هل انتهى شهر العسل بين روسيا وإيران في سوريا؟

الاثنين 27 مايو 2019 05:05 ص

أدى إنقاذ نظام "بشار الأسد" على يد التحالف الموالي لـ "الأسد"، الذي يضم روسيا وإيران والوكلاء الإيرانيين، إلى انتصار النظام على المعارضين، باستثناء منطقتين لا تخضعان لسيطرة النظام، هما المنطقة التي تسيطر عليها القوات الكردية في الشمال الشرقي، وجيب المتمردين السنة المتبقي في "إدلب".

وتنبع إنجازات هذا التحالف أساسا من التعاون الفعال بين إيران وروسيا منذ عام 2015 في قتال المعارضين.

والآن، مع انتهاء المعارك، على الرغم من المصالح المشتركة في توطيد نظام "الأسد"، ظهرت توترات متأصلة بين روسيا وإيران فيما يتعلق بالنفوذ في سوريا.

وتعتقد روسيا أن الجهود التي تبذلها إيران لإنشاء مواقع عسكرية ومدنية دائمة في سوريا تقوض الاستقرار الهش في البلاد، والقدرة على جذب الاستثمارات الخارجية، التي تعتبر حيوية لإعادة إعمار سوريا.

على النقيض من ذلك، تشعر إيران أن تحالفا روسيا سعوديا أمريكيا إسرائيليا يتشكل، يهدف إلى إخراجها من سوريا. ويضاف إلى ذلك سلسلة من الخطوات التي اتخذها الرئيس "الأسد" - في أعقاب الضغوط الروسية - لتقييد مشاركة طهران العسكرية والاقتصادية في سوريا.

وقد أدى هذا مؤخرا إلى الزعم بوجود فجوة بين إيران وروسيا فيما يتعلق بمصالحهما في سوريا.

المصادر الرئيسية للتوتر

وعلى المستوى الدولي، حاولت روسيا، التي تتوق إلى ترجمة استثماراتها في سوريا إلى إنجازات على الساحة الدولية، إقناع الولايات المتحدة بأنها لا غنى عنها لجهود إقامة الاستقرار في البلاد، وأنها تحمل مفتاح إخراج إيران من سوريا.

وتعتزم روسيا قيادة عملية إعادة الإعمار في سوريا، مع التركيز على استعادة إنتاج مصادر الطاقة.

ولتحقيق هذه الغاية، تهدف موسكو إلى تجنيد الدول العربية السنية الغنية، وخاصة تلك الموجودة في الخليج العربي.

وبدورها، تجعل تلك الدول مساعدتها مشروطة بالحد من أنشطة إيران في سوريا.

وفي مقابل إزالة بعض القدرات العسكرية الإيرانية من سوريا، خاصة أنظمة الصواريخ أرض - أرض، تأمل موسكو في تخفيف العقوبات الغربية المفروضة عليها.

ومع ذلك، فهي تعلم أنها لا تملك نفوذا كافيا لإزالة القدرات العسكرية لإيران، وتربط هذه الخطوة بتخفيف العقوبات الأمريكية على إيران أو إلغائها.

من جانبها، تسعى إيران للتوسط بين النظام السوري وتركيا من أجل إنشاء تحالف إقليمي جديد ثلاثي الأطراف تحت رعايتها، ربما في منافسة لجهود الوساطة الروسية في سوريا.

وتهدف طهران إلى إقناع دمشق بأنها قادرة على استعادة الاستقرار داخل حدود سوريا، من خلال إقامة علاقات معقولة مع جيرانها العراقيين والأتراك واللبنانيين.

ومن وجهة نظر إيران، تعد العلاقات مع تركيا حاسمة قبل رحيل القوات الأمريكية عن شمال شرقي سوريا.

وفي الواقع، أعلن "الأسد" مؤخرا أنه مستعد للحوار مع تركيا.

وبينما تأمل إيران في تأخير القرارات الدولية المتعلقة بمستقبل سوريا من أجل مواصلة ترسيخ نفسها هناك، تعمل روسيا على تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي تم تبنيه بالإجماع في ديسمبر/كانون الأول 2015، والذي حدد خارطة طريق لتسوية سياسية للحرب، عبر إقناع النظام وجماعات المعارضة بصياغة دستور لسوريا.

وتعتقد موسكو أن هذه العملية ستقوي نفوذها في سوريا، وتمكّنها من توثيق العلاقات بين سوريا والدول العربية، وهو تطور يمهد الطريق لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية وإنهاء العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.

ومما أثار استياء إيران، أن التنسيق الروسي الأمريكي ممكن في هذا السياق، بهدف إجبار نظام "الأسد" على المشاركة في عملية السلام التي تدعمها الأمم المتحدة.

وقد تم إثارة هذا الموضوع في اجتماع بين وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" ووزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" في 14 مايو/أيار.

ويعد الأمل ضعيفا في التزام نظام "الأسد" بالقرار 2254، حيث يتضمن القرار مطالبا بتشكيل حكومة انتقالية من التكنوقراط، وإجراء انتخابات رئاسية، والالتزام بالقوانين والمعايير الدولية، وضمان العودة الطوعية الآمنة للاجئين.

ويبدو أن روسيا هي الطرف الوحيد الذي يتمتع بسلطة التأثير على تنفيذ القرار، وبالتالي يفهم "الأسد" أن بقاء نظامه وقنوات المساعدة الاقتصادية واستعادة البنية التحتية لسوريا يعتمد على روسيا.

على سبيل المثال، يمكن لروسيا ضمان استمرار حكم "الأسد" من خلال المضي قدما في تأجيل الانتخابات الرئاسية حتى عام 2020، على افتراض أنه لا يوجد مرشح بديل صالح، حتى يتمكن "الأسد" من فرض إعادة انتخابه على السوريين.

وعلى النقيض من ذلك، لا تستطيع إيران توفير الدعم الاقتصادي والدولي الضروري لسوري، ويعزى ذلك بشكل أساسي إلى موقفها الإشكالي في الساحة الدولية، وفي ضوء العقوبات المفروضة عليها، لذا، فهي تحاول إقناع "الأسد" بأنه بناء على تجربتها، فإنه يستطيع أن يبقى تحت وطأة العقوبات الاقتصادية لوقت طويل، وسيكون من الجيد أن يمتنع عن تقديم التنازلات التي من شأنها أن تضعف مكانته.

وعلى المستوى العسكري، كانت التغييرات التي تم إجراؤها على المستوى الأعلى في سوريا، في أوائل أبريل/نيسان، بتشجيع روسي، بما في ذلك تعيين "سليم حربا"، الموالي لروسيا، رئيسا للأركان، تهدف إلى إضعاف قوة القادة المرتبطين بإيران وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.

ومن جانبها، سعت إيران لبعض الوقت إلى دمج الميليشيات التي أنشأتها، من المتطوعين الشيعة داخل الجيش السوري.

ويوجد ما يقدر بنحو 30 ألف مقاتل في الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران الموجودة في سوريا. وأدت المنافسة بين إيران وروسيا، التي ظهرت أيضا في محاولات التأثير على قوات الأمن السورية والكتائب الميدانية والسيطرة عليها في أكثر من مناسبة إلى مواجهات مسلحة بين الميليشيات الموالية لكل جانب، آخرها في حلب في أبريل/نيسان، والتي أدت إلى سقوط قتلى من الجانبين.

كما تم الإبلاغ عن اعتقالات لنشطاء سوريين موالين لإيران على أيدي قوات الأمن السورية، بأمر من روسيا وأحيانا بمشاركة روسية. وتدعي إيران حتى أن روسيا تمكّن الضربات الجوية الإسرائيلية ضد الأهداف الإيرانية في سوريا.

وعلى المستوى الاقتصادي، يعكس تواتر زيارات كبار المسؤولين الروس والإيرانيين إلى دمشق، بالإضافة إلى الجهود المبذولة للتأثير على التسوية السياسية، السباق على النفوذ عبر تشجيع المشاريع الاقتصادية والبنية التحتية.

ويتم ترجمة المنافسة إلى سلسلة من الاتفاقيات الثنائية الموقعة مؤخرا، بشكل رئيسي بين روسيا وسوريا، وأيضا بين إيران وسوريا، فيما يتعلق بالاستثمارات في المشاريع الاقتصادية والبنية التحتية والتكنولوجيا.

وفي يناير/كانون الثاني 2019، أعرب الوفد البرلماني الإيراني لـ "الأسد" عن استيائه من أن إيران لم تحصل على عقود مهمة كجزء من خطط إعادة الإعمار.

ورفض "الأسد" طلبات إيران لإنشاء قاعدة بحرية خاصة بها في سوريا، لكنه سمح باستخدام إيران للموانئ السورية، ورفض أيضا طلبا لتوقيع عقد استراتيجي يضمن وجود إيران في سوريا على مدار الـ 50 عاما القادمة، على غرار الاتفاقية التي وقعها مع روسيا.

وفي أبريل/نيسان، أعلن النظام السوري أنه يعتزم تأجير ميناء "طرطوس" لروسيا لأغراض اقتصادية وتجارية، في حين تنتظر إيران منذ فبراير/شباط استجابة سوريا لطلبها استئجار ميناء اللاذقية.

ويتعلق مصدر آخر للتوتر الاقتصادي بين البلدين بأزمة النفط الحالية في سوريا، فبعد أن زودت إيران دمشق في الأعوام الأخيرة بالائتمان لدعم الاقتصاد حتى تتمكن من شراء النفط منها، تخضع إيران مرة أخرى لعقوبات أمريكية، ويجب عليها أن تتصدى لإلغاء الإدارة الأمريكية للإعفاءات المتعلقة بشراء النفط الإيراني.

وعلى هذه الخلفية، استغلت روسيا الفرصة وهي تخطط كب تصبح المورد الرئيسي للنفط في سوريا، على حساب إيران.

ومع ذلك، لن تتخلى إيران بسهولة عن هذه المسؤولية.

وفي مايو/أيار، نقلت إيران مليون برميل من النفط الخام إلى سوريا عبر تركيا.

بالإضافة إلى ذلك، وقعت إيران اتفاقيات مع النظام تعزز دورها في إعادة بناء البنية التحتية للكهرباء، واستغلال مناجم للفوسفات، وشركات الاتصالات الخلوية، وتسعى إلى توسيع تلك الاتفاقيات.

الآثار المترتبة

وعلى الرغم من الخلافات، لا تعد هذه لعبة صفرية بين روسيا وإيران.

ويواصل كلا البلدين التعاون في مجموعة من القضايا في الساحة السورية وخارجها.

وتواصل إيران من جانبها رؤية تواجدها في سوريا كهدف استراتيجي.

وعلى الرغم من الصعوبات التي ظهرت، يبدو أن قيادتها مصممة على الاستمرار، حتى لو كان بدرجة أقل من المخطط لها أصلا، بسبب الضربات الإسرائيلية والقيود التي فرضتها روسيا ونظام "الأسد"، وكذلك صعوبات الميزانية بعد العقوبات الأمريكية.

على سبيل المثال، بعد أن أخلت إيران موقعها في المطار الدولي في دمشق بسبب التوتر مع روسيا ونظام "الأسد" في أعقاب الضربات الإسرائيلية، تم نقل نشاطها إلى قاعدة "التيفور" السورية، التي تقع في وسط سوريا.

وبالنسبة لدور الولايات المتحدة، وعلى الرغم من قرار الرئيس "ترامب" تقليص الوجود العسكري الأمريكي في شمال شرق سوريا وإنهائه في وقت لاحق، يحاول البعض في الإدارة إقناع الرئيس بتأجيل هذه الخطوة، بناء على تقييم مفاده أن سحب القوات سوف يقوي نظام "الأسد" ونفوذ إيران في سوريا، وحتى لا يؤدي ذلك إلى سيطرة تركيا على المنطقة الأمنية على طول حدودها المشتركة مع سوريا.

وسوف يشير هذا إلى انهيار النموذج الأمريكي لاستقرار المناطق قبل مغادرتها، والذي تعتمد فيه الولايات المتحدة على حلفائها الأكراد، من قوات سوريا الديمقراطية، حيث ستخضع هذه القوات بعد ذلك لضغوط عسكرية مضاعفة، تركيا من جهة وسورية إيرانية من جهة أخرى.

ومن المتوقع أن تستغل إيران هذا الانسحاب المتوقع من أجل تعزيز نفوذها على جانبي الحدود السورية العراقية.

وهناك بالفعل علامات على استعداد إيران لنشر الميليشيات في هذه المنطقة. ويعد هذا الوضع أيضا لعنة بالنسبة لروسيا، التي لن تخسر فقط نقاطا حرجة في قتالها من أجل النفوذ في سوريا، بل ستضطر لقبول السيطرة الإيرانية على حقول الطاقة في شرق البلاد.

وبالتالي، على النقيض من دعوات الرأي العام الروسي برحيل القوات الأمريكية، من المحتمل جدا أن تفضل روسيا اتخاذ خطوات في هذا الاتجاه بالتنسيق الكامل بين موسكو وواشنطن، من أجل الحد من الأضرار وتقييد إيران.

وخلال الأسابيع القليلة الماضية، خفضت (إسرائيل) من معدل ضرباتها ضد المواقع الأمامية الإيرانية في سوريا، على ما يبدو من أجل الاستفادة القصوى من "البطاقة الروسية" لتقليل الوجود الإيراني في سوريا.

وفي الوقت الحالي، توجد فرصة سانحة لـ (إسرائيل) لمحاولة تطبيق ديناميكية مشتركة مع روسيا والولايات المتحدة، مع محاولة صياغة وتحقيق المصالح المشتركة لديها مع القوتين العظميين. 

وللحد من النفوذ الإيراني هناك، لدى (إسرائيل) آليتان استراتيجيتان، الأولى هي التنسيق مع روسيا على النحو المتفق عليه بين الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" ورئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو"، والآخر هو قناة (تل أبيب) - واشنطن، التي تركز على التعامل مع التحدي الإيراني الأكبر.

ويمكن للولايات المتحدة و(إسرائيل) محاولة تجنيد دول الخليج للمساعدة في إعادة الإعمار في مقابل إخراج إيران من سوريا. وسوف يحتاج هذا المسار، إن كان ممكنا، إلى تعزيزه بنوع من التعويض - باتفاق أمريكي وأوروبي - لروسيا، والنظر الفوري في تخفيف العقوبات المفروضة عليها، وحتى تلك المفروضة على نظام "الأسد".

وبعد نجاح أعمالها العسكرية لوقف ترسيخ التواجد العسكري لإيران في سوريا، تركز (إسرائيل) على تعظيم الإمكانات السياسية والمصالح المشتركة مع روسيا والولايات المتحدة لتحقيق الاستقرار في الوضع في سوريا، وتقليل نفوذ إيران وقدراتها في البلاد.

وبصرف النظر عن استمرار عملياتها الهادفة لمنع نقل الأسلحة المتقدمة إلى حزب الله، يمكن لـ (إسرائيل) أن تتراجع عن ضغوطها العسكرية على المواقع العسكرية والبنية التحتية الإيرانية في سوريا، وأن تسمح للدول العظمى بتقييد نشاط إيران هناك.

وعلى أي حال، يمكن لـ (إسرائيل) أن تجدد ضرباتها إذا لم تسفر العملية الدبلوماسية لطرد إيران عن نتائج إيجابية.

المصدر | أوديت ديكل وكارميت فالنسي - معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي

  كلمات مفتاحية