لماذا اختارت إيران التصعيد في مواجهة الضغوط الأمريكية؟

السبت 15 يونيو 2019 07:06 ص

شهد الخليج العربي هجومان في شهر واحد على ناقلات النفط التجارية العابرة للخليج. وأشار الهجوم الأول إلى أن إيران يمكنها تعطيل الشحن في واحد من أكثر الممرات المائية أهمية في العالم، وهو "مضيق هرمز". ومع ذلك، يظهر الثاني أن التهديد يتحول بالفعل إلى دعوة علنية لحرب يمكن تجنبها.

وحان الوقت لإعادة النظر في بعض الافتراضات.

وعلى حسب وجهة نظر البيت الأبيض، فإن اتباع نهج سريع وغاضب في فرض العقوبات على إيران من المرجح أن يضعف طهران ويجبرها على العودة إلى طاولة المفاوضات. لكن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" أخطأ هنا في فهم القيادة في طهران.

وعلى الرغم من أن إيران لم تصل بعد إلى مرحلة المعاناة من تضخم من ثلاثة أرقام، أو اضطرابات واسعة النطاق بسبب العقوبات، فقد قررت على ما يبدو أن تقاوم البيت الأبيض بشكل استباقي، مع العلم أن تحركاتها الانتقامية قد تعرضها لمخاطر حقيقية للغاية، تتمثل في دعوة لضربة عسكرية محدودة من قبل الولايات المتحدة. لكن إذا كانت مثل هذه الضربة ستحدث على أي حال، فقد تفكر طهران في أنه من الأفضل لها الرد على السياسات الأمريكية الآن، وحشد الدعم القومي حول النظام، بينما لا يزال بإمكانها التمتع بمركز قوة نسبي. علاوة على ذلك، بالنظر إلى أن إيران تقوم بتصدير النفط بكميات منخفضة، وبخصومات شديدة، فقد يساعد شبح حرب أخرى تضر بالناقلات في دعم أسعار النفط في تباطؤ الطلب العالمي من المستهلكين.

المنطق الفارسي

وقد يكون هذا هو المنطق الذي يقوم عليه الهجومان الجريئان الأخيران، اللذان يفصل بينهما شهر واحد تقريبا، واستهدفا ناقلات النفط بالقرب من نقطة اختناق نفطية هي الأكثر أهمية في العالم. ويشير كلا الهجومين إلى القدرات العسكرية لإيران ووكلائها، وصاحب ذلك قدرا معقولا من المراوغة والإنكار. على سبيل المثال، حرصت إيران على إدانة كلا الهجومين. وفي حالة حادثة 13 يونيو/حزيران، أرسلت طاقم إنقاذ لمساعدة البحارة على إحدى السفن المنكوبة. ولكن هناك دليل يدين إيران ويدعم مزاعم واشنطن بأن الهجوم كان من فعل طهران، حيث أفرج الجيش الأمريكي أيضا مقطع فيديو يعرض فيه قارب دورية تابعا للحرس الثوري الإسلامي يزيل لغما غير منفجر من إحدى الناقلات.

ويتطابق رد إيران السياسي مع التحدي الذي تبرزه أفعالها. ورغم أن رئيس الوزراء الياباني "شينزو آبي" كان قد اتخذ خطوة غير عادية هذا الأسبوع بمحاولة لعب دور الوسيط بين إيران والبيت الأبيض أثناء زيارة لطهران، فقد تبين أن إحدى السفن المستهدفة كانت ناقلة مملوكة لليابانيين. وإضافة إلى إحراج "آبي"، رفض المرشد الأعلى الإيراني "علي خامنئي" رفضا قاطعا عرض "آبي" للحوار مع الولايات المتحدة، ثم زاد وزير الخارجية الإيراني "جواد ظريف" مستوى الحدة حين وصف رحلة "آبي" بأنها "تخريب للدبلوماسية". وبدلا من إبقاء القنوات السياسية القوية مفتوحة للحوار، تعمل إيران على إحراق كل الجسور مع شركائها الاقتصاديين والدبلوماسيين الأكثر براغماتية.

وعند التفكير في طريقة حاسمة تجنب التصعيد العسكري الفوري، من المحتمل أن يبحث البيت الأبيض خيارا يسير فيه أسطولا من سفن الحماية لمرافقة الناقلات التجارية في المنطقة. وإذا كان هذا هو المسار الذي يختاره البيت الأبيض هذه المرة، فمن المحتمل أن نرى نشاطا دبلوماسيا مكثفا لجمع تحالف من السفن الحربية من الدول المختلفة باسم الدفاع عن حرية الملاحة.

ولا يزال هناك مجال واسع لمزيد من التصعيد. وخلال الشهر المقبل، من المرجح أن تتخذ إيران بعض الخطوات الجادة على الجبهة النووية، مما يجعل من الصعب على الاتحاد الأوروبي وحلفاء الجمهورية الإسلامية في آسيا الدفاع عن طهران. وإذا فشل الاتحاد الأوروبي، بحلول 7 يوليو/تموز، في تنفيذ خطة للالتفاف على العقوبات الأمريكية فسوف تعيد طهران تشغيل أجزاء من برنامجها النووي كما هددت. وسوف يؤدي ذلك إلى توفير محفزات إضافية للتصعيج، أو ربما العمل العسكري العلني.

ثقة في غير محلها

وبكل المقاييس، تعد هذه السياسة جريئة للغاية. وقد تكون طهران على حق في افتراض أن البيت الأبيض تحت حكم "ترامب" لا يرغب بالتورط في حرب أخرى غير شعبية سياسيا في الشرق الأوسط، خاصة مع زيادة التنافس مع الصين وروسيا. ولكن إيران لا تضمن أن الضربات الأمريكية العقابية ستظل محصورة في تدخل عسكري محدود، وأنها لن تتحول إلى حرب كاملة.

وقد تستهدف الضربات الأمريكية "المحدودة" ترسانة إيران من الصواريخ الباليستية، والأصول البحرية، بهدف إعاقة قدرة إيران على تعطيل حركة المرور عبر مضيق هرمز. لكن هذا يعني أيضا أن وحدات الحرس الثوري الإيراني، التي تدير هذه الأصول، قد تعمل وفقا لمبدأ الاستخدام بدلا من الخسارة، مما سيخلق اضطرابا أكبر، ويقود إلى رد انتقامي أعنف. وإذا حكمنا على الجرأة التي ردت بها إيران حتى الآن، فإن دورة الهجمات المتبادلة التي تؤدي إلى مزيد من التصعيد وحتى الحرب الشاملة تبقى أمرا منطقيا تماما، حتى لو لم يكن لدى كلا الجانبين الرغبة في ذهاب نزاعهما إلى هذا الحد.

أما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وهما من بين أكثر الأهداف احتمالا للانتقام الإيراني المباشر، فإنهما عالقتان بين الرغبة في الضغط على إيران والحاجة إلى دفع الأذى بعيدا، وقد يتعرضان لآثار مدمرة حال حدوث نزاع في الجوار. وليس لدى البلدين الكثير من الوسائل لكبح الولايات المتحدة أو إيران. وسوف تكون (إسرائيل)، أيضا، عرضة للانتقام عن طريق وكلاء إيران، لكنها قد تكون أكثر استعدادا لاستيعاب الخطر، واستغلال الفرص المتاحة. وسوف يقدم رئيس الوزراء المحاصر "بنيامين نتنياهو" حجة للبيت الأبيض بأنه إذا كانت الولايات المتحدة ستخاطر بتوجيه ضربة عسكرية على أي حال، فإنه مستعد للمشاركة في ضربة مدمرة تشمل المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية في نفس التوقيت.

تعد الثقة الساحقة التي تبديها إيران، سواء من حيث الخطاب أو الفعل، مذهلة، ومن المرجح أن تزايد هذه الثقة من تعقيد الموقف المشتعل في المنطقة. وفي عام 2012، تغلبت الدبلوماسية على الحرب في العلاقات الأمريكية الإيرانية. لكن هذه المرة، من المرجح أن يحدث العكس.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية