التحالف السعودي الإماراتي المصري يوجه سياسة واشنطن بالشرق الأوسط

الجمعة 28 يونيو 2019 12:06 م

أصبح المشهد السياسي الإقليمي في الشرق الأوسط "مائعا" أكثر من أي وقت مضى ويعود السبب في ذلك إلى حد كبير إلى الوضع الفوضوي للسياسات الأمريكية.

وبدأ الرئيس السابق "باراك أوباما" هذا الاتجاه من خلال تطلعه إلى "محور آسيا"، والذي حول بعض الاهتمام السياسي الأمريكي عن منطقة الشرق الأوسط، في وقت كانت المنطقة تزداد فيه اضطرابا.

وساعد ذلك أيضا في تنفير الحلفاء القدامى، وخلق فراغ في السياسة حاول العديد من الأطراف الفاعلة ملأه، بما في ذلك روسيا وإيران. ودخل الرئيس "دونالد ترامب" منصبه واعدا بالانسحاب من صراعات الشرق الأوسط، والتركيز بدلا من ذلك على الدفع باتجاه صفقات تجارية بمليارات الدولارات.

وكان المستبدون الإقليميون سعداء بالتعهد له بالاستقرار والإطراء في مقابل إطلاق أيديهم والسماح لهم بقبضة حديدية في حكم بلدانهم.

وردا على تردد واشنطن وعدم اهتمامها، ظهرت سلسلة من التحالفات الظرفية - كان الولايات المتحدة نفسها طرفا في بعضها - حاولت من خلالها مختلف القوة تحقيق مصالحها الخاصة.

وتعمل روسيا والولايات المتحدة و(إسرائيل) سويا لإعاقة إيران. وقاتلت الولايات المتحدة وإيران والميليشيات العراقية الموالية لإيران ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش". وتعاونت (إسرائيل) والمملكة العربية السعودية ضمنيا لتشجيع الولايات المتحدة على اتخاذ موقف متشدد في مواجهة إيران.

وأقامت تركيا وقطر علاقات اقتصادية وسياسية وأمنية لتكون بمثابة ثقل موازن لدول الخليج العربية الأخرى.

كما نشأ تحالف بين السعودية والإمارات ومصر، وأصبح حاليا التحالف الأكثر استقرارا وقوة وتأثيرا على الأرض وفي واشنطن. وروجت الدول الثلاث كحلفاء موثوقين للولايات المتحدة في معارضة التطرف والإرهاب، وكذا في مواجهة العدوان الإيراني في حالة السعودية والإمارات. وكانت إدارة "ترامب" راضية عن تشجيعهم لوجهات نظرها، حيث يتوافق نهجهم بشكل جيد مع أولويات واشنطن الإقليمية الحالية.

لكن رغبة الإدارة الأمريكية في نقل سياستها تجاه الشرق الأوسط لتعتمد على كتلة بقيادة السعودية لها عيب كبير؛ فغالبا ما تتعارض الأعمال السياسية المتهورة من قبل الدول الثلاث مع مصالح الولايات المتحدة، كما تتسبب سياسات هذه الدول في تفاقم المشكلات وتطورها إلى أزمات.

تاريخ تكون الكتلة

تطور التحالف السعودي الإماراتي المصري بشكله الحالي بسرعة بعد إطاحة الجيش المصري بالرئيس المصري الراحل "محمد مرسي"، وتنصيب "عبدالفتاح السيسي" كرئيس عام 2014. وكان "مرسي" قد توفي بشكل مفاجئ خلال جلسة استماع في المحكمة يوم 17 يونيو/حزيران بعد سجن قاسٍ وطويل. ووضع "إعلان القاهرة" السعودي المصري عام 2015 الأساس للتحالف من خلال وضع خطة "لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، والعمل معا لحماية الأمن القومي العربي".

وتعهدت السعودية والإمارات بدعم الثورة المضادة في مصر بعشرات المليارات من الدولارات في شكل قروض ومنح. وتوحدت الدول الثلاث حول الكراهية المشتركة تجاه جماعة الإخوان المسلمين والمتعاطفين معها وشنت حملات واسعة النطاق ضد الإسلاميين والمعارضين والنقاد المحليين، وغالبا ما كان ذلك تحت غطاء "قوانين مكافحة الإرهاب" الغامضة.

وفي حالة مصر على وجه الخصوص، اتخذ القمع السياسي شكل حملة صارمة ضد شريحة واسعة من المجتمع المصري؛ حيث تعرض ما يقرب من 60 ألفا من الإخوان المسلمين والمشتبه في تعاطفهم مع الجماعة لحملة اعتقالات واسعة النطاق، تخللها مقتل نحو 1000 شخص خلال هجوم للجيش على اعتصام سلمي في ميدان رابعة العدوية في القاهرة في 14 أغسطس/آب 2013.

ومنذ ذلك الحين، طور التحالف الثلاثي أبعادا سياسية وعسكرية كبيرة، غالبا ما كانت تعاكس الأهداف والسياسات الإقليمية الأمريكية المعلنة. ففي اليمن، يخوض التحالف حربا منذ عام 2015 للدفاع عن حكومة "عبدربه منصور هادي" المعترف بها دوليا، ضد الحوثيين المدعومين من إيران، الذين يعتبرهم السعوديون جبهة حاسمة في معركتهم الطويلة مع إيران من أجل الهيمنة الإقليمية.

وأسفر الصراع عن عشرات الآلاف من القتلى، فضلا عن أزمة إنسانية واسعة النطاق غالبا ما يتم وصفها بالأسوأ في العالم.

وواصلت الولايات المتحدة تسليح الكتلة التي تقودها السعودية في الحرب، متجاهلة التهم الدولية والمحلية بأنها تدعم جرائم حرب.

ومع تصاعد المعارضة في الكونغرس الأمريكي، فشلت الإدارة في الوفاء بالقيم الأمريكية المعلنة، واعتبرت الحرب ضد الحوثيين - وبالتالي إيران -مسألة تتعلق بالأمن القومي الأمريكي.

وأصبح الأمر مسألة خلافية بين لاعبين مهمين في واشنطن، وقال رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ السيناتور "جيمس ريش" بمناسبة التصويت حول الحرب في اليمن: "أنا غير راض عن حالة العلاقات الأمريكية السعودية. في الواقع، في حين أن المملكة كانت منذ فترة طويلة حصنا لسياستنا تجاه الشرق الأوسط، إلا أن هناك فجوة متزايدة في العلاقات الأمريكية السعودية. بصراحة، تشكل جوانب سلوك المملكة مصدر قلق بالغ وخطير".

وفي السودان، دعت الولايات المتحدة إلى حل سلمي للأزمة التي عصفت بالبلاد منذ الإطاحة بالديكتاتور الذي حكم البلاد طويلا "عمر البشير" في أبريل/نيسان.

ووفقا لمساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية "تيبور ناجي"، تسعى الولايات المتحدة "إلى حكومة يقودها مدنيون في نهاية هذا الانتقال"، وتدين "القتل والاغتصاب والنهب على أيدي أفراد قوات الأمن".

وتدعم الولايات المتحدة "جهود الوساطة التي يقوم بها الاتحاد الأفريقي، لكن الولايات المتحدة لا تملك استراتيجية كاملة في السودان.

وتدخلت الكتلة السعودية بلا تردد مستغلة هذا الفراغ، حيث لعبت دورا نشطا في دعم الطغمة العسكرية السودانية. وقدمت مصر والإمارات الدعم السياسي والمشورة وبعض المعدات العسكرية إلى المجلس العسكري المسؤول الآن عن السودان.

وتعهدت السعودية والإمارات بتقديم 3 مليارات دولار كمساعدات منها 500 مليون دولار كوديعة في البنك المركزي، و2.5 مليار دولار لتأمين الأغذية والأدوية والمنتجات البترولية، للجنرالات السودانيين رغم أنه من غير الواضح المبلغ الذي تم تسليمه حتى الآن.

وليس هناك لبس في دوافع الدول الثلاث، حيث لا ترغب في السماح لأي انتفاضة شعبية تحت أي ظرف من الظروف بتولي زمام الأمور في السودان.

وقال مساعد وزير الخارجية السابق للشؤون الأفريقية "جوني كارسون"، لمجلة "فورين بوليسي": "لا يشاركنا قادة وحكومات السعودية والإمارات ومصر قيمنا الديمقراطية الأساسية، وتختلف وجهات نظرهم بشأن ما ينبغي أن يحدث في السودان عن السياسات التي يجب أن تسعى إليها الولايات المتحدة بشكل كبير".

وفي ليبيا، انضمت مصر إلى الإمارات والسعودية في دعم محاولة "خليفة حفتر" لتثبيت نفسه كزعيم ليبي في معارضة لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة ومقرها طرابلس.

وحتى وقت قريب كانت الولايات المتحدة تدعم حكومة طرابلس وجهود الأمم المتحدة. لكن في أبريل/نيسان، قام الرئيس "ترامب" بالتشكيك في سياسة إدارته بعد مكالمة هاتفية مع "حفتر"، جاءت بعد إلحاح من "السيسي" وولي العهد السعودي "محمد بن سلمان". ولا تزال السياسة الأمريكية في ليبيا في حالة تغير مستمر.

وفي قطر، شاركت السعودية والإمارات ومصر منذ عام 2017 في حصار جزئي للإمارة بدعوى دعمها للإرهاب. وقاومت المقاطعة المستمرة جميع الجهود التي بذلتها إدارة "ترامب" للتوسط في الأزمة، مما أدى إلى تعقيد جهود واشنطن لبناء جبهة موحدة ضد إيران. ودفع الحصار قطر للتقرب من إيران اقتصاديا وسياسيا، وحققت طهران بذلك قدرا جديدا من النفوذ في السياسة داخل الخليج.

وفي غضون ذلك، أبقى التحالف على حملته المستمرة ضد جماعة الإخوان المسلمين على الجبهة الدولية. وفي الآونة الأخيرة، تابعت مصر والإمارات حملة ضغط تهدف إلى دفع البيت الأبيض إلى إعلان الجماعة، أو على الأقل فرعها المصري، منظمة إرهابية، ضد مشورة الخبراء في وزارة الخارجية ووكالات الاستخبارات الذين يعتقدون أن القرار يفتقر لأي دليل يمكن أن يدعم مثل هذا التصنيف.

ويخشى الكثيرون داخل وخارج الحكومة أن يؤدي التصنيف إلى تطرف مؤيدي جماعة الإخوان المسلمين، وأن يسهم في زيادة الانطباع بأن الولايات المتحدة معادية للإسلام بشكل أساسي. وفي مايو/أيار، ظهرت الإدارة وكأنها على أعتاب إصدار هذا التصنيف، لكن يبدو أنها تراجعت الآن.

آثار سلبية

وعلى الرغم من الآثار الضارة للسياسة الخارجية العدوانية للتحالف، والقمع المحلي المتزايد، كانت إدارة "ترامب" صامتة إلى حد كبير بشأن هذه التطورات، بل شجعتها في معظم الحالات.

وأشار النائب "توم مالينوفسكي" قائلا: "لقد أصبح السعوديون والإماراتيون متشابكين للغاية مع إدارة ترامب، لدرجة أنني لا أعتقد أن الرئيس قادر على التمييز بين المصالح الوطنية لأمريكا ومصالح هذه الدول".

على سبيل المثال، دافع البيت الأبيض بحماس عن الحرب التي قادتها السعودية في اليمن، وقاوم ضغوط الكونغرس المتصاعدة لإنهاء أو الحد من التدخل الأمريكي.

وفي الشهر الماضي، أعلن الرئيس حالة الطوارئ للالتفاف على الحظر الذي فرضه الكونغرس على مبيعات الأسلحة إلى السعودية والإمارات، ما مكّن البلدين الخليجيين من مواصلة حملتهما في اليمن دون إعاقة من واشنطن.

وكجزء من إعلان الطوارئ، سيتم السماح للمقاول الدفاعي "رايثيون" بتصنيع قطع غيار وأنظمة تحكم متطورة للذخائر الموجهة بدقة في المملكة، ما يمنح البلاد إمكانية الوصول إلى تكنولوجيا حساسة للغاية. وصوت مجلس الشيوخ على رفض إعلان الطوارئ الذي أصدرته الإدارة، ومنع مبيعات الأسلحة، في تصويت من الحزبين في 20 يونيو/حزيران، لكن من المتوقع استخدام "الفيتو" الرئاسي.

وفي السودان، بينما كانت الولايات المتحدة تنتقد حملة الحكومة العسكرية السودانية، لم يكن لدى الإدارة الكثير لقوله عن الدعم المالي والسياسي الهائل الذي قدمته السعودية ومصر والإمارات للحكم العسكري. وتبدو واشنطن مرة أخرى راضية عن البقاء على الهامش دبلوماسيا.

وبالمثل، أصدرت الولايات المتحدة انتقادات قصيرة لانتهاكات حقوق الإنسان المتزايدة في البلدان الثلاث، لكنها لم تكن أكثر من ذر للرماد في العيون.

وتسبب إنكار الرئيس "ترامب" لعملية اغتيال "خاشقجي" على أيدي عملاء سعوديين، قيل إنهم تصرفوا بتوجيه من ولي العهد "محمد بن سلمان"، في إثارة غضب الكثيرين في الكونغرس ومجتمع حقوق الإنسان.

وبدا أن "ترامب" يؤيد المصادقة الأخيرة على حزمة من التعديلات الدستورية في مصر، التي ركزت السلطة في أيدي الرئيس والجيش، بينما كانت تمهد الطريق لتمديد فترة ولاية "السيسي" في منصبه. وفشلت الإدارة في محاسبة أي من الدول الثلاث على أفعالها.

التوترات داخل التحالف

غير أن الكتلة التي تقودها السعودية ليست متجانسة تماما. وظهرت اختلافات كبيرة حول عدد من القضايا الرئيسية تشكك في قدرة الاتحاد على البقاء.

وفي سوريا، لا تشارك مصر بالكامل نفور دول الخليج من "بشار الأسد"، الذي يعتمد إلى حد كبير على علاقاته الوثيقة بطهران. ويتعاطف "السيسي" بدلا من ذلك مع معركة النظام ضد "تنظيم الدولة"، التي يرى أنها أقرب إلى قتال مصر ضد فرع التنظيم في سيناء. نتيجة لذلك، وبينما تؤيد القاهرة موقف الخليج خطابيا، اتخذت القاهرة موقفا أكثر حيادية تجاه النزاع، ودعمت التدخل الروسي لصالح نظام "الأسد".

وبالمثل، ساعدت مصر بشكل محدود في المجهود الحربي في اليمن لكنها لم تكن بمثابة العمود الفقري العسكري للحرب كما كانت تأمل الرياض.

والأهم من ذلك، يبدو أن هناك انفصالا في المصالح السياسة؛ حيث تشعر القاهرة بعدم احترام الرياض لها، حين اعتبرت دعمها أمرا مسلما به، بينما بدأت الرياض في التفكير في أن القاهرة لا تستحق المال.

وتركز مصر على العودة إلى الصدارة الإقليمية، في حين ترى السعودية التحالف مفتاحا لهزيمة طموحات إيران، وتأمين مكانتها كزعيم للعالم الإسلامي.

وتضع سياسات الكتلة السعودية الإماراتية المصرية في مرمى الاتهام بالمشاركة في جرائم حرب، فضلا عن التواطؤ في قمع المعارضة السياسية المشروعة، والمساعدة في فرض النظم الاستبدادية.

وكما تشير أحداث عام 2011 وما بعدها، يعد هذا الموقف مكشوفا وخطيرا بالنسبة للولايات المتحدة. وبالنظر إلى المواجهة التي تلوح في الأفق مع إيران تحتاج واشنطن إلى إعادة تقييم كيفية عملها في الشرق الأوسط.

المصدر | شارلز دون - المركز العربي واشنطن دي سي

  كلمات مفتاحية