ناشيونال إنترست: الجذور التاريخية للصراع الأمريكي الإيراني

الأحد 16 يونيو 2019 10:06 ص

لدى الولايات المتحدة وإيران ترسانة من المظالم المدروسة جيدا ضد بعضهما البعض. وتبقى قصص هذه المظالم متجذرة في الماضي البعيد ولا تزال تثير المشاعر على كلا الجانبين. وتعد هذه الرؤى التاريخية أحد المحركات الأساسية التي يمكن أن تقود إيران والولايات المتحدة إلى الحرب.

ويعتقد كل طرف أنه يستجيب بشكل شرعي للاستفزازات الحالية من جانب الطرف الآخر. وتشير إدارة "ترامب" إلى مغامرات إيران الإقليمية وبرنامجها الصاروخي. وقد سمح ذلك لواشنطن بتبرير انسحابها من الصفقة النووية، التي ادعى الرئيس "دونالد ترامب" أنها متساهلة للغاية وقصيرة المدى، ليقوم بتجديد العقوبات الاقتصادية ضد إيران. بالإضافة إلى ذلك، أطلقت إدارة "ترامب" أيضا سلسلة من الأفعال الاستفزازية ضد الجمهورية الإسلامية، بما في ذلك تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية وإنهاء الإعفاءات لمشتري النفط الإيراني؛ وإرسال حاملة الطائرات الأمريكية أبراهام لنكولن إلى الخليج العربي.

ومما لا يثير الدهشة أن إيران لديها وجهة نظر مختلفة حول من هو المعتدي في الصراع الحالي. وتعرب طهران عن غضبها إزاء ما تعتبره ازدواجية الولايات المتحدة في اتفاق تم التفاوض عليها بحسن نية بين إيران والولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا. وكي لا تهزم في حرب الكلمات، صنفت طهران القيادة المركزية للولايات المتحدة على أنها منظمة إرهابية وهددت بخرق التزاماتها في الاتفاق النووي إذا كان الأوروبيون غير قادرين على تخفيف الضرر الناتج عن نظام العقوبات. ولاحقا، وقعت العديد من الهجمات المقلقة على ناقلات النفط في الخليج وتم إسقاط طائرة بدون طيار أمريكية.

ولكن على الرغم من أن مسار التصعيد الخطير هذا هو نتاج هذه الاستفزازات التي يعزز بعضها بعضا، إلا أن جذور هذا الصراع تكمن في التهديدات القادمة من الماضي. وتعد هذه الروايات التاريخية هي التي توفر المرجعية الأيدلوجية للصراع الحالي بين البلدين وهي أيضا مفتاح التقارب في نهاية المطاف بين الولايات المتحدة وإيران.

عام 1953.. الرواية الإيرانية

تعود جذور تصورات إيران للتهديد الأمريكي إلى لحظة حدثت قبل عقود من الثورة الإيرانية عام 1979، عندما تآمرت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية مع جهاز الاستخبارات البريطاني عام 1953 للإطاحة برئيس الوزراء الإيراني "محمد مصدق"، الذي تم انتخابه ديمقراطيا.

وقع الانقلاب "على مصدق" في لحظة حرجة في تاريخ إيران السياسي، عندما دخلت البلاد عصر السياسة الجماهيرية، وكانت القومية العلمانية في مرحلتها الأولى. وبينما كان الإيرانيون يفخرون دائما بماضيهم الفارسي المجيد، ترجم "مصدق" هذا إلى القومية الإيرانية الحديثة إلى رؤية لمستقبل أفضل وأكثر استقلالية. وكان الانقلاب على "مصدق"، وما تلاه من إعادة الولايات المتحدة للشاه، بمثابة خيانة لهذا المستقبل.

بالنسبة للإيرانيين كانت هذه صدمة. في حين أنهم توقعوا هذا النوع من السلوك من البريطانيين ذوي العقلية الاستعمارية، فإنهم لم يتوقعوه من الأمريكيين. وقبل الانقلاب، كانت للولايات المتحدة سمعة لكونها قوية بوصفها مناهضة للاستعمار ومدافعة مبدأ تقرير المصير. وتعود صورة الولايات المتحدة هذه إلى فترة سابقة، فبعد وقت قصير من محاولة بريطانيا العظمى وروسيا تقويض نتائج الثورة الدستورية في إيران عام 1906، شجب "مورجان شوستر"، وهو أمريكي عينه البرلمان للمساعدة في إدارة الشؤون المالية للبلاد، ما اعتبره الأهداف الإمبريالية لهاتين القوتين العظيمتين. وفي حين فشلت أفعال "شوستر" في منع روسيا وبريطانيا العظمى من إنشاء مناطق نفوذ في إيران، فإنها صنعت سمعة جيدة لواشنطن في طهران.

على عكس هذه الفترة السابقة، أكد انقلاب عام 1953 للإيرانيين أن الولايات المتحدة كانت في نفسها قوة إمبريالية تتجاهل قيمها الليبرالية العلمانية الوطنية من أجل متابعة مصالحها الجيوسياسية. وفي حين أن العلامة التجارية للولايات المتحدة لم تتآكل بشكل كامل بين عشية وضحاها، إلا أن سمعتها تدهورت تدريجيا حيث أصبحت العلاقات بين نظام الشاه والولايات المتحدة أكثر وضوحا، مع مواجهة شرعية الشاه لتحديات عديدة.

انهارت سمعة واشنطن تماما مع مرور الوقت نهاية بثورة 1979، التي اعتبرها الكثيرون تصويبا لقصة عام 1953 ورفضا لعلاقة إيران غير المتوازنة مع الولايات المتحدة.

لكن قوة حكاية انقلاب 1953 استمرت في إيران ما بعد الثورة، حيث دعمت الولايات المتحدة "صدام حسين" بعد أن هاجم إيران في عام 1980، الأمر الذي نظر إليع القادة الإيرانيون على أنه خيانة جديدة من الولايات المتحدة وتآمر مع قوة خارجية للإطاحة بحكومة إيران. وفي وقت لاحق، كان إدراج "جورج دبليو بوش" لإيران في خطاب "محور الشر"، على الرغم من حقيقة أن إيران قد عملت جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة في أفغانستان بعد 11 سبتمبر/أيلول، إيذانا بأن واشنطن لا تزال ترغب في تغيير النظام الإيراني كما حدث في عام 1953. وبعد انقطاع قصير في عهد "أوباما"، ترى إيران أن الولايات المتحدة عادت لسياستها القديمة في السعي لتغيير النظام مع قدوم إدارة "ترامب".

عام 1979.. الرواية الأمريكية

في المقابل، تبقى رواية الولايات المتحدة مقيدة بسرية أزمة الرهائن في عام 1979، والتي تابعها الأمريكيون على أجهزة التلفزيون الخاصة بهم لمدة أكثر من 400 يوم حتى إطلاق سراح الأسرى في عام 1981. ورغم ذلك، فإن قصة أزمة الرهائن ليست ما يتم الاحتجاج به في المناقشات العدائية الحالية حول إيران في واشنطن.

وتعد قصة أزمة الرهائن مؤثرة للغاية، لأنها مثلت اعتداء على الصورة المحفوظة لدى الأمريكيين حول بلدهم. في ذلك التوقيت، كانت حرب فيتنام لا تزال جديدة في الوعي الأمريكي، وعززت أزمة الرهائن فكرة أن دور الولايات المتحدة في العالم قد تغير وأجبرت معظم الأمريكيين على مواجهة حقيقة وجود قيود على قدرة الولايات المتحدة على إبراز القوة في المناطق النائية من العالم. وأظهرت الثورة الإيرانية، التي ولدت أزمة الرهائن، أن هناك إكسيرا قويا للإسلام السياسي مكن أن يسقط نظاما يحظى بدعم كامل من الولايات المتحدة. ولكن انعكاسات ذلك على الولايات المتحدة لم تنته بإطلاق سراح الرهائن. كانت أزمة الرهائن مجرد مناورة افتتاحية في جهود إيران لمواجهة القوة الأمريكية في الشرق الأوسط. لقد نبهت الأزمة الأمريكيين والعالم أن الشرق الأوسط سيبدأ في كتابة تاريخه ووضع قواعده الخاصة، وأنه في هذه العملية من المحتمل أن يتم تحدي المصالح الأمريكية وحتى القواعد الدولية، مثل الحصانة الدبلوماسية وقدسية السفارات، التي انتهكت خلال أزمة الرهائن.

بالنسبة للولايات المتحدة، كان هذه ضربة مزدوجة. كانت الثورة هجوما على الطريقة التي عرفت بها واشنطن مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط، حيث كانت إيران تقليديا جزءا رئيسيا من الكتائب الغربية الأمريكية المناهضة للسوفييت. وفي حين أن المصالح المتضاربة بين الولايات المتحدة وإيران قد يمكن التوفيق بينها بمرور الوقت، إلا أن الجرح الدامي للفخر الأمريكي أثبت أنه أكثر دواما.

منذ نهاية أزمة الرهائن، أثار سلوك إيران المظالم العاطفية في الولايات المتحدة بدلا من تهدئتها. وكان إنشاء جبهة مقاومة، تتألف من إيران وسوريا وحزب الله، ضد الجهود الأمريكية في المنطقة بمثابة تذكير لصانعي السياسة في واشنطن بأن الحمض النووي للثورة الإيرانية معاد لأمريكا بطبيعته بلا مواربة.

تنشيط القصص القديمة

تعقد هذه الخلفيات القديمة الجهود المبذولة لنزع فتيل الصراع الحالي بين طهران وواشنطن. ومن المفارقات أن النسخة الإيرانية من أحداث 1953 تصور الولايات المتحدة على أنها تخون قيمها الأساسية المتمثلة في اعتناق القومية الديمقراطية من خلال الانقلاب حكومة "مصدق" التي تم اختيارها ديمقراطيا. لكن القصة التي رواها الأمريكيون هي أن الثورة الإيرانية وأزمة الرهائن التي تلت ذلك، مثلتا انقلابا من جانب إيران على فس القومية الديمقراطية التي ادعت أن الولايات المتحدة ألغتها في عام 1953. 

ويعزز نبذ ترامب للصفقة النووية من قوة هذه القصص المتنافسة. بالنسبة للإيرانيين، عزز هذا الفعل الشعور بالخيانة وعدم الثقة الذي يعود إلى عام 1953. علاوة على ذلك، تجدد اعتقاد طهران أن الولايات المتحدة تسعى مرة أخرى لتغيير النظام. وبالنسبة للولايات المتحدة، كان فخرها الجريح أثناء أزمة الرهائن وما تلاها يعني أن هناك القليل من الدعم لنهج مختلف تجاه إيران في الكونغرس أو في الرأي العام الأمريكي خلال أي وقت. وفي حين أن الكثيرين في الكونجرس قد لاي قبلون فكرة انسحاب الولايات المتحدة من صفقة تفاوض عليها رئيس سابق وقبلها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فإن الحقيقة هي أن الضغائن التي تعود إلى الثورة الإيرانية وأزمة الرهائن لا تزال سائدة. ولم يكن هناك سوى رد فاتر على شيطنة إيران من قبل الإدارة الحالية.

وستحتاج أي مفاوضات مستقبلية بين الولايات المتحدة وإيران، سواء أثناء إدارة ترامب أو بعدها، إلى حل العديد من القضايا المعلقة الحالية والمصالح المتضاربة بين البلدين. ولكن نظرا لأن كل من الولايات المتحدة وإيران محصورتان عن غير قصد في روايتين متباينتين حول تفسير الماضي الذي هيمن على العلاقات الأمريكية الإيرانية على مدار الأربعين عاما الماضية، فإن أي تقارب دائم سيحتاج أيضا إلى مراعاة هذه الروايات. وستحتاج المفاوضات المستقبلية إلى التغلب على الإحساس بالخيانة الأمريكية التي يشعر بها الكثير من الإيرانيين، مع الاعتراف أيضا بحس الظلم والإساءة التي شعر بها الأمريكيون منذ الثورة الإيرانية وأزمة الرهائن. وسيكون من الحكمة أن يدرج الدبلوماسيون هذا الواقع في استراتيجياتهم وخططهم إذا كانوا يرغبون في إنجاح أي جهود لإنهاء الصراع الحالي. وبالتأكيد، ستكون هناك حاجة إلى دبلوماسية بارعة للتوفيق بين هاتين الروايتين المتنافستين بقوة.

المصدر | روس هاريسون- ناشيونال انترست

  كلمات مفتاحية