ماذا وراء التحالف المزدهر بين تركيا وباكستان؟

الأحد 26 مايو 2019 12:05 م

في الفترة التي سبقت انتخابات تركيا في أبريل/نيسان 2017، كان حزب "العدالة والتنمية" الحاكم يدير حملة دعائية بميزانية كبيرة للترويج لتركيا في العالم السني.

وعرضت الحملة مشاهد للمسلمين في جميع أنحاء العالم يمجدون تركيا لمساهماتها القديمة والحديثة، بما في ذلك لقطات لأطفال كازاخيين يحدقون في عجب بينما يروي لهم شيخ القرية عن الفتوحات الهائلة للأتراك، ولقطات أخرى لبوسنيين يحتفلون بفوز الفريق الوطني التركي لكرة القدم.

ويذهب المشهد الترويجي في باكستان إلى أبعد الحدود حيث يجلس زوجان تركيان في مقهى ويطلبان الحساب، وعندما يأتي، يكتب على الإيصال ببساطة: "لقد دفع أردوغان الفاتورة".

وبصرف النظر عن الغموض، كان المقصود من الجزء الباكستاني من الإعلان أن يشيد بالعلاقة القوية التي أقامها الرئيس "رجب طيب أردوغان" بين تركيا وباكستان، وهي علاقة تفاعلت باكستان معها بشغف.

على الرغم من أن "أردوغان" كان يتمتع دائمًا بعلاقات حميمة نسبيًا مع باكستان، فإن هذه العلاقات تعززت مع دعم باكستان لـ"أردوغان" إبان محاولة الاتقلاب الفاشلة في عام 2016.

وفي استعراض للتضامن، اتصل رئيس الوزراء "نواز شريف" بالرئيس التركي في خضم الانقلاب وزار البرلمان التركي بعد فترة وجيزة، ومنذ ذلك الحين ضاعف "أردوغان" جهوده لإقامة علاقات أوثق مع باكستان.

العلاقات السياسية والاقتصادية

بحلول عام 2017، تجاوز حجم الاستثمارات التركية في باكستان مليار دولار، وواصلت تركيا مشروعاتها هناك، مثل نظام النقل السريع "مترو باص".

وسوف تزيد هذه المشاريع من حجم التجارة الثنائية من 900 مليون دولار إلى 10 مليارات دولار بحلول عام 2022، ومع استمرار التوسع في الخطوط الجوية التركية ونمو إسطنبول كمحور طيران إقليمي، فإن الباكستانيين يسافرون بشكل متزايد على الخطوط الجوية التركية ويتوقفون في تركيا في طريقهم إلى الغرب.

وعلى الرغم من أن الباكستانيين يحتاجون حاليًا إلى تأشيرة لدخول تركيا، لكن اتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين البلدين ستسهل ذلك، وتتطلع تركيا إلى تعزيز السياحة من الدول الإسلامية لتعويض خسارة السياح من أوروبا الغربية في السنوات الأخيرة، ولديها الكثير لتكسبه من السياحة الجماعية المحتملة من باكستان.

لطالما تم اعتبار تركيا نموذجًا اقتصاديًا وسياسيًا لباكستان، وإن كان ذلك بطرق تغيرت مع مرور الوقت، وأعجب الجنرال "برويز مشرف"، القائد والرئيس العسكري الباكستاني السابق بـ"مصطفى كمال أتاتورك"، مؤسس الجمهورية التركية، وبإصلاحاته العلمانية وحكمه القوي.

وأوضح "مشرف"، الذي قضى جزءًا من طفولته في تركيا، عن آماله في أن تتبع باكستان طريقًا تركيًا نحو الحداثة، ومع ذلك، فإن إعجاب "مشرف" بـ"أتاتورك" جاء في وقت واجهت فيه الوصاية العسكرية في تركيا تحديًا في العقد الأول من حكم "أردوغان".

ووصف رئيس وزراء باكستان الحالي، "عمران خان"، "أردوغان" بأنه أحد "أبطاله السياسيين" بسبب وقوفه في وجه انقلاب عام 2016، وبالنسبة لكل من "أردوغان" و"خان"، فإن الخوف المبرر من الانقلابات العسكرية يعد مصدرًا مهمًا للتضامن.

العلاقات العسكرية والأمنية

على الساحة الدولية، كان التضامن التركي الباكستاني قوياً لعقود من الزمن، وقد دعم كلا البلدين بعضهما البعض في المسائل الداخلية وكذلك المشاكل مع جيرانهما.

وترتبط علاقة باكستان مع تركيا أيضًا بأذربيجان وهي حليف مهم آخر، ويأتي هذا المحور على حساب أرمينيا، التي تعتبر باكستان هي الدولة الوحيدة في العالم التي لا تعترف بوجودها، ومما لا يثير الدهشة، اعتراف باكستان بمطالب أذربيجان بشأن إقليم ناغورنو كاراباخ المتنازع عليه، وهو موقف تشترك فيه مع تركيا.

في المقابل، اتخذت تركيا مؤخرًا خطوات لتأكيد دعمها لاستقلال كشمير أو الوصول لاتفاق ثنائي بين الهند وباكستان فيما يتعلق بوضعها، وخلال المناوشات الأخيرة بين الهند وباكستان في عام 2019، أجرى "خان" و"أردوغان" مناقشات متكررة حول كيفية حل الوضع سلميا، وأثنى "أردوغان" على قرار "خان" بالإفراج عن طيار هندي أُسقط على الأراضي الباكستانية.

ويمكن عزو دعم "أردوغان" الواضح لموقف باكستان من قضية كشمير إلى جهوده الأوسع لتقديم نفسه كمدافع عن المسلمين في جميع أنحاء العالم، والذي يهدف إلى حشد الدعم لشخصه في الداخل والخارج.

في سياق آخر، تشترك تركيا وباكستان في مشاكلهما المتماثلة مع النزعات الانفصالية الداخلية والإرهاب، وكثيراً ما عرضتا المساعدة على بعضهما البعض لمعالجة هذه القضايا.

وتدعم باكستان تركيا في صراعها مع حزب العمال الكردستاني، ووعيا بتجربة باكستان في كفاحها ضد المتمردين الداخليين، طلب الجيش التركي الدعم من المخابرات الباكستانية أثناء تكثيف حملته ضد حزب العمال الكردستاني في النصف الأخير من عام 2015.

وكانت واحدة من أكثر القضايا إلحاحًا التي واجهت العلاقات الباكستانية التركية هي مدارس "باك تورك" وهي جزء من الشبكة العالمية لـ"فتح الله غولن"، وهو رجل دين ذو نفوذ وكان حليفا سابقا لـ"أردوغان"، وكانت مكرسة لتعزيز الثقافة التركية وتثقيف الباكستانيين الشباب حول أفكار "غولن" الدينية والسياسية.

وفي أعقاب محاولة الانقلاب التي وقعت عام 2016، والتي ألقى "أردوغان" باللوم فيها على "غولن" وحركته، بدأ الزعيم التركي في مطالبة الدول الأخرى باتباع نهجه من خلال وصف "غولن" ومؤيديه بالإرهاب وإغلاق مدارسهم.

وردت حكومة باكستان أولاً برفضها تجديد تأشيرات العمل والإقامة للموظفين الأتراك في مدارس "باك تورك"، ما أجبر الكثير منهم على المغادرة؛ وقد مُنع بعضهم من الدخول إلى بلدان أخرى كلاجئين وأُعيدوا بعد ذلك إلى تركيا ليواجهوا عقوبة السجن.

وفي أوائل عام 2019، أعلنت المحكمة العليا في باكستان تنظيم "غولن" منظمة إرهابية وأمرت بتسليم مدارس "باك تورك" إلى مؤسسة "معارف" وهي مؤسسة مدرسية إسلامية أنشأتها الحكومة التركية لمواجهة نفوذ "غولن" في إشارة واضحة لدعم "أردوغان".

فيما يتعلق بمشكلة الإرهاب في باكستان، التي تتشابك بشدة مع أفغانستان، كان دعم تركيا لباكستان أقل وضوحا وأكثر ارتباطا بالسياسة الواقعية والشواغل الأيديولوجية، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الشبكة المعقدة للتحالفات في المنطقة.

وبينما دعمت كل من تركيا وباكستان المجاهدين أثناء الاحتلال السوفيتي لأفغانستان - بسبب تحالفهما مع الولايات المتحدة وتفضيلهما الطبيعي للجهات الفاعلة الإسلامية في الصراع - بدأت مصالحهم تتباعد مع صعود "طالبان"، وهي حركة كان لها أصول في باكستان نفسها.

بحلول أواخر التسعينات، عزز التحالف الشمالي، الذي يتكون إلى حد كبير من الطاجيك والأوزبك، أراضيه وصعد مقاومته لحكم "طالبان"، وكان يُنظر إلى تركيا كحليف طبيعي للتحالف الشمالي، خاصة أعضائه الأوزبك، بسبب تراثهم التركي المشترك، وفي وقت كانت تركيا تتواصل فيه مع آسيا الوسطى بعد ما يقرب من قرن من الهيمنة السوفيتية، كان يُنظر إلى دعم التحالف الشمالي باعتباره رهانًا آمنًا، وهو ما تسبب في إغضاب باكستان.

وفي حين أن الغزو الأمريكي لأفغانستان في أكتوبر/تشرين الأول 2001 كان له دور في إجبار باكستان على مضض على الانحياز إلى جانب المجتمع الدولي بشأن قضية "طالبان"، لكن بعض المتمردين الأفغان المدعومين من تركيا ما زالوا يكنون العداء التام تجاه باكستان، كان هذا بارزا في حالة "عبدالرشيد دوستم"، وهو أوزبكي من أصول تركية له علاقات وثيقة مع تركيا، عندما أصبح "دوستم" أحد نائبي الرئيس الأفغاني في عهد حكومة "أشرف غني"، اتخذ موقفا معاديا لباكستان بقوة.

ومع ذلك، فإن دعم أنقرة للشخصيات المعادية لباكستان في أفغانستان لم يقلل من نفوذها الدبلوماسي في المنطقة، وتظهر التطورات الأخيرة أن علاقة "أردوغان" الوثيقة مع "خان" قد عززت فقط دور تركيا كصانع سلام محتمل في الصراع مع "طالبان".

وفي مؤتمر مشترك مع "خان"، أعلن "أردوغان" نية تركيا استضافة محادثات سلام بين "طالبان" وحكومتي أفغانستان وباكستان في أعقاب الانتخابات المحلية في تركيا في 31 مارس/آذار.

 والآن، ليس من الواضح ما إذا كانت تلك المحادثات ستجري ومتى ستحدث، لكنها حال وقوعها ونجاحها في تحقيق نتائج، فستكون بمثابة انتصار كبير لـ"أردوغان" وستعزز سمعته كشخصية رائدة في العالم الإسلامي.

خاتمة

حتى وقت قريب، كانت العلاقة الوثيقة بين باكستان وتركيا ذات طابع كرنفالي إلى حد كبير ولم تسفر إلا عن القليل من النتائج الملموسة، وتحت قيادة "أردوغان"، عملت تركيا بنشاط على تنمية علاقات أوثق مع العالم السني، الذي أهمله أسلافه لفترة طويلة.

وفي حين تم توثيق نجاحات "أردوغان" وإخفاقاته مع العالم العربي كثيرًا، فإن علاقته الناشئة مع باكستان يمكن أن تساعد في تعويض خسائره في أماكن أخرى.

ومع المخاوف الأمنية المتماثلة فيما يتعلق بالأعداء الأجانب والتمردات الداخلية والخوف من الانقلابات العسكرية، فإن باكستان وتركيا في وضع جيد لبناء علاقات أوثق في مجالات تتراوح من التجارة إلى الثقافة.

وفي حال كانت هناك ثمار لمحادثات السلام المقترحة في إسطنبول أو اتفاقية التجارة الحرة، فإن العلاقة الباكستانية - التركية قد تكتسب أهمية أكبر لكلا البلدين.

المصدر | فيليب كوالسكي- معهد الشرق الأوسط

  كلمات مفتاحية