المخاطر الكامنة لرفع أسعار الطاقة في بلدان الشرق الأوسط

الأربعاء 19 يونيو 2019 07:06 ص

أعلن وزير البترول والثروة المعدنية المصري "طارق الملا" في يناير/كانون الثاني أن بلاده سوف تلغي بالكامل إعانات الطاقة النفطية في السنة المالية القادمة التي تبدأ مطلع يوليو/تموز. إلا أن "الملا" حذر من أن إلغاء دعم الوقود "لن يتم تنفيذه حتى يصبح السوق المحلي جاهزا وقادرا على التعامل معه". كما تخطط مصر لرفع دعم الكهرباء تماما بحلول عام 2022، وفقا لوزير الكهرباء المصري "محمد شاكر".

وتهدف إصلاحات الدعم المخطط لها إلى إلغاء القيود على الخدمات والسلع العامة، بما في ذلك الصرف الصحي والمياه والكهرباء والبنزين والديزل. وهي تغييرات شاملة لنظام الدعم القديم في مصر حفزتها الأزمة الاقتصادية والقروض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي لدعم الاقتصاد المتدهور. وتتعرض مصر الآن لضغوط من صندوق النقد الدولي لإدخال إصلاحات اقتصادية كبرى، بما في ذلك إلغاء الإعانات، التي كانت تشكل عبئا على اقتصاد البلاد لعدة عقود. ومع ذلك، إذا كان للتاريخ أي دليل، فإن إلغاء الإعانات في مصر وأماكن أخرى في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سيكون مهمة شاقة محفوفة بالاضطرابات الاجتماعية المحتملة.

توفر الإعانات المالية، المصممة لتحفيز النمو الاقتصادي وانتشال الجماهير من الفقر، شبكة أمان اجتماعي حيوية للفقراء وتمكنهم من الحصول على الكهرباء. ولكن من المفارقات أن الإعانات المالية تعيق البلاد عن إجراء إصلاحات اقتصادية ذات مغزى وتحسين محنة ملايين الفقراء. وغالبا ما يكون المستفيدون الأكبر من الإعانات هم الطبقات الأكثر ثراء من السكان، الذين لا يحتاجون إليها.

وتعد الآثار السلبية المثبتة لدعم الطاقة على اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وخارجها كبيرة. ويؤدي الدعم إلى الاستهلاك المفرط وهدر الطاقة ويقلل من الحوافز لتحسين وجذب الاستثمارات في المعدات الموفرة للطاقة؛ كما أنه يوفر مثبطا طبيعيا للاستثمار في تكنولوجيات الطاقة البديلة والنظيفة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وتؤدي المستويات العالية لاستهلاك الطاقة إلى انبعاث الغازات الدفيئة، مما يتسبب في أضرار بيئية واسعة النطاق.

 وتتمتع الدول الصغيرة نسبيا مثل الكويت وقطر، التي يقل عدد سكانها عن 3 ملايين نسمة، والإمارات التي يبلغ عدد سكانها 9 ملايين نسمة، بأعلى مستويات استهلاك الطاقة في العالم. ومع عدم وجود حوافز للاستثمار في تقنيات الطاقة الفعالة بالنظر إلى توفر النفط والغاز المدعومين، تعد كثافة الطاقة في اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا واحدة من أعلى المعدلات في العالم، حيث تساهم في الهدر والتلوث والإجهاد المالي. وباعتباره واحدا من أكثر المناطق جفافا وندرة في المياه في العالم، لا يزال الشرق الأوسط عرضة بشكل خاص للآثار المدمرة لتغير المناخ. وفقا لنتائج الأبحاث التي أجراها معهد ماكس بلانك الألماني، فمن دون خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بشكل كبير، من المرجح أن تؤدي الحرارة الشديدة وانخفاض هطول الأمطار إلى جفاف المنطقة بحلول عام 2100، أي بعد 80 عاما فقط من الآن.

سياسات ملحة

وقد خلق العبء المالي المتزايد للاحتفاظ بدعم الطاقة على مدى السنوات العشر الماضية حاجة ملحة لإصلاح أسعار الوقود المحلية. وبدأت بعض البلدان في خفض دعم الوقود مع ما يرتبط بذلك من آثار إيجابية على اقتصادات كل منها. على سبيل المثال، أطلقت دولة الإمارات وهي دولة مصدرة للنفط، جهود إصلاح دعم الوقود في عام 2015، مدفوعة إلى حد كبير بالانهيار العالمي في أسعار النفط في عام 2014 والذي فرض قيودا شديدة على مواردها المالية العامة. وقامت أبوظبي بخفض الدعم على البنزين والديزل في عام 2015. وذهبت إمارة دبي إلى أبعد من ذلك برفع التعريفات على الكهرباء والماء، مما قلل الاستهلاك. وفقا لدراسة أجرتها مؤسسة بروكينغز، على الرغم من بعض ردود الفعل السلبية على رفع الدعم وزيادة التعريفة الجمركية، فإنها لم تؤد إلى احتجاجات شعبية واسعة النطاق. على الرغم من أن هناك عوامل أخرى من المحتمل أن تمنع الاحتجاجات (مثل عدم وجود حرية التعبير). وفي الواقع، استجاب سكان دبي بشكل عام للتغيرات بشكل إيجابي.

من جانبه، ألغى الأردن دعم الوقود بين عامي 2005 و 2008، لكنه أعاد تقديمه لاحقا بعد احتجاج شعبي على أسعار الطاقة والغذاء المرتفعة. وفي عام 2012، ألغت السلطات الأردنية الدعم مرة أخرى. وأدى إصلاح الدعم إلى تحسين المالية العامة للبلاد وارتفاع الأجور. علاوة على ذلك، زاد برنامج الطاقة المتجددة الذي تدعمه الحكومة من الاستثمارات في صناعة الطاقة الشمسية الناشئة في البلاد بمقدار 2.5 مليار دولار أمريكي في عام 2016. وبدأ الصندوق الأردني للطاقة المتجددة في تقديم القروض والتمويل لتحفيز قطاع الطاقة المتجددة.

وفي محاولة للحد من دعم الطاقة، ضاعفت إيران تقريبا سعر البنزين إلى ثلاث أِعاف منذ عام 2010، على الرغم من أنه لم يتم تحريره بالكامل. وللحد من الصدمة على السكان، بدأت إيران في تقديم منح نقدية لجميع الأسر قبل إزالة الإعانات. وبينما استمرت إيران في تقديم مدفوعات نقدية منذ عام 2010، إلا أنها تدرس إنهاء المدفوعات إلى أصحاب الدخل المرتفع في عام 2019.

واتخذت كل من عمان والكويت والسعودية وقطر تدابير متواضعة لرفع أسعار الكهرباء والغاز الطبيعي والبنزين.

إصلاحات غير مضمونة

وعلى الرغم من هذه الإصلاحات، بدأت إعانات الوقود الأحفوري بالفعل في الارتفاع على مستوى العالم منذ عام 2017 تمشيا مع ارتفاع أسعار النفط في جميع أنحاء العالم. وفقا لوكالة الطاقة الدولية "يمكن لارتفاع أسعار الوقود الدولية في عام 2018 أن يوقف الجهود الرامية إلى التخلص التدريجي من إعانات الوقود الأحفوري". وقد أدى انخفاض قيمة الدولار الأمريكي مع الارتفاع الأخير في أسعار الفائدة إلى انخفاض قيمة العملات في العديد من الأسواق الناشئة، وبالتالي رفع أسعار الواردات بالنسبة لهم، بما في ذلك الطاقة.

وحذرت وكالة الطاقة الدولية من أن إصلاحات الدعم غير مضمونة، وقد لا تستمر إذا لم تكن أسعار النفط منخفضة. من الصعب القضاء على الإعانات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث يتم توفير السلع الرخيصة والأغذية الأساسية للسكان وفق العقد الاجتماعي بين الحكام والمحكومين.

كتب "جيم كرين"، المتخصص في دراسات الطاقة بمعهد بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس، أن إصلاحات الدعم المحدودة في الشرق الأوسط "يبدو أنها مصممة لتحديث الحكم الاستبدادي". ولا يمكن فصل الحوكمة القائمة عن الإعانات التي يقدمها العديد من القادة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من أجل تحجيم السخط الشعبي على التباينات الاقتصادية والوضع السياسي الراهن. لذلك، لا يزال احتمال إلغاء الإعانات بالكامل في اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا محفوفا بالمخاطر.

يمثل هذا الترابط الاجتماعي السياسي الاقتصادي مأزقا للمنطقة. ومن المرجح أن تزيد زيادة معدلات السكان إلى جانب ارتفاع درجات الحرارة والجفاف بسبب تغير المناخ من استخدام الطاقة للتبريد، وتحلية المياه وزراعة الطعام. وقد وضعت العديد من دول المنطقة أهدافا للطاقة المتجددة، وذلك أساسا لتلبية الطلب المحلي المتزايد بسرعة على الكهرباء وتحرير النفط والغاز للتصدير. وسيكون من الصعب تحقيق هذه الأهداف نظرا للحوافز الضعيفة للاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة الناشئة عن توفر النفط والغاز الرخيصين المدعومين. وبدون إصلاح أنظمة دعم الوقود بشكل جذري وإفساح المجال أمام بدائل أكثر كفاءة وأنظف للطاقة، فإن الاستدامة والقدرة على البقاء على المدى الطويل لاقتصاديات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ستصبح في خطر لم يسبق له مثيل.

المصدر | إنسايد أرابيا

  كلمات مفتاحية