هل فقد النفط قوته كسلاح سياسي؟

الأربعاء 12 يونيو 2019 07:06 ص

في التاريخ الحديث، كلما نشأت مشاكل سياسية بين المصدرين والمستوردين الرئيسيين للنفط في الغرب، يتم استخدام النفط كسلاح لتحقيق الأهداف السياسية. وخلال الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة عام 1973، اكتشف السعوديون الدور الهام الذي يمكنهم لعبه في السياسة الإقليمية والدولية بمجرد فتح أو إغلاق صنابير النفط.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وللمرة الأولى منذ أكثر من 4 عقود، وجهت السعودية تهديدات مبطنة باستخدام سلاح النفط مرة أخرى إذا واجهت أية إجراءات عقابية نتيجة لاغتيال الصحفي "جمال خاشقجي".

وبعد عدة أيام، غيرت المملكة فجأة موقفها. وفي بيان لوكالة "تاس" الروسية للأنباء، استبعد وزير النفط السعودي "خالد الفالح" إمكانية تكرار أحداث أزمة النفط عام 1973. وقال "الفالح": "المملكة دولة مسؤولة تماما. وعلى مدى عقود، استخدمنا سياستنا في إنتاج النفط كأداة اقتصادية مسؤولة، وأبقيناها بعيدة عن السياسة".

وربما يشير التغيير الأخير في موقف الرياض من هذا "السلاح" إلى أنه لم يعد الأداة الفعالة "لإدارة" العلاقات مثلما كان في السابق.

سكب الزيت على النار

وفي عام 1960، أنشأت 5 دول هي العراق وإيران والكويت والسعودية وفنزويلا، "منظمة الدول المصدرة للبترول" (أوبك) في بغداد.

وكان الهدف من الكتلة، التي أطلق عليها البعض اسم "الكارتل"، هو "تنسيق وتوحيد" السياسات النفطية بين الدول الأعضاء.

وانضم منتجو نفط آخرون من العالمين العربي والنامي إلى "أوبك" في الستينيات وأوائل السبعينيات. ورغم أن "أوبك" كان لها تأثير ضئيل على أسعار النفط العالمية عندما تم تأسيسها لأول مرة، أصبحت المنظمة لاحقا قوة لا يستهان بها.

وفي 17 أكتوبر/تشرين الأول 1973، التقى وزراء من الدول العربية الأعضاء في "أوبك" بوزراء من دول خارج "أوبك" وهي مصر وسوريا، في الكويت؛ حيث اتخذوا قرارا تاريخيا. إذ قررت الدول العربية في "أوبك" دعم الهجوم العسكري لدمشق والقاهرة خلال الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة بفرض حظر على النفط.

في البداية، تم رفع سعر صادرات النفط بنسبة 70%. وبعد ذلك، هددت الدول العربية في منظمة "أوبك" بتخفيض إنتاجها من النفط بنسبة 5% كل شهر حتى تنسحب (إسرائيل) من الأراضي التي استولت عليها في حرب 1967، بما في ذلك سيناء المصرية ومرتفعات الجولان السورية وقطاع غزة والضفة الغربية.

وفيما يتعلق بتنفيذ الحظر، قام الفرع العربي من "أوبك" بتقسيم دول العالم إلى 3 فئات، بناءً على مواقفها السياسية العامة تجاه (إسرائيل)، خاصة فيما يتعلق بحرب 1973.

وتم تصنيف الدول التي كانت تدعم القضية العربية على أنها "صديقة"، ولن تواجه أي انخفاض في واردات النفط العربية.

وتخضع الدول التي تم تصنيفها على أنها "محايدة" لخفض واردات النفط بنسبة 5%.

أما الدول "المعادية"، أو تلك التي كانت موالية لـ(إسرائيل)؛ "فتتحمل العبء الأكبر للحظر".

وتم تصنيف الولايات المتحدة وهولندا والبرتغال وجنوب أفريقيا على أنها "معادية"، وتم حظر تصدير النفط إليها لدعمها الواضح لـ(إسرائيل) في حرب 1973. ورغم أن الحظر العربي على النفط استمر بضعة أشهر فقط، إلا أنه أدى إلى أزمات خطيرة في الطاقة في الولايات المتحدة وفي بلدان أخرى تعتمد على النفط من الشرق الأوسط.

تداعيات الحظر النفطي

وفي حين لم تكن أزمة عام 1973 هي المرة الأولى التي يتم استخدام النفط فيها كسلاح، ومن غير المرجح أن تكون الأخيرة، فقد كان لها بالتأكيد التأثير الأكبر على الدول المستهلكة للنفط. وتسبب انخفاض إنتاج النفط في الدول العربية في ارتفاع أسعار النفط الخام إلى 4 أضعاف، وتراجع إجمالي المعروض من النفط في غضون بضعة أشهر. وبلغت الخسارة الصافية للعرض 4.4 ملايين برميل يوميا بحلول ديسمبر/كانون الأول 1973، أي نحو 14% من النفط المتداول دوليا.

ولم تكن الدول المعرضة للحظر ببساطة تمتلك ما يكفي من النفط في متناول اليد لمواجهة النقص غير المتوقع الناجم عن تخفيضات مصدري النفط العرب. وتسبب هذا في ارتفاع أسعار البنزين في المحطات في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية. وأصبحت صور الطوابير الطويلة في محطات الوقود رمزا لتلك الحقبة.

ومع ذلك، في مارس/آذار 1974، رفع وزراء النفط العرب، باستثناء ليبيا، الحظر المفروض على الولايات المتحدة، بعد أن نجح وزير الخارجية "هنري كيسنجر" في التفاوض على اتفاق فك الارتباط العسكري بين سوريا و(إسرائيل). ومع ذلك، ظلت أسعار النفط أعلى بكثير من مستويات ما قبل الأزمة.

ورغم أن الدول العربية نجحت في "تسليح" النفط عام 1973، إلا أنها لم تنجح في تسخيره لتحقيق هدفها النهائي، وهو الانسحاب الكامل لـ(إسرائيل) من جميع الأراضي التي استولت عليها في الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967، بما في ذلك قطاع غزة و الضفة الغربية.

البحث عن بدائل موثوقة

كانت أزمة النفط عام 1973 بمثابة دعوة للاستيقاظ للدول الغربية. وفي الأعوام التي تلت ذلك، بدأت الدول الغربية في تنفيذ سياسات جديدة للطاقة للحد من التهديدات المحتملة لحظر النفط في المستقبل، وركزت على أهداف استقلال الطاقة.

في الواقع، كانت الولايات المتحدة حريصة جدا على أن تصبح مستقلة في مجال الطاقة، حتى أن الرئيس "ريتشارد نيكسون" أعلن عن إطلاق "مشروع الاستقلال" في خضم الحظر النفطي في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1973. ومهدت هذه المبادرة الطريق لأول سياسة وطنية للطاقة في البلاد، من خلال تحديد 4 متطلبات أساسية، وهي الحاجة إلى وضع إجراءات للطوارئ، والحاجة إلى الاستغلال الكامل لجميع موارد الطاقة، والحاجة إلى إيجاد مصادر جديدة للطاقة، وأخيرا الحاجة إلى الحفاظ على مصادر الطاقة الحالية.

وخلال الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، أسفرت الهجمات على منشآت النفط العراقية والإيرانية عن خسارة 4 ملايين برميل يوميا من إنتاج النفط من السوق العالمية. وردا على ذلك، أصدرت إدارة الرئيس الأمريكي آنذاك "رونالد ريغان" توجيها بزيادة وجود الجيش الأمريكي في الخليج العربي؛ "للمساعدة في حماية المنشآت والشحنات النفطية".

وواصلت واشنطن تعزيز وجودها العسكري في الدول الرئيسية المنتجة للنفط، خاصة في الخليج العربي.

وفي خطاب ألقاه يوم 8 أغسطس/آب 1990، ادعى الرئيس "جورج بوش" الأب أن عدوان العراق على الكويت يشكل تهديدا للولايات المتحدة، التي كانت تستورد نصف نفطها في ذلك الوقت. وأعلن أيضا أن "الاستقلال السيادي للسعودية يعد مصلحة حيوية"؛ بالنظر إلى موقعها كمورد رئيسي للنفط للولايات المتحدة، وتم نشر القوات الأمريكية في السعودية بعد ذلك بوقت قصير.

وخشية حدوث أزمة نفطية أخرى بعد الغزو العراقي للكويت، طلبت إدارة "بوش" الإفراج عن 34 مليون برميل من الاحتياطي الاستراتيجي للنفط الأمريكي. ونتيجة لذلك، وعلى عكس التوقعات السابقة، انخفضت أسعار النفط من حوالي 30 دولارا للبرميل في سبتمبر/أيلول 1990 إلى أقل من 20 دولارا للبرميل في يناير/كانون الثاني 1991. وفي أواخر فبراير/شباط، استسلم العراق، وبذلك انتهت حرب الخليج الأولى.

ومع وضع سياسات جديدة للطاقة، وزيادة الإنتاج المحلي من النفط، وكذلك نمو الطاقات المتجددة، أصبح أقوى سلاح سياسي في ترسانة الدول العربية المنتجة للنفط عديم الفائدة إلى حد كبير.

وفي الواقع، يبدو أن هذا السلاح أصبح سيفا ذا حدين؛ حيث تسعى الآن الدول الرئيسية المستوردة للنفط في العالم إلى تسخير سياسات الطاقة لمعاقبة مصدري النفط عندما يتعدون حدودا معينة. وبالتالي، إذا تقدمت الرياض خطوة، لا تتماشى فيها مع رغبة واشنطن، فقد تجد نفسها ضحية لسلاحها المفضل، وهو الطاقة.

المصدر | إنسايد أرابيا

  كلمات مفتاحية