عصر الميليشيات العربية: البحث عن استراتيجية أمريكة أكثر ملاءمة

الأحد 14 يونيو 2015 09:06 ص

عبر الهاتف، بدا قائد الكتيبة الليبية مهتزا ومرهقا. متشددو «الدولة الإسلامية» كانوا قد سيطروا على بلدة تبعد حوالي 120 ميلاً على الطريق السريع الساحلي؛ وقد تعرض رجاله بالفعل لخسائر بشرية.

وقال القائد: «نحن بحاجة للاستخبارات الفضائية، ونظارات للرؤية الليلية، وعربات مدرعة، وأجهزة للكشف عن الألغام»؛ فهل تستطيع الولايات المتحدة المساعدة؟

يبدو الجواب على هذا السؤال واضحاً للوهلة الأولى. وقد كان بناء قدرات الجيوش المتحالفة من خلال التدريب وإرسال المعدات جزءاً من سياسة الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب منذ فترة طويلة. ولكن هناك مشكلة الآن، وهي أن هذه «الكتيبة» الليبية ليست جزءاً من أي جيش نظامي، وهي في النهاية لا تنتمي لأي حكومة معترف بها. وبدلاً من ذلك، هذه الكتيبة هي ميليشيا من مدينة مصراتة الساحلية القوية، وهي متحالفة إلى حد ما مع قوات فجر ليبيا والمؤتمر الوطني العام الليبي غير المعترف به في طرابلس.

ويجسد طلب المساعدة هذا مأزقاً متزايداً بالنسبة لواشنطن في مواجهتها للدول الفاشلة وللجهاديين في العالم العربي؛ ويتلخص هذا المأزق في السؤال التالي: هل يجب على الولايات المتحدة استخدام الميليشيات غير الحكومية في محاربة الإرهابيين؟.

تتداعى اليوم كثير من الجيوش العربية، المنتفخة بشكل ملاحظ، والمختلة، والتي تعصف بها المنافسات وعدم الثقة. وتقوم الأنظمة العربية الضعيفة ببناء تحالفات هشة مع قوات الميليشيات المحلية التي تعمل خارج حدود القانون.

وفي العراق، بدأت هذه العملية عندما فككت الولايات المتحدة الجيش في عام 2003. وأصبح الاعتماد على الميليشيات أكثر وضوحاً مع انحدار سوريا، ليبيا، واليمن، إلى الحروب الأهلية بعد عام 2011.

وتعد الميليشيات بارعة في قتال المتمردين والإرهابيين في كثير من الأحيان، وهي تعرف التضاريس المحلية بشكل أفضل من قوات الأمن النظامية، ويمكنها أن تعمل بتكلفة أقل وبمرونة أكبر.

ولكن الاعتماد على الميليشيات محفوف بالمخاطر أيضاً. وتعد هذه الميليشيات غير منظمة، وغير منضبطة، إلى حد كبير، وهي عرضة لإساءة معاملة المدنيين بدافع انتماءاتهم الطائفية أو العرقية الضيقة. ومن الممكن أن تنقلب هذه الميليشيات على أسيادها السابقين، وهي عرضة للتلاعب بها من الخارج. وقد اكتسبت إيران على وجه الخصوص النفوذ من خلال علاقتها مع ميليشيات مثل حزب الله في لبنان أو الحوثيين في اليمن.

وتعد هذه المعضلات أكثر وضوحاً في العراق من أي مكان آخر. وقد كانت واشنطن قلقة من دعم سرب من الميليشيات الشيعية التي ظهرت للمساعدة في محاربة «الدولة الإسلامية». وترتبط هذه الميليشيات بشكل وثيق مع إيران، وقد أثبتت أنها قادرة على لعب دور فاعل في استعادة السيطرة على تكريت في ربيع هذا العام. ولكن رغم ذلك، يعتبرها كثير من السنة أدوات للهيمنة الطائفية، وحتى للتطهير العرقي. ويبدو أن الخوف من الميليشيات الشيعية قد دفع بالسنة إلى أحضان «الدولة الإسلامية».

وفي جهودها لتدريب وتجهيز قوات الأمن العراقية، حاولت الولايات المتحدة تجاوز الميليشيات أو على الأقل الإصرار على أن تكون هذه الميليشيات تحت سيطرة الحكومة العراقية. ولكن مع خسارة الجيش العراقي مرة أخرى، وسيطرة «الدولة الإسلامية» على عاصمة محافظة الأنبار، الرمادي، قد لا يكون أمام الحكومة العراقية أي خيار سوى أن تعيد نشر هذه الميليشيات الشيعية في قلب المنطقة السنية.

وتواجه واشنطن وضعاً صعباً ومختلطاً بالمثل في ليبيا، حيث يتألف الجيش الليبي الوطني (LNA)، وهو الذراع الرسمي للحكومة المعترف بها دولياً، في معظمه، من قوات الميليشيات القبلية والمناطقية. وقد ترددت واشنطن في دعم LNA خوفاً من تفاقم الحرب الأهلية في البلاد. ولكن في الوقت نفسه، اعترف مسؤولون أمريكيون سراً بأن أسوأ جزء من القتال ضد «الدولة الإسلامية» في ليبيا يقع على ميليشيات تحالف فجر ليبيا غير المعترف بها، والتي ترفض الولايات المتحدة التعاون معها.

ويتوجب على واشنطن التعامل بحذر مع الميليشيات. يجب عليها تسخير قوة هذه الميليشيات لتوفير الأمن ومكافحة الإرهاب، ولكن عليها القيام بذلك بطريقة تحترم سيادة القانون. يجب عليها تجنب زرع بذور أمراء الحرب أو الفتنة الطائفية التي تزعزع اليوم بالفعل استقرار الدول العربية.

وإحدى الاستراتيجيات التي من الممكن اتباعها في هذا الشأن هي توحيد الميليشيات تحت هيكل قيادة وطنية موحدة، وكقوات حرس وطني. وبدعم من الولايات المتحدة، اقترح رئيس الوزراء العراقي، «حيدر العبادي»، في عام 2014، تنفيذ مثل هذا البرنامج لحث القبائل السنية على الانضمام إلى حملة الحكومة ضد «الدولة الإسلامية». وثمة جهد مماثل يجري في ليبيا منذ عام 2013.

وقد فشل كلا المشروعين، إلا أن هذا لا يعني أن فكرة الحرس الوطني لا أساس لها، وقد توصلنا من خلال البحث الميداني الذي أجريناه في العراق وليبيا إلى عدد من الدروس الهامة في هذا الشأن، وهي:

أولاً، يجب أن يقوم الحرس الوطني ببناء الثقة بين السكان والمؤسسات العسكرية الأخرى، وخاصةً فئة الضباط السابقين. ويجب أيضاً إنشاء سلاسل واضحة من القيادة لهذا الحرس، وفصل السلطات بين الحرس، والجيش، والأجهزة الأمنية الأخرى.

ثانياً، يجب أن يكون إنشاء قوة الحرس مصحوباً بمبادرات وترتيبات وطنية لتقاسم السلطة بين الحكومة المركزية وقادة المقاطعات والمجموعات العرقية والدينية.

وأخيراً، يجب أن يبنى الحرس الوطني من خلال ضم الأفراد، وليس دمج ميليشيات بأكملها؛ حيث سيمنع هذا الأمر الحرس من أن يصبح مجرد غطاء رسمي لاستمرار عمل ميليشيات مستقلة. وأيضاً، يجب على الحكومات محاولة تقديم فرص عمل للشباب أو التعليم خارج قطاع الأمن، كجزء من عملية الانتقال إلى السلام.

وقد يبدو إشراك الميليشيات هذا حلاً مقيتاً، وتقويضاً لسلطة الدولة و”شرعيتها” العسكرية. ولكن بالنسبة لكثير من مواطني الدول العربية، أصبحت هذه الشرعية محل تساؤل على نحو متزايد.

وتعد قوات الأمن القانونية تهديداً لسلامة وأمن الأشخاص مثلها مثل أي ميليشيا. وتنزلق الجيوش العملاقة التي ميزت العالم العربي ذات مرة إلى الهاوية على نحو متزايد، ومن غير المرجح أن تتم استعادتها.

وسواءً كان ذلك يؤدي إلى ما هو أفضل أو أسوأ، تواجه أمريكا اليوم عصر الميليشيات العربية، وما هو مطلوب الآن هو استراتيجية سياسية جديدة تسهل انتقالاً منظماً للسلطة إلى المستوى المحلي، ويعد الحرس الوطني خطوة هامة في هذا الاتجاه.

 

  كلمات مفتاحية

الميليشيات الدولة الإسلامية الحوثيين القاعدة العراق الحرس الوطني العراقي

«الحرس الثوري» يتولى تدريب ميليشيات «الحوثيين» ميدانيا في سوريا

العراق: تضخم «دولة الميليشيات» لمصلحة من؟

«الصبر الاستراتيجي».. أم استقالة أميركا ؟

«كتائب الإمام علي»: لمحة عن ميليشيا شيعية عراقية متشددة تقاتل «الدولة الإسلامية»

حكومة العراق تسلح الميليشيات الشيعية بالأسلحة الأمريكية المرسلة للجيش