لماذا الصين هي الفائز الأكبر من الصراع الأمريكي الإيراني؟

الخميس 30 مايو 2019 04:05 ص

تبقى الولايات المتحدة محاصرة في مواجهة مكثفة مع الصين، فيما تستمر العلاقات بين البلدين في التدهور بسرعة.

وفي الأسابيع القليلة الماضية، انهارت المحادثات التجارية مع قيام الرئيس "دونالد ترامب" برفع التعريفات الجمركية على البضائع الصينية، والتوقيع على أمر بإدراج شركة هواوي الصينية في قائمة سوداء، بما يعني منعها من شراء التكنولوجيا الأمريكية.

وتغمر وسائل الإعلام الصينية خطاب قومي يعد الشعب الصيني لـ"الحرب المطولة" على التجارة، ويحذر الأمريكيين من أن الصينيين سيكونون "أصعب خصم يمكن أن يواجهوه".

وتعد هذه التوترات توابع تحول تكتوني في النهج الأمريكي تجاه الصين، حيث تنتقل إدارة "ترامب" من أربعة عقود من "المشاركة" الاستراتيجية مع بكين إلى حقبة جديدة من "المنافسة الاستراتيجية" مع تخلّى "ترامب" عن الأمل الساذج في إمكانية إقناع الصين بالتحرر والمشاركة المسؤولة في النظام الدولي الليبرالي الذي تقوده الولايات المتحدة.

وفي الواقع، فإن مقاربة "ترامب" الصارمة تجاه الصين هي المجال الوحيد الذي يتمتع فيه بدعم واسع من الحزبين، ففي واشنطن المنقسمة حول كل شيء تقريبا، هناك اعتراف متزايد بأن الصين ستكون أكثر المنافسين الذين واجهتهم الولايات المتحدة قوة.

ومع ذلك، في الوقت الذي تواجه فيه الولايات المتحدة أكبر تحد استراتيجي لها منذ الحرب الباردة، يبدو البعض في الإدارة أكثر اهتماما بقرع طبول الحرب، بسبب تهديد أقل أهمية تماما، وهو إيران.

ردًا على ما تزعم إنه تهديد إيراني للقوات الأمريكية، نشرت الإدارة في الأيام الأخيرة حاملة طائرات وقاذفات بي 52 في الخليج، وأعدت خطة لنشر ما يصل إلى 120 ألف جندي في المنطقة.

وتعد الأزمة الحالية مع إيران نتاج معلومات وتصورات خاطئة، ورغم ذلك، فإن واشنطن تتجه نحو الحرب بسبب الهوس غير العقلاني طويل الأمد بإيران الذي يهيمن على أذهان بعض مستشاري "ترامب" الأقرب مثل مستشار الأمن القومي "جون بولتون" ووزير الخارجية "مايك بومبيو".

ويعد هذا الهوس غير منطقي لأنه في حين أن مثل هذه الحرب قد تفيد بعض حلفاء أمريكا المزعومين في الشرق الأوسط، أي المملكة العربية السعودية، فإنها لن تضيف شيئًا للموقف العالمي للولايات المتحدة على المدى الطويل.

وعندما غزت الولايات المتحدة العراق في عام 2003، استثمرت القيادات الصينية ببهجة "فترة الفرص الاستراتيجية" المدهشة التي استمرت قرابة عقد ونصف والتي واتتهم دون أي جهد، ومكنت هذه الفترة الصين أن تحسن قوتها النسبية  بينما كانت الولايات المتحدة تهدر قوتها.

والآن، ربما تكون أمريكا على وشك ارتكاب نفس الخطأ مرة أخرى، ولكن على نطاق أوسع.

ومع الأخذ في الاعتبار أن إيران يبلغ حجمها وعدد سكانها ثلاثة أضعاف العراق، وأن قواتها العسكرية هائلة للغاية، فليس من الممكن ببساطة أن تكون الحرب مع طهران تعني أي شيء آخر غير الفوضى.

وفي أفضل الأحوال، قد يكون النزاع قصير الأمد كارثة للقوة الناعمة الأمريكية مما سيلحق الضرر بالمكانة الدولية للولايات المتحدة. ولكن، على الأرجح، فإن الصراع سيتحول بسرعة إلى مستنقع جديد يجعل تجارب العراق وأفغانستان تبدو بسيطة بالمقارنة معه.

ومما يزيد الطين بلة أن الصين وروسيا يمكنهما بسهولة تقديم دعم مادي لإيران في أي نزاع مع منافسهما الأمريكي، بما في ذلك عبر شبكة سهلة الاستخدام من روابط البنية التحتية التي تبنيها الصين عبر آسيا الوسطى كجزء من مبادرتها، "الحزام والطريق".

في ضوء ذلك، وحتى إذا نحينا جميع الأسباب الأخرى التي تجعل حربا جديدة في الشرق الأوسط فكرة سيئة، فيكفي أن نؤكد مثل هذا الصراع من شأنه أن يضعف الموقف الجيوسياسي الأمريكي تجاه الصين في أسوأ وقت ممكن، مما يؤدي إلى إنقاص وتقليل القوة العسكرية والاقتصادية للولايات المتحدة عندما يكون هناك حاجة لأدنى قدر من هذه القوة لموازنة الصين التي تنمو بسرعة.

وبالتالي، قد تنتهي متلازمة تشويه إيران إلى نتيجة كارثية على المصالح الوطنية طويلة الأجل لأمريكا، وتمتد "فترة الفرص الاستراتيجية" إلى أبعد من أحلام بكين وتترك الصين حرة في تحقيق طموحاتها بتجاوز الولايات المتحدة اقتصاديًا، وتأمين الهيمنة العسكرية في غرب المحيط الهادئ، وتحقيق دور قيادي في النظام العالمي.

ولا يزال هناك جدل دقيق داخل مجتمع السياسة في واشنطن حول أفضل طريقة للتعامل مع الصين، ولكن من المحتمل أن يتفق الصقور والحمائم الذين يشاركون في هذا النقاش أنه إذا ذهبت الولايات المتحدة إلى الحرب مع إيران، فإن هذا سيعني بداية القرن الصيني.

وقد خلصت استراتيجية الدفاع الوطني الأمريكية لعام 2018 إلى أن "المنافسات الإستراتيجية طويلة الأجل مع الصين وروسيا هي الأولويات الرئيسية للدفاع القومي الأمريكي"، وذكرت الاستراتيجية صراحة أن "المنافسة الاستراتيجية بين الدول على النفوذ، وليس الإرهاب، هي الآن الشاغل الرئيسي في الولايات المتحدة."

ولكن مثلما تم تقويض محاولة الرئيس باراك أوباما "المحورية" بالتوجه إلى آسيا بسبب هوس جنرالاته بالشرق الأوسط واستمرار حروبهم في العراق وأفغانستان، فإن "ترامب" يخاطر بالتورط في مستنقع جديد يتعارض مع المصالح الإستراتيجية لأمريكا في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

ولحسن الحظ، فإن "غرائز ترامب" أكثر حكمة من نزعات "مستشاريه"، وبحسب ما ورد فقد أعرب عن غضبه وسخطه من محاولاتهم المستمرة لجذبه إلى حروب أجنبية جديدة ضد إرادة الشعب الأمريكي.

ويجب عليه أن يستمر في مقاومة هواجسهم التي توجهه نحو إيران وأن يضع عينيه بقوة على الصين.

المصدر | ناثان ليفين - ناشونال انترست

  كلمات مفتاحية