على الولايات المتحدة أن تعيد النظر بجهودها لتصنيف الإخوان منظمة إرهابية

السبت 8 يونيو 2019 06:06 ص

في 30 أبريل/نيسان، أعلنت إدارة الرئيس "دونالد ترامب" بدء العمل على إدراج جماعة "الإخوان المسلمين" في قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية.

وجاء هذا القرار عقب اجتماع لـ"ترامب" مع الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" في البيت الأبيض، وفي هذه المرحلة، من غير الواضح ما إذا كان من الممكن تحقيق مثل هذا التصنيف الشامل في ضوء بعض العوامل القانونية والبراغماتية.

ومع ذلك، إذا مضت الحكومة الأمريكية قدما في تصنيف جماعة "الإخوان المسلمين" منظمة إرهابية، فسيكون هناك تداعيات دولية ومحلية كبيرة.

وتمثل الجهود التي تبذلها الإدارة لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية دفعة قوية لبعض أقرب حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط، وبالأخص مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

وقد بادرت هذه الدول العربية بمثل هذا التصنيف منذ أعوام، وكانت غاضبة من الدفء الواضح من قبل إدارة "أوباما" تجاه الحركة الإسلامية.

وتعد الدعاية التي تزعم أن "أوباما" كان "إسلاميا سريا"، أو حتى "مرشدا سريا" للإخوان المسلمين، أمرا شائعا في مصر منذ انقلاب عام 2013.

وفي الواقع، بعد هزيمة "ترامب" لـ"هيلاري كلينتون" في الانتخابات الرئاسية عام 2016، أعربت شخصيات من هذه الأنظمة العربية عن تفاؤلها حيال تخلي الإدارة القادمة عن دعم "أوباما" المتصور للإخوان المسلمين، والضغط من أجل تصنيف الحركة باعتبارها منظمة إرهابية أجنبية.

وقامت السلطات المصرية والإماراتية والسعودية، تحت ستار مكافحة "الإرهاب"، باستهداف الجماعات والأفراد الذين لم يشاركوا حتى في إرهاب فعلي، لكنهم وضعوا الأفكار التي تزعم هذه الأنظمة أنها هي المسؤولة عن تعزيز الإرهاب.

وبموجب قانون الولايات المتحدة، هناك معايير معينة لتصنيف الجماعات كمنظمات إرهابية، ولا شك في أنه لا يمكن تلبية هذا المعيار القانوني بمجرد الإشارة إلى أفكار الجماعات، حتى لو كان من الممكن فهمها على أنها معادية للغرب وغير ليبرالية وغير متسامحة.

وتلبس القوانين في مصر والدول العربية الأخرى التي تحظر جماعة الإخوان المسلمين ثوبا فضفاضا لتعريف الإرهاب، بحيث يشمل أساسا جميع أشكال المعارضة السياسية، بما في ذلك العلمانية والليبرالية وغير العنيفة.

ومما لا شك فيه، أن جهود الولايات المتحدة التي تحاول من خلالها تصنيف الجماعة ستكون بمثابة ختم بالموافقة على حملات هذه الأنظمة العربية على "الإرهاب المزعوم".

وعلى النقيض من مصر والسعودية والإمارات، تسمح دول عربية أخرى، مثل البحرين والكويت والأردن والمغرب وتونس، لفروع جماعة الإخوان المسلمين المحلية في بلدانهم بالعمل بشكل قانوني في الساحات السياسية الداخلية.

وطلبت بعض الحكومات "الصديقة للإخوان المسلمين" في المنطقة أن تتجنب حكومة الولايات المتحدة المضي قدمًا في هذا التصنيف المنتظر.

وهناك أسئلة لا تحصى، ولا توجد إجابات سهلة حول كيفية إسهام مثل هذا التصنيف في تعقيد التحالفات المعقدة بالفعل التي تحتفظ بها الولايات المتحدة مع هذه الدول العربية التي لا ترى في الإخوان المسلمين تهديدا إرهابيا.

وسوف توفر إضافة الولايات المتحدة للإخوان المسلمين إلى قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية دفعة كبيرة لـ"السيسي"، وولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"، وولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد".

لكن سيكون ذلك بمثابة دفعة أكبر للرئيس "بشار الأسد" في دمشق، الذي سيعزز سرديته أنه كان يقاتل "الإرهابيين" على مدار الأعوام الثمانية الماضية.

ويتناسب هذا الوصف مع سردية النظام السوري بأنه الدولة العربية الأكثر التزاما بمكافحة الإرهاب، وهي حملة يعود تاريخها إلى صراع "حافظ الأسد" الرهيب مع جماعة الإخوان المسلمين السورية في سبعينات وثمانينات القرن العشرين، وقيامه بقتل عشرات الآلاف من السوريين.

علاوة على ذلك، بالنظر إلى أن إدارة "أوباما" قامت بتسليح جماعة الإخوان المسلمين السورية خلال المراحل السابقة من الأزمة، فسوف يشجع إقدام حكومة الولايات المتحدة على هذا التصنيف رواية النظام في دمشق حول كون سوريا ضحية للإرهاب الذي ترعاه الولايات المتحدة.

العوامل المحلية

وعلى المستوى المحلي، يشير هذا إلى توافق البيت الأبيض مع أجندات بعض المشرعين الجمهوريين الذين بدأوا في الضغط من أجل هذا التصنيف منذ أعوام.

وكما يتضح من نص قانون تصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية لعام 2015، الذي شارك في رعايته عضو الكونغرس آنذاك "مايك بومبيو"، كانت هناك جهود من جانب المشرعين الأمريكيين، الجمهوريون منهم بشكل أساسي، لربط مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية "كير"، وغيره من جماعات الدعوة الإسلامية في الولايات المتحدة، بجماعة الإخوان المسلمين.

وإذا أدرجت حكومة الولايات المتحدة أقدم حركة إسلامية في العالم، وهي جماعة الإخوان المسلمين المصرية، كمنظمة إرهابية أجنبية، فسوف تكون الآثار المترتبة على جماعات الدعوة الإسلامية التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها، مثل مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية "كير"، والجمعية الإسلامية الأمريكية "ماس"، خطيرة للغاية.

وبناء على تفاصيل هذا التصنيف، قد يواجه المسلمون الأمريكيون انتكاسات في حرياتهم المدنية بسبب هذا التصنيف الشامل، وبالنظر إلى أن عضو الكونجرس "إلهان عمر" قد تحدثت خلال فعاليات أقامها مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية "كير"، فسوف يُنظر إلى هذا التصنيف من قبل اليمين الأمريكي على أنه تأكيد لمزاعم لا معنى لها بأن المشرعة الصومالية الأمريكية لها صلات بالمنظمات الإرهابية المناهضة للولايات المتحدة والفصائل الجهادية العنيفة.

وفي عام 2014، صنفت دولة الإمارات "كير" و"ماس"، والعشرات من الجماعات الإسلامية الأخرى، بما في ذلك مؤسسة "قرطبة" والرابطة الإسلامية في بريطانيا، واتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا على سبيل المثال لا الحصر، كمنظمات إرهابية.

ومن وجهة نظر أبوظبي، تعد هذه المنظمات فروعا تابعة لجماعة الإخوان المسلمين في جميع أنحاء أوروبا وأمريكا الشمالية لتشكيل سياسات الدول الغربية.

وترى القيادة في أبوظبي أنها تتفوق في الكفاح ضد الإرهاب على الولايات المتحدة من خلال تصنيف "كير" وغيره من جماعات الدعوة الإسلامية في الغرب على أنها منظمات متطرفة ينبغي استهدافها من قبل حكومات أمريكا الشمالية وأوروبا ضمن جهود "الحرب على الإرهاب".

وفي مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" بعد فترة وجيزة من إعلان الإمارات عن هذه التصنيفات، صرح وزير الخارجية الإماراتي قائلا: "إن عتباتنا منخفضة للغاية عندما نتحدث عن التطرف، فلا يمكننا قبول التحريض أو التمويل عندما ننظر إلى بعض هذه المنظمات، وبالنسبة للعديد من الدول، يقتصر تعريف الإرهابي على هذا الذي يحمل سلاحا ويروع الناس، أما بالنسبة لنا فهو أبعد من ذلك بكثير، لا يمكننا أن نتسامح حتى مع أصغر حجم أو شكل من الإرهاب".

وقبل عامين، نظرت الإدارة في هذا الادعاء، وخلص وزير الخارجية آنذاك، "ريكس تيلرسون"، إلى أنه كان هناك نقص في الأدلة اللازمة للمضي قدما في هذا التصنيف، وربما مع الانتخابات الرئاسية العام المقبل، سوف تدفع المتغيرات السياسية الداخلية "ترامب" إلى مواصلة الضغط من أجل هذه الخطوة ضد جماعة الإخوان المسلمين، والاستفادة من تصاعد الإسلاموفوبيا في أمريكا.

وإذا قررت إدارة "ترامب" تصنيف جماعة الإخوان المسلمين على أنها جماعة إرهابية، فمن شأن هذه الخطوة أن تمثل نقلة في الطريقة التي تصنف بها الحكومة الأمريكية المنظمات الإرهابية.

وسوف يعتمد هذا التصنيف على عوامل أيديولوجية مجردة، وليس أدلة موثوقة على وجود السلوك العنيف، وإذا انضمت واشنطن إلى أبوظبي والقاهرة ودمشق والرياض في الاعتراف بأن الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، فسوف تضيف تعقيدات ومصادر احتكاك جديدة إلى العلاقات المتوترة بالفعل مع العديد من حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خاصة في تلك الدول التي يوجد في حكوماتها أعضاء من الإخوان.

ومن شأن التصنيف الشامل للإخوان المسلمين كمجموعة إرهابية أن يقوض الجهود المبذولة للعمل مع مجموعة من الحلفاء التاريخيين في العالم العربي لمواجهة التهديد الحقيقي للإرهاب، لأن هذه الخطوة قد تعمل على تنفير الحلفاء الرئيسيين في هذا الصراع، مع دفع الإسلاميين المعتدلين نحو أحضان الجماعات المتطرفة مثل تنظيم "الدولة الإسلامية" و"القاعدة".

وفي النهاية، فإن مثل هذا التصنيف لجماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية، قد يقوض المصالح الأمريكية الحيوية بسهولة، عن طريق خلق أعداء جدد، ويجعل من الصعب على شركاء أمريكا دعم برامج واشنطن لمكافحة الإرهاب.

على سبيل المثال، كان فرع جماعة الإخوان المسلمين في الكويت، الحركة الدستورية الإسلامية "حدس"، ممتنا لدور الولايات المتحدة في تحرير الإمارة عام 1991، ولم تعترض الحركة أبدا على وجود قوات أمريكية على الأراضي الكويتية منذ طرد القوات العراقية قبل 28 عاما، فهل يمكن أن يستثني التصنيف الشامل لجماعة الإخوان المسلمين "حدس" وأمثالها؟

وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد صنفت بالفعل 3 فروع قالت إنها مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين على أنها جهات فاعلة إرهابية، وهي "حماس" الفلسطينية، وحركتا سواعد مصر "حسم"، و"لواء الثورة" في مصر.

واستوفى سلوك هذه المجموعات المعايير القانونية لتصنيف المنظمات الإرهابية الأجنبية، لكن مما لا شك فيه، أن التصنيف الشامل سيؤدي حتما إلى خلق مشاكل لا حصر لها، لأن جماعة الإخوان المسلمين هي حركة يصعب تحديدها ومعرفة ماهيتها، بالنظر إلى افتقارها إلى القيادة المركزية في العصر الحالي.

علاوة على ذلك، فقد تقوض هذه الخطوة جهود واشنطن لمواجهة الجماعات الإرهابية الفعلية مثل تنظيم "القاعدة" وتنظيم "الدولة الإسلامية".

وقد قام المقاتلون الليبيون المنتسبون للإخوان المسلمين في "مصراتة" بالتنسيق مع الجيش الأمريكي في الحرب ضد "الدولة الإسلامية" في سرت في أواخر عام 2016، ما يؤكد في بعض الأحيان أن فروع الحركة تتماشى مع جهود واشنطن لمكافحة الإرهاب.

بالإضافة إلى ذلك، تحالف فرع الإخوان المسلمين في اليمن، وهو "حزب الإصلاح"، مع الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية بقيادة الرئيس "عبدربه منصور هادي"، التي عملت مع الجيش الأمريكي في الحرب الأهلية اليمنية.

وتجدر الإشارة إلى أن تصنيف الإخوان المسلمين المنتظر سيؤثر على المصالح الأمريكية في النزاعات الداخلية في هذه الدول العربية التي تدخلت فيها واشنطن خلال الأعوام الأخيرة.

وسوف يفهم الكثيرون أن وضع الإخوان المسلمين على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية حرب على الإسلام المدني، وهو ما سيشوش مفهوم الإرهاب الذي يتطلب ارتكاب عنف من جانب الجهات الفاعلة غير الحكومية لتحقيق أهداف سياسية.

ولا شك أن هذه الخطوة ستضيف شرعية إلى هذه الفكرة القائلة بأن نشر أفكار معينة يرقى إلى مستوى الإرهاب.

والأخطر من ذلك، بالنسبة للشرق الأوسط، أن هذا التصنيف قد يعمل على تشجيع الأنظمة الاستبدادية التي تشن حملات القمع الخاصة بها على جميع أشكال المعارضة تقريبا، تحت شعار حماية المجتمع من جماعة الإخوان المسلمين.

المصدر | جورجيو كافييرو - إنسايد أرابيا

  كلمات مفتاحية