ناشيونال إنترست: آخر فرصة لحكام البحرين لإنقاذ بلادهم

الأحد 23 يونيو 2019 03:06 م

جادل البعض في أوج موجة الاحتجاجات في البحرين في عامي 2011 و2012 بما في ذلك شخصيات في الحكومة الأمريكية، بأنه كان على الأسرة المالكة في البحرين أن تفسح المجال أمام مطالب المحتجين أو تخاكر بأن تكتسحها مجريات التاريخ. وقد كانوا جميعا مخطئين، حيث تم قمع الاحتجاجات وجرى حظر الأحزاب التي أعربت عن مطالبها وتم سجن قادتها. وها هي البحرين تتعافى اقتصاديا ويبدو أن القمع يثبت أنه مفيد بشكل ما.

ومع ذلك، فإن قصة البحرين أكثر تعقيدا من ذلك. ويبقى السرد البسيط في الصحافة الغربية حول التمرد الديمقراطي الذي سحقته الأقلية الحاكمة تبسيطا مخلا. ومن المؤكد أن رحلة استغرقت 3 أيام في فبراير/شباط 2019 لم تكن كافية للتظاهر بفهم كامل لبلد صغير ومعقد للغاية لكن الاجتماعات مع كبار المسؤولين الحكوميين وأفراد العائلة المالكة والأصدقاء القدامى وبعض الشخصيات التي كانت على مقربة من المعارضة أعطت صورة واسعة بما فيه الكفاية، وإن كانت لا تزال جزئية.

كان سحق المعارضة في البحرين قاسيا مع فرض مدد سجن طويلة للبعض وتجريد للبعض الآخر من المواطنة (ادعى أحدهم أن هناك حوالي 800 حالة، على الرغم من أن الملك أعاد الجنسية إلى 551 شخصا في أبريل/نيسان). وتترك عملية التجريد من المواطنة الشخص حرا خارج أسوار السجن ولكن تبقيه يائسا؛ بدون هوية قانونية لفتح حساب مصرفي أو بطاقة ائتمان، وغير قادر على إرسال أبنائه إلى المدرسة أو العمل، أو الحصول على جواز سفر ومغادرة، إذا كان لا يزال يقيم داخل البحرين.

وكانت هناك العديد من الأسباب لعدم حدوث حوار مثمر حيث عرضت الحكومة أقل مما أراد المتظاهرون، لكن المعارضة كانت غير قادرة بشكل أساسي على تقديم تنازلات في النقاط الرئيسية، وبشكل متكرر اتخذت قرارات التي جعلتها أضعف. وكانت الشكوك متبادلة، لكن السلطة كانت في أيدي الحكومة، وانتهى الأمر مع قناعة بأن التسوية كانت مستحيلة.

وقبل أن يتم سجن قادة جمعية الوفاق المحظورة الآن -وهي أكبر حزب سياسي شيعي في البلاد- سألت بعضهم، أكثر من مرة، سؤالا أساسيا: إذا كانوا قادرين على عقد صفقة، وقام بعضهم أو  بعض حلفائهم برفضها وخرجوا إلى الشارع، هل سيكون بإمكانهم التمسك بالصفقة، فلم يتمكنوا من الإجابة. 

وزاد النفوذ الإيراني المشكلة تعقيدا حيث كانت المخاوف بشأن مخططات طهران موجودة دائما حتى عندما خدمت في البحرين بين عامي 2001 و2004. ربما كانت هذه المخاوف مبالغا فيها، لكنها كانت حقيقية، وقد طل القائد الشيعي البحريني الأكثر نفوذا "عيسى قاسم"، ينظر إلى مدينة قم الإيرانية كمصدر للإلهام. وعندما تم إطلاق سراحه أخيرا من الإقامة الجبرية لتلقي العلاج الطبي في لندن في عام 2018، تعززت الشكوك الحكومية بعد رحلته اللاحقة إلى إيران وبيانه في 3 أبريل/نيسان الذي شجب فيه استضافة البحرين وفدا إسرائيليا في مؤتمر استثماري.

ومع ازدياد العنف خلال الحراك، زاد النفوذ الإيراني وبدأت الأسلحة من جميع أنحاء الخليج تظهر في البحرين بكميات أكبر. ومع استخدام مزيج من أسلحة مستوردة ومحلية الصنع، قتل وجرح أكثر من 2000 شرطي بحريني، على الأقل وفقا للحكومة البحرينية. وبين تم ارتكاب الجزء الأكبر من القمع على يد الشرطة، كان الواضح أنهم يواجهون ما هو أكثر من مجرد متظاهرين "سلميين". وعند نقطة ما، كشفت الشرطة البحرينية عن امتلاك المتظاهرين آلات لتصنيع المقذوفات لاختراق المركبات المدرعة وهي تقنية استخدمتها إيران ضد الأمريكيين في العراق بفعالية قاتلة.

موت السياسة.. وعودة الاستقرار

في النهاية، تحركت الحكومة من أجل القمع الكامل لجميع الأحزاب السياسية. وهذا هو الوضع الحالي اليوم، حيث تبدو السياسة ميتة أو معلقة. ولهذا السبب، هناك شعور بالاختناق السياسي بين الشيعة في البلاد. وما سمعته مرارا وتكرارا هو أنهم تخلوا عن السياسة -على الأقل في الوقت الحالي- وقد تحدث أحدهم عن الخوف من المخبرين، مما يعني أن النقاش محدود حتى داخل المجموعات الخاصة.

ورغم ذلك، يبدو أن هناك بعض النشاط المحدود الذي لا يزال مستمرا في القرى حيث يبدو أن تحالف شباب 14 فبراير/شباط -وهو مجموعة شبابية من الناشطين تدعو إلى المظاهرات وسقوط النظام- لا يزال لديه بعض المتابعين. ولم تختف المظالم القائمة وراء الاحتجاجات، ولا يوال هناك تمييز ضد الشيعة في الوظائف والفرص الاقتصادية، لكن في الوقت الحالي، ليس لذلك تعبير سياسي يذكر. ومن الصعب للغاية معرفة مقدار الدعم المتبقي لقادة الوفاق المسجونين وغيرهم من الجماعات السياسية. وقد سمعت عن شيعة قاموا بتوبيخ هؤلاء الزعماء لاتخاذهم قرارات سيئة وعدم استغلال فرص التفاوض عندما كان ذلك ممكنا.

في حين أن ممارسة السياسة في البحرين قد تم تعليقها، إلا أنها لا تزال نشطة صوريا حيث شهدت الانتخابات البرلمانية في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي إقبالا كبيرا. ومن غير المعروف ما إذا كان الإقبال قد وصل إلى نسبة 67% التي تدعيها الحكومة، لكن المراقبين الأجانب وكذلك البحرينيين شعروا أنه مهما كانت نسبة الإقبال، فقد كانت كبيرة بالفعل، كما توقعت استطلاعات الرأي التي أجريت قبل التصويت نتيجة مماثلة. وكان هذا الاقبال الكبير كافيا للسماح للحكومة بادعاء أن الأمور تعود إلى طبيعتها في البلاد.

وتم تخفيض سلطات البرلمان البحريني، وجرت إعادة رسم الدوائر الانتخابية لتجنب فوز الشيعية. ويقول بعض النقاد إن عمل البرلمان يبقى صوريا فيما يقول آخرون إنها ستيكون قوة يتعين على الحكومة أن تراعيها، على الأقل فيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية. وسيستغرق الأمر وقتا لمعرفة كيف سيعمل البرلمان ومع ذلك، حتى لو كان وضع البرلمان سيئا إلى حد ما، فإنه يمثل تطورا ديمقراطيا شكليا بالمقارنة مع المؤسسات المماثلة في العديد من الدول العربية الأخرى.

خارج المجال السياسي، تظل جوانب التحرر الاجتماعي قوية في البحرين حيث يستطيع المسيحيون واليهود ممارسة طقوس العبادة بحرية في البلاد، وقد يتفاجأ الزوار بعدد الكنائس الموجودة كما تنشط النساء في الأعمال وفي الشؤون الاجتماعية، وفي السياسة إلى حد ما. ولكن على الرغم من هذه التطورات، لا يوجد في الوقت الحاضر مساحة تذكر للمجتمع المدني النشط الذي تميزت به البحرين قبل بدء الاحتجاجات في عام 2011.

باختصار، في حين تم استعادة السلام والاستقرار في البحرين، فإن السياسة قد توقفت في البلاد.

السياق الإقليمي

توجد البحرين في خضم منطقة مضطربة، الأمر الذي له تأثير كبير على كيفية رؤية قادة الأمة لخياراتهم السياسية. ومن وجهة النظر البحرينية، فإن إيران أكثر خطورة من أي وقت مضى. وقد توسعت إلى سوريا إلى جانب التأثير الكبير في العراق ولبنان واليمن. وقد يختلف المحللون في تقدير مدى أهمية أو سيطرة النفوذ الإيراني في كل من هذه الأماكن، ولكن من وجهة نظر الحكومة البحرينية، ما يهم هو أن نفوذ إيران المتزايد، وتهديدها المحتمل للبحرين، لا يمكن إنكاره. وقد قال لي أحد كبار من حاورتهم "لقد خربت إيران الطابع الوطني لأربع دول عربية".

ولا تعج إيران مصدر القلق الوحيد فالسعودية تلعب دورا حاسما لكل من اقتصاد البحرين وأمنه. بالنسبة للكثيرين، يعتبر ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" شخصية أساسية، مع اندفاعه لتنفيذ الإصلاحات الضرورية بشكل حيوي لكن في الوقت نفسه، تشارك المملكة العربية السعودية في حرب في اليمن وصراع مستمر مع قطر وكلاهما يشمل البحرين الآن، والتي ليس لديها خيار سوى اتباع القيادة السعودية.

ومما يزيد الوضع تعقيدا هي الكيفية التي يتم مهاجمة "بن سلمان" بها من قبل العديد من الدول الغربية لقتل الصحفي "جمال خاشقجي". ويعد البعد الأخلاقي للغرب في هذه الحالة غير مفهوم لكثير من البحرينيين. كما أوضح لي بعض رجال الأعمال البحرينيين، فإن الغرب وأمريكا، على وجه الخصوص، تجاهلوا عمليات القتل المماثلة التي دبرها "فلاديمير بوتين" وديكتاتوريون آخرون. كما أنهم يتجاهلون القتلى الفلسطينيين وهم أنفسهم مسؤولون عن اغتيالات عديدة وعمليات قتل في العراق، فلماذا يفعلون هذا بسبب جريمة قتل واحدة بما يهدد استقرار صديق أمريكي رئيسي ويعرض البحرين للخطر.

ومع وجود إيران التي تعد غير قابلة للإصلاح في الخليج، وقطر الأكثر استقلالا من جهة والسعودية الحازمة من ناحية أخرى، تشعر البحرين بالقلق. ومع وجود الكثير من عدم اليقين من حولهم والقليل من القدرة على التنبؤ بكيفية تأثير أي تغيير مفاجئ على الاستقرار البحريني، فليس هناك شهية للعمل السياسي الجريء. وقد قال لي زعيم بحريني "ليس هذا هو الوقت المناسب للسياسة".

الهوية البحرينية

ومع قمع المعارضة السياسية، فإن دفع التغيير الاجتماعي يقع على عاتق الحكومة. ومع ذلك، لم يعد لديها أي مصلحة في التوصل إلى صفقة سياسية، أو في محاولة العمل مع المعارضة الإسلامية. وتكهن بعض المراقبين بأنه سيكون هناك انفتاح سياسي محدود للمعارضة في الانتخابات البرلمانية لعام 2018، مثل غض الطرف عن أعضاء الوفاق الذين يخوضون الانتخابات كمستقلين ولكن الحكومة رفضت أي نهج من هذا القبيل. لقد رأت الوفاقيين على أنهم "فاشيون ذوو لحى" يتنكرون في أثواب ديمقراطية، ولكن في الواقع، بالنسبة لها كلهم ​​طائفيون ولهم ميول أجنبية الذي تريد فيه الحكومة الآن الابتعاد تماما عن الطائفية الدينية.

وفي هذا السياق، تمتلك الحكومة في البحرين سياستان رئيسيتان إحداها هي دفع البحرينيين إلى مزج الهوية الطائفية في الهوية الوطنية "البحرينية". والأخرى هس مضاعفة الجهود لتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية في البلاد كوسيلة لاستيعاب الكثير من مرارة السنوات القليلة الماضية وتوفير مستقبل للشباب البحرينيين الساخطين.

في مجال التعليم، يجري العمل لتحسين جودة التعليم في المدارس الثانوية. كمثال على ذلك هناك كلية الفنون التطبيقية التي تم تأسيسها مؤخرا، بناء على نموذج ناجح رائد في نيوزيلندا حيث يؤخذ الطلاب على أساس الجدارة مع ارتباط بمتطلبات السوق. ويقترن هذا المسعى التعليمي مع برنامج تثقيفي مصمم لمواجهة التطرف العنيف، وهو يعد أحد العناصر القوية في الجهود الحالية والمخطط لها لإقناع البحرينيين بالابتعاد عن هويتهم الطائفية ورؤية أنفسهم كبحرينيين فقط.

ومع ذلك، لكي تكون لهذه الحملة أي فرصة للنجاح، يتعين على الحكومة أن تثبت استعدادها لتقديم الخدمات الاجتماعية على قدم المساواة. ولم يكن هذا هو التصور السائد بين الشيعة، الذين شعروا بالتمييز في توفير الإسكان والوظائف الحكومية والتوظيف في أجهزة الأمن. ومن غير المرجح أن يتغير هذا، ولكن كانت هناك جهود لتوسيع الخدمات الأخرى. لقد تم الحديث عن المزيد من المساكن للبحرينيين ذوي الدخل المحدود منذ سنوات ونشر ذلك في الصحف، ولكن منذ ما يقرب من عدة سنوات كان هناك القليل من الحركة في هذا الملف واليوم يبدو أن الصورة تتغير حيث تتقدم خطط توسيع الإسكان بسرعة، بتمويل جزئي من خلال إعانة سخية من جيران مجلس التعاون الخليجي.

في بعض الوزارات، من الواضح أنه يتم توظيف الشيعة لكن مشكلة البطالة الكبيرة والمتنامية في البحرين لا يمكن حلها فقط من خلال توفير وظائف حكومية. ويجب البحث عن حل في القطاع الخاص. وفي هذا الأمر، هناك عدة أشياء تقيد البحرين فهي دولة صغيرة ذات اقتصاد صغير ولديها موارد مالية محدودة؛ وقد واجهت منافسة شديدة من جيرانها، بما في ذلك دبي وأبو ظبي والدوحة.

يجب على الحكومة من أجل تحسين الاستثمار، وخاصة الاستثمار الأجنبي، أن تكون ميسرة وليس صاحبة عمل. وتعتبر التغييرات في قوانين العمل وتأشيرات العمل للأجانب واللوائح الأخرى جزءا من هذا الجهد. ويُعتبر افتتاح مكتب أمازون في البحرين أحد النجاحات في هذا الصدد، وهو جهد قد يشجع الاستثمارات الأخرى. وهناك خطط طويلة الأجل جارية لتوسيع السياحة والعثور على أسواق جديدة، إلى جانب اقتراح مواز لفتح خطوط جوية جديدة. كل هذا مدعوم بالتطورات الأخيرة، مثل التحسن في أسعار النفط، وانخفاض مستوى ااتضخم والميناء الصاخب الذي يشهد الكثير من النشاط التجاري.

تحت الضغط

حتى وقت قريب، كانت كل هذه الخطط الموسعة مقيدة بميزانية البحرين المحدودة فقد أثر هبوط أسعار النفط بشدة على البحرين، وكذلك الانخفاض المستمر في الإنتاج من حقول النفط المحدودة في البلاج، والتي تعد الأقدم في الخليج. وبالإضافة إلى التخفيضات الصعبة سياسيا في الإعانات وزيادة الضرائب، اضطرت البحرين إلى اللجوء إلى قروض أجنبية كبيرة حيث زادت ديونها الخارجية بشكل كبير. ونتيجة لذلك فقد انخفض تصنيفها الاستثماري من قبل وكالة التصنيف الائتماني موديز، على الرغم من تحسنه بشكل طفيف في نهاية عام 2018. ومع ذلك، ظل اقتصاد البحرين تحت الضغط، وقد وسعت المنح الكبيرة من السعودية والإمارات والتي بلغت أكثر من 7 مليارات دولار من هامش البحرين للمناورة، رغم أن هذا لم يكن حلا طويل الأجل يمكن الاعتماد عليه. ومع ذلك، تلوح البشرى الاقتصادية في الأفق.

لقد تم اكتشاف حقل نفط بحري جديد. وفي أبريل/نيسان 2018 أعلن وزير النفط البحريني أن هذا الاحتياطي الجديد يحتوي على ما لا يقل عن 80 مليار برميل من النفط الصخري وما بين 10 إلى 20 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي العميق وسيتطلب استغلال هذا المصدر الجديد تقنية جديدة للتكسير. وعلى هذا النحو، فإن البحرين تتفاوض مع الشركات الأجنبية -خاصة الأمريكية منها- لاستغلال هذا الاكتشاف، وستكون هناك حاجة إلى قدر كبير من العمل والوقت لتحديد مدى دقة هذه التقديرات وكم ستستفيد البحرين منها. وسيتطلب الأمر عدة سنوات قبل أن تتمكن الاكتشافات الجديدة من ضخ أموال جديدة في الاقتصاد البحريني. ومع ذلك، فإن الفرص تبدو جيدة بأن البحرين سيكون لديها قدرة متزايدة على الاستثمار بشكل أكبر في تخطيطها الاقتصادي والاجتماعي الشامل.

الخلاصة أنه في الوقت الحالي، أصبحت الحكومة والعائلة المالكة البحرينية مستقرين إلى حد ما، فقد توقفت المعارضة الواسعة ولم تتوقف الأحزاب الشيعية عن العمل فحسب، بل إن العديد من المنظمات السنية ظلت هادئة إلى حد كبير كما أن الدعم من السعودية والإمارات يبقى قويا. ومن جهة أخرى فقد تراجعت الضغوط الأمريكية الرسمية في مجال حقوق الإنسان وتشعر الحكومة البحرينية بشعور جيد حيال إدارة "ترامب"، والتي هي أكثر دعما من إدارة "أوباما" وهناك فرص قائمة للتوسع الاقتصادي، وكلها أسباب قوية لنفترض أن البحرين يمكنها مواصلة مسيرتها. ومع ذلك، في الوقت نفسه، هناك أيضا سبب للقلق بشأن المدى الطويل.

ولن تستمر إدارة "ترامب" إلى الأبد، وقد تأتي إدارة لاحقة، وخاصة لو كانت إدارة ديمقراطية، وتقوم بالضغط على المنامة بشأن سجلها في مجال حقوق الإنسان، على الرغم من أن وجود القاعدة الأساسية للأسطول الأمريكي الخامس في البحرين من المرجح أن يحد من هذه الضغوط. وفي حين أن مثل هذه الضغوط الجديدة قد لا تكون أكثر فاعلية مما كانت عليه في عهد الرئيس "باراك أوباما"، إلا أنها بالتأكيد ستجعل الأمور أقل راحة للبحرين.

كذلك يبدو أن الاستقرار المستمر لجيران البحرين العرب أمر محتمل ولكنه غير مضمون. ولا تزال هناك مصادر مختلفة لعدم الاستقرار في المنطقة، بما في ذلك الحرب في اليمن، والصعوبات التي تواجه المملكة، والمخاوف المتقلبة من احتمال تعثر الولايات المتحدة في حرب مع إيران.

وقبل كل شيء، هناك أسباب للشك في فاعلية جهود الحكومة لتوسيع الفرص الاجتماعية والسياسية وإغراق الهوية الطائفية في القومية البحرينية على المدى الطويل. ولا يعد السجل التاريخي لطمس أو إخفاء الهويات الطائفية أو غيرها في أي مكان مشجعا. ومن أوروبا الشرقية إلى آسيا الوسطى، استيقظت التوترات النائمة عندما أتيحت لها الفرصة ويعد العراق بعد سقوط نظام "صدام حسين" مثالا صارخا على ذلك. ويوضح ذلك حجم التحدي الذي تواجهه المنامة في محاولة إرداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالتغيير السياسي. وفي الوقت نفسه، فإن نتائج التغيير السياسي السريع في ليبيا ومصر واليمن نادرا ما تفي بوعود الحل السهل من خلال التغيير السياسي.

في الوقت الحالي، تتمتع البحرين بسعة سياسية لمحاولة استيعاب بعض جروح الماضي من خلال اقتصاد آخذ في التوسع ولك مازل هناك تساؤلات حول قدرة الحكومة على ضمان أن الفوائد الاقتصادية سيتم تقاسمها بشكل عادل. وقد يكون لدى الشيعة فرصة محدودة لتوجيه مطالبهم من خلال القضايا الاجتماعية والاقتصادية، وربما سيستفيدون من هذه الاحتمالات. يمكن أن يتطور البرلمان المنتخب حديثا بطرق تخلق شعورا ببعض المشاركة الحقيقية في صنع القرار.

وسوف تسهم كل هذه العوامل -الخدمات الاجتماعية، التعليم، توسيع الوظائف، وما إذا كان البرلمان سيصبح أداة جادة لمناقشة التغيير الاقتصادي- في تحديد مدى استقرار البحرين في المستقبل. ولكن استمرار القمع والكبت السياسي سوف يبقي بعض الاستياء حيا حتى لو حدث تقدم في باقي الملفات. وفي النهاية، ستحتاج البحرين إلى اختبار التقدم الذي أحرزته خططها من خلال تخفيف القمع وتجنب حدوث انفجار آخر للاضطرابات ربما يكون من الصعب احتواؤه أو مواجهته هذه المرة.

المصدر | رونالد نيومان - ناشيونال إنترست

  كلمات مفتاحية