هل يمكن أن تساعد كرة القدم في حل الأزمة الخليجية؟

الأحد 9 يونيو 2019 05:06 ص

تجاهلت قطر، التي تستضيف نهائيات كأس العالم 2022، نهائيا المقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية التي تقودها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة مع دخول الأزمة عامها الثالث دون أي احتمال للحل.

وتخلى الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) عن خططه المدعومة من السعودية والإمارات العربية المتحدة لتوسيع كأس العالم 2022 من 32 إلى 48 فريقا قبل أيام فقط من الذكرى الثانية لحصار قطر في 5 يونيو/حزيران.

جاء قرار الفيفا في أعقاب فوز قطر غير المتوقع بكأس آسيا ووجود تقارير تفيد بأن صندوق الثروة السيادية للدولة الخليجية يتفاوض على شراء نادي ليدز يونايتد الإنجليزي.

ومن شأن هذا الاستحواذ أن يمنح قطر ثاني أكبر فريق أوروبي بعد باريس سان جيرمان ويحتمل أن يأخذ ذلك الخلاف الخليجي إلى الدوري الإنجليزي الممتاز، موطن نادي مانشستر سيتي المملوك للإمارات العربية المتحدة، في وقت برزت فيه كرة القدم كميدان للمعارك بين القوى الخليجية، خاصة مع سعي السعودية لشراء نادي مانشستر يونايتد الإنجليزي.

الحصار يتراجع

وكانت كرة القدم أحد المجالات التي أحرزت فيها قطر انتصارات ملحوظة. وبعد مرور ثلاث سنوات على الحصار، فشل منتقدو قطر -السعودية والإمارات والبحرين ومصر- في إجبار قطر على قبول مطالب من شأنها أن تقوض استقلالها وسيادتها كما فشلوا في إقناع المجتمع الدولي بشرعية نهجهم.

على العكس تماما، تزدهر قطر اقتصاديا. ونجحت بمساعدة عمان وتركيا وإيران في إيجاد طرق بديلة للاستيراد والتصدير والخدمات اللوجيستية بعد إغلاق طرق التجارة التقليدية مع الدول المحاصرة.

علاوة على ذلك، بدلا من أن تصبح قطر معزولة دوليا، نجحت الدوحة في تعميق العلاقات مع القوى الكبرى في العالم -الولايات المتحدة والصين وأوروبا وروسيا والهند- وعززت موقعها كوسيط أو لاعب رئيسي في النزاعات من أفغانستان إلى غزة.

ومن المفارقات أن قطر تمكنت من تحويل الأزمة الخليجية إلى واحدة من القضايا القليلة التي تتفق عليها القوى المتنافسة في العالم. وترغب واشنطن وبكين وموسكو وبروكسل ودلهي في حل أزمة الخليج، لكنها فشلت في إقناع الرياض وأبو ظبي بإنهاء الحصار.

ويعكس حصار قطر سياسة سعودية وإماراتية أوسع تهدف إلى تشكيل منطقة الشرق الأوسط الكبير، الممتدة من آسيا الوسطى إلى القرن الأفريقي، وإجبار الحكومات على اتباع خط السياسة السعودية الإماراتية التي تعزز الاستبداد، وترفض المشاركة السياسية وتعارض الإسلام السياسي وتنتهك حقوق الإنسان.

وطالبت دول الحصار قطر بمواءمة سياساتها العسكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية مع سياساتهم، وإغلاق شبكة تلفزيون الجزيرة وغيرها من وسائل الإعلام الممولة من قطر، وإنهاء التعاون العسكري مع تركيا وإغلاق القاعدة العسكرية التركية في الإمارة.

وفي توبيخ لدول الحصار التي طالبت قطر بإلغاء الجنسية الممنوحة للاجئين السياسيين من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين، أصدرت الدولة الخليجية، في الذكرى الثالثة للحصار، أول قانون ينظم حق اللجوء السياسي في المنطقة.

ويمنح القانون حق اللجوء لفئات مثل المدافعين عن حقوق الإنسان؛ والصحفيين والكتاب والباحثين؛ ونشطاء الأقليات السياسية والدينية والعرقية؛ والمسؤولين السابقين أو الحاليين الذين يعارضون سياسات حكوماتهم ويتعرضون للتهديد بالاضطهاد.

ولكن من المؤكد أن وضع قطر لنفسها كمدافع عن حقوق الإنسان ينطوي على ثغرات، حيث لا تزال الحريات في البلاد محدودة، ولا يسمح لوسائل الإعلام، وفي مقدمتها قناة الجزيرة، بانتقاد السياسة القطرية.

وفي حين تسعى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة للحفاظ على الوضع الاستبدادي في المنطقة إلى أقصى حد ممكن عن طريق قمع المعارضة وإبراز القوة العسكرية فضلا عن القوة الناعمة، فإن استراتيجية قطر تتبنى قوى التغيير وهي مبنية بالكامل على القوة الناعمة.

وتستند هذه الاستراتيجية إلى مبيعات الغاز المتنوعةـ والحفاظ على العلاقات مع جميع الأطراف، وإبراز الدولة الخليجية كمركز رياضي عالمي متطور؛ وتقديم الدوحة كمركز نقل يربط جميع القارات مع شركة طيران ذات مستوى عالمي؛ وتحويل الدولة الخليجية إلى مركز ثقافي مع المتاحف الرائعة والاستحواذات الفنية.

الغاز كمحرك للأزمة

وإلى جانب الدبلوماسية والاقتصاد والإعلام وكرة القدم، فإن الغاز يظهر بشكل متزايد ليس فقط كميدان صراع بل كسبب رئيسي لأزمة الخليج. 

وتم إبراز مركزية الغاز في حصار قطر عندما كشفت "صحيفة وول ستريت جورنال" مؤخرا أن المسؤولين الأمريكيين منعوا المملكة العربية السعودية من تنفيذ خطة لغزو قطر والاستيلاء على عملياتها في أكبر حقل للغاز في العالم.

إذا ثبت أن الغاز هو المحرك الرئيسي للخلاف، فإن الخطط السعودية المعلنة مؤخرا لتصبح لاعبا كبيرا في مجال الغاز تشير إلى أن النزاع قد يستغرق أعواما طويلة قبل أن يتم حله.

وقال "أمين ناصر"، الرئيس التنفيذي لشركة النفط الوطنية السعودية أرامكو خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في يناير/كانون الثاني إنه يتوقع استثمار 150 مليار دولار في قطاع الغاز السعودي على مدى السنوات العشر القادمة. وتوقع "ناصر" زيادة إنتاج الغاز في المملكة من 14 مليار قدم مكعب قياسي إلى 23 مليار قدم بحلول عام 2030.

وقال وزير الطاقة السعودي "خالد الفالح" في أبريل/نيسان عقب الكشف عن الاحتياطيات الكبيرة المكتشفة حديثا في البحر الأحمر إن المملكة قد تحقق هدفها المشار إليه خلال 5 إلى 6 سنوات.

في غضون ذلك، تضغط المملكة العربية السعودية لتصبح تاجرا ومسوقا رئيسيا للغاز، وخاصة في الأسواق الفورية والقصيرة الأجل، من خلال الشراكة مع المنتجين في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في منطقة القطب الشمالي الروسية.

وأعربت المملكة عن رغبتها في الحصول على حصة 30% في مشروع "نوفاتيك أركتيك" للغاز الطبيعي المسال الروسي. 

ووافقت أرامكو في مايو/ أيار على شراء حصة 25% في محطة "سيمبرا" للغاز الطبيعي المسال بولاية تكساس في واحدة من أكبر صفقات الغاز على الإطلاق. وتتضمن الصفقة اتفاقية مدتها 20 عاما ستشتري بموجبها المملكة العربية السعودية 5 ملايين طن من الغاز سنويا من محطة "سيمبرا" بداية من عام 2023.

وعقدت قطر شراكة مع شركة إكسون موبيل في مصنع للغاز الطبيعي المسال بقيمة 10 مليارات دولار في تكساس، وتعتزم ضخ ما مجموعه 20 مليار دولار أمريكي من الاستثمارات في حقول النفط والغاز الأمريكية.

ولكن المنافسة بين السعودية وقطر في مجال الغاز لا تقف عند حدود الولايات المتحدة.

وزار وفد من أرامكو السعودية باكستان في أبريل/نيسان لمناقشة مبيعات الغاز كوسيلة لمعالجة النقص في الطاقة في الدولة الواقعة في جنوب آسيا. واستجابت قطر بتخفيض سعر الغاز إلى باكستان.

ويبدو أن السعودية والإمارات سيكونان على استعداد للتوصل إلى نهاية لأزمة الخليج فقط بعد أن تؤمن المملكة موقعها كمصدر رئيسي للغاز. ويعني ذلك أن حصار قطر سيظل قائما عندما تستضيف الدولة الخليجية كأس العالم في عام 2022.

ويأتي ذلك بعد حيلة رئيس الفيفا "جياني إينفانتينو" غير الناجحة لإقناع قطر بالموافقة على توسيع بطولة 2022 من 32 إلى 48 فريقا.

وتضع البطولة خصوم قطر في مأزق. ستكون هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تنظيم الحدث الرياضي الضخم الأول في العالم في العالم العربي، وتحديدا في منطقة الخليج.

ومع ذلك، فإن المقاطعة تمنع مواطني الدول المقاطعة من السفر إلى قطر. وحتى إذا تحدى المشجعون المقاطعة، فسيتعين عليهم سلوك طرق أطول وتكبد نفقات إشافية بسبب انقطاع الاتصالات الجوية والبرية.

ومع ذلك، يمكن أن يؤدي ذلك لخرق في الحصار، وإيجاد فرصة لوضع حد للمقاطعة.

في الوقت الحالي، قد يبدو ذلك بمثابة نظرة بعيدة جدا. لكن إذا ظل الوضع الراهن على حاله، فقد تظهر كرة القدم أنها أفضل أمل لحل الأزمة في الخليج.

المصدر | جيمس دورسي- أوراسيا رفيو

  كلمات مفتاحية