استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

إصلاح العقلية الجمعية

الخميس 4 يونيو 2015 04:06 ص

ما كان للذي يحدث الآن في طول وعرض بلاد العرب من حشد لألوف الجهاديين، ومن حصولهم على مدد ودعم مالي ومعنوي لا ينضب، ومن تعاطف هائل على شبكات التواصل .. ما كان لكل ذلك الجنون أن يحدث لولا وجود خلل تاريخي متجذر في تركيبة ومكونات العقلية الجمعية العربية، وعقل المجتمعات التي نشأت عبر القرون.

لقد جرت محاولات عدة لتشخيص المصادر التي كونت ذلك العقل، والمنهجيات التي يعمل من خلالها، وتأثيرات البيئة وأحداث التاريخ والأساطير الشعبية المتداولة في الماضي السحيق والأديان المتعاقبة على المنطقة، التي عاش فيها العرب أو ما حولها. ووصلت تلك المحاولات إلى نتائج متباينة ولكن بالغة الأهمية.

في اعتقادي أن ما يهمنا، في اللحظة الحالية من مسيرة أمتنا العربية، هو العوامل الثلاثة التالية، التي تفعل فعلها يوميا وبتأثيرات بالغة، في الحياة العربية المليئة بالفواجع وعدم التوازن العقلي.

أولا: الكهنوت الفقهي، فما عادت مؤسسة الفقه الإسلامي تقوم على جهود جماعة صغيرة من علماء الدين المجتهدين والمحدثين، لقد أصبحت شبكة متنامية في أشكالها وأنواع نشاطاتها وساحات عملها ومنابرها وصفات الناشطين فيها، امتدادا من العقل والتقوى إلى أقصى درجات الجنون وانعدام الضمير. لقد أصبح تأثير تلك الشبكة على الناس والمجتمعات تأثيراَ جارفا وكاسحا لكل الحدود ولكل المناعات السابقة.

بعض هؤلاء يبنون في الجيل الشاب عقلية متزمتة منغلقة استئصالية، يؤججون في عقول أتباعهم مشاعر طائفية كارهة حاقدة، يتجرأون بخفة وانتهازية على منجزات علوم الطب والاجتماع والنفس والسياسة واستبدالها ببحر من الشعوذات والخرافات والقراءات الدينية الخاطئة والكاذبة، يرفضون الكثير من مسلمات العصر بالنسبة لحقوق الإنسان، وعلى الأخص حقوق المرأة المسلمة، ولأسس الحكم الصالح، وعلى الأخص الديمقراطية، يضعون هالة من القداسة على شخصيات وأحداث تاريخية منتقاة لخدمة أغراض سياسية انتهازية نفعية. 

نحن بالفعل أمام محاولة من قبل البعض لبناء مؤسسة كهنوتية، مشابهة للكهنوتية الكنسية في القرون الوسطى. وهي لا تترك مجالا من مجالات الحياة العربية إلا وتحاول الهيمنة عليه، من خلال إعلاء يصل إلى حدود القداسة لتراث فقهي يعرف القاصي والداني أن فيه الغث المدسوس المخالف لروح الإسلام السمحة وعدله. 

ثانيا : السلوكيات القبلية البدوية ، فكثير من الأعراف والممارسات البدائية التي حاربتها الثورة الإسلامية المحمديُة، ولم تنجح في استئصالها لازالت معنا، بل ومؤخرا تزداد قوة وترسخا، في قلبها يرزح الانحياز إلى الذكورة على حساب كرامة الأنوثة متمثلا في أجلى صورهة في احتقارها وفي ارتكاب جرائم الشرف باسم حمايتها، وترزح أشكال من التعصُب للقبيلة والعشيرة وأشكال من التفاخر بالنسب والأصل. 

وهي وراء احتقار العمل اليدوي والمدح الكاذب والهجاء الفاحش وعدم الانضباط في أشكال من الأنظمة. رغم القول الشهير المنسوب إلى رسول الإسلام بأن «ليس منا من دعا إلى عصبية»، إلا أن العصبية القبلية تهيمن على الحياة السياسية، كالانتخاب على أسس قبلية بحتة وعلى الحياة الوظيفية كالتعيينات من خلال الواسطة.

ثالثا: تأثيرات الثقافة النيوليبرالية العولمية، فهذه تجتاح الوطن العربي مثلما تجتاح العالم. وما يهمنا هنا هو المحاولة الخطرة لقولبة الإنسان في شكل كائن استهلاكي نهم لكل أشــــكال الإنتاجات المادية من جهة، والمعنوية الغرائزية السطحية العابرة من جهة أخرى. وينتهي الإنسان ليصل إلى ذاتية إنانية مريضة منفصلة عن مجتمعها ورافضة لكل التزام تجاه الآخرين. إنها محاولة لإعلاء الحسي على حساب العقلي والأخلاقي وإلى إعلاء الذاتي على حساب الجمعي والتعاضد الإنساني. 

نحن إذن أمام عوامل ثلاثة تبني عقلية جمعية مليئة بالعلل والنواقص التي تفرض نفسها على الفرد العربي، فيتبنى مقولاتها وأعرافها وسلوكياتها، ليصبح مواطنا عاجزا عن المساهمة في إخراج أمته من تخلفها التاريخي، ومن مآسيها التي تواجهها حاليا، بفعل الاستباحة الخارجية من جهة وبفعل القوى البربرية والانتهازية أو الزبونية أو الطائفية أو المتزمتة الداخلية من جهة أخرى. 

ليس الهدف هو التهجم على الفقه المتزن المستجيب لحاجات العصر وتساؤلاته بانفتاح وعقلانية، ولا على حاملي ودعاة هكذا فقه، ولا الرفض للحميمية والتعاضدية في الانتماء القبلي، ولا المناداة بالنأي عن القيم والمنجزات الإنسانية المبهرة في الحداثة والعصرنه. المطلوب هو الرفض التام لتشويه تلك العوامل وجعلها، كما هو حاصل، عوامل تشويه وإضعاف لعقلية المجتمع وساكنيه، وبالتالي تشويه الإنسان العربي. 

هناك حاجة تاريخية ملحة لجهود فردية ومؤسساتية هائلة لمنع ودحر ما يحدث في طول وعرض بلاد العرب من خلال دحر كل ما يرفد العقلية الجمعية العربية بشتى أشكال الأمراض العقلية والنفسية والروحية.

٭ د. علي محمد فخرو مفكر وسياسي بحريني. 

 

  كلمات مفتاحية

الإصلاح العقل الجمعي الكهنوت الفقهي القبلية العصبية البدوية الثورة الإسلامية النيوليبرالية العولمية