عامان على حصار قطر.. لماذا لا تزال الأزمة الخليجية بعيدة عن الحل؟

الأحد 9 يونيو 2019 05:06 ص

في الوقت الذي نتجاوز فيه الذكرى السنوية الثانية للأزمة الخليجية، لا جدال في أن العامين الأخيرين كشفا النقاب عن صراعات جوهرية خطيرة بين الملكيات العربية الست في مجلس التعاون الخليجي.

وقد أثار الإعلان العام للعداء بين دول الخليج الغنية اهتمامًا وقلقًا دوليين بسبب ما يمكن أن تعنيه عواقب هذا الصدع على الأمن الإقليمي والتوازن في المنطقة الشرق الأوسط الممزقة بالصراعات بالفعل.

واليوم، وصلت الأزمة إلى حد من التعقيد الذي يجعل أي حل مرض لها يبدو كأنه احتمال بعيد لثلاثة أسباب:

أولاً، في السياق الحالي، يُنظر إلى التهديدات الداخلية داخل مجلس التعاون الخليجي على أنها تفوق التهديدات الخارجية.

ثانياً، لا تزال هناك نزاعات نشطة على العديد من الجبهات التي تعيق إمكانية المصالحة.

ثالثاً، أصبحت تقاليد حل النزاع التقليدية في المنطقة مفارقة تاريخية عفا عليها الزمن.

وتاريخياً، قام القادة الخليجيون بحل منازعاتهم من خلال تبادل الحوار والمجاملات، وهي ممارسة أصبحت بالية في عيون الجيل الجديد من قادة دول مجلس التعاون الخليجي.

وتحول هذه الأسباب مجتمعة الخلاف الخليجي من أزمة عابرة إلى واقع دائم.

التهديدات الداخلية

يبدو أن الدول المعنية تعتقد أن اتخاذ إجراءات ضد التهديدات المتصورة داخل حدود الدول أكثر إلحاحًا من ضرورة أن يبدو مجلس التعاون الخليجي موحدا في مواجهة التهديدات الصادرة من خارج الكتلة.

وتعد هذه القناعة أحد أهم الأسباب وراء عدم تمكن مجلس التعاون الخليجي ككيان من تحقيق أهدافه المقصودة.

في الواقع، كان السبب الأساسي لإنشاء مجلس التعاون الخليجي في عام 1981 هو إضفاء الطابع الرسمي على اتفاق دفاع مشترك في مواجهة التهديدات الخارجية.

ولكي نكون منصفين، فإن الخلافات بين الدول الخليجية كانت موجودة دائما، لكن الجيل السابق من القادة كانوا أكثر ميلًا إلى احتواء هذه النزاعات من أجل الأمن الجماعي، ومع ذلك، في الوقت الحالي، تسبب تغير القادة والسياقات والتحديات في تبديل تصورات الحكام الجدد حول مركزية مجلس التعاون وهدفه الحقيقي.

بالنسبة لقطر، مع اندلاع أزمة مجلس التعاون الخليجي الحالية، صارت الإمارة تعتبر المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تهديدات وجودية.

وفي بداية الأزمة، كانت هناك تقارير تشير إلى أن البلدين ناقشا عملا عسكريا ضد قطر، ومما زاد من خطورة هذا الثرثرة حقيقة أن السعوديين والإماراتيين حاولوا في عام 1996 الانقلاب على أمير قطر السابق "حمد بن خليفة آل ثاني".

من ناحية أخرى، ترى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة قطر تهديداً لأن الدولة الصغيرة سعت بشكل مستقل إلى تحقيق مصالحها الخاصة من خلال توسيع نفوذها الإقليمي.

وفي بيئة ما بعد الربيع العربي، تحدت قطر الإستراتيجية الإقليمية للدولتين، ومن منظور الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، فإن توسع النفوذ القطري في فترة ما بعد الربيع العربي هو بمثابة إضعاف لوضع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وهو تطور قد يثبت أنه يشكل تهديدًا محليًا للبلدين.

ولا تقبل المملكة العربية السعودية، أكبر دول مجلس التعاون الخليجي من حيث الحجم وعدد السكان وإحدى أكبر الدول المصدرة للنفط في العالم، وحليفها الإماراتي، لا تقبلان أن دولة أصغر، مثل قطر، يمكن أن تشكل مثل هذا التحدي لهما.

وبالنظر إلى هذا الوضع، ينبغي أن ينظر إلى أزمة مجلس التعاون الخليجي على أنها خلاف حول هياكل السلطة الحالية في المنطقة، حيث تسعى كل دولة لتكييف نفسها لمواجهة الحقائق الجديدة في المنطقة.

النظام الإقليمي الجديد ومعركة الروايات

يمكننا أن نرجع الخلاف بين دول الخليج العربية حول "التهديدات" المتصورة إلى اختلاف أجندات كل من هذه الدول في بيئة الربيع العربي.

وقد تجلى ذلك جزئيًا في التنافس على النفوذ في أماكن مثل مصر وليبيا وسوريا واليمن والسودان والصومال، التي تحولت إلى ساحات للمنافسة بين دول الخليج حول التأثير الإقليمي.

وفي قلب ذلك التنافس الإقليمي، ظهر خلاف جوهري بين الطرفين حول دور الدين في المجتمعات الإسلامية، نظرًا لأن الغالبية العظمى من دول المنطقة تعتنق الإسلام وتحترمه، فقد برز الدين كساحة طبيعية للدول الخليجية الثلاث لتعزيز نفوذها على المستوى الإقليمي وتشكيل العلاقات بين المجتمع والدولة.

وتنظر المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى مجموعات دينية معينة، خاصة الإسلام السياسي، على أنها تهديد محلي، في حين أن قطر ليس لديها نفس المخاوف المحلية من هذه الكتل.

لذلك، تتجسد التهديدات الداخلية المتصورة لكل دولة في ردودها على الروايات الإسلامية السائدة حيث تقوم دولة الإمارات العربية المتحدة بتشجيع صياغة خطاب شبه صوفي للإسلام لا يشارك في السياسة ويعرض دعمًا سلبيًا للمؤسسة السياسية والأنظمة الحاكمة القائمة.

في المقابل، تدعم قطر تيارات الإسلام السياسي الموجودة على نطاق واسع في المنطقة والمنخرطة في العديد من أنظمتها السياسية.

وكانت هناك جبهة مهمة أخرى من "حرب السرديات" هذه هي وسائل الإعلام، حيث يشن الطرفان حملات إعلامية شرسة ضد بعضهما البعض.

ولا تتناول بعض هذه الحملات سياسات الخصم فحسب، بل تتجاوز أيضًا "الخطوط الحمراء" المحددة تقليديًا من خلال استهداف العائلات الحاكمة بالتشويه والانتقاص، وتمنع هذه الانتهاكات للنسيج الاجتماعي القبلي من التوصل إلى حل سريع للأزمة.

وفي كل مرة يحدث فيها مواجهة محتملة بين أطراف الخلاف، تظهر تقارير عن انفراج محتمل للأزمة، ولكن في كل مرة، تثبت هذه الهمسات أنها مخيبة للآمال.

وعادة ما تتلاشى الآمال الكاذبة في المصالحة بسبب حقيقة أن التهديدات الداخلية داخل دول مجلس التعاون الخليجي لا تزال مرتفعة، وأن الغبار لم يستقر بعد من التغيير المستمر للنظام الإقليمي.

لذلك، فإن الحوافز لحل الأزمة منخفضة، في حين تبقى المخاطر كبيرة لكلا الطرفين.

المصدر | منتدى الخليج الدولي

  كلمات مفتاحية

السعودية: مقاطعة قطر حق سيادي لنا نتيجة تصرفاتها