العاصوف.. هكذا يعيد بن سلمان رواية تاريخ المملكة عبر الدراما

الجمعة 31 مايو 2019 12:05 م

تبدأ إحدى حلقات مسلسل تلفزيوني سعودي في ليلة عادية في مكة عام 1979، حيث يدخل المصلون إلى المسجد الحرام للصلاة. ويتم إعطاء المشاهدين بعض التلميحات حول ما يتبع ذلك؛ حيث تتبادل الشخصيات النظرات الخفية. وتأتي الكاميرا من زاوية عليا واسعة لتوضح ما يحدث بالأسفل. لكن أي سعودي كان يشاهد مسلسل "العاصوف" في رمضان هذا الشهر كان يعرف بالفعل ما سيحدث. حيث تم إخراج البنادق وإغلاق أبواب المسجد، وبدأ الحصار الذي دام أسبوعين، كما بدأ تحول المملكة.

ولا يعد "العاصوف" في الحقيقة مسلسلا حول حصار مكة. فلا يظهر الصدام حتى الحلقة الخامسة عشرة، التي تم بثها يوم 20 مايو/أيار. وكانت الحلقات الأولى ضعيفة، وتركز على تحول الرياض من مدينة هادئة لعاصمة حديثة.

لكن مشاهد مكة كانت الأقوى، وقد استخدمتها شبكة "إم بي سي" في الإعلانات عن المسلسل. وناقشها السعوديون طويلا على وسائل التواصل الاجتماعي. ولسبب وجيه، كان الحصار حدثا مهما في التاريخ السعودي. وكان قائده، "جهيمان العتيبي"، أحد أعضاء الحرس الوطني، ولكنه ترك القوة عام 1973، وأصبح أكثر تشددا وغضبا على العائلة المالكة، ونقما على تطفل الثقافة "الغربية" على المملكة. وبعد الحصار، أخذ الملك "خالد" المملكة العربية السعودية في اتجاه أكثر محافظة، وتم إغلاق دور السينما، وتطبيق الفصل بين الجنسين بصرامة.

ويعد شهر رمضان هو الأكبر والأهم للتلفزيون العربي، حيث تقضي العائلات ساعات أمام مجموعة من المسلسلات الدرامية بعد الإفطار في القنوات المختلفة. وفي منطقة بها القليل من وسائل الإعلام الحرة، تعد البرامج التي يتم بثها في هذا الوقت مقياسا للسياسة، حيث تعطي لمحة عن الرسائل التي ترغب الحكومات العربية في إرسالها لمواطنيها. وبينما تنزلق مصر إلى ديكتاتورية قمعية، على سبيل المثال، يخرج المنتجون بأعمال فنية تدور حول الشرطة وتمجد الأجهزة الأمنية. ولم يتم إنتاج "العاصوف" من قبل الحكومة، لكن لم يكن من الممكن بثه على شبكة "إم بي سي"، المملوكة للدولة في الغالب، دون مباركة رسمية.

وهذه هي أول صورة درامية حول حصار مكة، وهو موضوع كان من المحرمات منذ فترة طويلة، حتى أتى ولي العهد، "محمد بن سلمان"، الذي يتوق الآن إلى طرحه. وحصلت النساء في السعودية العام الماضي على الحق في قيادة السيارات، ويختلط الجنسان بحرية في مقاهي الرياض. ولم تعد الشرطة الدينية موجودة. ولتبرير كل هذا، سعى الأمير إلى تلخيص تاريخ المملكة الحديث في نقطتين. وفي روايته، كانت الأعوام منذ عام 1979 انحرافا عن تاريخ المملكة، فرضه الإسلاميون السياسيون، وإيران التي اندلعت ثورتها الإسلامية قبل أشهر من حصار مكة.

لكن التاريخ الموثق يشكك في هذا السرد. وقد تأسست الدولة السعودية الحديثة كتحالف بين العائلة المالكة ورجال الدين المتشددين. وما من أحد كان يمكنه المقارنة بين الرياض في منتصف القرن  الماضي، وبين العواصم الفكرية الحرة مثل القاهرة أو بيروت، لكنها سياسة ذكية على كل حال. وفي الموسم الأول من "العاصوف"، الذي صور أوائل السبعينيات من القرن الماضي، تم بث حكاوى حول الزنا والحفلات الصاخبة والأطفال غير الشرعيين. وفي هذا الإصدار من التاريخ، كان المجتمع السعودي متسامحا، وكان المحافظون الدينيون هم من ذهبوا بعيدا في حملة للقضاء على تنوع المجتمع السعودي، وفرض رؤية فقهية أحادية.

وكان لهذا العرض إشاراته السياسية الخاصة مع حضور الممثل "ناصر القصبي"، الذي كان معروفا سابقا لدوره الكوميدي في مسلسل "طاش ما طاش"، حيث كان يسخر من الشرطة الدينية وغيرها من جوانب المجتمع السعودي. وفي هذه الأيام، لا تزال المملكة محافظة بعمق، وتقترن الإصلاحات الاجتماعية بالقمع السياسي القاسي. ومع ذلك، يرى الكثير من السعوديين أن هذه لحظة تغيير، وهو وقت لا يصلح للفكاهة السخيفة بل للدراما المدروسة.

المصدر | الإيكونوميست

  كلمات مفتاحية