آلة مزيّتة جيدا !

السبت 6 يونيو 2015 01:06 ص

كافح رجب طيب أردوغان في أثناء حياته السياسية على كل الجبهات. وهذا ينجح على نحو لا بأس به في هذه الاثناء: رئيس البلدية، الذي أصبح رئيس الوزراء، وتحول حاليا ليصبح الرئيس، يسعى الآن أيضا إلى أن يحيك دستورا حسب مقاييسه، ليصبح إذا كان ممكنا، سلطان القرن الواحد والعشرين. ولكن من أجل هذا ينبغي له قبل كل شيء أن يحصل في يوم الأحد على أغلبية الثلثين من بين الـ550 مقعدا في البرلمان لحزبه، حزب العدالة والتنمية. وتشير الاستطلاعات إلى الانخفاض في قوته، وربما فقط بسبب هذا ينبغي لأردوغان أن يشعر بالتشجيع.

في العصر الحديث في الشرق الأوسط، يشتاق الكثير من جيراننا إلى الماضي. هناك من يسعون لأن يقيموا من جديد خلافة في سوريا وفي العراق. وهناك من يسعون إلى إعادة عصر السلطنة لتركيا. ولكن حتى لو كانت تركيا بعيدة عن أن تكون نموذجا ديمقراطيا، فليعش الفارق.

أردوغان، الذي يسيطر على تركيا منذ 12 سنة، يفعل ذلك من خلال الديمقراطية، جيب المواطن العادي، ومساعدة الفقراء في القرى والبلدات المحيطة. وبالإجمال، بالنسبة لدول أخرى لا يزال يمكنه أن يعرض نجاحات. غير أنه مع السنين برزت شقوق في النموذج التركي. في دولة أخرى كان يمكن لهذا أن يقوض إرادة أردوغان لتغيير مكانة الرئيس من رمزية إلى تنفيذية. ليس في تركيا.

حــب أعــمى

صحيح أنه بعد سنوات طويلة لا يقف أردوغان هذه المرة للانتخاب، ولكن كالمعتاد في الدولة، كل شيء يتحرك حوله. صحيح أنه رئيس (الجميع؟) ولكن هذا لا يمنعه من أن يدير حملة حماسية لحزب العدالة والتنمية الذي أقامه. خصومه، على أي حال، يتمنون له الفشل. ولغرض التغيير، في حالته، سبق أن رأينا في السنوات الاخيرة أنه ليس مجديا دوما الرهان على المعسكر المقابل. فأردوغان يعرف دوما كيف يثير الحماسة في ناخبيه بالضبط في الوقت السليم. فالاجتماع الكبير للمعسكر الإسلامي، عشية الانتخابات، سيمنح حزبه بعضا إضافيا من المقاعد. أغلبية مطلقة؟ هذا هو السؤال الكبير.

يمكن انتقاد أردوغان، ولكن من الصعب الجدال مع النتائج على الأرض والتي تفسر شعبيته الكبيرة. ففي الوقت الذي تواصل فيه اليونان - الخصم التاريخي الأكبر لتركيا - الغرق والتورط الاقتصادي، فان تركيا تزدهر منذ سنين. وفي عصر أردوغان أصبح الاقتصاد أكثر استقرارا مما كان في التسعينيات. وربيع الشعوب العربية أيضا علمنا مرة أخرى كم يعرف اردوغان كيف يكون براغماتيا: فعند الحاجة يؤيد الدكتاتوريين (القذافي، الأسد)، وعندما خرجت الجماهير الى الشوارع انضم إليها ملوحا بالعلم المناهض لإسرائيل. وحتى السلام مع 15 مليون تركي نجح في صنعه، وهذا انجاز غير صغير.

ولكن الحاضر يكشف صورة أقل وردية. فمعدل النمو الذي كان 7% انخفض إلى 3؛ وتركيا في نهاية المطاف لم تضم الى الاتحاد؛ والليرة التركية فقدت استقرارها؛ المستثمرون لا يدقون الباب مثلما كان ذات مرة، وحتى قصة الغرام الكردية تهتز قليلا. هذه الحقائق تثير اهتمام العالم والمعارضة في تركيا أكثر بكثير، غير أن مؤيدي أردوغان لا يرون إلا الايجابي.

ينبغي الحذر عند التحليل ولا سيما الرهان، بالنسبة لتركيا. وبالأخص عندما يكون أردوغان في الجوار. قبل سنتين غطيت الاحتجاج الجماهيري الكبير في حديقة غازي. من كان هناك كان مقتنعا بأن أردوغان أنهى حياته السياسية: في اليافطات التي رفعت كتب المتظاهرون أن أردوغان طاغية، مناهض للديمقراطية، قومي متطرف، عديم المساومة وعديم التسامح (بالمناسبة، كله صحيح).

كان صعبا الجدال مع المحتجين: اعتقال الصحفيين بالجملة، اعتقال الجنرالات، إغلاق الانترنت، كل هذا حصل بالفعل. كما أن قضايا الفساد الكبرى وصلت حتى عائلة أردوغان، تماما حتى ابن رئيس الوزراء. فماذا فعل أردوغان؟ شدد أكثر فأكثر السيطرة على الجهاز القضائي. مؤيدوه لم يتأثروا. فقد بعثوا به إلى قصرة الرئاسة.

ينظر أردوغان حوله ويحلم، على أي حال، في أن يكون بوتين. والنموذج الفرنسي يغمزه، الأمر الذي بالتأكيد لا يمكن قوله عن معدلات التأييد للرئيس الفرنسي الحالي فرانسوا أولند. فهو يريد أن يكون مثابة رئيس - ملك، مع رئيس وزراء يتلقى الضربات على الرأس. وحقيقة أن لحزبي المعارضة لا يوجد زعيم كاريزماتي، تساعد بالطبع حزب العدالة والتنمية. وليس صدفة أن فاز حزب أردوغان، منذ تأسيسه في 2001، في سبع حملات انتخابية (عامة ومحلية) وفي استفتائين شعبيين. فهذ آلة انتخابية مزيّتة جيدا، يعرف دوما كيف يشخص بالضبط إرادة الناخب البسيط، الذي لا يزال هو الأغلبية المطلقة في تركيا.

أما من هو قادر على أن يجعل الحياة صعبة على أردوغان في الانتخابات، فهم الأكراد الذين يمكنهم أن يعززوا حزبهم في البرلمان. فهم لن ينسوا لأردوغان كيف امتنع عن مساعدة إخوانهم ضد داعش في سوريا وفي العراق خوفا من قيام كردستان مستقرة. ولكن في حينه، بالضبط مثلما في بريطانيا، حيث قام انجليز كامرون كي يوقفوا الاسكتلنديين - سيصل مؤيدو أردوغان بجموعهم ليوقفوا الأكراد. يمكن لـ«حزب الشعب الديمقراطي» الكردي أن يقضم من قوة أردوغان، ولكنه يمكنه أيضا أن يفعل العكس التام ويخدمه بالذات. 

  كلمات مفتاحية

تركيا الأكراد أردوغان الانتخابات البرلمانية النموذج التركي

الانتخابات البرلمانية التركية واستحقاقاتها المستقبلية

الانتخابات البرلمانية التركية: المعركة تدور حول الدستور

2.5 مليون مواطن تركي في الخارج يبدأون التصويت في الانتخابات النيابية

«أردوغان» يستعرض إنجازات 12 عاما ويتطلع إلى تطوير الصناعات العسكرية التركية

«أردوغان»: تركيا لن تقف على أعتاب «الاتحاد الأوروبي» متوسلة العضوية!

تركيا والانتخابات الحرجة