كيف يستعد الأردن لمواجهة صفقة القرن؟

الاثنين 27 مايو 2019 08:05 ص

في الوقت الذي تستعد فيه الأردن للتغلب على عاصفة مبادرة السلام الأمريكية المتوقعة لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، فإن العاهل الأردني الملك "عبدالله الثاني" يحول نهجه نحو السياسة الداخلية من خلال إعادة تنظيم المصالح مع جماعة "الإخوان المسلمون" وإسكات منتقديه.

ويقيد النمو الاقتصادي البطيء للبلاد والمأزق الإقليمي المستمر الحكم الملكي في البلاد، حيث تستمر المملكة في خسارة دعم حلفائها التقليديين.

في الأسابيع الأخيرة، كانت المملكة الهاشمية تستعد لإعلان إدارة "ترامب" لما يسمى "صفقة القرن"، المتوقع إعلانها في يونيو/حزيران.

وتهدف إستراتيجية الملك جزئياً إلى تجنب النقد العام المتزايد حول الفساد والسياسات الاقتصادية.

وكان هناك ثرثرة في وسائل الإعلام العربية في أبريل/نيسان حول مخطط "خطير" في الدائرة الداخلية للملك لإثارة عدم الاستقرار والتحريض على الاحتجاجات.

وردا على ذلك، في 23 أبريل/نيسان، أعلن القصر الملكي عن تعيينات جديدة بين كبار مستشاري الملك، وفي 1 مايو/أيار، أقال الملك "عبدالله" مدير جهاز الأمن الأردني، الجنرال "عدنان الجندي"، وقام بتعيين الجنرال "أحمد حسني حسن" ذي الأصول الشركسية والموالي للملك، وليس للقبائل أو القاعدة التقليدية للملكية.

وجدير بالذكر أن بيان الملك بشأن هذا التعيين أكد ذلك الحديث عن مخطط ضد الملكية من خلال الإشارة إلى أن هناك مجموعات تهدف إلى تعريض أمن الأردن واستقراره للخطر.

وفي 9 مايو/أيار، تم تعديل حكومة رئيس الوزراء "عمر الرزاز" للمرة الثالثة في أقل من عام. وعاد وزير الداخلية المخضرم "سلامة حماد" إلى منصبه في إشارة إلى أن السلطات كانت تستعد لتعزيز التدابير الأمنية لقمع الاضطرابات العامة ضد الوضع الاقتصادي المتدهور وبعد الإعلان المحتمل عن خطة "ترامب" للسلام.

وفي غضون يوم واحد بعد تعيين "حماد"، تم اعتقال ناشطين من الحراك الشبابي في وسط الأردن، وكان أعضاء من قبيلة بني حسن، أكبر قبيلة في الأردن، قد أحرقوا الإطارات وأغلقوا الطريق المؤدية إلى مصفاة البترول في محافظة الزرقاء، بينما كانوا يرددون شعارات تنتقد الملكية.

وكانوا يحتجون على اعتقال 19 ناشطاً من المنطقة شاركوا في الاحتجاجات أو نشروا آراء معارضة على وسائل التواصل الاجتماعي. ويخشى الناشطون الأردنيون من أن التعديل الوزاري والتعيينات الأخيرة قد تعني أن ردة فعل أمنية ضدهم على الطريق.

علاوة على ذلك، فإن الحكومة الأردنية تتقدم بأجندة قومية من خلال قمع الهجرة غير الشرعية وقد قالت السلطات إنه تم ترحيل 6000 عامل أجنبي في الأشهر الخمسة الماضية.

تواجه المملكة مرة أخرى لحظة محورية، ما يجبر الملكية على بدء تحول في السياسة وإعادة تحديد دورها الجغرافي السياسي، وهناك ثلاثة مسارات تحدد كيفية تعامل الأردن والملكية مع هذه التحديات الكثيرة في الداخل والخارج.

التحديات الإقليمية والاقتصادية المستمرة

كان من المتوقع أن يكون هذا العام عاما انتقاليا في الأردن تتجاوز فيه البلاد آثار الخمول الاقتصادي والحروب الإقليمية التي ألهمت المحتجين للخروج إلى الشوارع في يونيو/حزيران 2018.

ومقارنة مع عام 2018، فإن الأردن يظهر الآن علامات على الانتعاش فالعجز في الموازنة تراجع بنسبة 5% في الربع الأول من عام 2019، وذلك وفقاً لإحصائيات وزارة المالية، كما أعلن صندوق النقد الدولي أن عام 2019 يشهد علامات إيجابية على ارتفاع عائدات قطاع السياحة وتحويلات المغتربين والصادرات إلى العراق وبعض دول الخليج.

ومع ذلك، لا يزال الافتقار إلى الإصلاحات الهيكلية والتحديات الإقليمية المستمرة يحد من طريق الأردن نحو الانتعاش.

وفي مارس/آذار الماضي، وصل صافي الدين العام إلى 90% من إجمالي الناتج المحلي حيث كافحت الحكومة لمعالجة العجز في الميزانية، وعجز هيئة المياه، وقروض الكهرباء وخدمة الديون.

ويجري الأردن محادثات مع البنك الدولي للحصول على قروض بقيمة 1.9 مليار دولار على مدى العامين المقبلين لتمويل مشاريع التنمية وتخفيض الدين الوطني المتزايد في البلاد.

وقد استندت هذه التوقعات لعام 2019 أساسًا إلى تحسن متوقع في الخريطة الجغرافية السياسية لجوار الأردن؛ ومع ذلك، لم يكن هذا هو الحال حتى الآن، وعلى الأخص في الحدود البرية للبلاد مع سوريا والعراق.

على الصعيد السوري، قامت عمان في يناير/كانون الثاني بتحديث تمثيلها الدبلوماسي في دمشق وعينت قائما بالأعمال، وقامت وفود تجارية وبرلمانية أردنية بزيارة دمشق، وتم دعوة رئيس البرلمان السوري إلى عمان في مارس/آذار للمشاركة في الاتحاد البرلماني العربي.

ومع ذلك، لم يتم تبادل أي زيارات رسمية حتى الآن على أي مستوى من مستويات السلطة التنفيذية بين الأردن والنظام السوري، ويبدو أن سوريا تريد مستوى عاليا من المشاركة من عمان لتسهيل المصالح الأردنية على حدودها.

وبالمثل، على الحدود الشمالية الشرقية مع العراق، لا تتقدم العلاقات التجارية كما هو متوقع، ويشكو المصدرون الأردنيون من عدم نشاط معبر طرايبيل الحدودي مع العراق الذي فتح في أغسطس/آب الماضي بقدر ما يشكون من معبر نصيب على الحدود السورية.

علاوة على ذلك، تعطلت خطط بناء خط أنابيب نفط يربط البصرة في جنوب العراق بالعقبة في جنوب الأردن.

ولا يزال بناء خط الأنابيب البالغ طوله 1700 كيلومتر بتكلفة تقديرية تبلغ 17 مليار دولار يحتاج إلى إذن نهائي من بغداد ومن المرجح أن ينقل 150 ألف برميل من النفط يوميًا.

في هذه الأثناء، من المتوقع أن يبدأ العراق هذا الأسبوع في نقل النفط إلى الأردن بواسطة شاحنات تغادر من مصفاة بيجي للنفط في شمال العراق مروراً بمعبر كرامة الحدودي للوصول إلى مصفاة البترول في الزرقاء.

صفقة القرن

وقد وجدت الملكية الأردنية نفسها في مكان صعب عندما يتعلق الأمر بالعلاقات مع الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية و(إسرائيل) بسبب مبادرة سلام إدارة "ترامب".

وبعد جولة كبيرة لصهر "ترامب" والمستشار في البيت الأبيض "جاريد كوشنر" في الشرق الأوسط في أواخر فبراير/شباط للترويج لخطة السلام تم استثناء عمان منها، توجه العاهل الأردني الملك "عبدالله" إلى واشنطن والتقى في 11 مارس/آذار مع نائب الرئيس "مايك بينس" بدلاً من الرئيس الأمريكي، وعند عودته إلى عمان أكد الملك "عبدالله" في خطاب حازم في 20 مارس/آذار: "بالنسبة لي، القدس خط أحمر، كل شعبي معي".

وفي 24 أبريل/نيسان، سعى المبعوث الأمريكي "جيسون غرينبلات" إلى طمأنة الملك "عبدالله" من خلال تغريدة نفي فيها الشائعات بأن الصفقة تتضمن كونفدرالية بين (إسرائيل) والسلطة الفلسطينية.

ومع ذلك، قد لا يكون هذا كافيًا لتهدئة مخاوف القصر، بالنظر إلى الشعور المتزايد بأن هناك صفقة تلوح في الأفق لتزويد الأردنيين بمبلغ كبير من المال لمعالجة الأزمة المالية مقابل تسوية أوضاع ملايين الفلسطينيين، وتجعل هذه المخاوف عمان تأخذ مسافة بعيدا عن الولايات المتحدة و(إسرائيل) وجميع حلفاء الخليج.

وكانت الحدود الجنوبية مع المملكة العربية السعودية بمثابة منفذ ثابت للأردن خلال العقدين الماضيين، على الرغم من تغير ذلك أيضًا مع ظهور سياسة سعودية خارجية مختلفة إلى حد ما في عهد ولي العهد "محمد بن سلمان".

وبعد أزمة الخليج في صيف عام 2017، انحاز الأردن للسعودية وسحب سفيره من الدوحة، ومع ذلك، اتخذت عمّان مؤخراً خطوات للتراجع منها إعادة إرسال السفير الأردني إلى الدوحة.

وفي 17 أبريل/نيسان، وقع الأردن وقطر 11 اتفاقية عسكرية شملت تبادل المعرفة العسكرية، وأجرى البلدان محادثات لزيادة عدد الأردنيين العاملين في قطر، وتدرس عمان والدوحة أيضا خططا لإنشاء خط نقل بحري مباشر لتعزيز حركة التجارة الثنائية.

وبعد مقتل كاتب العمود في صحيفة "واشنطن بوست"، "جمال خاشقجي"، كان هناك تطور حاسم في الرياض عندما استعاد الملك "سلمان" السيطرة على ملف القضية الفلسطينية من نجله "محمد بن سلمان".

وقد طمأن هذا التحول العاهل الأردني وخفف من حدة التوتر بين عمان والرياض، والذي جاء نتيجة اعتقاد أردني بأن "بن سلمان" تجاوز دور عمان التقليدي في القضية الفلسطينية من خلال فتح خطوط اتصال مباشرة مع "كوشنر".

ومع ذلك، فإن هذا التحول لم يترجم إلى انفراجة كبيرة في العلاقات، وأودعت الكويت والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أكثر من مليار دولار إلى البنك المركزي الأردني في أكتوبر/تشرين الأول 2018 لدعم اقتصاد المملكة المتعثر، لكن من الواضح أنه لم يكن كافيًا.

السياسة الداخلية و"الإخوان المسلمون"

وتحت الضغوط المتزايدة في الداخل والخارج، يحول العاهل الأردني نهجه تجاه جماعة "الإخوان المسلمون" من محاولة إبعادهم عن السياسة مقابل الحماية، إلى حوار مباشر يضع الحركة الإسلامية ببطء في طليعة الأردنيين.

وقد أرسل الإخوان المسلمون إشارات دعم للملك، وفي 10 أبريل/ نيسان، أعلنت الجماعة في خطاب دعمها الكامل لموقف الملك من القدس.

وفي 20 أبريل/ نيسان، التقى الملك "عبدالله" كتلة الإصلاح البرلمانية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين لأول مرة منذ 10 سنوات، في حين أن السلطات الأردنية لا تعترف بالإخوان كحزب سياسي، لكنها لا تعتبرها منظمة إرهابية.

وفي الواقع ، ظل الإسلاميون في الأردن محايدين وساكنين في الفترة التي تلت الربيع العربي، وجاء هذا الاجتماع قبل أسبوعين من نشر صحيفة "نيويورك تايمز" أن إدارة "ترامب" تفكر في تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية أجنبية.

قبل الكشف عن مبادرة السلام الأمريكية، يستتكشف العاهل الأردني مساحة مشتركة مع جماعة الإخوان المسلمين لتعزيز موقعه في الداخل.

ولاحظ الإسلاميون الذين حضروا الاجتماع معه أن الملك "عبدالله" أكد أن ما يسمى "صفقة القرن" لا قيمة لها.

وبعد حوالي أسبوع، عقدت الحركة الإسلامية (التابعة لجماعة الإخوان المسلمين) مسيرة في منطقة البحر الميت للاحتجاج على اقتراح السلام الأمريكي الوشيك.

وقد يكون للتقارب مع جماعة الإخوان المسلمين تأثير على العلاقات الأردنية الإسرائيلية، حيث أفادت التقارير أن الإسلاميين نقلوا مخاوفهم بشأن صفقة تصدير الغاز الإسرائيلي إلى الأردن، وأجاب الملك أنها قيد المراجعة ، قائلاً: "دعوني أتعامل معها"، ويبدو أن عمان تسعى بالفعل إلى إجراء تغييرات على صفقة الغاز البالغ قيمتها 10 مليارات دولار مع (إسرائيل).

وفاز الإخوان المسلمون في انتخابات النقابات والجامعات الأردنية، وكانت هناك محادثات محتملة معهم للانضمام إلى الحكومة، كما أدانوا هجوم الحوثيين على المملكة العربية السعودية هذا الشهر، والذي يبدو أنه محاولة للتأكيد للرياض أن الإسلاميين في الأردن يدعمون الأجندة السعودية الإقليمية.

ومع ذلك حثت جماعة الإخوان المسلمين في 13 مايو/أيار السلطات الأردنية على إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين والشروع في حوار وطني للتعامل مع تحديات اتفاق السلام الأمريكي بدلاً من القبضة الأمنية في التعامل مع الاحتجاجات المطالبة بالإصلاح.

ويوضح هذا البيان أن التقارب بين الملكية والإخوان المسلمين ما زال يواجه عقبات.

لا يبدو إذن أن سياسات الملكية مدفوعة بالسياسات الإقليمية والرغبة في المواءمة مع تركيا وقطر، وإنما بالسياسة الداخلية والآثار المترتبة على خطة السلام الأمريكية، لأن الحركة الإسلامية الأردنية تتكون أساسًا من الأردنيين من أصول فلسطينية.

ويخدم انفتاح الملك "عبدالله" تجاه جماعة الإخوان المسلمين مصالح النظام الملكي من خلال تأمين حلفاء جدد بينما تواجه السلطات الأردنية، بما في ذلك الملك، انتقادات متزايدة.

على سبيل المثال، تم نشر رسالة علنية من الوزير السابق "أمجد هزاع المجالي"، الذي نصح ذات مرة الملك الراحل "حسين"، على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي في فبراير/شباط الماضي، وقال "المجالي" للملك "عبدالله": "أنت تواصل رعاية النماذج السياسية والاقتصادية القائمة على الفساد والاستبداد"، وأضاف: "نطالب باتخاذ إجراءات عملية وفعالة لمعالجة الفساد ومطاردة الفسدة، بما في ذلك الدائرة الفاسدة المقربة منك".

وترفض القاعدة التقليدية للملكية بين الأردنيين في الضفة الشرقية فرض المزيد من الضرائب على دخلهم أو تقليص حجم القطاع العام الذي يستخدمهم؛ ومن هنا يطالبون النظام الملكي بمعالجة الفساد وتحسين الخدمات العامة قبل مطالبتهم بدفع المزيد من الضرائب.

وبعد تشكيل حكومة "الرزاز"، حصلت السلطات الأردنية على مساحة لالتقاط الأنفاس لمعالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والتي تتشابك الآن مع التحديات الناشئة عن اتفاق السلام الأمريكي، لكن يبدو أن الحكومة تركز على إعادة هيكلة الديون وإدارة الأزمات بدلاً من معالجة جذور المشكلات الاجتماعية والاقتصادية في البلاد.

وفي 18 أيار مايو/أيار كتبت صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية قائلة: "إن بقاء ملك الأردن معزولًا وضعيفًا يعد خطرا علينا".

ومن الواضح أن الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية و(إسرائيل) قاموا بتهميش دور ملك الأردن في السلام تاركينه دون خيار سوى تغيير استراتيجيته وقطع العلاقات مع حلفاء الأردن التقليديين في واشنطن والرياض.

ومن خلال تحدي الخطة الأمريكية وإشراك جماعة الإخوان المسلمين، يقف الأردن على مفترق طرق حيث تواصل الملكية البحث عن حلفاء جدد، في الوقت الذي تواجه فيه أزمة اجتماعية واقتصادية تلوح في الأفق في الداخل.

ومن خلال عزل الأردن وبالتالي دفعه لخوض معركته الخاصة، تخاطر الولايات المتحدة بخسارة "صفقة القرن" والحليف الاستراتيجي.

المصدر | جو معكرون- المركز العربي

  كلمات مفتاحية