كيف يستغل السيسي رئاسة الاتحاد الأفريقي لتعزيز سياساته القمعية؟

الأحد 26 مايو 2019 05:05 ص

أعلنت السلطات في مصر في 23 أبريل/نيسان الموافقة على التعديلات الدستورية التي عززت السلطة التنفيذية بقيادة "عبدالفتاح السيسي".

وبموجب التعديلات، تم تمديد فترة ولاية "السيسي" الحالية البالغة 4 سنوات إلى 6 سنوات، كما تم تمكينه من الترشح لولاية مدتها 6 سنوات أخرى في عام 2024، كما عززت التعديلات من سلطة الجيش، وزادت سلطة الرئيس في التعيينات القضائية.

في اليوم التالي للإعلان، بدأت في مصر الدورة العادية الرابعة والستين للجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، وهي أعلى هيئة لرصد سجلات حقوق الإنسان في القارة.

وقد اعترض العديد من الناشطين المصريين والدوليين في مجال حقوق الإنسان، الغاضبين من حملات القاهرة على الحريات الأساسية، على محاولة مصر الوقحة لتبييض سجلها من خلال استضافة قمة حقوق الإنسان.

وقال "مايكل بيج" نائب رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "هيومن رايتس ووتش": "تحاول مصر أن تبدو كأنها دولة مفتوحة لمندوبي حقوق الإنسان وجلساتهم، وفي الوقت نفسه، تسحق جميع الأصوات المعارضة ومجتمع حقوق الإنسان الذي كان نابضًا بالحيوية من قبل".

وأضاف: "نحن نعلم أنه لا يُسمح للعديد من المنظمات المصرية والدولية بالعمل بحرية في مصر، ولا يمكنها التعبير عن المخاوف دون انتقام شديد من الحكومة".

ولا تعد التحركات السلطوية الأخيرة في مصر أمرا جديدا، فمنذ استيلاء "السيسي" على السلطة في عام 2013، شهدت البلاد "تدهورًا كارثيًا في الحقوق والحريات" وذلك وفقًا لـ"نجية بونعيم"، مديرة شمال أفريقيا في منظمة "العفو الدولية"، وقد فرض الرئيس المصري تدابير جديدة، ووحشية في كثير من الأحيان، لإسكات أي منتقدين لأجندته.

وفي عام 2017 أصدرت السلطات المصرية "قانونًا صارمًا" يحظر عمل المنظمات غير الحكومية ويحاكم العديد من موظفي هذه المنظمات.

علاوة على ذلك، أنشأ مشروع القانون الهيئة الوطنية لتنظيم المنظمات الأجنبية غير الحكومية، التي تضم ممثلين عن المخابرات العامة ووزارة الدفاع ووزارة الداخلية ووزارة الخارجية والبنك المركزي المصري.

تهدف الهيئة الجديدة إلى مراقبة عمل المنظمات غير الحكومية، "بما في ذلك أي تمويل أو تعاون بين الجمعيات المصرية وأي كيان أجنبي"، كما يحظر قانون عام 2017 على أي هيئة حكومية مصرية عقد اتفاقات مع المنظمات غير الحكومية دون موافقة الهيئة.

لم يقتصر القمع على المنظمات غير الحكومية فحسب، حيث تحركت الحكومة لقمع الناشطين البارزين في مجال حقوق الإنسان في البلاد من خلال تجميد أصولهم الشخصية وإصدار حظر السفر بحقهم للحد من حركتهم، لاسيما أولئك الناشطون الذين يتعاونون مع مراقبي حقوق الإنسان الإقليميين والدوليين.

ومنذ إعادة انتخاب "السيسي" لولاية ثانية في مارس/آذار 2018، قام هو وقوات الأمن التابعة له بتصعيد حملات الترهيب والعنف والاعتقالات التعسفية والرقابة على المعارضين السياسيين السلميين والناشطين والمنظمات غير الحكومية، وتواصل السلطات المصرية ووسائل الإعلام الحكومية تبرير هذا القمع بزعم أنها تكافح الإرهاب.

وأصبح مسار حقوق الإنسان في مصر في حالة انحدار عميق منذ تولي "السيسي" السلطة، ويبدو هذا المسار مرشحا للاستمرار في ظل التعديلات الدستورية التي مددت حكمه الديكتاتوري.

تاريخ مصر مع الاتحاد الأفريقي

في وقت سابق من هذا العام، تولى "السيسي" رئاسة الاتحاد الأفريقي في القمة السنوية للمنظمة في أديس أبابا.

وأكد "السيسي" خلال كلمته التي ألقاها أمام زملائه القادة الأفارقة، أن "الوساطة والدبلوماسية الوقائية" ستبقى أولويات خلال فترة ولايته.

وأكد الرئيس المصري أيضًا على الحاجة إلى مواصلة تحسين "السلام والأمن في أفريقيا بطريقة شاملة ومستدامة"، وعلى الرغم من حماس "السيسي" الحالي لدوره الجديد كرئيس للاتحاد الأفريقي، فلم يكن دائمًا متفائلًا فيما يتعلق بالمنظمة.

وفي وقت سابق، قام مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الأفريقي بتعليق عضوية مصر في المنظمة بعد أن أطاح "السيسي" بأول رئيس منتخب ديمقراطياً في مصر، "محمد مرسي"، في يوليو/تموز 2013.

وبعد شهر واحد فقط، في أغسطس/آب 2013، ذبحت قوات الأمن المصرية المئات من المحتجين وأصابتهم بجروح خلال اعتصام سلمي مؤيد لـ"مرسي" ​​في ميدان رابعة بالقاهرة.

وعلى الرغم من دعوات المنظمات الوطنية والدولية للتحقيق في المذبحة، فقد فشلت القاهرة في تحميل أي مسؤول أو فرد من قوات الأمن المسؤولية عن أكبر عمليات القتل الجماعي في تاريخ مصر الحديث، وذكرت "هيومن رايتس ووتش"، أن عمليات القتل "من المرجح أن ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية".

وفي النهاية، أعاد الاتحاد الأفريقي مصر في المنظمة في يونيو/حزيران 2014 بعد أن تمكن "السيسي" من تحقيق فوز ساحق في الانتخابات الرئاسية في البلاد.

ومع ذلك، منذ عام 2015، نفذ الرئيس المصري "هجومًا سياسيًا شرسًا ومستدامًا" ضد هيئة حقوق الإنسان الرئيسية بالاتحاد الأفريقي بسبب انتقادها لوحشية القاهرة.

ولذا، يخشى الناشطون من أن تؤدي قيادة "السيسي" للاتحاد الأفريقي إلى مزيد من المساس بآليات حقوق الإنسان الإقليمية، وقدرتها على التواصل مع المنظمات المستقلة العاملة في المجال.

البحث عن القيادة

على الرغم من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي المستمر الذي تعاني منه مصر، يبدو أن البلاد تحاول إعادة ترسيخ نفسها كقوة إقليمية.

وفي أوائل شهر أبريل/نيسان، بدأ "السيسي" جولة أفريقية شملت غينيا وكوت ديفوار والسنغال، وقال "بسام راضي"، المتحدث باسم "السيسي"، إن جولة الرئيس المصري في غرب أفريقيا كانت "جزءًا من الجهود التي بذلتها مصر لتكثيف التعاون مع الدول الأفريقية الشقيقة وتعزيز علاقاتها عبر القارة".

وفي الوقت الذي تبدي فيه بلدان أخرى الاهتمام بأفريقيا، تعمل مصر بجد على تعزيز دورها القيادي في القارة من خلال التعاون والاستثمار والدبلوماسية، ومع ذلك، ليس واضحا ما إذا كانت بوصلة مصر الأخلاقية المختلة ستحبط فرصها في أن تصبح رائدة في أفريقيا.

ومما لا شك فيه أن محاولات "السيسي" المستمرة لتعزيز سلطته من خلال القضاء على المعارضة تنتهك القانون الدولي والإنساني، وإذا كان العالم مستعدًا لتجاهل خطايا القاهرة لصالح التركيز على "محاربة الإرهاب" والحفاظ على الاستقرار في الشرق الأوسط، فمن الطبيعي أن أحدا لن يهتم أن أحد أكثر الدول القمعية في القارة استضافت مؤتمرا لحقوق الإنسان، في أحد المفارقات الساخرة التي صارت مؤخرا معتادة ومألوفة.

المصدر | سكينة رشيدي - إنسايد أرابيا

  كلمات مفتاحية