مضاوي الرشيد: رحيل مرسي شهادة وفاة للتغيير السلمي في العالم العربي

السبت 25 مايو 2019 02:05 م

كتب موت الرئيس المصري الأسبق "محمد مرسي" في المحكمة بعد أكثر من ست سنوات من الاحتجاز في الحبس الانفرادي دون رعاية طبية مناسبة شهادة وفاة الاحتجاج غير العنيف في العالم العربي، وتعد عواقب ذلك السيناريو كابوسية، مع استمرار الاستبداد في أشكاله العسكرية والرئاسية والملكية.

وهتفت مجموعة متنوعة من الحركات الشبابية والنسوية والليبرالية والقوميون واليساريون وغير الملتزمين إيديولوجياً في الميادين الرئيسية للعواصم العربية في السنوات الأخيرة، مبتكرين استراتيجيات للاحتجاج السلمي.

وفي عام 2013 - في الفترة التي سبقت الانقلاب المصري - استحوذت جماعة الإخوان المسلمين (التي كان مرسي قيادياً فيها) وفروعها العربية على الخيال الشعبي باحتجاجهم السلمي، حيث واجهوا الدولة الأمنية المصرية في أكثر لحظاتها وحشية، ومات المئات في ميدان رابعة العدوية، حيث تجمع المتظاهرون ورفضوا المغادرة بعد خلع رئيسهم المنتخب.

النشاط الشعبي

تونس، القاهرة، صنعاء، الجزائر، المنامة، درعا، مسقط، القطيف، بريدة، والفلوجة هي من بين العديد من المدن والبلدات العربية التي جربت الاحتجاج السلمي.

كان "الربيع العربي" في 2011 مدفوعًا بالناشطين ذوي الشعبية والمعارضين الذين عانوا ببساطة من عنف الحكومات. وهذا العام، اجتاحت الموجة الثانية من الربيع العربي الجزائر والسودان.

ومارست الأنظمة العربية أعمال عنف غير متناسبة ضد المعارضين السلميين والمنتقدين، والطلاب والنسويات والأقليات وعلماء الدين والمواطنين العاديين.

واستخدمت هذه الأنظمة القوة المجردة، التي كانت غير شرعية في معظمها، ولم يكن لدى الطغاة طريقة أخرى لفرض الطاعة إلا بفرض قبضة حديدية.

وحاول الطغاة الذين لديهم موارد أكثر رشوة شعبهم عن طريق توزيع المزايا، لكن للأسف ظل الكثير من الناس خارج شبكات المحاباة هذه.

ومع ذلك، فإن مقتل "جمال خاشقجي" في القنصلية السعودية في إسطنبول أواخر العام الماضي هو دليل صارخ على السرعة التي يمكن أن يسقط بها شخص ما من الدائرة الداخلية للسلطة الاستبدادية، وصولا لمواجهة الموت الوحشي على يد النظام الذي دافع عنه ذات يوم.

ينشر الطغاة الخوف ويحصدون الأرواح المحطمة ويعطلون التنمية والعقول، ويخنقون الاقتصادات بالفساد، ويخربون الحرية بخطابية قومية فارغة، خالقين ما يشبه طائفة دينية متمحورة حولهم.

ويستمد الطغاة العرب قوتهم بشكل رئيسي من شركائهم، المتمثلين في مجموعة من الحكومات الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، مع انضمام روسيا والصين إلى الجوقة في السنوات الأخيرة.

ودخلوا جميعًا في منافسة شرسة حول من سيفوز بأكثر المكافآت المالية عبر بيع هؤلاء المستبدين تكنولوجيا أكثر فتكًا، تستخدم لشن الحروب الإقليمية والتجسس على المواطنين وتعذيب الناشطين.

تغذية الإرهاب

ينخرط الزعماء الغربيون في لغة خادعة، مشيدين بالإصلاحات المزعومة للمستبدين بينما يبيعونهم أسلحة فتاكة لانتهاك حقوق مواطنيهم.

واستخدمت هذه الأنظمة التعذيب الوحشي وقطعت الجثث وحللتها، لكنها تنجو دون أي عواقب، وسط حملات علاقات عامة بملايين الدولارات لتحسين صورتها.

يصور الغرب مثل هؤلاء الطغاة كأعمدة للاستقرار والسلام، ويروج أنهم يحمون الأقليات ويمكّنون النساء ويشترون الأسلحة من مصنعي الأسلحة الغربيين، بينما في الحقيقة هم يحاربون الإرهاب الذي خلقوه بأنفسهم.

وغالبًا ما كان يُعتقد أن البديل عن الطغاة هو حكومات سيئة للنساء والأقليات، يمكنها أن تهدد أمن (إسرائيل). وانطلاقا، من هذا المنطق الملتوي، كان المستبدون يُعتبرون مصدرًا للاستقرار، بينما تعد الحكومات الديمقراطية مصدرا للفوضى.

يعتقد الغرب أن الديمقراطية سوف تؤدي إلى الاستيلاء على الدولة من قبل الإسلاميين المتطرفين الذين يُزعم أنهم يستعبدون النساء، ويقتلون المسيحيين ويحرضون على العنف الطائفي.

ويمكن لهذا الوضع أن يزيد من تدفق اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين لأسباب اقتصادية، أما الطغاة فيبقون التدفق البشري في بلادهم، أو هكذا يذهب المنطق، حتى لو كان هذا يتطلب معسكرات اعتقال وحراسة حدودية وحشية.

ينسى القادة الأوروبيون أن تدفق اللاجئين العرب بدأ مع العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين عام 1948، واستمر فيما بعد مع الطغاة العرب الذين أرهبوا شعوبهم وحرموهم من الحياة الكريمة في أوطانهم.

وازدهرت مثل هذه العلل لعقود من الزمن، حيث تواصل الحكومات الغربية الاعتماد على "الشياطين الذين تعرفهم"، رافضة منح الديمقراطية الفرصة.

حرية قصيرة الأمد

في 2011، كان غالبية العرب يؤمنون بالاحتجاج السلمي، وهي استراتيجية كان الغرب يبشر بها، حيث واجه المتظاهرون العزل الدبابات في شوارع العواصم العربية. نجحت هذه الاستراتيجيات - وإن كان لفترة قصيرة - في تحقيق العدالة والحرية والكرامة، قبل أن يحدث انتكاس سريع.

تم إنهاء جو الحرية الذي لم يدم طويلًا من قبل مجموعة من الأنظمة الرجعية، التي صورت نفسها كملاذات نيوليبرالية للاستهلاك المفرط والتسامح الديني المزعوم والسعادة، وكل ذلك تحت غطاء من وحشية الشرطة.

وقادت السعودية والإمارات حملة لإنهاء التغيير الهائل الذي طال انتظاره في جميع أنحاء المنطقة، وتمت استعادة الأنظمة القديمة، واستمرت الهياكل الأساسية للسلطة الممثلة في شبكات الاستخبارات والأمن الوحشية، والجيوش الفاسدة، والمرتزقة المستوردين وشركات العلاقات العامة في تشويه الواقع.

واليوم يسمى القمع إصلاحا؛ وتسمى عمليات التطهير زورا بأنها حملات لمكافحة الفساد؛ وتختزل الحرية في مجموعة من الفاعليات الترفيهية، كما تسمى حالات الاحتجاز التعسفي بأنها تدابير لمكافحة الإرهاب.

وكان الاحتجاج السلمي في 2011 قفزة نوعية، وفصل جديد قلب صفحة عقود من العنف ارتكبتها جهات غير حكومية.

كان العنف الذي قلبت صفحته الاحتجاجات الجماهيرية منتشراً من جبال الجزائر إلى المجمعات السكنية في السعودية، مروراً بالمواقع السياحية والأضرحة الدينية القديمة، حيث تم قتل الآلاف من المواطنين العاديين في هذه العملية، لكن المستبدين أنفسهم كانوا الأسعد بهذه الموجة من العنف.

لكن نافذة التغيير السلمي تغلق، والرسالة واضحة الآن: إما الطغاة أو الجماعات المتطرفة، التي تم تأسيس معظمها ودعمها من قبل المستبدين أنفسهم وحلفائهم الغربيين.

لم تنجح أي من هذه الجهات في الإطاحة بنظام عربي، أو استبداله باليوتوبيا الإسلامية التي بشروا بها، ولكن كان تنظيم الدولة الإسلامية استثناءً: فما زال صعوده وزواله محاطين بالسرية، ولكن حتى في هذه الحالة، فشلت المجموعة في التوسع خارج الحدود التي وضعتها لها قوى أقوى منها.

موت البديل السلمي

ويرمز انهيار ووفاة "مرسي" في محكمة مصرية إلى وفاة البديل السلمي للتغيير.

ولن ينجح البديل السلمي طالما استمرت الأنظمة القديمة في التمتع بدعم الغرب، وسوف يتسبب موت الخيار السلمي في تنشيط البدائل العنيفة.

نعم، كثير من الناس سوف يصفون "مرسي" بأنه شهيد، لكن أولئك الذين يكرهون البديل السلمي سيضحكون، لأنهم يفضلون أن يموت الشهداء في ساحة المعركة، بينما يخوضون معركة أبدية بين الخير والشر. في نظرتهم للعالم، هناك فقط أبيض وأسود، مع عدم وجود مجال لظلال رمادية.

يجب أن يكون موت "مرسي" دعوة للاستيقاظ لمنع المنطقة بأسرها من السقوط في الهاوية. لقد حان الوقت لشركاء الاستبداد العربي من الغربيين لإعادة النظر في علاقتهم التاريخية مع أولئك الذين خنقوا الديمقراطية حقاً بالبترودولارات.

المصدر | مضاوي الرشيد - ميدل إيست آي

  كلمات مفتاحية