استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

أورانج: برتقالي أم بلون الدم ؟

الاثنين 15 يونيو 2015 06:06 ص

صارت المعطيات معروفة، وهي مدهشة. شركة «أورانـج» الفرنسية للاتصالات تمـــتلك بنسبة 98,9 في المئة شركة «موبينيل» للاتصالات في مصر. أما الواحد في المئة المتبقي، فأعلنت شركة أوراسكوم المصرية التي تمتلكه أنها بصدد بيعه للشركة الفرنسية.

وتخدم موبينيل (أورانج إذاً) 30 مليون مشترك في مصر، أي ما يفوق عدد مشتركيها في فرنسا للهاتف المحمول (27 مليوناً). وتملك الدولة الفرنسية 25 في المئة من أسهم الشركة. وعلاوة على مصر، فلأورانج في المنطقة وجود في الأردن وتونس، ولها كذلك وجود في إسرائيل، وهو وجود خاص جداً، لأنه غارق في الجانب العسكري، وموغل في الدم الفلسطيني.

وقعت أورانج مع الشركة الإسرائيلية «بارتنرز» للاتصالات عقداً في 1998، وجددته في 2011 و2015. و»بارتنرز» تلك التي أصبح اسمها «أورانج إسرائيل»، تسيطر على 28 في المئة من سوق الاتصالات في البلاد، وأما مشتركوها فلا يزيد عددهم على المليونين ونصف المليون أو هذا النحو. وهي نصبت 176 برجاً هوائياً على أراضي الضفة الغربية وفي مرتفعات الجولان، بينما تمنع السلطات الإسرائيلية شركات الاتصال الفلسطينية من نصب أبراج هوائيات (بحجة الأمن)، مما يجعل نوعية اتصالاتها سيئة للغاية وتضطر الفلسطينيين للاشتراك في الشركات الإسرائيلية. 

يمكن إيراد الانتهاك الفاضح للقانون الدولي الذي تمثله هذه الأبراج المشيدة على أراض محتلة. ويمكن كذلك إيراد التعسف على الاقتصاد الفلسطيني والضرر اللاحق به بفعل الممنوعات... ولكن «بارتنرز - اورانج» تقوم بما هو أحسن من ذلك بكثير، فهي شريك فعال لوحدات القتال الإسرائيلية، وكانت فرقها حاضرة في غزة في الصيف الماضي، خلال العدوان الإسرائيلي الذي أوقع 2200 ضحية، وبالأخص في دير البلح ورفح. كانت أطقم الشركة وسياراتها وخبراء الصيانة فيها موجودين ميدانياً لتوفير جودة الاتصالات لجنود تلك الوحدات مع أهاليهم. وأحسن مجدداً: في إطار حملة سمّتها «تبنَّ مقاتلاً»، منحت جنود وحدتي «ايزوز» للدبابات و «شاتشار» للاستخبارات بطاقات خاصة يومية ومجانية، حملت اسم «سلاماً من الميدان»، وواكبتهم إلى نهاية المطاف، فنظّمت زيارات للجرحى منهم في المستشفيات ووزعت عليهم أجهزة كمبيوتر للترفيه عنهم.

وللتذكير، فبعد «ثورة 25 يناير» في مصر، وجهت النيابة العامة لشركة «موبينيل» تهمة التجسس لمصلحة إسرائيل، لتشييدها برجاً بالغ العلو بلا أي مبرر تقني في أحد أحياء القاهرة المكتظة، ظهر أنه كان موجهاً لتسهيل الاتصالات مع... إسرائيل. لم تتابَع الدعوى بسبب الارتباك والتغييرات في مصر، ولكن ذلك لا يلغي الواقعة.

الأمر بشع إلى درجة موافقة منظمة «أفاز» avaaz المدنية العالمية (وهي ترى في نفسها فعالية تفوق الأمم المتحدة) على تقديم حملة مقاطعة «أورانج» ما لم تنه عقدها الإسرائيلي.

رئيس مجلس إدارة «أورانج»، الذي كان في زيارة لمصر، قال هناك إنه يتمنى إلغاء العقد الإسرائيلي الذي ورثته شركته عن «فرانس تيليكوم»، ووجد نفسه بعد يومين، في 5 حزيران (يونيو) الجاري، يصرح (لصحيفة «يديعوت احرونوت»!) بالتالي: «أنا أحب إسرائيل». كما أصدر وزير الخارجية الفرنسي قبل ذلك بيوم بياناً مقتضباً للغاية يعلن فيه أن بلاده، وكذلك دول الاتحاد الأوروبي، «تناهض مقاطعة إسرائيل» و «موقفها معروف من مسألة المستوطنات»، ما يُفترض أنه كلام متوازن كما يليق بالديبلوماسية أن تكون، لكنه في الحقيقة غامض ويناقض جزءاه واحدهما الآخر، كما يناقض القرار الذي صوتت لمصلحته 16 دولة من دول الاتحاد الأوروبي الـ28، والذي قرر وضع إشارة خاصة بمنتجات المستوطنات، ما يَفترض (ضمناً كذلك) أن لهذا تبعات تبدأ بإلغاء الإعفاءات الجمركية وتنتهي بـ «عزل» هذه المنتجات بما يسهِّل، والحال تلك، مقاطعتها.

ومقابل المحاباة الرسمية، الفرنسية والأوروبية، لإسرائيل مهما فعلت، والإصابة بالذعر أو بالانزعاج الشديد كلما مسها أي موقف بالنقد، والسهولة التي يتم فيها اعتبار ذلك الموقف «لاسامياً»، مموهاً أو متنكراً، تعلو الأصوات الإسرائيلية بالتهديد بالمقاطعة بلا أي حرج. وزير العدل الإسرائيلي وجه نداء إلى «يهود العالم» لمقاطعة «أورانج» بعد التصريح الأول لرئيسها، وصحيفة إسرائيلية تستعرض امتناع شركات سلاح فرنسية وبريطانية عن المشاركة في معرض للسلاح أقيم منذ أيام في تل أبيب، فتدعو إلى معاقبتها، والسلطات الإسرائيلية تطالب سويسرا بمنع منظمة «كسر الصمت» Breaking theSilence التي أنشأها جنود إسرائيليون مناهضون لسياسة بلادهم وارتكاباتها، من إقامة معرض في زوريخ... ولا يجد وزير الخارجية الفرنسي ولا زملاؤه الأوروبيون في ذلك (وسواه الكثير) أي غضاضة.

وعلى هذا، يحتفظ نتانياهو بقصب السبق، فيقول تعليقاً على ما سمّته جريدة «لوموند» الفرنسية «حريق أورانج»، إن «الأمر لا يخص ممارساتنا بل وجودنا»، وفي هذا استعادة مكثفة للمنطق الصهيوني الدائم الذي يهوِّل بالكبائر إزاء أي كلمة أو حدث، فيلغي الواقع بنقله «النقاش» إلى صعيد الابتزاز الصافي، ويبرر بذلك المسلك الدائم الأكثر عنفاً الذي تنتهجه إسرائيل بوصفه «ضرورة دفاعية»، ولا خيار سواه، وإلا الفناء. وهو ما سمّاه فيلم نقدي عن حرب 1967 «نطلق الرصاص ونبكي».

حملة «المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات» (BDS) التي تقود المعركة ضد تورط «أورانج» بالدم الفلسطيني، تطالب مصر، سلطة ومجتمعاً، بالضغط على الشركة الفرنسية بواسطة الـ30 مليون مشترك (وكذلك على السلطات الأردنية والتونسية وأبناء المجتمعَين)، وهي بذلك إنما تتبع مسلكاً سلمياً ومدنياً يتكلم بـ «لغة المصالح»، أي وفق المنطق المقبول والمشروع والسائد دولياً... فيُجاب عليه بالأيديولوجيا والانفعال حينما يتعلق الأمر بإسرائيل، ما يعني حماية هذه الأخيرة كيفما كانت الحال: فلا الجرائم المرعبة المرتكبة في فلسطين تنفع في إدانتها، ولا مخالفتها للقانون الدولي تنفع في إدانتها، ولا حسابات المصلحة تنفع! وبعد ذلك «يحزن» إسرائيليون ويستغربون لأن مزيداً من أساتذة الجامعات والفنانين وحتى أصحاب الشركات التجارية يتنصلون (ولو بأدب غالباً وبطريقة موارِبة) من الاشتراك في نشاطات أو شراكات مع إسرائيل.

وما بين تسخيف حملة «المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات» واعتبارها بلا أثر مادي ولا يمكنها أن تلحق ضرراً بالاقتصاد الإسرائيلي ولا بالتفوق العلمي والتقني لإسرائيل، واعتبارها «الخطر الاستراتيجي» كما قال نتانياهو نفسه في أكثر من مكان ومناسبة... تقع الهشاشة المفرطة لهذا الكيان المتغطرس والمرتعب في آن.

 

  كلمات مفتاحية

شركة أورانج للاتصالات موبينيل أوراسكوم إسرائيل حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات الاقتصاد الإسرائيلي نتانياهو