هل يسعى الجيش السوداني لاستنساخ تجربة اغتيال الثورة المصرية؟

الاثنين 17 يونيو 2019 10:06 ص

تتشابه الحملة العنيفة الأخيرة ضد المتظاهرين في الخرطوم من قبل الجيش السوداني، وتعليقه للمحادثات مع قادة الاحتجاج المدني، مع ما حدث في مصر في ذلك الصيف المضطرب عام 2013. ومن غير المصادفة أن هذه الحملة جاءت بعد وقت قصير من عقد قادة المجلس العسكري الانتقالي في السودان محادثات مع قادة المنطقة الاستبداديين، بمن فيهم الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي". وربما يكون رئيس المجلس، اللواء "عبد الفتاح البرهان"، قد حصل على ضوء أخضر لمثل هذه السياسات القاسية من هؤلاء الزعماء الذين يخشون أن يكون لنجاح الحركة الديمقراطية في السودان تأثير غير مباشر خارج حدودها.

وعلى الرغم من أن جماعات المعارضة المدنية كانت قادرة على تنظيم إضراب عام في 9 يونيو/ حزيران، مما أدى إلى إغلاق جزء كبير من الخرطوم، إلا أنها تواجه قوى إقليمية هائلة. وعرضت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على الحكومة العسكرية 3 مليارات دولار كمساعدات بعد أن قام المجلس بانقلابه على الرئيس السوداني المخلوع، "عمر البشير"، في حين تعهدت الحكومة المصرية بتقديم الدعم الدبلوماسي.

ويخشى المتظاهرون في السودان بشكل مبرر أنه ما لم يتم نقل السلطة السياسية إلى قيادة مدنية، فإن الجنرالات سيبقون في السلطة إلى أجل غير مسمى. علاوة على ذلك، قد يشجع رد الفعل الضعيف من الولايات المتحدة عن غير قصد على المزيد من العنف من جانب قوات الدعم السريع، وهي الميليشيا الحكومية التي شنت الهجمات ضد المحتجين.

تشابهات مع مصر

خرج عشرات الآلاف من المواطنين السودانيين إلى الشوارع منذ ديسمبر/ كانون الأول 2018 لمعارضة الديكتاتورية والحكم الفاسد للرئيس "عمر البشير" والمطالبة بحكومة ديمقراطية. ودفعت جهودهم الجيش إلى الإطاحة بالبشير في أبريل/ نيسان وتعيين المجلس العسكري الانتقالي، بقيادة وزير الدفاع "عوض بن عوف"، الذي أُجبر لاحقًا على التنحي وحل محله الجنرال "البرهان".

ثم جرت مفاوضات مطولة بين قادة الاحتجاجات المدنيين في "تحالف الحرية والتغيير"، والمجلس العسكري. ووعد الأخير بالانتخابات في غضون عامين بينما أصر المحتجون على انتقال فوري للسلطة بسبب مخاوفهم من أن الجنرالات يريدون التمسك بالبقاء. بالإضافة إلى ذلك، طالب قادة الاحتجاج المدني بمقاعد الأغلبية في أي مجلس انتقالي جديد، مع وجود أقلية عسكرية.

وعندما انسحب قادة الاحتجاج المدني من المحادثات في أوائل يونيو/ حزيران، أطلق المجلس العسكري قوات الدعم السريع، وهي ميليشيا حكومية كانت تعرف سابقًا باسم الجنجويد= وكانت مسؤولة عن الأعمال الوحشية في دارفور، لفض اعتصامات المحتجين. وقُتل أكثر من 40 من المتظاهرين في الخرطوم على أيدي قوات الدعم السريع في أوائل يونيو / حزيران، ولقي 60 آخرون على الأقل مصرعهم في الأيام اللاحقة، أثناء قيام الميليشيا بتفتيش المنازل بحثاً عن نشطاء المعارضة. وزعمت اللجنة المركزية للأطباء السودانيين، التي كانت جزءًا من المعارضة منذ أوائل عام 2019، أنه تم سحب 40 جثة على الأقل من نهر النيل. بالإضافة إلى ذلك، ذكرت مجموعة الأطباء أن مئات المدنيين أصيبوا بنيران الرصاص.

وفي 6 يونيو/ حزيران، دعت المعارضة إلى محاسبة جميع المتواطئين في الجرائم التي ارتكبت منذ الإطاحة بالبشير، وطالبت بـ "النقل الكامل للسلطة الانتقالية إلى حكومة مدنية" وحل "ميليشيا الجنجويد".

وخلال النصف الأول من عام 2013، كانت الضغوط الشعبية تتصاعد ضد رئاسة "محمد مرسي" في مصر، خاصة من المصريين العلمانيين الذين نظموا أنفسهم تحت اسم حركة "تمرد" التي كانت مدعومة من قبل الأجهزة الأمنية. وبحلول أواخر يونيو/ حزيران 2013، كانت هناك مظاهرات ضخمة في القاهرة ، بعضها يدعم "مرسي" والبعض الآخر يعارضه، ودعم الجيش بشكل واضح المظاهرات المناهضة لـ"مرسي"، قبل أن يعزل الرئيس من منصبه في انقلاب عسكري في 3 يوليو/ تموز. وعلى الرغم من تعيين رئيس المحكمة الدستورية كرئيس مؤقت للبلاد، كان "السيسي" هو الرئيس الفعلي وكان العسكريون هم المسؤولون الفعليون عن البلاد.

ومع ذلك، رفض المتظاهرون المؤيدون لـ"مرسي" ​​مغادرة أماكن احتجاجهم، وطالبوا بإطلاق سراح "مرسي" وإعادة لمنصبه ووضع حد للحكم العسكري. وعندما رفضوا التفرق، أمر "السيسي" في منتصف أغسطس / آب بفض الاعتصامات بطريقة وحشية، مما أسفر عن مقتل أكثر من 800 شخص في يوم واحد في ميدان رابع العدوية.

ولم يقم "السيسي" والجيش بإلقاء القبض على الآلاف من نشطاء جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها في الأسابيع اللاحقة فحسب، بل فرض أيضًا قانون احتجاج شديد القسوة في ذلك الخريف، مما يجعل من المستحيل فعليًا تنظيم مظاهرات ضد الحكومة. وأدرك العديد من النشطاء الليبراليين الذين أيدوا الانقلاب في البداية أن "السيسي" لم يكن مهتمًا بتأسيس نظام ديمقراطي. وكان الدرس هنا هو أن أي شخص يعارض الجيش سوف يتم قمعه.

خلال السنوات التالية، لم تكن الانتخابات البرلمانية والرئاسية في مصر سوى زخارف لتجميل وجه حكومة استبدادية، يمكن القول إنها أكثر قمعًا من نظام الرئيس السابق "حسني مبارك". وعلى الرغم من أن "السيسي" يتصرف كرئيس مدني، إلا أن الجيش القوة الحقيقية في مصر.

ومن أجل ترسيخ سيطرة الجيش المصري على السلطة، تضمنت التعديلات الدستورية الأخيرة مادة أضافت مهمة جديدة إلى الجيش هي "الحفاظ على الدستور والديمقراطية، وحماية المبادئ الأساسية للدولة وطبيعتها المدنية، وحماية حقوق الشعب". ويمنح هذا التعديل الجيش نفوذاً أكبر على بقية الدولة، ولا سيما خلال الاضطرابات السياسية الكبرى. يومكن للجيش، بدلاً من المحكمة الدستورية العليا، أن يطبق الآن تفسيره الخاص لما يشكل تهديدًا داخليًا للدولة.

مما لا شك فيه أن العديد من السودانيين يتذكرون هذه التطورات في جوارهم وربما يخشون أن يكرر الجيش السوداني تجربة الجيش المصري للحفاظ على السلطة والالتفاف على المطالب الشعبية بالديمقراطية.

واختلافات أيضا

كانت تكتيكات الحملة العسكرية ضد المحتجين متشابهة في كل من الحالتين المصرية والسودانية، رغم أن أعداد القتلى في مصر كان أكبر بكثير حتى الآن. لكن الاختلاف الرئيسي هو نوع الدائرة الشعبية التي تدعم أو تعارض الحكم العسكري في البلدين. في الواقع، كان انقلاب "السيسي" ضد "مرسي" في مصر انقلابا ضد حكم الإخوان المسلمين، بينما تم الانقلاب في السودان ضد قائد عسكري، ولا يزال كبار الداعمين المحليين للمجلس العسكري الانتقالي هم من الإسلاميين المتحالفين مع نظام "البشير". وتلقي هذه الحقيقة الضوء على الأسباب الحقيقية للحملة السعودية الإماراتية المصرية ضد التغيير في العالم العربي وهي تعبر عن موقف سياسي بحت يتمثل هدفه في معارضة التغيير السياسي، بغض النظر عمن يطالب به. وفي حالة السودان، فإن هذه البلدان الثلاثة تقف في الواقع مع الجيش والإسلاميين وتعارض مساعي المعارضة للديمقراطية.

في الواقع، قادة الاحتجاج المدني في السودان هم إلى حد كبير من الأطباء وغيرهم من المهنيين الذين ينتمون إلى الطبقة الوسطى، وكثير من هؤلاء القادة لديهم نظرة علمانية إلى العالم. وهناك أيضًا مجموعة كبيرة من الشباب المؤيدين للاحتجاجات الذين ليس لديهم انتماءات سياسية محددة ولدى بعضهم ميول إسلامية، حيث لم تكن معارضة "البشير" في عام 2019 قائمة على سياسة الهوية. في المقابل، كان أنصار "مرسي" في مصر يؤمنون بأجندة الإخوان، وكانوا غاضبين من أن المصريين العلمانيين والأجهزة الأمنية تآمروا لإسقاط أول رئيس إسلامي باستخدام وسائل غير دستورية.

وكان الكثير من المصريين الليبراليين العلمانيين يرون في البداية أن "السيسي" والعسكريين هم المنقذون من جهود مرسي لتأسيس حكم إسلامي. ودفعت هذه المخاوف الليبراليين المصريين إلى أخضان الجيش، وهو ما أدي إلى انهيار التجربة الديمقراطية في مصر بشكل كامل.

وبعد حملة القمع العنيفة في منتصف أغسطس/ آب 2013 ضد الاعتصامات المؤيدة لـ"مرسي"​، استقال بعض الليبراليين البارزين مثل نائب الرئيس المؤقت "محمد البرادعي" من الحكومة، في حين برر بعضهم القمع باعتباره ضروريًا لاستعادة النظام وإزالة "تهديد الإخوان". وفي الواقع، من الواضح أن غالبية الليبراليين المصريين أيدوا "السيسي" حتى تلك اللحظة التي بدأ فيها في ملاحقة الناشطين العلمانيين.

على النقيض من ذلك، فإن الوضع الحالي للسودان يتكون من طغمة عسكرية باقية بقوة السلاح بدعم من بعض القوى الإسلامية. وتحاول هذه الطغمة العسكرية خنق المعارضة والحفاظ على الدولة القديمة التي ورثتها. في الواقع، عمل عدد من قادة المجلس العسكري في عهد "البشير" وكانوا راضين عن حكمه قبل أن تتوسع الاحتجاجات الشعبية لتشكل خطرا على النظام ومصالحه.

القوى الإقليمية تراهن على الجيش

وبالنظر إلى أن الإسلاميين ليسوا في وضع مهيمن أو قوي بين المعارضة في السودان فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا تعتبر كل من مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة - الدول التي تركز على مناهضة الإخوان - داعما للجيش السوداني وليس لصالح المعارضة المدنية. بفعد كل شيء، طور السودان في عهد "البشير" علاقات وثيقة مع قطر، وهي خصم لكل من الدول الثلاث، وكان الجيش السوداني من مؤيدي البشير حتى وقت متأخر جدًا من اللعبة.

ويتلخص الجواب على هذا السؤال في أربع نقاط:

أولاً، يبدو أن هذه الدول الثلاث تريد محاورين في السودان يمكن أن تؤثر عليهم. ويناسب الجيش السوداني هذا المشروع (ومن ثم تم تقديم 3 مليارات دولار من المساعدات لتعزيز شعبية الجيش)، في حين أن المعارضة المدنية جديدة جدًا وغير معروفة ولا يمكن الوثوق بها للقيام بمزايدة لصالح المؤثرين الأجانب.

ثانياً، تراهن مصر بشكل خاص على الجيش بالنظر لطبيعة النظام العسكري الحاكم في مصر. وقد وعد الجيش السوداني السيسي بأنه سيعتقل ويرحل أفراد جماعة الإخوان المسلمين المصرية الذين فروا إلى السودان خلال حملة 2013. ويعتبر "السيسي" مساعدة الجيش السوداني مهمة لأمن مصر لأنه ينظر إلى الإخوان كتهديد طويل الأجل.

ثالثًا، يوفر نجاح المتظاهرين في تغيير الحكم الاستبدادي في الخرطوم بيئة لا يمكن للتنبؤ بها للتطورات السياسية المستقبلية في السودان. بمعنى آخر، إذا تولت المعارضة السلطة في وقت ما في المستقبل القريب، فإن القوى الإسلامية يمكم أن تغير مسارها وتنضم إلى الحكومة، ومع مرور الوقت، يمكن أت يشكل ذلك تحديًا لإرادة التحالف الإماراتي النصري السعودي.

رابعاً، حتى مع استبعاد العامل الإسلامي، فإن حقيقة ظهور معارضة في السودان ومحاولة إقامة ديمقراطية ليبرالية، من المرجح أن تبعث موجات صدمة إلى هذه البلدان الاستبدادية التي تخشى حدوث عدوى ديمقراطية تصل على حدودها. على النقيض من ذلك، فإن وجود جيش مسؤول في السودان، وغير مهتم بالديمقراطية أو التعددية السياسية ويمكنه اتخاذ القرارات بسرعة خاصة فيما يتعلق بالقضايا ذات الأهمية الإقليمية، هو أمر يمكن أن يخدم مصالح هذه الدول.

تدخل واشنطن

بعد وقت قصير من أمر الجيش بقمع المتظاهرين في السودان، أصدرت السفارة الأمريكية في الخرطوم حمل المجلس العسكري الانتقالي المسؤولية، ودعا الجيش إلى الإسراع في الانتقال إلى الحكم المدني.

من المثير للاهتمام أن وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية "ديفيد هيل" اتصل بنائب وزير الدفاع السعودي "خالد بن سلمان" يطلب مساعدة سعودية لإقناع الجيش السوداني بإنهاء الحملة العنيفة ضد المدنيين. قام رئيس قوات الدعم السريع، "محمد حمدان دغلو"، والمعروف باسم "حميدتي" بزيارة المملكة العربية السعودية في أواخر مايو/ أيار حيث التقى مع ولي العهد ووزير الدفاع "محمد بن سلمان". وتعهد "حميدتي"، نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي، بمواصلة دعم الجهود السعودية في مواجهة إيران وضد المتمردين الحوثيين في اليمن حيث تشارك وحداته في الحرب البرية. وفي هذه الأثناء، سافر رئيس الوزراء الإثيوبي "أبي أحمد" إلى السودان مؤخرًا في محاولة للتوسط بين الجيش والمعارضة المدنية، لكن من غير الواضح ما إذا كان قد أحرز أي تقدم.

وعلى الرغم من أن إدارة ترامب كانت متحفظة عمومًا بشأن إثارة قضايا حقوق الإنسان، خاصة مع الدول التي تربطها بها علاقات وثيقة، فقد أظهرت بعض التشدد في حالة السودان. ويرجع ذلك إلى أن قادة المعارضة السودانيين علمانيون إلى حد كبير، لذا فإن الإدارة لا تعتبرهم بمثابة تهديد وربما تعتبرهم حليفًا محتملاً بعد عقود مزعجة من العلاقات مع "البشير". ولكن من أجل جعل هذا الجهد فعالًا، يحتاج الرئيس "دونالد ترامب" إلى إخبار الجيش السوداني إلى أنه ما لم تتوقف أعمال العنف وما لم يتم منح قادة المعارضة المدنية حصة كبيرة من السلطة على الفور، فإن أي جهد لإقامة علاقات وثيقة مع واشنطن سوف يكون بلا جدوى.

ويجب أن نتذكر هنا أن رد فعل الرئيس "باراك أوباما" على حملة القمع في مصر في أغسطس/ آب 2013 في مصر كان خجولًا إلى حد كبير، حيث ألغى مناورات النجم الساطع الدفاعية مع الجيش المصري، وفي وقت لاحق، قامبتعليق تسليم مروحيات أباتشي إلى القاهرة. ولكن تم عكس هذه الإجراءات العقابية في وقت لاحق. وعلى الرغم من انزعاجه من التعليق الجزئي للمعونة العسكرية، إلا أن "السيسي" كان يعلم أن تصميم "أوباما" سيضعف في نهاية المطاف بمرور الوقت. ويمكن أن يفاجئ "ترامب" الجميع باتباع نهج صارم للغاية تجاه الجيش السوداني ودعم الحكم المدني. ولكي يفعل ذلك، فإن عليه أن يعلم أن الطريق إلى السودان يمر عبر قصور حلفائه الافتراضيين في القاهرة والرياض وأبوظبي.

المصدر | غريغوري أفندليان - المركز العربي وشنطن دي سي

  كلمات مفتاحية