ستراتفور: تمسك الجيش بالسلطة يخرب الانتقال السياسي في السودان

السبت 15 يونيو 2019 04:06 ص

منذ وقت ليس ببعيد، بدا أصحاب المصلحة في السودان على استعداد للاتفاق على طريق مشترك نحو المستقبل.

ففي أعقاب الإطاحة بالرئيس "عمر البشير" في بداية شهر أبريل/نيسان، وافق المجلس العسكري الانتقالي وإعلان الحرية والتغيير، وهو تحالف لأحزاب المعارضة المدنية، على تشكيل هيئة تشريعية وحكومة لممارسة السلطة التنفيذية حتى الانتخابات.

ولكن بعد الخلافات الأخيرة، شنت قوات الأمن غارة دموية على موقع الاحتجاج الرئيسي في الخرطوم في 3 يونيو/حزيران، مما أدى إلى مقتل أكثر من 100 متظاهر.

وبعد أن أطاحت القوات المسلحة السودانية بالرئيس "عمر البشير" من السلطة بعد أشهر من الاحتجاجات في الخرطوم، وفي أماكن أخرى، جلس مختلف أصحاب المصلحة في البلاد لمحاولة رسم طريق للانتقال. ولكن بعد الحملة العسكرية ضد المدنيين، انخفضت احتمالات حدوث انفراجة بشكل كبير.

رداً على الحملة الدموية، بدأ المتظاهرون حملة عصيان مدني لم تدم طويلاً، في حين حثت الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية الجيش على التسوية.

ولكن من غير المرجح أن تسد هذه الجهود الفجوة الكبيرة بين مطالب المجلس العسكري والمعارضة المدنية، على الرغم من أن المفاوضات قد تستمر. 

وفي نهاية المطاف، بالنظر إلى أن قوات الأمن قد ضحت إلى حد كبير بالتقدم السابق، عائدة إلى استراتيجية القمع التي كانت قائمة قبل الانقلاب، فإن آفاق الانتقال الديمقراطي المستقر في السودان تتراجع يوما بعد يوم.

أصحاب المصلحة في السودان

يوجد لدى قوات الأمن، التي تحتفظ بالسيطرة على المؤسسات السودانية، وبطبيعة الحال أجهزتها الأمنية وجهات نظر خاصة حول مستقبل البلاد تتعارض إلى حد كبير مع آراء المتظاهرين المدنيين الإصلاحيين.

وبينما نجحت الاحتجاجات في إزاحة "البشير" عن السلطة، إلا أنها لم تفعل ذلك من تلقاء نفسها.

وبدلاً من ذلك، جاء الإزاحة عبر انقلاب عسكري من الجيش، الذي استفاد من الزخم الذي ولّدته حركة الاحتجاج لإسقاط "البشير".

ومع ذلك، لا يعني انحياز الأجهزة العسكرية لمطالب المتظاهرين المدنيين أنها تتشارك معهم المصالح الرئيسية.

وفي حين أن قوات الأمن ليست كيانًا موحدًا، فهي تشمل الجيش النظامي وقوات الدعم السريع ودائرة المخابرات والأمن، جنبًا إلى جنب مع العديد من الفصائل التابعة، فإنها تشترك في مصلحة مشتركة في حماية النظام القائم.

ونظراً لذلك، من غير المرجح أن تقبل هذه القوات بالإصلاح الديمقراطي الراديكالي، حتى لو جاء مع التحرير الاقتصادي.

وتزيد المنافسة بين الفصائل الأمنية من احتمال حدوث خلافات أخرى أثناء المفاوضات، كما يتضح من اعتقال 68 ضابطًا متهمين بالتخطيط لانقلاب مضاد في 12 يونيو/حزيران.

أيضا يغيب التجانس عن الحركة المدنية السودانية؛ ولا يتبنى جميع أعضاء المعارضة نفس الآراء الديمقراطية التقدمية، رغم أن هذا هو الموقف السائد بين المشاركين في الحركة الاحتجاجية وقوى الحرية والتغيير.

وهناك الإسلاميون الذين يمثلهم حزب "المؤتمر الوطني"، لكنهم استُبعدوا إلى حد كبير من الجهود الانتقالية بسبب تعاطفهم السابق مع حكومة "البشير".

وفقًا لذلك سيكون حزب "المؤتمر الوطني" شريكا أكثر براغماتية ومرونة للجيش، ولكن تأثيرهم يبقى ضعيفا في حركة الاحتجاج الثورية، بالنظر إلى علاقاتهم السابقة بنظام "البشير".

أصدقاء العسكريين الأجانب

وتلجأ قوات الأمن لتعويض فقدان الدعم المحلي عبر زيادة الدعم الأجنبي.

وقام العسكريون السودانيون بجولات في الرياض وأبو ظبي والقاهرة، في محاولة لكسب المزيد من الدعم.

ولدى كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر مصلحة في إبقاء السودان إلى جانبهم لخدمة المجهود الحربي في اليمن، والتوازن ضد إيران، والمساعدة في المنافسة الإقليمية ضد تركيا وقطر.

والأكثر من ذلك، فإن الحفاظ على العلاقات مع الرياض وأبو ظبي والقاهرة تكسب الجيش نفوذا ضد حزب "المؤتمر الوطني" وهو حركة متحالفة مع جماعة الإخوان المسلمين ويعد أقرب إلى أنقرة والدوحة.

وبالنظر إلى أن المجلس العسكري الانتقالي لم يبد أي نية لتغيير اتجاه السودان، فإن هذه القوى العربية الإقليمية تفضل أن تظل هذه النخبة في السلطة، بدلاً من أن تشهد حكومة مدنية ديمقراطية تغير مسار البلاد بشكل عميق.

وخارج المنطقة، تمكن العسكريون السودانيون من حشد الدعم من كل من روسيا والصين، على الأقل في مجلس الأمن الدولي.

وقرب نهاية حكم "البشير"، طورت روسيا علاقة أوثق مع السودان، وأوضحت موسكو رغبتها في الاستمرار على نفس المسار مع المجلس العسكري.

ومثل الداعمين العرب للسودان، قد تخشى روسيا من أن يؤدي الإصلاح الديمقراطي إلى حكومة أكثر ميلاً إلى الغرب في الخرطوم، مما يعني أن موسكو توافق على الإجراءات القمعية لحماية الوضع الراهن.

وبالنسبة لأجهزة الأمن السودانية، فإن هذا الدعم يقلل من احتمال فرض أي عقوبات من مجلس الأمن الدولي على المجلس العسكري الانتقالي.

حدود الضغط الخارجي

ولكن بسبب الطبيعة القاسية لحملة الجيش، فقد واجه السودان ردة فعل دبلوماسية.

ودعت الولايات المتحدة وعدة دول أوروبية والاتحاد الإفريقي إلى الانتقال إلى القيادة المدنية، لكن لديها وسائل دبلوماسية قليلة لفرض ضغوط على المجلس العسكري الانتقالي.

ويمكن أن تساعد جهود الوساطة التي يبذلها لاعبون إقليميون ودوليون، مثل رئيس الوزراء الإثيوبي "أبي أحمد" ومبعوثي الولايات المتحدة، في تهدئة الموقف، لكن من غير المحتمل أن تؤدي في النهاية إلى حل وسط ذي معنى.

وقد شددت شدة القمع الأخير لقوات الأمن من موقف الجانبين، مما يعقد احتمالات أي وساطة.

في هذه المرحلة، من الصعب تخيل وجود حكومة مستقرة ومقبولة في السودان في المستقبل القريب، لأن أي صفقة يجب أن تتخطى نقاط الخلاف الحرجة، مثل تشكيل مجلس السيادة.

وفي مثل هذه البيئة، من غير المرجح أن تؤدي الانتخابات التي يخطط لها الجيش في مارس/آذار عام 2020 إلى التئام الجروح، ما لم يقدم للحركة المدنية شيئًا أكثر من منصب رمزي في الحكومة.

وبدون استقرار، ليس للسودان سوى احتمال ضئيل لإيجاد علاج لمشكلاته الاقتصادية، مهما جمع من الأموال الخليجية.

وبالنسبة للسودان ككل، فإن عدم الاستقرار والقمع يتصاعدان بينما يواصل الجيش عملية الانتقال بشروطه الخاصة.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

تغييرات واسعة في قيادة الجيش السوداني‎