الصراعات الصفرية في الشرق الأوسط تتحدى سياسة الحياد العمانية

الأحد 9 يونيو 2019 09:06 ص

في الوقت الذي تتصاعد فيه التوترات في الخليج بين الولايات المتحدة وإيران، تبقى عُمان في موقعها المألوف؛ حيث تستفيد من علاقاتها الجيدة مع الجميع في محاولة إيجاد حل للنزاع.

وفي 16 مايو/أيار، تحدث وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" عبر الهاتف مع سلطان عمان "قابوس بن سعيد"؛ للتأكيد على ضرورة التزام جميع الأطراف بالوساطة السياسية التي تقودها الأمم المتحدة في النزاع اليمني ومناقشة التهديدات الإيرانية للمنطقة.

وبعد 4 أيام، كان وزير الخارجية العماني "يوسف بن علوي" في طهران للقاء نظيره وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف".

وفي مقابلة لاحقة، أكد "بن علوي" أن عمان تسعى جاهدة لتخفيف الأعمال العدائية، وأن واشنطن وطهران تدركان "خطورة الانزلاق إلى الحرب".

وتبرز هذه اللحظة عزم عمان على استغلال روابطها مع جميع الأطراف كميزة استراتيجية. ومع ذلك، لا يمكن إنكار صعوبة الالتزام بالحياد في هذه اللحظة الحالية في الخليج، حيث يسبق الهدوء عاصفة محتملة، وحيث تستخدم واشنطن العقوبات الاقتصادية الشاملة لإجبار إيران على الخضوع، وتستمر مقاطعة السعودية والإمارات المدبرة لقطر لإرغامها على تغيير سياساتها.

وتقاوم هذه الحملات القوية لإعادة تشكيل النظام الإقليمي جهود الوساطة، وتستخدم تعطيل النشاط التجاري العادي كوسيلة ضغط. ويشكل كلاهما تهديدا لسلطنة عمان.

وتنبع استراتيجية الحياد العمانية من الضرورة الملحة، حيث تواجه مسقط تحديات لبقائها الاقتصادي وسيادتها. وحتى الآن، واجهت عمان هذه التحديات من خلال الالتزام بالحياد، والترحيب بمبادرات من جميع الأطراف الاقتصادية، والمرونة أمام الضغوط لاختيار طرف أو الانحياز لآخر، والمبادرة لاقتراح مبادرات دبلوماسية وفرص جديدة للتعاون الأمني.

 على خطى "الحياد السويسري"

في ظل إدارة الرئيس "باراك أوباما"، تمكنت سلطنة عمان من الاستفادة من علاقاتها التاريخية الجيدة مع إيران، مما سهل المحادثات السرية التي أدت إلى التوصل للاتفاق النووي. إلا أن هذا ترك العديد من دول الخليج العربية، بالإضافة إلى (إسرائيل)، غير راضين. وانسحبت إدارة الرئيس "دونالد ترامب" من الاتفاق النووي وفرضت عقوبات تأديبية لتجفيف منابع الأموال عن إيران وإجبارها على التراجع الاستراتيجي.

وتتوقع إدارة "ترامب" تصعيد الضغوط الاقتصادية لإجبار إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات بشروط أقل مواتاة للجمهورية الإسلامية. ومع ذلك، من غير المعروف ما إذا كان هذا سينجح أو أنه سيسفر عن طور جديد أكثر خطورة من التخريب الاستراتيجي الإيراني والإجراءات المضادة من جانب الولايات المتحدة.

ومن المؤكد أن إيران، التي يستند مذهبها الدفاعي إلى الردع كقاعدة أمنية، لديها الأصول اللازمة لشن حملة غير متكافئة باستخدام الطائرات بدون طيار والهجمات الإلكترونية والضربات التكتيكية، داخل العراق ودول الخليج. وهكذا، تجد الدول الأصغر على طول ساحل الخليج نفسها على الخطوط الأمامية لهذه المواجهة، حيث تحدد القوى الكبرى من حولها شروط اللعبة.

وهناك ديناميكية مماثلة تلعب دورها في "أزمة الخليج"، وهي المنافسة الصفرية بين الإمارات والسعودية وبين قطر. وتقع عُمان بشكل غير مريح في خضم هذه المنافسة.

وفي حين تشارك عُمان دول الحصار مخاوفها بشأن التشدد، إلا أنها تشعر بالقلق من صعود التحالف السعودي الإماراتي، والمنافسة المحتملة مع مصالحها الاستراتيجية الخاصة في الخليج وجنوب الجزيرة العربية.

وللتدخل الذي تقوده السعودية في اليمن المجاورة أهمية خاصة بالنسبة لعُمان، بسبب إسهامه في انهيار الدولة، الأمر الذي يفتح الباب أمام الأحزاب المتطرفة مثل "تنظيم الدولة" للتسلل إلى الأراضي العمانية. وتراقب عمان التطورات في محافظة المهرة المجاورة في اليمن، التي تعتبرها عمان ضمن مجال نفوذها.

ويتزايد الاهتمام العماني بالنشاط الإماراتي داخل السلطنة بشكل متزايد، كما يتضح من اتهامات التجسس الأخيرة، والمرسوم الجديد الذي يحظر ملكية غير العمانيين للأراضي والعقارات في المناطق الحدودية وكذلك بعض المناطق التي يمكن اعتبارها مواقع تراثية وزراعية. وورد أن هذا الإجراء كان مدفوعا جزئيا بالمخاوف بشأن عمليات الشراء الإماراتية للممتلكات في شبه جزيرة مسندم الاستراتيجية شمال عمان.

ويعزز ما يحدث مع قطر وإيران من مخاوف عمان، وترسخت تلك المخاوف في ظل إدارة "ترامب" في واشنطن، وانحيازها للمصالح الإماراتية والسعودية، في حين يتم النظر إلى عمان بريبة بسبب الدور الذي لعبته في تسهيل الاتفاق النووي بين إيران وإدارة "أوباما".

ومع ذلك، لا يعد التحدي الصريح خيارا بالنسبة لدولة صغيرة، وبدلا من ذلك، التزمت عمان باستراتيجية الانفتاح على الجميع. وفي الواقع، عندما تم الضغط عليها لإغلاق أبوابها، فتحت عُمان المزيد منها، لاسيما استضافتها رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" في أكتوبر/تشرين الأول 2018، وهي طريقة سياسية تستغل فيها عمان حيادها لإظهار فائدتها لإدارة "ترامب" على جبهات أخرى.

وتظهر مرونة استراتيجية مماثلة في الدور الذي تلعبه الملاحة العمانية في الأزمة الأمريكية الإيرانية. وفي مارس/آذار، تفاوضت عُمان على اتفاقية إطارية تفتح بموجبها منشآتها للسفن والطائرات العسكرية الأمريكية، ولاسيما ميناء الدقم الاستراتيجي.

لكن بعد أقل من شهر، أفادت مصادر إخبارية إيرانية بأن البلدين قدما في الاجتماع السنوي للجنة العسكرية الإيرانية العمانية المشتركة اتفاقات تشمل التدريبات العسكرية المشتركة، فضلا عن مذكرة تفاهم جديدة لتعزيز التعاون. وشاركت عُمان أيضا في مؤتمرات القمة العربية والإسلامية الثلاثة الطارئة التي عقدها العاهل السعودي "سلمان بن عبدالعزيز" في مكة، التي كان الهدف منها تقديم جبهة موحدة ضد أنشطة إيران في المنطقة.

ولا تعد موازنة التوترات السياسية في الخليج أمرا سهلا. وكذلك ليس من السهل الحفاظ على الاستقلال في ظل مواجهة التقشف الاقتصادي. ومثلما تسعى عُمان إلى تجنب "الخضوع" الاستراتيجي، فإنها تعمل أيضا على تجنب الوقوع في الاعتماد على دولة واحدة أيا كانت.

الحفاظ على الاستقلال

وفي حين يتم النظر إلى "الحياد العماني" على أن الغرض منه هو عزل البلاد عن الصراعات العسكرية، إلا أنه مدفوع بضرورات اقتصادية، مثل الحاجة إلى الاعتماد على مصادر متنوعة للاستثمار لتطوير موانئها وبنيتها التحتية.

وعانت عُمان، مثل البحرين، من الاضطرابات المحلية عام 2011، وتعتمد على عائدات النفط التي لا تكفي لتلبية المطالب العامة طويلة الأجل. وفي الأعوام الأربعة الماضية، ارتفع الدين الحكومي في سلطنة عمان إلى ما يقرب من 50% من الناتج المحلي الإجمالي، وفي المقابل، انخفضت الجدارة الائتمانية للبلاد لجذب الاستثمار. ومع ذلك، على عكس البحرين، التي تحولت إلى شركائها الخليجيين لتخفيف عبء الديون مقابل التخلي عن بعض الاستقلالية، اختارت عُمان أن تتخذ طريقها الخاص.

وفي الواقع، حتى قبل نزاع قطر، كانت عُمان تحدد مصالحها ضمن إطار مختلف عن مجلس التعاون الخليجي، حيث رفضت علانية المزيد من الوحدة بين دول مجلس التعاون الخليجي، وتخلت عن المساعدات الحكومية الخليجية.. وسوف تواجه السلطنة اختبارا محوريا حول ما إذا كان يمكنها الاستمرار في اجتذاب مستثمري الديون بسبب ديونها المتزايدة عندما تصدر سندات بقيمة 2 مليار دولار في وقت لاحق من هذا العام.

وكانت سلطنة عمان أكثر تقبلا لجلب الاستثمار من القطاع الخاص الخليجي، بالإضافة إلى الاستثمارات الكبيرة التي قامت بها الصين لبناء ميناء الدقم. وشمل ذلك الاستثمارات في مشاريع البنية التحتية والصناعية والإسكان الرئيسية في سلطنة عمان، وكذا استثمار شركة البترول الكويتية في مصفاة ميناء الدقم.

واستثمر مستثمرون سعوديون من القطاع الخاص في الاستثمار في موانيء سلطنة عمان، بالإضافة إلى استثمار مجموعة "ماجد الفطيم" الإماراتية في مشاريع جديدة متعددة الاستخدامات في مدينة العرفان. وواجه مشروع خط الغاز العماني مع إيران، والذي تم توقيع مذكرة تفاهم بشأنه عام 2013، الكثير من العقبات بسبب العقوبات الأمريكية. ومع ذلك، كانت عمان قادرة على الاستفادة من الفرص الاقتصادية الجديدة في خضم الصراع الإقليمي.

ومنذ بدء مقاطعة قطر، تضاعفت التجارة مع الدوحة بأكثر من الضعف، حيث أصبحت سلطنة عمان مركزا رئيسيا للرحلات القطرية. ومع استمرار الصراع في اليمن، كانت الشركات اليمنية النازحة تعمل في مدن وموانئ عمان الجنوبية.

لقد أدت المنافسة على المستقبل السياسي للشرق الأوسط في أعقاب الاضطرابات السياسية التي اندلعت عام 2011 إلى ظهور العديد من خطوط الصدع بين المنافسين الإقليميين والدوليين. ولا تزال عُمان تفتح أبوابها للجميع، وتتجنب استفزاز القوى الدولية والجيران الإقليميين على حد سواء؛ حيث ترحب عُمان بالعمل مع الجميع، مهما بدت تلك السياسة صعبة ومكلفة.

المصدر | كريستين ديوان - معهد دول الخليج العربي في واشنطن

  كلمات مفتاحية