفه خصمها. فالهدف الرئيسي للثورة هو مقاومة ورفض التأثير الاقتصادي والسياسي لأمريكا.

ومن ثم، فإن التحدث إلى أمريكا مباشرة وعلنا وبشكل رسمي وفي إطار ثنائي قد يتم اعتباره تراجعا عن هذه الأهداف. وقبل بضعة أشهر، قال اللواء "محمد علي جعفري"، القائد السابق لقوات الحرس الثوري الإيراني: "إذا تحدثنا مع أمريكا، فلن يبقى شيء من الثورة". وفي هذه الأثناء، ينظر المتشددون من رجال الدين إلى أمريكا على أنها تجسيد للحداثة المادية، ومصدر كل فساد أخلاقي. وهم يخشون أن انفتاح إيران على الغرب، خاصة أمريكا، سيعني نهاية الإسلام في إيران. ومع تحول الشباب الإيراني بشكل خاص عن الدين تزداد مخاوف رجال الدين المتشددين. وهم لا يدركون أن سلوكهم وأدائهم على مدى الأعوام الأربعين الماضية هو ما تسبب في هذا التحول في المواقف الشعبية.

ولا يدرك المتشددون أن التغييرات الثقافية الشاملة داخل إيران، وليس الهجوم الثقافي للغرب، هو ما يؤدي إلى تآكل أسس دعمهم. ولتعزيز شرعيتها وقبولها الشعبي، كان على الحكومة الإسلامية اتباع بعض السياسات التنموية، وخاصة في التعليم. ولكن مع ارتفاع مستوى تعليم الناس، لم يعد من السهل قبول الرابطو الأيديولوجية وحدها، سواء كانت دينية أو علمانية. وعلى سبيل المثال، تطالب النساء المتعلمات بحقوقهن. وأصبح الرجال المتعلمون أقل عرضة للاعتقاد بأن كلمة آية الله "خامنئي" هي كلمة الله، كما يزعم أتباعه.

ولا تقتصر قضية الحديث مع أمريكا فقط حول "ترامب" وسياساته. ويرتبط الأمر ارتباطا وثيقا بالأزمة الشاملة لإيران، وعجزها عن حل تناقضاتها الداخلية، والأهم من ذلك فشلها في التوفيق بين الحداثة والتقاليد. ولا تقتصر هذه المعضلة على إيران. وينطبق الأمر على جميع الدول غير الأوروبية، وحتى بعض الدول الأوروبية، وبالتأكيد على روسيا.

وكما صاغ "تيموثي ماكدانييل" في كتابه "عذاب الفكرة الروسية"، فإن الحداثة عبارة عن حزمة، ولا يمكنك الاختيار منها. لا يمكنك بناء مبان طويلة ومحطات نووية في حين تحرم الناس من حقوقهم. وكلما تأخر حساب المتشددين، زاد الضرر الذي يحدثونه لإيران ولأنفسهم. ولا يزال هناك وقت لقيادة إيران لتيسير الانتقال إلى الحداثة من خلال الإصلاح. ويتمثل أحد المكونات الرئيسية لهذا التحول في تطبيع علاقات إيران مع العالم الخارجي، وخاصة أمريكا.

المصدر | شرين هانتر - لوب لوج

  كلمات مفتاحية