هل أصبح حصار قطر واقعا دائما؟

الأحد 9 يونيو 2019 05:06 ص

الخليج في أزمة عميقة، وهي ليست نزاعا عائليا أو مشاجرة بين أفراد العائلات المالكة، رغم أنها قد تبدو في بعض الأحيان على هذا النحو في أعين الغرباء. ودخلت قطر والمملكة العربية السعودية في نزاع حول أسئلة مهمة للغاية، تتضمن القيادة في العالم العربي وما وراءه، وكيف ينبغي أن يحكم المسلمون، وعلاقة الخليج بالإسلام السياسي والمتشددين وإيران والغرب.

وتنظر المملكة إلى نفسها كقائد طبيعي للخليج؛ فمواردها في مجال الطاقة تجعلها الأولى بين خصومها ومنافسيها. ويحكم المملكة نظام ملكي مطلق، وإن كان قد شمل في الماضي قدرا كبيرا من التشاور، على الأقل داخل العائلة المالكة. لكن تلك الأيام ولت بعد أن ركز الملك السلطة والثروة في يد ابنه ولي العهد أكثر من أي وقت مضى، جزئيا لتمكين التحديث الذي تمس الحاجة إليه. وتعد مبادرة ولي العهد "رؤية 2030" مدفوعة بالكامل تقريبا من أعلى إلى أسفل، بينما يتم سجن بعض أولئك الذين يحاولون الترويج للإصلاح على مستوى القاعدة الشعبية، وربما حتى قتلهم كما في حالة "جمال خاشقجي". وتخشى المملكة اليوم عودة المحافظين المتدينين إلى البروز، وتحاول كسر صلة الوهابية بالإرهاب. وتحارب الرياض الإسلام السياسي بشكل عام، و"الإخوان لمسلمون" بشكل خاص، حيث تعتبرهم جماعة إرهابية، كما تركز بشكل خاص على إيران التي ترى أنها تعزز نفوذها في جميع أنحاء المنطقة. وتحاول المملكة حماية علاقتها مع الغرب، وخاصة وصولها إلى الأسلحة المتطورة.

وهناك اختلافات بين قطر والسعودية منذ عقود. وتفتخر الدوحة بكونها مميزة ومستقلة، خاصة في السياسة الخارجية. ويحاول نظامها الملكي، في الممارسة العملية، مواصلة تقليد التشاور الأوسع ضمن العائلة الحاكمة. ولدى البلاد دستور ينص على وجود برلمان، لكن لم تجر انتخابات وطنية ولم يتم السماح بأي منظمات سياسية. ولا تذكر قناة الجزيرة، وهي شبكة إخبارية عالمية مستقلة اسميا، شيئا عن السياسة الداخلية القطرية. وتحرص قطر، مثل السعودية، على التحديث، ولديها رؤيتها الخاصة لذلك. وتتبع الدوحة أيضا الوهابية كتوجه ديني، لكنها أبقت على التوازن بين المحافظين والإسلام السياسي، بما في ذلك جماعة "الإخوان لمسلمون". وتشترك قطر في أكبر حقل للغاز في العالم مع إيران، وتحافظ على علاقات جيدة مع طهران فيما تحاول أيضا حماية علاقتها مع الغرب، لاسيما من خلال استضافة أكبر قاعدة جوية أمريكية في الشرق الأوسط في "العديد"، ومن خلال التعاون في مكافحة الإرهاب.

وقد تسبب التنافس بين قطر والسعودية في انقسام مفتوح داخل مجلس التعاون الخليجي في يونيو/حزيران 2017. وردا على بيان مفبرك تم نسبته إلى أمير قطر، فرضت السعودية والإمارات والبحرين ومصر حظرا على الدوحة، وطالبت دول الحصار قطر بالوفاء بالوعود التي قطعتها عام 2014 في أزمة سابقة قبل أن تصوغ 13 مطلبا رفضتها قطر جملة وتفصيلا. ويعتقد القطريون إما أنهم قد أوفوا بالفعل باتفاقية عام 2014 الأصلية، أو أنها أصبحت غير ذات صلة. ويعد المطلب الوحيد الذي هم على استعداد للنظر فيه على مضض هو تحسين السياسة التحريرية لقناة الجزيرة.

توسيع النزاع

وقد وسع المتنافسون نزاعهم ليشمل بلدان أخرى. وفي ليبيا، تدعم الإمارات ومصر الجنرال "خليفة حفتر"، بما في ذلك هجومه على طرابلس، بينما تدعم قطر الحكومة التي تدعمها الأمم المتحدة. وفي سوريا، دعم القطريون والسعوديون فصائل مختلفة من المتمردين السوريين، الأمر الذي لم يكن في صالح كل الأطراف. وتخوض ممالك الخليج الحرب من خلال مهاجمة وكلاء بعضها البعض في بلدان ثالثة بدلا من مهاجمة أراضي بعضها البعض.

ويوجد جانب تجاري واجتماعي للصراع لا يمكن تجاهله. فلقد كسر الحصار العديد من الروابط التجارية والاستثمارية بين دول الحصار وقطر، التي فقد مواطنوها المقيمين في بلدان الدول المحاصرة ممتلكاتهم، وتم إجبارهم على الرحيل. وردت قطر بزيادة علاقاتها مع تركيا وإيران، رغم استمرار صادرات الغاز إلى الإمارات والشرق الأقصى. وقد تكون الرسالة التي يحاول القطريون إرسالها هي أن الدوحة ستبقى موردا موثوقا للطاقة، ولن يتم إخضاعها من قبل جيرانها العدائيين في الخليج، بل ستعتمد بدلا من ذلك على خصومهم التقليديين إذا لزم الأمر. ويغضب هذا السعوديين، الذين لديهم علاقة مثيرة للجدل تقليديا مع إيران وتركيا.

ويؤثر تعطل العلاقات التجارية والاجتماعية على الهوية القطرية بشكل كبير. وكان القطريون في الماضي يعتبرون أنفسهم خليجيين، وهي هوية تتجاوز الحدود الوطنية، تؤكد على ثقافتهم وتاريخهم المشترك مع الإمارات والسعودية. لكن يتبخر هذا المعنى الآن لصالح هوية قطرية قومية متميزة عن هوية الإمارات والسعودية والبحرين.

وفي كل من السعودية وقطر، أثبتت أزمة الخليج أنها كانت نعمة للأنظمة. فلم يكن ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" ولا أمير قطر "تميم بن حمد" أكثر شعبية مما أصبحا عليه بعد الأزمة. ويتمتع كلاهما بشعبية كبيرة بين الشباب في بلادهما. ويجعل هذا الأمر أكثر صعوبة في التئام الصدع عندما يحين الوقت. فحتى الملوك الذين يحكمون حكما مطلقا ينظرون إلى التزكية الشعبية ويترددون في مصادمة الرأي العام، خاصة فيما يتعلق بصنع السلام مع خصم ما.

التعايش مع الموقف

وتسببت أزمة الخليج في البداية في قلق حقيقي في الولايات المتحدة. وفي الوقت الذي ساعد فيه الرئيس "ترامب" في إشعال الأزمة أثناء زيارته للرياض، عندما انتقد الدوحة متهما إياها بدعم الإرهاب، كان وزير الخارجية "تيلرسون"، ووزير الدفاع "ماتيس"، قلقين من أن يغزو السعوديون قطر ويحاولون تثبيت أمير جديد تابع لهم، مما قد يعرض وجود الأمريكيين في "العديد" للخطر. وعينت واشنطن الجنرال المتقاعد "أنتوني زيني" لدعم جهود الوساطة الكويتية، لكن الكويت فشلت في التوسط بين الطرفين، وكذلك فشل "زيني".

وتعلمت واشنطن وعواصم غربية أخرى التعايش مع الموقف. وتشجع الولايات المتحدة استمرار التعاون العسكري مع دول مجلس التعاون الخليجي، لكنها تعلمت التعامل بشكل منفصل مع كل من دول الحصار وقطر في معظم القضايا. وقد تكون الفجوة في الخليج عميقة، لكن كلا الجانبين يحتاجان إلى الغرب، ومستعدان لتعزيز علاقاتهما بشكل منفصل مع واشنطن، بما في ذلك إنفاق ثروات على جماعات الضغط هناك، والاستثمار بكثافة في الشركات الأمريكية كجزء من لعبة التأثير. وتعلم الأمريكيون التعايش مع الجمود السائد، لأنه يوفر لهم نفوذا على كل من الرياض وقطر، ولأن الأزمة لم تتداخل حتى الآن مع أولويات واشنطن، بما في ذلك الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية وحملة "أقصى ضغط" ضد إيران.

المصدر | دانييل سيرور - منتدى الخليج الدولي

  كلمات مفتاحية