عامان على الأزمة الخليجية.. كيف أدارت قطر معركة الحصار؟

الخميس 13 يونيو 2019 05:06 ص

في يونيو/ حزيران 2017، شنت مجموعة من الدول التي تقودها السعودية والإمارات حصارا دبلوماسيًا واقتصاديًا ضد دولة قطر. ومع ذلك، فبدلاً من إخضاع قطر، استفادت هذه الدولة الخليجية الصغيرة من الأزمة بطرق عديدة. وأجبر الحصار الدوحة على تنويع علاقاتها إقليمياً وعالمياً للحصول على الاستقلال عن مناطق نفوذ الرياض وأبوظبي.

وطمأنت قطر، وهي إمارة عربية غنية بالغاز، العالم بأنه بصرف النظر عن الحصار، فإن اقتصادها لم يتأثر وأنه قد حان الوقت للاستثمار.

في الواقع، لم يشعر المواطنون القطريون بشكل خاص بتأثير الحصار. وبدلاً من ذلك، فإن العمال الأجانب - الذين يشكلون 88% من سكان البلاد - هم الأكثر تضرراً لعدد من الأسباب.

أولاً، في بداية الأزمة في عام 2017، تم ترحيل أرباب العمل القطريين الذين يعيشون في دول الحصار وأجبروا على تعليق عملياتهم التجارية. وهذا يعني أن عمال البناء في جنوب آسيا تقطعت بهم السبل في الخليج.

ثانياً، تعرض العمال الأجانب للضرر بشكل غير متناسب عندما تسبب الحصار في نقص المواد الخام ومواقع البناء بعد الحصار.

ثالثًا، نظرًا لأن العمال المهاجرين يتقاضون أجوراً منخفضة في كثير من الأحيان، فإن الزيادة المحدودة في أسعار المواد الغذائية أضعفت بشكل كبير مستوى معيشتهم.

لكن الدولة القطرية نجحت في تحجيم التأثير الاقتصادي للحصار. وبحلول نوفمبر/تشرين الثاني 2018، لم تعد قطر تنفق أيًا من احتياطياتها المالية لموازنة الآثار الضارة للحصار وبدت آفاقها الاقتصادية واعدة.

ومن المفارقات أن قطر تدين بنجاحها الحالي في الاستقلال الاقتصادي والدبلوماسي للتحالف الذي تقوده السعودية. ولولا الحصار، لما كانت قطر قد حُفِّزت على تعزيز سمعتها العالمية. وعززت قطر بفعالية العلاقة الإيجابية مع الولايات المتحدة من خلال توظيف جماعات الضغط والمسؤولين السابقين، وتعزيز علاقاتها العسكرية مع واشنطن.

وتستضيف قاعدة العديد الجوية في قطر مقر القيادة المركزية الأمريكية ومنها تطلق الولايات المتحدة حملاتها العسكرية في أفغانستان والعراق وسوريا. وقد استخدم القطريون القاعدة الجوية لمواجهة سياسة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" المؤيدة للسعودية. وعرضت الدوحة توسيع موارد العديد وترقية ميناء حمد لاستخدامه من قبل البحرية الأمريكية، وكل ذلك في مقابل إقامة علاقة أوثق مع واشنطن.

تجاوز الحصار

بالإضافة إلى ذلك، كان الحظر المفروض على الاقتصاد القطري هو الذي أدى إلى ازدهاره وتنوعه. وللتعويض عن قطع العلاقات الاقتصادية مع دول الخليج الأخرى - بما في ذلك السعودية والإمارات والبحرين - سعت الدوحة إلى إيجاد طرق مبتكرة لجذب الأعمال الدولية والاستثمار الأجنبي المباشر.

والآن، تُغري الشركات بالعمل في قطر لأن لديها "بيئة قانونية قوية مع الحق في التجارة بأي عملة، وحق تملك الأجانب للشركات، وسهولة إعادة الأرباح مع ضرائب منخفضة على أنشطة الشركات".

في المقابل، ساهمت الشركات التي أرادت الحفاظ على عملائها القطريين في نجاح الدوحة المالي.

وكان على هذه الشركات أن تنقل أعمالها التجارية إلى قطر، وبالتالي أسهمت في زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر والوظائف المحلية.

وعلى الرغم من الحظر، ارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر إلى قطر بنسبة 4% في عام 2017، وارتفع عدد الشركات الجديدة المرخص لها بالعمل في البلاد بنسبة 66% في نفس العام.

كما ساهم الحصار الذي تقوده السعودية في تحقيق الاكتفاء الذاتي لدى قطر. وجنبا إلى جنب مع الاستثمار الأجنبي المباشر، نما الإنتاج المحلي من الأدوية والمنتجات الزراعية بشكل ملحوظ.

على سبيل المثال، قررت قطر تعزيز الأمن الغذائي الوطني من خلال شركة "بلدنا"، وهي شركة زراعية تقوم بتربية الماشية وتنتج كميات وفيرة من منتجات الألبان.

ومع يقينها باستحالة استيراد الأطعمة من البلدان المجاورة، نفذت الحكومة القطرية مشاريع "بلدنا" ومشاريع البنية التحتية الأخرى لتلبية احتياجات البلاد. وتستخدم هذه المبادرات حلولاً مبتكرة لتحويل المناظر الطبيعية القاحلة إلى أراض زراعية مثمرة، وهو أكثر  مما أنجزته دول الخليج الأخرى.

ونظرًا لحيويتها الاقتصادية الجديدة وعلاقاتها الجيدة مع المجتمع العالمي، تتقدم الدوحة إلى الصدارة الإقليمية، حتى أنها تهدد الهيمنة السعودية والإماراتية في الخليج.

وتستخدم الدوحة أموالها لإبراز استقلالها عن أجندات جيرانها حيث منحت 500 مليون دولار للبنان، و 150 مليون دولار لموظفي الخدمة المدنية في غزة، ومعونات إضافية لباكستان في بداية عام 2019.

وخلافاً لدول الخليج الأخرى، ليس على قطر الالتزام بالقواعد الاقتصادية لمجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية والإمارات.

بدلاً من ذلك، يمكنها تقويض هذا التسلسل الهرمي من خلال توزيع المساعدات الإقليمية على أماكن مثل لبنان، حيث تعمل المملكة العربية السعودية على مواجهة حزب الله، وهي منظمة سياسية وعسكرية واجتماعية تدعمها إيران.

الاستفادة من أخطاء الخصوم

بالإضافة إلى جهودها لتعزيز نفسها، استفادت قطر من تردي سمعة خصومها خاصة ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان"، الذي تعرض لانتقادات بسبب الحرب في اليمن، وسجن الناشطين في مجال حقوق المرأة ومقتل الصحفي "جمال خاشقجي".

وبالمثل، اهتزت مصداقية الإمارات بعد إدانة طالب الدراسات العليا البريطاني، "ماثيو هيدجز"، بتهمة التجسس على الرغم من عدم وجود أدلة واضحة. وطالما استمرت هذه السمعة السعودية والإماراتية المتردية، ستتاح لقطر الفرصة - وليس فقط الوسائل المالية - لتأمين مكانتها كلاعب إقليمي رئيسي.

ولعل الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن الحصار قرّب عن غير قصد بين قطر وإيران. وخوفًا من انفتاح الدوحة على إيران، فرض التحالف الذي تقوده السعودية حظراً على التجارة والسفر على القطريين في عام 2017. لكن الحصار جاء بنتائج عكسية وعزز العلاقات بين إيران وقطر حيث قام الإيرانيون بالتعويض عن التجارة المفقودة لقطر، وساعدوا الدوحة على ابتكار طرق طيران جديدة.

وعلى الرغم من التوترات الحالية بين الولايات المتحدة وإيران حول فشل الصفقة النووية التي تم الاتفاق عليها في عام 2015، إلا أن الحصار جعل قطر أقرب إلى واشنطن. بسبب جهود الضغط، والمنح المالية وتطوير قاعدة العريض الجوية، لم تكن العلاقة بين قطر والولايات المتحدة أفضل من أي وقت مضى. ومع تمتعها بعلاقات جيدة مع كل من إيران والولايات المتحدة، يمكن لقطر أن تكون بمثابة وسيط لا غنى عنه بين البلدين.

وفي نهاية شهر مايو/ أيار، استضاف الملك السعودي "سلمان بن عبدالعزيز" ثلاث قمم في مكة المكرمة للقادة العرب والمسلمين. وعلى الرغم من استمرار الخصار، تمت دعوة أمير قطر "تميم بن حمد آل ثاني" للقمم التي كانت تهدف إلى تحقيق إجماع دبلوماسي على القضايا الإقليمية، بما في ذلك إيران.

وعلى الرغم من أن الأمير لم يسافر إلى مكة، واختار إرسال رئيس الوزراء القطري بدلاً من ذلك، إلا أن دعوته غير المتوقعة تضفي مصداقية على فكرة أن قطر تمتلك قدرة لا يتمتع بها خضومها على نزع فتيل التوترات بين إيران.

على الرغم من افتقار قطر إلى قوة عسكرية كبيرة، إلا أن الدوحة تفتخر بعلاقات وثيقة مع واشنطن وطهران، ويتزايد تأثيرها في الأوساط الأمريكية.

وفي فبراير/شباط ومارس/آذار، استضافت الدوحة أطول جولة من محادثات السلام بين الولايات المتحدة وطالبان حتى الآن.

ورغم أنه لم يتم الانتهاء من أي اتفاقيات، فقد مهدت محادثات قطر خطوات نحو السلام في أفغانستان، مما أعطى الدوحة فرصة للعب دور صانع السلام المحتمل بين الولايات المتحدة وإيران.

وبعد عامين من بدء الأزمة الخليجية، ليس لدى أبوظبي والرياض أي بوادر لنجاح خطتها في دفع الدوحة إلى الاستسلام. وتوفر النجاحات الاقتصادية القطرية، إلى جانب أوجه القصور في السمعة السعودية والإماراتية، فرصة أخرى قطر لمواصلة الارتقاء إلى الصدارة الإقليمية.

المصدر | كريوس ديسك - فير أوبزرفر

  كلمات مفتاحية

مصادر: إشارات سعودية وصلت الكويت عن رغبة بحلحلة الأزمة الخليجية