فتاوى السيسي: المشكلة في الإسلام لا في الطغيان!

الاثنين 3 يونيو 2019 08:06 ص

فتاوى السيسي: المشكلة في الإسلام لا في الطغيان!

إذا كانت المشكلة في «إساءات» المسلمين، كما يقترح السيسي، وليس في «الهيمنة والتوحش»، فقد حلّت المشكلة!

أما ما يجري من ظلم هائل على يد الحكام وطغاة الأرض، فأمر هين يمكننا علاجه بـ«العقل النقدي والتفكير وده أهم شيء».

رئيس أكبر البلدان العربية سكانا «لا يسيء لا لعدو ولا لحبيب»، إلا إذا كان المسيء للمسلمين المقصود هو شيخ الأزهر الذي انتقد الغرب «الحبيب»؟

الأهم ما يحصل على يد طغاة الاستبداد العربيّ، ورغم تخصيص الغرب بالانتقاد، فلابد أن الحاضرين، بمن فيهم السيسي نفسه، لم يستطيعوا ألا يفكروا بحال مصر نفسها

*     *     *

أتحفنا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بإشراقاته الدينية خلال احتفال رسميّ بليلة القدر حضره مسؤولون بينهم محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف المصري، وأحمد الطيب، شيخ الأزهر، وذلك بعد أن قام الأخير بمهاجمة ما سماه «صناعة التخويف من الإسلام» في الغرب التي عزاها للاستعمار الجديد و«سياسته في الهيمنة والتوحش والانقضاض على ثروات العالمين العربي والإسلامي».

كما عزاها لتقاعس العرب والمسلمين رغم «السيل العرم من محطاتنا وأقمارنا الفضائية» عن إنصاف دين مليار ونصف المليار مسلم، مؤثرين، كما قال شيخ الأزهر، «اهتمامات أخرى زادتنا ضعفا وهوانا».

رد السيسي يمكن إدخاله ضمن ما يسمّى في الأدب العربي بـ«حسن التخلّص» والذي بدأ بجملة ما انفكّ كتبة خطبه على استعمالها عن «أهمية العقل النقدي والتفكير وده أهم شيء»، على حد قوله، منتقلا بعد ذلك إلى «زبدة» الكلام بالرد على اتهام شيخ الأزهر للغرب معتبرا أن المشكلة هي في المسلمين أنفسهم..

فـ«الكلام مش كتب ونصوص ولكن ممارسة»، و«كبشر نحن من نسيء أو لا نسيء»، أما المثال المفحم على هذا الرأي فجاء في تفسير السيسي لآية «كلوا واشربوا ولا تسرفوا»، ولكن المقصود لم يكن تذكير الجمهور المصري بقصة براده الخاوي لسنوات بل بأمر آخر هو تهذيب السيد الرئيس!

فهو لم يقل «أي لفظ خادش واحد لا لعدو ولا لحبيب»، وبهذا المثال فقد ضاعت الحكمة على الحاضرين فإذا كانت المشكلة في «إساءات» المسلمين، كما يقترح السيسي، وليس في «الهيمنة والتوحش»، فقد حلّت المشكلة ما دام رئيس أكبر البلدان العربية سكانا «لا يسيء لا لعدو ولا لحبيب»، إلا إذا كان المسيء للمسلمين المقصود هو شيخ الأزهر الذي انتقد الغرب «الحبيب»؟

قصد شيخ الأزهر مفهوم طبعاً وهو الدفاع عن شعوب المسلمين المضطهدة في كل مكان، وقد حصر الهجوم والتفكير و«العقل النقدي» – اللذين ينافح عنهما رئيسه السيسي – على طرف بعينه، وهو الاستعمار الجديد، منشغلا لسبب ما عما يحصل في الصين وميانمار وروسيا.

والأهم من كل ذلك، ما يحصل على يد طغاة الاستبداد العربيّ أنفسهم، ورغم تخصيصه للغرب بالانتقاد، فلابد أن الحاضرين، بمن فيهم السيسي نفسه، لم يستطيعوا ألا يفكروا بحال مصر نفسها، التي يجلس رئيسها متحدثا عن الإسراف والألفاظ الخادشة، فيما منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان تتحدث عن انتهاكات فظيعة يقوم بها جيش «الحاكم العادل» والميليشيات الأهلية المرتبطة به، من اعتقال عشوائي لمئات المدنيين، ومن فرض «هيمنة وتوحش» محلّيين على أي طرف يتجرأ على مواجهة النظام.

المشكلة التي تؤرق مصر والمصريين إذن هي إسراف بعض المسرفين (سامحهم الله)، والألفاظ الخادشة ضد «عدو أو حبيب»، وكذلك الإساءات التي يرتكبها المسلمون، أما ما يجري من ظلم هائل على يد حكام العرب والمسلمين، وباقي طغاة الأرض، فأمر هين بسيط يمكننا علاجه بـ«العقل النقدي والتفكير وده أهم شيء».

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية