المستبدون يترقبون.. هل سيحاسب النظام المصري على قتل مرسي؟

الأربعاء 19 يونيو 2019 11:06 ص

أكد "وائل هدارة" المساعد السابق للرئيس المصري الراحل "محمد مرسي"، أن الأخير كان يعي ويقدر تماما ما قد يضطر لتقديمه من تضحيات لتحقيق آماله وطموحاته لمصر وشعبها.

وطالب "هدارة" الذي يعيش في كندا، في مقال بصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية؛ بمحاسبة من وصفهم بقتلة الرئيس "محمد مرسي"، مشيرا إلى أن الحكام المستبدين في كل من السودان والجزائر، يشاهدون رد فعل العالم على وفاة "مرسي"، ويقيمون في الوقت الحالي سبل القضاء على الحركات الديمقراطية.

 

وإلى نص المقال:

 

دفن "محمد مرسي" في جنازة مقصورة على أفراد معينين يوم الثلاثاء، بعد 7 سنوات تقريبا من دخوله التاريخ كأول رئيس منتخب لمصر جاء لمنصبه عبر انتخابات حرة وديمقراطية.

وينبغي ألا يساور أي أحد شك، أن ما جرى له كان عملية اغتيال في كل شيء ما عدا الاسم.

كان "مرسي" محتجزا في ظروف رهيبة وغير إنسانية منذ أن أطاح الجيش المصري بحكومته منذ قرابة 6 سنوات.

كانت هناك تحذيرات كثيرة حول تدهور حالته الصحية، بما في ذلك تحذيرات صادرة عن وفد برلماني بريطاني زار مصر العام الماضي، وخلصوا إلى أنه "إذا لم يتم تزويد مرسي بالرعاية الطبية الكافية قريبا، فقد تكون عواقب ذلك حدوث وفاة مبكرة".

وفي عمر 67 عاما (وهو عمر صغير نسبيا) كان "مرسي" محتجزا بسجن العقرب سيئ السمعة، الذي كان يمكن وصفه بأقل من سجن وأكثر من قبر.

ليس لأن "مرسي" لم يفهم الثمن الشخصي، الذي سيدفعه نتيجة تحدي سيطرة الجيش على الحياة السياسية والعامة في مصر، ففي يونيو/حزيران 2012، أخبر مذيعا تليفزيونيا مصريا، أن تولي السلطة في مصر كان "نوعا من الانتحار".

وفي ديسمبر/كانون الأول من هذا العام، أخبرني أنه إذا نجح في نقل مصر نحو الديمقراطية، فإنه يتوقع اغتياله، لكن تصميمه على خدمة بلده رغم المخاطر لا يقلل من صدمة وفزع وفاته.

والآن يجب أن يتحمل قتلة "مرسي" المسؤولية.

تعرفت على "محمد مرسي" لأول مرة في مايو/أيار 2012، بعد فترة وجيزة من ترشيحه للرئاسة من قبل حزب "الحرية والعدالة"، وكانت مصر مرت للتو بحالة غير مسبوقة، وكانت هناك آمال عالية في مستقبل ديمقراطي.

قدمت النصيحة فيما يتعلق بوسائل الإعلام والاتصالات خلال الحملة، وتطورت بينما علاقة وثيقة، بعد الحملة قمت بجولات مكوكية بين القاهرة وكندا للمساعدة في العديد من القضايا.

كان هناك العديد من الإخفاقات خلال العام الذي تواجد فيه "مرسي" بمنصبه، ولكن كان هناك أيضا العديد من النجاحات، وتم تضخيم الأولى والصمت عن الثانية.

كان "مرسي" رجلا شديد الاجتهاد، وفى نواح كثيرة، رجل دولة ناجح، كان حريصا على بلده والمصريين، ورفض تنفيذ تخفيضات جذرية في دعم الوقود والغذاء من شأنه أن يؤثر بشكل مجحف على الفقراء والطبقة الوسطى.

وبدلا من ذلك، أمر مجلس وزرائه بالتركيز على إصلاح نظام الدعم للقضاء على الفساد وتحسين الخدمات، معركته ضد الفساد، أضيفت إلى القوى المعارضة له، فالفساد لايزال تجارة كبيرة في مصر.

ولد "مرسي" في قرية بريف مصر، ولم يفقد أبدا إحساس الارتباط بالمصريين الفقراء المكافحين، يمكن أن يستضيف بالقصر الرئاسي وفدا من زعماء القبائل من سيناء في الصباح، ثم يستقبل "هيلاري كلينتون" أو "كاثرين أشتون" بعد الظهر، "مرسي" كان يمكنه التواجد والتحرك في كلا العالمين، لكن قلبه كان منغرسا بقوة في أرض مصر.

موته كان له آثار كبيرة، ولايزال النظام العسكري في القاهرة يحتجز الآلاف من المصريين في ظروف وحشية، وقد أعدم بالفعل العشرات، وحكمت محاكمه على الآلاف بالإعدام.

إن أوروبا والولايات المتحدة متواطئة في وفاة "مرسي" من خلال دعمها للنظام العسكري، وإذا استمروا في التزام الصمت في مواجهة هذه الجريمة، فإن الديكتاتورية في مصر سوف تزداد جرأة، وسيسجن المزيد من الناس ويقتلون، وستسقط مصر أكثر في هاوية القمع.

علاوة على ذلك، فإن حكام مصر ليسوا الحكام المستبدين الوحيدين الذين يشاهدون رد فعل العالم على وفاة "مرسي"، يراقب السودانيون والجزائريون، ويقيمون سبل إخماد الحركات الديمقراطية.

في نهاية الحملة الرئاسية في عام 2012، لم يكن لدي أي خطط للعودة لمصر، فقد تعثرت بالسياسة، وكنت عازما على العودة إلى حياتي الطبيعية كأكاديمي وطبيب في كندا، وكان "مرسي" يمزح بأنه سيكون من الصعب علي التراجع عن الخطوط الأمامية للأحداث العالمية، وأخبرته أن خطتي السرية كانت تتمثل في أن أحصل على توقيعه على العلم المصري، حيث سأقوم ببيعه بالمزاد عندما يصبح رئيسا.

كان آخر اجتماع لنا خلال الحملة في الساعات الأولى من 15 يونيو/حزيران 2012، وبينما كنا نستعد لكي يذهب كلنا منا في طريقه، التفت إلي وسألني عما إذا كنت قد أحضرت العلم، وبالفعل كان معي، وكان نص توقيعه على العلم: "مصر التي تعيش في مخيلتي.. مصر القيم والحضارة، مصر النمو والاستقرار والحب، وعلمها يرفرف حولنا".

قد تبدو هذه الرؤية بعيدة كل البعد عن واقع مصر اليوم، لكنها الرؤية التي كان "مرسي" على استعداد لتقديم أسمى التضحيات لتحقيقها في نهاية المطاف، وقد لا يذهب هذا هباء.

المصدر | واشنطن بوست

  كلمات مفتاحية