لماذا لن تنجح أموال ترامب في شراء رضا الفلسطينيين؟

الأحد 26 مايو 2019 03:05 م

يشارك الرئيس "دونالد ترامب" في محاولة شاملة لإجبار الفلسطينيين على الاستسلام السياسي، وسلاحه المفضل في هذا هو المال. وبالتنسيق الكامل مع الحكومة الإسرائيلية، يشرف "ترامب" على حملة عالمية لضمان نضوب الأموال الموجهة لدعم الفلسطينيين. وأدخل ذلك كل شيء تقريبا، من المستشفيات الفلسطينية في القدس الشرقية إلى الرعاية الصحية والتعليم للاجئين الفلسطينيين، في طور من الجفاف المالي. 

لذلك، عندما ذكرت شبكة "سي إن إن" الأحد أن إدارة "ترامب" ستستضيف "ورشة عمل اقتصادية" في البحرين لتشجيع استثمار رأس المال في الضفة الغربية وغزة، وهي الحلقة الأولى في المسلسل الذي يسميه الرئيس "صفقة القرن"، بدا الأمر مريبا.

ويقال إن الخطة تتناول 4 مكونات رئيسية، وهي البنية التحتية، والصناعة، وتمكين الأفراد والاستثمار فيهم، وإصلاحات الحوكمة، "لجعل المنطقة قابلة للاستثمار قدر الإمكان". وبينما يبدو كل هذا على الورق جيدا، فقد يكون هو الخطوة الأولى في انهيار خطة سلام "ترامب".

وتعد العقبة الأولى غير المتوقعة هي أن الولايات المتحدة فقدت أي تأثير متبق على المجتمع الفلسطيني. ونظرا لأن عملية السلام التي تحتكرها الولايات المتحدة كانت في طريقها دائما إلى الانهيار التام، فقد أدركت الإدارات الأمريكية السابقة أن الحفاظ على تدفق أموال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية العاملة في الضفة الغربية وقطاع غزة قد أعطى الولايات المتحدة نوعا من النفوذ المالي، بعد أن فقدت أي قدر من المصداقية السياسية. والآن، بعد أن أغلق ترامب مهمة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في تل أبيب، التي خدمت الضفة الغربية في السابق، أصبح الفلسطينيون أحرارا في التفكير دون أي خوف من سيف التمويل الأمريكي المشهر على أعناقهم.

لكن إدارة "ترامب" لا تستسلم، ومن خلال ورشة العمل التي تم الإعلان عنها حديثا، يبدو أن البيت الأبيض على استعداد لإنفاق مليارات الدولارات لحمل الفلسطينيين على قبول الخطة.

وفي حديثه في معهد واشنطن الأسبوع الماضي حول خطة السلام المقبلة في الشرق الأوسط، قال صهر الرئيس، "جاريد كوشنر": "أعتقد أننا طورنا خطة عمل جيدة". ولكن يبدو أن "كوشنر" مخطئ في هذه النقطة تماما؛ فـ(إسرائيل) مدمنة تماما للتطفل على الاقتصاد الفلسطيني، وبدون التغلب على هذا الإدمان، لا توجد فرصة لنجاح أي "خطة أعمال" كبرى. علاوة على ذلك، فإن "خطته التشغيلية المتعمقة"، التي يصفها بأنها "واقعية وقابلة للتنفيذ... وسوف تؤدي إلى تحسين وضع كلا الجانبين"، لا تعدو كونها أكثر من هلوسة، بالنظر إلى أنها تنكر الحاجة إلى إقامة دولة فلسطينية في الأساس.

وأصبحت سيطرة (إسرائيل) على الاقتصاد الفلسطيني واستنزافها له لأكثر من 5 عقود عقبة رئيسية في جعلها تدرك أن احتلالها يجب أن ينتهي. ومثلما يتطلب الأمر الشفاء من هذا الإدمان، فإن هذا يتطلب دعما خارجيا. ويجب أن يعتمد هذا الدعم على قيام دول ثالثة بمساءلة (إسرائيل)، بدلا من بناء "خطة عمل" لمحاولة رسم الحياة في ظل الاحتلال العسكري الإسرائيلي.

ولسنا نتحدث هنا عن حقوق الإنسان فقط، ولكن عن الحقوق الاقتصادية أيضا؛ التي تشكل حق الفلسطينيين في أصولهم الاقتصادية التي تشمل الأرض والمياه وآبار الغاز الطبيعي وشواطئ البحر الميت والبحر الأبيض المتوسط، وحقهم في توظيف هذه الأصول في إطار خطة تنمية اقتصادية محددة من قبل الفلسطينيين، وخالية من جداول الأعمال الإسرائيلية أو جداول الدول المانحة. وفي ضوء ذلك، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون إلقاء المزيد من الأموال الإنسانية والتنموية في الخزائن الفلسطينية حلا للصراع.

التبعية الهيكلية

ومنذ بداية الاحتلال العسكري للضفة الغربية وقطاع غزة قبل 51 عاما، ربطت (إسرائيل) بشكل منهجي اقتصاد المناطق الفلسطينية باقتصادها. وقبل اتفاقات أوسلو، كان هذا الارتباط القسري أكثر وضوحا في تقييد (إسرائيل) للأعمال التجارية الفلسطينية، وسيطرتها على حرية حركة العمال الفلسطينيين. وقبل ما يقرب من عقد من الزمن من أوسلو، كانت (إسرائيل) تصدر تصاريح العمل لعشرات الآلاف من العمال الفلسطينيين للسماح لهم بدخول (إسرائيل) للعثور على عمل. وقد ساهمت العمالة الفلسطينية في البناء والزراعة والفنادق وما شابه في (إسرائيل).

وكان العمال الفلسطينيون يعاملون كقوة عاملة من الدرجة الثانية سمحت للأعمال التجارية الإسرائيلية بالاستفادة من الأجور المنخفضة لهم دون الخضوع لقانون العمل الإسرائيلي. حتى أن العديد من العمال الفلسطينيين وجدوا أنفسهم يبنون المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية التي تهدد وجود المجتمعات الفلسطينية ذاتها. وبالنسبة للفلسطينيين، كانت القدرة على العمل، في أي مكان، أثناء الاحتلال الإسرائيلي مسألة بقاء. وبالنسبة للكثيرين، ما زال الأمر كذلك.

كما فرضت سلطات الاحتلال الإسرائيلية ضرائب على الفلسطينيين المحتلين، واستخدمت جزءا من هذه الضرائب لإغراق المناطق الفلسطينية بالبنية التحتية والسلع إسرائيلية الصنع. وأدى ذلك إلى زيادة اعتماد الفلسطينيين على اقتصاد دولة الاحتلال.

وأعقب اتفاقات أوسلو ترتيبات اقتصادية سميت بـ"بروتوكول العلاقات الاقتصادية"، تم توقيعها في باريس في 4 مايو/أيار 1994. ومثلما حافظ اتفاق أوسلو نفسه على السيطرة الإسرائيلية على جميع الجوانب الرئيسية للحياة الفلسطينية، قام بروتوكول باريس بإضفاء الطابع المؤسسي على الاحتلال الاقتصادي كجزء مما كان من المفترض أن يكون إطارا لاتفاق سلام.

وفي أعقاب اتفاقيات أوسلو، تحول دور الجهات المانحة من تمويل "التنمية" الفلسطينية إلى المساعدات الإنسانية التي تخدم في النهاية هدف تقليص التكاليف المالية للاحتلال العسكري الإسرائيلي. وسواء كان ذلك عن قصد أم لا، فقد كان هذا النوع من التمويل شريكا في وصول الوضع إلى ما هو عليه اليوم.

وعلى الرغم من أن أموال المانحين قد غذت الاقتصاد الفلسطيني، لم يعر المانحون في أي وقت أولوية لبناء مجتمع فلسطيني قابل للحياة. وقد ساعد المانحون في إنشاء جمعيات تجارية، وقدموا مستوى معينا من المساعدة، ولكن لم يتبوا منهجا استراتيجيا تجاه القطاع الخاص يؤدي لتقليل الاعتماد الهيكلي على (إسرائيل).

وسارع الكثيرون في المجتمع الدولي إلى انتقاد العدد المتزايد من العاملين في القطاع العام الفلسطيني، لكن قلة منهم، إن وجدت، كانت لديهم البصيرة لمعرفة أن القطاع الخاص الفلسطيني القوي هو السبيل الوحيد لتوفير بديل للوظائف العامة. أما أولئك الذين أدركوا هذا الأمر، فقد تجاهلوه غالبا، لأنه كان سيعني تحدي الاحتلال الإسرائيلي والقيود المفروضة على الاقتصاد الفلسطيني الذي تأتي معه.

وطوال الوقت، كانت (إسرائيل) تمضي قدما في مشروعها الاستيطاني أحادي الجانب، الذي أضر بشدة القطاع الخاص الفلسطيني، وترك السلطة الفلسطينية تكافح للبقاء. وقد ترك هذا القطاع الخاص الفلسطيني يتعامل من تلقاء نفسه مع القيود الإسرائيلية على المجتمع الفلسطيني.

وبعد ارتباطه هيكليا بالسوق الإسرائيلية لعقود من الزمن، فقد ترك قرار (إسرائيل) الانفصال من جانب واحد، أو "فك الارتباط" كما كان يطلق عليه، ترك الفلسطينيين في القطاع الخاص مع خيارات قليلة بخلاف اتباع الخطط الإسرائيلية. وفي البداية، حاولت (إسرائيل) استبعاد العمالة الفلسطينية العاملة في (إسرائيل)، مما زاد من معدل البطالة في الضفة الغربية وقطاع غزة بين ليلة وضحاها. وبعد تطبيق هذه الصدمة في السوق، قررت (إسرائيل) إعادة إشراك العمالة الفلسطينية، وهي تصدر أكبر عدد أكبر عدد من التصاريح منذ العقد الذي سبق أوسلو. ويخدم هذا كله الاقتصاد الإسرائيلي، وليس اقتصاد فلسطين.

علاوة على ذلك، فقد تسبب الاستيلاء على الأراضي لأجل الجدار الفاصل في فصل المزارعين الفلسطينيين عن أراضيهم، مما تسبب في ضغط كبير على الزراعة الفلسطينية. أضف إلى هذا القيود المستمرة التي فرضتها (إسرائيل) على الأرض والمياه، والتي يمكن رؤية نتائجها في الناتج المحلي الإجمالي لفلسطين، حيث انخفضت حصت الزراعة في الناتج الإجمالي من 12% قبل اتفاقات أوسلو إلى أقل من 5% اليوم.

دولة المستقبل

ويتطلب إصلاح الاقتصاد الفلسطيني إنشاء قطاع خاص مستدام، يمكنه توفير فرص عمل مستدامة، وتطوير منتجات وخدمات تنافسية للسوق المحلية أولا، ثم للتصدير. ويجب أن يكون القطاع الخاص الفلسطيني قادرا على استيعاب خريجي الجامعات الفلسطينية في اقتصاد المعرفة، مع استيعاب عشرات الآلاف من عمال البناء الذين تستخدمهم (إسرائيل) لخدمة اقتصادها. وبالمثل، يجب أن يكون الاقتصاد الفلسطيني القابل للحياة قادرا على إطعام نفسه، الأمر الذي يتطلب تحرير موارد الأرض والمياه من السيطرة الإسرائيلية.

ويقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية تاريخية تجاه الفلسطينيين، خاصة بعد أعوام عديدة من مراقبة الاحتلال الإسرائيلي من بعيد. ويبقى التحدي اليوم هو إزالة الاحتلال العسكري الإسرائيلي، والسماح للقطاع الخاص الفلسطيني بالاضطلاع بدوره الطبيعي في أن يصبح أساسا لدولة المستقبل.

المصدر | سام بحور - لوب لوج

  كلمات مفتاحية